إلى كل من أضاع الطريق، ويريد تصحيح مساره قبل فوات الأوان…!
هذا ليس مقالًا، بل مرآة… وإذا رأيت نفسك فيه، فربما حان الوقت أن تعود الى نفسك…
{حين يُصبح السؤال بداية الطريق}
في زحام الحياة، يقف الإنسان متسائلًا: من أنا؟ لماذا أنا هنا؟ ما معنى وجودي؟ أسئلة قد تبدو وجودية، لكنها في حقيقتها صوتٌ داخلي يبحث عن ذاته وسط ضجيج العالم. كلما ازداد الضجيج، خفت صوت النفس، وابتعد الإنسان عن ذاته. هذا الأسئلة محاولة لإعادة الإنسان إلى نفسه وذاته، كي يعيد صناعة ذاته من جديد في زمن تتقاذفه التيارات، وتُفقد فيه البوصلة.
{بين العبث والمعنى}
ألبير كامو قال: “العبث ليس في الحياة، بل في أن نعيش دون وعي بحقيقتها”. وهذا الوعي، كما يرى جلال الدين الرومي، لا يُولد من الخارج، بل انكسار من الداخل. وفي كل سقوط، هناك فرصة للنهوض، وفي كل ضياع، هناك طريق خفيّ لا يُرى إلا حين نصمت وننصت. الحياة ليست سلسلة أحداث بل سلسلة معانٍ نحن مَن نزرعها. كل لحظة فيها يمكن أن تكون عبثًا أو وعيًا، والكل له منظوره الخاص.
{القرار والاختيار}
قال نيتشه: “الإنسان هو الكائن الذي يجب أن يتجاوز نفسه”. هذا التجاوز لا يتمّ إلا حين نعي أن قراراتنا ليست مجرّد ردود أفعال، بل أدوات خلق.
دوستويفسكي كتب: “الإنسان سرّ… وسأفك هذا السرّ حتى آخر لحظة في حياتي”. وهذا السرّ يتكشّف لنا لحظة بعد لحظة، قرارًا بعد قرار، خيارًا بعد آخر. نحن لا نُصنع بما نُجبر عليه، بل بما نختاره طواعية، حتى حين يكون الخيار صعبًا.
{المرآة الداخلية}
علم النفس لا ينفصل عن الفلسفة. فرويد تحدث عن اللاوعي، وعن رغبات دفينة تُحرّكنا دون وعي، لكن ابن سينا سبقه حين قال إن النفس تعرف الخير، لكنها تحتاج مجاهدة لتتّبعه.
كلّ إنسان يحمل في داخله ظِلًّا كما قال يونغ “ذلك الجزء الذي نخفيه عن العالم، بل عن أنفسنا. ومعرفة هذا الظلّ، والاعتراف به، هي الخطوة الأولى نحو التصالح، والنضج، والتحوّل”.
{العلاقات والهوية ومن الحبّ إلى الفقد}
لا تُبنى الذات من عزلة. نحن نكبر في المرايا التي يمدّها إلينا الآخرون. الحبّ حين يكون صادقًا، يكشف لنا أجزائنا المطمورة، ويعيدنا إلى أصلنا. لكن العلاقات التي تُبنى على النقص، تولد هشاشة داخلية.
حين نفقد أحدًا، لا نفقده فقط، بل نفقد جزءًا من أنفسنا تشكّل بوجوده. وهنا يظهر السؤال: من أنا بدون الآخر؟ هل أنا امتداد له، أم نواة مستقلة تعلّمت منه الحبّ، ولكن لا يموت بفقده؟
{الانبعاث من الداخل}
الغزالي قال: “ارجع إلى نفسك، فإن فيها نور الحق إذا أطفأته الظلمات”. أما كافكا فكتب: “في أعماق الظلمة، يولد النور فجأة دون مقدمة”. الانبعاث الحقيقي لا يأتي من نجاحات سطحية، بل من مواجهة النفس، في لحظة صدق نادرة نقول فيها: لقد تعبت من الزيف، وأريد الحقيقة. وهذه الحقيقة لا تُمنح، بل تُنتزع بالدمع، بالصمت، بالتأمل، وبالكتابة أحيانًا.
{صناعة الذات والسير ضد التيار}
أن تصنع ذاتك يعني أن تقف ضد السائد أحيانًا، ضد القطيع، ضد الإملاءات الجاهزة. أن تقول: هذا طريقي، حتى لو كان صعبًا، حتى لو مشيته وحيدًا. أن تخلق المعنى في وظيفةٍ مملة، أو في قهوة مع غريب، أو في قراءة كتاب عند منتصف الليل. ففي كل لحظة وعي، هناك لبنة في بناء الذات. وكل سقوط هو درس، وكل خذلان هو تمهيد لصعود أقوى.
{في النهاية}
حين تلتقي بنفسك أخيرًا، ليس المهم كم خسرت، ولا كم أنجزت من نجاحات ، بل كم اقتربت من ذاتك الحقيقية. وحين تنظر في المرآة، وتراها لا تعكس فقط وجهك، بل داخلك أيضًا، حينها فقط… تكون قد بدأت تعود لنفسك. حينها ستدرك ان رحلتك لم تنتهِ، لكنها الآن بدات على الطريق الصحيح. فاصمت قليلًا وأنصت جيدًا, فذاك الصوت الخافت في داخلك؟ هو أنت… كما كنت، وكما يجب أن تكون.
