لما ضاق الإنسان ذرعا من مد الكابلات عبر المحيطات والصحاري، ولما ضاق ذرعا من كثرة وصعوبة صيانة هذه الكابلات وسوء أدائها، بدأت فكرة إستخدام الأقمار الصناعية لغرض الإتصالات في عام 1945م. وبدأت الأبحاث والدراسات في جميع أنحاء العالم لإخراج الفكرة إلى حيز النور تدعمها الرغبة الجامحة للإنسان للإتصال بكل نقطة على سطح الكرة الأرضية. وشيئا فشيئا بدأت تتبلور فكرة الأقمار الصناعية حتى تم إرسال أول قمر صناعي يدور حول الأرض في عام 1957م في الرابع من شهر أكتوبر. لقد أرسل الإتحاد السوفيتي القمر الصناعي الأول والذي أسماه (سبَتنك) وكان عبارة عن كرة معدنية تزن 83 كجم وقطرها 58سم وكان يحوي على مقياس للحرارة وبطارية وجهاز إستقبال وكانت الكرة مضغوطة بغاز النتروجين. ويخرج من هذه الكرة أربعة أذرع لبث وإستقبال الموجات القصيرة. لكن هذا القمر ولسوء الحظ لم يبقى في مداره إلا مدة 92 يوما فقط، بعدها إنحرف عن مداره وابتلعته الجاذبية الأرضية واحترق في الفضاء. لقد حقق الإنسان بهذا العمل إنجازا كبيرا جدا، فبالرغم من بساطة هذا القمر الصناعي – إلا أنه فتح المجال لوضع الآلاف من الأقمار الصناعية المعقدة في الفضاء خلال سنوات قلائل بعد إحتراق (سبَتنك). واستفاد الإنسان كثيرا من هذه التجربة.
ولوقت قصير كانت الأقمار الصناعية من الأمور السرية والتي تستخدم في المجالات العسكرية، لكنها الآن شأن من الشؤون اليومية لجميع الناس. فأنا وأنت نستخدمها عندما نجري مكالمة هاتفية أو نشاهد التلفزيون أو نقرأ بعض الجرائد التي تنقل عبر الأقمار الصناعية.
والقمر الصناعي من الناحية العلمية هو أي جسم يدور حول الأرض في مدار دائري أو بيضاوي.
كيفية وضع القمر الصناعي في مداره:
يؤخذ القمر الصناعي بواسطة صاروخ يطلق للفضاء الخارجي، وللوصول للمدار المطلوب، فإن الصاروخ يطلق إلى أعلى باتجاه الشرق وذلك لأن الأرض تدور نحو الشرق ليسهل تحديد المدار وذلك بعد الإنفلات من الجاذبية الأرضية. ويتم ذلك باستخدام نظام التوجيه الطردي للصاروخ للتحكم في القوة الدافعة للمحركات.
ولأن قطر الأرض يساوي 12753 كم، وجاذبية الأرض تعادل ما يقارب 9.8 متر في الثانية لكل ثانية فإن الصاروخ يحتاج إلى سرعة قدرها 40320 كم/ساعة للإفلات من قوة الجاذبية الأرضية إذا ما تم إطلاقه من خط الإستواء ليقطع 193 كم ويخرج من نطاق الجاذبية الأرضية مع مراعاة وزن الصاروخ الذي قد يصل الى أكثر من مليون كجم. بعد ذلك لا يحتاج الصاروخ إلى قوة كبيرة لتحريكه – وعلى هذا الارتفاع يُطلق صاروخ آخر صغير مثبت على جانب القمر الصناعي ليديره ويجعله في وضع أفقي ليسبح في الفضاء، وعندما يُحدد المدار يُطلق القمر الصناعي.
ويمكن وضع القمر الصناعي في مداره عن طريق حمله بواسطة مركبة فضائية، وعندما تصل المركبة الى المدار المطلوب يوضع خارج المركبة ليسبح في مداره.
إستخدامات الأقمار الصناعية:
ترسل الأقمار الصناعية إلى مدارات مختلفة حول الأرض لأغراض كثيرة أهمها:
- الأقمار الصناعية للأغراض الجوية: وتقوم بمراقبة تحركات الرياح ورصد درجات الحرارة. وتحتوي هذه الأقمار الصناعية عادة على آلات تصوير وأجهزة لإرسال الصور إلى المحطات الأرضية.
- الأقمار الصناعية لأغراض الإتصالات: وتحتوي عادة على جهاز إستقبال وبث كالمذياع يمكنها من إستقبال المكالمات التلفونية أو الإشارات التلفزيونية على تردد معين ثم إعادة إرسالها للأرض على تردد آخر، ويحتوي كل قمر صناعي للإتصالات على آلاف من أجهزة الإستقبال والإرسال.
- الأقمار الصناعية للأغراض العلمية: يحتوي على أجهزة تقوم بقياسات عديدة للدراسات العلمية كقياس الأشعة الفوق بنفسجية ومراقبة مدارات الكواكب والنجوم.
- الأقمار الصناعية للأغراض الملاحية: وهذه الأقمار تساعد السفن والطائرات على تحديد مواقعها. وأشهر قمر في هذا المجال هو القمر (جي بي إس نافاستار).
- الأقمار الصناعية لأغراض الإنقاذ: ولها القدرة على إستقبال الموجات الخاصة.
- الأقمار الصناعية العسكرية: وعادة ما تقوم بأعمال سرية لجمع معلومات إستخباراتية عن جيوش وإمكانيات الدول الأخرى. وتحتوي على أجهزة متقدمة وتقنية عالية. ومن أهم ما تقوم به هذه الأقمار مراقبة تحركات الجيوش للدول المعادية، ومراقبة أي إطلاق للصواريخ.
المكونات العامة للأقمار الصناعية:
توجد آلاف الأقمار الصناعية في الوقت الحاضر تدور حول الأرض في مدارات مختلفة ولأغراض عديدة، إلا أن كل الأقمار الصناعية وان إختلفت مهامها تحتوي على أشياء مشتركة فيما بينها مثل:
- غلاف حديدي يجمع كل الأجهزة ويربط بعضها البعض لحمايتها.
- خلايا شمسية لتوليد الطاقة من الشمس وبطاريات لتخزين هذه الطاقة.
- جهاز كومبيوتر لتنظيم عمل الأجهزة.
- جهاز مذياع وهوائي للإتصال بالمحطات الأرضية لمراقبة سير عمل الأجهزة والتحكم بها بما فيها جهاز الكومبيوتر.
- جهاز التحكم بسرعة وموقع القمر، للمحافظة على بقائه في مداره الصحيح.
الأقمار الصناعية وصناعة المستقبل:
ما زال الإنسان حديث عهد بالأقمار الصناعية إذ لم يمر على إطلاق أول قمر صناعي إلا 62 سنة فقط. وهذا عمر قصير لبناء تجربة ناضجة في أي مجال من العلوم، فالتقنية المتوفرة الآن تعتبر في بداية الطريق. ولا بد من توسيع نطاق إستخدامات الأقمار الصناعية ليشمل المزيد من الإستفادة المباشرة لكل إنسان يعيش على الكرة الأرضية، وهذا يتطلب المزيد من الأبحاث لتطوير الأقمار الصناعية. وأهم مجالات الأبحاث التي يفكر فيها الإنسان في الوقت الحاضر لتطوير الأقمار الصناعي هي:
- تصميم مادة أفضل لتصنيع الأقمار الصناعية لتقاوم مدة أطول في البيئة الفضائية.
- الخوض في صناعة أقمار صناعية صغيرة جدا بتكاليف قليلة وكفاءة عالية.
- تطويرالمجسات ووسائل الإتصال بالأقمار الصناعية من على بعد والتحكم بها بصورة دقيقة.
أما مستقبل مجالات الإستفادة من الأقمار الصناعية فلا حصر لها، نذكر منها على سبيل المثال:
- تفعيل المزيد من الإستخدامات الشخصية.
- إستخدام الموجات عن طريق الأقمار الصناعية لكشف ما تحت القشرة الأرضية من ثروات.
- تطوير إدارة المعلومات لرصد حرائق الغابات وتوقع الفيضانات والعواصف والإعصار والزلازل في أرجاء المعمورة.
- إدارة المدن وتخطيطها.
- مراقبة حركة الحيوانات والطيور والأسماك والسيارات وكل ما يتحرك على وجه الأرض.
- تحديد الأراضي الصالحة للزراعة.
- مراقبة تلوث مياه البحار والأنهار.
- تسويق المعلومات
- مراقبة آبار النفط وأنابيب نقل النفط والغاز في العالم.
- تعميم المذياع الفضائي.
حتما سيستطيع الإنسان يوما ما من تحقيق كل هذا وأكثر بالأبحاث العلمية والسعي الحثيث لكشف الحقائق. والعلم هو المصنع الذي يُحول الأحلام إلى حقائق. فكما كان الإنسان في الماضي يستغرب أن يكون للإنسان تلفونه الشخصي وحاسوبه الشخصي وموقعه الشخصي على شبكة الإنترنت، وكما هو الإنسان الآن في الوقت الحاضر يتحدث باستغراب عن القطارات الشخصية والمركبات الفضائية الشخصية، فإنه ليس من المستغرب أن نرى القمرالصناعي الشخصي حقيقة يباع ويشترى كالتلفون في المستقبل القريب.