ربما يكون البرق الدقيق في قطرات الماء قد أشعل الحياة على الأرض – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

‘Microlightning’ in water droplets may have sparked life on Earth
(بقلم: سارا زاسكي – Sara Zaske)

أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد أن الشحنات الكهربائية في رذاذ الماء يمكن أن تُسبب تفاعلات كيميائية تُكوّن جزيئات عضوية من مواد غير عضوية. وتُقدم هذه النتائج دليلاً على أن البرق الدقيق ربما ساعد في تكوين اللبنات الأساسية للحياة المبكرة على الكوكب.

ربما لم تبدأ الحياة بضربة برق قوية في المحيط، بل من خلال عدة تبادلات “برق دقيق” أصغر بين قطرات الماء الناتجة عن الشلالات المتلاطمة أو الأمواج المتكسرة.

من المرجح أن رذاذ الماء الناتج عن الأمواج المتلاطمة والماء الساقط كان شائعًا على الأرض في بداياتها. تشير دراسة جديدة إلى أن هذه القطرات الدقيقة ربما تكون قد ولّدت تفريغات كهربائية أو ما يُعرف بـ”البرق الدقيق” الذي قد يُنتج المركبات العضوية اللازمة للحياة. مصدر الصورة: أي ستوك / ديسيفوتو

ويُظهر بحث جديد من جامعة ستانفورد أن رش الماء على خليط من الغازات التي يُعتقد أنها كانت موجودة في الغلاف الجوي للأرض في بداياتها يمكن أن يؤدي إلى تكوين جزيئات عضوية ذات روابط كربون-نيتروجين، بما في ذلك اليوراسيل[1]، أحد مكونات الحمض النووي منقوص الأكسجين (DNA) والحمض النووي الريبوزي (RNA).

وتُضيف الدراسة، المنشورة في مجلة “التقدم العلمي” (Science Advances) (راجع الرابط: https://www.science.org/doi/10.1126/sciadv.adt8979 )، أدلةً جديدةً وزاويةً جديدةً لفرضية ميلر- يوري المثيرة للجدل، والتي تُجادل بأن الحياة على الكوكب بدأت من صاعقة برق. وتستند هذه النظرية إلى تجربة أُجريت عام 1952 تُظهر أن المركبات العضوية يمكن أن تتشكل بتطبيق الكهرباء على خليط من الماء والغازات غير العضوية.

وفي الدراسة الحالية، وجد الباحثون أن رذاذ الماء، الذي يُنتج شحنات كهربائية صغيرة، يُمكنه القيام بهذه المهمة من تلقاء نفسه، دون الحاجة إلى كهرباء إضافية.

وقال المؤلف الرئيسي البروفيسور ريتشارد زير، أستاذ كرسي “مارغريت بليك ويلبر” للعلوم الطبيعية وأستاذ الكيمياء في كلية العلوم الإنسانية بجامعة ستانفورد: “تُنتج التفريغات الكهربائية الدقيقة بين قطرات الماء الدقيقة ذات الشحنات المتعاكسة جميع الجزيئات العضوية التي لوحظت سابقًا في تجربة ميلر- يوري، ونقترح أن هذه آلية جديدة للتركيب الحيوي للجزيئات التي تُشكل اللبنات الأساسية للحياة”.

البروفيسور ريتشارد زير. مصدر الصورة: دو فام

قوة البرق الميكروي وإمكاناته
بعد مليارات السنين من تكوينها، يُعتقد أن الأرض احتوت على دوامة من المواد الكيميائية، لكنها خلت تقريبًا من الجزيئات العضوية ذات الروابط الكربونية-النيتروجينية، وهي ضرورية للبروتينات والإنزيمات والأحماض النووية والكلوروفيل وغيرها من المركبات التي تُكوّن الكائنات الحية اليوم.

ولطالما حيّرت كيفية نشوء هذه المكونات البيولوجية العلماء، وقد قدمت تجربة ميلر- يوري تفسيرًا محتملًا واحدًا: أن البرق الذي يضرب المحيط ويتفاعل مع غازات الكوكب المبكرة مثل الميثان والأمونيا والهيدروجين يمكن أن يُكوّن هذه الجزيئات العضوية. وأشار منتقدو هذه النظرية إلى أن البرق نادر الحدوث، وأن المحيط كبير جدًا ومتفرق ليجعل هذا سببًا واقعيًا.

ويقترح البروفيسور زير، ومعه باحثا ما بعد الدكتوراه ييفان مينغ ويو شيا، وطالب الدراسات العليا جينهينغ شو، احتمالًا آخر في هذا البحث. وقد بحث الفريق في البداية في كيفية تكوين قطرات الماء لشحنات مختلفة عند انقسامها بواسطة رذاذ أو رش. ووجدوا أن القطرات الأكبر غالبًا ما تحمل شحنات موجبة، بينما القطرات الأصغر تحمل شحنات سالبة. وعندما اقتربت القطرات ذات الشحنات المتقابلة من بعضها البعض، تطايرت شرارات بينها.

ويُطلق البروفيسور زير على هذه الظاهرة اسم “البرق الدقيق”، إذ ترتبط هذه العملية بكيفية تراكم الطاقة وتفريغها على شكل برق في السحب. وقد استخدم الباحثون كاميرات عالية السرعة لتوثيق ومضات الضوء، التي يصعب رصدها بالعين المجردة.

ورغم صعوبة رؤية ومضات البرق الدقيق، إلا أنها لا تزال تحمل قدرًا كبيرًا من الطاقة. وقد أثبت الباحثون هذه الطاقة بإرسال رذاذ من الماء بدرجة حرارة الغرفة إلى خليط غازي يحتوي على غازات النيتروجين والميثان وثاني أكسيد الكربون والأمونيا، والتي يُعتقد أنها كانت موجودة جميعها على الأرض في مراحلها المبكرة. وقد أدى ذلك إلى تكوين جزيئات عضوية ذات روابط كربون – نيتروجين، بما في ذلك سيانيد الهيدروجين، والحمض الأميني الجلايسين، واليوراسيل.

ويجادل الباحثون بأن هذه النتائج تشير إلى أن الصواعق لم تكن بالضرورة صواعق، بل الشرارات الصغيرة الناتجة عن تصادم الأمواج أو الشلالات هي التي حفزت الحياة على هذا الكوكب.

وقال البروفيسور زير: “على الأرض في بداياتها، كانت رذاذات الماء تنتشر في كل مكان – في الشقوق أو على الصخور، ويمكنها أن تتراكم وتُحدث هذا التفاعل الكيميائي. أعتقد أن هذا يتغلب على العديد من المشاكل التي يواجهها الناس مع فرضية ميلر- يوري”.

المصدر: https://www.genome.gov/genetics-glossary/Uracil

ويركز فريق البروفيسور زير البحثي على دراسة القوة الكامنة لجزيئات الماء الصغيرة، بما في ذلك كيف يمكن لبخار الماء أن يساعد في إنتاج الأمونيا، وهو مكون أساسي في الأسمدة، وكيف تُنتج قطرات الماء بيروكسيد الهيدروجين تلقائيًا.

وقال البروفيسور زير: “عادةً ما نظن أن الماء خامل [أو حميد]، ولكن عندما ينقسم على شكل قطرات صغيرة، يكون الماء شديد التفاعل”.

*تمت الترجمة بتصرف
المصدر:

https://news.stanford.edu/stories/2025/03/microlightning-in-water-droplets-may-have-sparked-life-on-earth

مصدر الصورة البارزة للمقالة: موقع space.com – (Image credit: Panachoi/Getty Images)

الهوامش:
[1] اليوراسيل (Uracil – U) هو أحد القواعد النيوكليوتيدية الأربع في الحمض النووي الريبوزي (RNA)، إلى جانب القواعد الثلاث الأخرى: الأدينين (Adenine – A)، والسيتوزين (Cytosine – C)، والجوانين (Guanine – G). وفي الحمض النووي الريبوزي (RNA)، يقترن اليوراسيل بالأدينين. أما في جزيء الحمض النووي (DNA)، فيُستخدم النيوكليوتيد الثايمين (Thymine – T) بدلاً من اليوراسيل.

المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *