بناة الحقيقة [معركة الوعي في عصر الخداع] – بقلم المهندس سعيد المبارك*

The Builders of Truth: The Battle for Awareness in the Age of Deception
(بقلم: المهندس سعيد المبارك – Saeed Mubarak)

عبر التاريخ، تعرَّض بناة الحقيقة والعدل والحرية للمحاربة والتعذيب والقتل. والمفارقة أنه رغم ادعاء الجميع السعي لنصرة الحقيقة، فإن تشويهها كان أداة فعّالة للهيمنة والتحكم والتدمير.

وسط طوفان الخداع، يقف بناة الحقيقة صامدين أمام هذا الطوفان. ولعلك تذكر شخصًا قابلته أو بطلًا تاريخيا يلهمك بشجاعته في قول الحقيقة والعمل بمقتضياتها.

لقد خَلق العالم الرقمي الظروف المثالية للتضليل، حيث تزدهر الأكاذيب وتتشوه الوقائع، مما يجعل التمييز بين الحق والباطل أمرًا عسيرًا. ولكن لماذا لا تصبح نفس هذه الظروف المثالية كأفضل فرصة وتوظف لنشر الحقيقة؟؟؟

لقد تطور تلفيق الوقائع إلى صناعة جبارة ومربحة تصنع حقائق مزيفة وتعيد تشكيل وعي الجمهور. لم يعد التضليل مجرد أخبار كاذبة، بل نظام معقد يتفنن في تشويه الحقائق ويبتكر محتوى خادعًا. في عالمنا المعتمد على البيانات، يمتد الخداع لتشمل مقاطع الفيديو المعدلة، والصور المحرفة، والوسائط المنتجة بالذكاء الاصطناعي، مما يجعل الناس يؤمنون بالوهم وكأنه حقيقة وهم يرونه بأعينهم ويسمعونه بآذانهم ويدركونه بقلوبهم. وفي عالمٍ حيث يحوّل تكرار الكذبةِ إلى “حقيقة” مقبولة، يبرز سؤال محوري: لماذا ينجح الخداع رغم وضوحه؟

أصبح الخوف والكراهية أداتين فعالتين للسيطرة على الناس، حيث تحوّل الانقسام الاجتماعي إلى سلاح قوي لتسهل التلاعب. فلا عجب أن المقولة القديمة ما زالت صادقة: “صدق نصف ما ترى ولا تصدق ما تسمع”.

إن نجاح الخداع لا يعود فقط إلى قوته، بل أيضًا إلى ضعف مقاومته. فحَملة الحقيقة غالبًا ما يقفون متفرقين، غير منظمين، أو يفتقرون إلى الموارد، مما يعيق قدرتهم على مواجهة آلات التضليل بشكل فعال.

لكن كما يوجد من يروجون للخداع، هناك أيضًا بناة الحقيقة، أولئك الذين يزرعون الوعي لوقاية المجتمع من أن يصبح ضحية لأكاذيب مصنعة. إن بناة الحقيقة ليسوا مجرد أصوات منفردة، بل حركة مقاومة فكرية تسعى بلا كلل إلى الحقيقة أينما كانت. وهم أيضًا يمثلون كل فرد يرفض أن يكون ناقلًا سلبيًا للأكاذيب، يشارك الخداع دون تمحيص. يعلم هؤلاء أن وجود الحقيقة وحده لا يكفي، بل يجب حمايتها والدفاع عنها والعمل بها، لأنها تحمل بذور العدل ونور الحرية.

الحقيقة ليست مجرد عبارة تُقال، بل موقفٌ يُتخذ ومسؤوليةٌ يتحملها من يدركون خطر السماح للخداع بتسميم العقول والقلوب والأرواح. يبدو العالم أعمى بالخداع، حيث اختلطت الحقائق بالأباطيل، وتلبس الزيف ثوب الواقع.

ويبقى السؤال الأهم: هل ستنحاز إلى بناة الحقيقة الحقيقيين وتصبح احدهم، أم ستترك نفسك تطوف بك رياح الخداع، لتعتقد أنك من بناة الحقيقة وانت لست منهم؟

المهندس سعيد المبارك

*المهندس سعيد المبارك – مهندس بترول ومستشار في الحقول الذكية و التحول الرقمي ورئيس قسم الطاقة الرقمية بجمعية مهندسي البترول العالمية ، فاز بجائزة جمعية مهندسي البترول للخدمة المتميزة. ألقى محاضرات كثيرة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك سعود بالرياض وفي محافل كثيرة أخرى. مؤلف كتاب “أي نسخة من التاريخ ليست إلاّ رواية”.

رابط المقال الأصلي باللغة الإنجليزية:
https://www.linkedin.com/feed/update/urn:li:activity:7313998813944266753/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *