سلسلة قلاع ساحلية امتدت من نهاية حدود الدمام الشمالية المتاخمة لسيهات وحتى صفوى شمالاً بل وتلتها آثار لعدة قلاع غير محددة المعالم فقد طمرها الإندثار حتى الوصول إلى مدخل الجبيل حيث يطالعنا برج لازال صامداً وحده لا شئ من حوله حتى أيامنا هذه وهو بكامل قواه الجسمانية وهو الذي يذكرنا ببرج “التيل” التابع لقلعة القطيف السكنية الواقع في الزاوية الشمالية الشرقية الذي كان ضمن احد عشر برجاً آخرين قد تمت إزالتهم مع السور فلم يبق في صموده كاملاً إلا هو حتى ستينات قرن العشرين حين تمت إزالته وقد أطلق عليه هذا الإسم لوقوعه عند مركز الهاتف الأول بالقطيف، إذ أن كلمة “تيل” معربة عن الكلمة الانجليزية المختصرة (Tel).
ولعل ديمومة برج الجبيل قد شابهته في الاستمرارية أطلال أخرى لاتزال قائمة مثله حتى أيامنا هذه كقلعة حمام تاروت والتي تخضع هذه الأيام إلى الصيانة من أجل استشفائها من التصدعات والتآكلات، وينضم إليهما أطلال برج أبو الليف الآيل إلى الإندثار مالم تدركه سواعد نجدة الترميم من أجل تجديده وإعادة إنشائة دون أي تكلفة تذكر كما ولاننسى أطلال قلعة دارين التي لم يتبقى منها سوى اطلال أقواس وبعض المعالم على سطح الأرض.
على سواحل الخليج وتحديداً عند بحر القطيف امتدت هذه السلسلة من القلاع والأبراج والأكوات مطلة على شواطئه بنيت قوق مرتفعات لتطل على البحر منذ أزمنة قديمة جداً تجاوزت عدة قرون وقد قام ببنائها أهالي المنطقة بأنفسهم -لا البرتغاليون كما يقال- فقد وجد أغلبها قبل الغزو البرتغالي بل انهم قاموا بدك بعضها لقمع المقاومات المحلية عند وصولهم. إن القصد من بناء هذه القلاع والأبراج والحصون والأكوات هو من أجل هدفين رئيسيين أولهما كمعلم تهتدي إليه السفن وخصوصاً في الليل وثانيهما لمراقبة واكتشاف السفن القادمة من مناطق مختلفة لمنع الغزو، ولايعني هذا أنها لم تستخدم كحصون دفاعية في قليل من حالات الغزو النادرة ولكنها في الأصل أعدت للأهداف السابق ذكرها.
فإن حاولنا استعراض هذه السلسلة بشكل مختصر بدءًا من قلعة الدمام التي كانت أول معلم أو من أوائل المباني التي انشئت في الدمام والتي كانت مصدراً لتسمية الدمام بهذا حين كان أهالي القطيف يوظفون من كانوا “يدمدمون” فيها بطبولهم ذات الصوت العالي حين ملاحظة أي سفن قادمة يرتابون في أمرها. فالدمدمة هو الضجيج والزمجرة العالية التي تصدر من تلك الطبول الكبيرة حتى يصل الصوت وينتشر في أنحاء المنطقة ويعلم الجميع بوجود الخطر فمنها اشتق اسم الدمام، فدمدمة الرعد: هو أَحداث صَوْتاً مدوياً.
ويلي قلعة الدمام إلى الشمال برج سيهات المسمى محلياً (البري). وإلى الشمال منها قلعة عنك المطلة على الساحل في طرفها الشمالي الشرقي والتي يطلق عليها مسمى الميالة و الخيالة وقد سمي الشارع الذي انشئ مارا بمكانها بإسم شارع الخيّالة. وإلى الشمال من عنك. عندما نتجه غرباً والى الشمال قليلاً لنصل إلى شمال غرب الجارودية فنهاك تجثو قلعة تعرف عند أهالي الجارودية الكرام بقصر سلوم والذي يطل على عين سلوم فلا شك أنه اقتبس اسمه من تلك العين.
فلنعد ثانية إلى الشرق للجزء البحري الموازي للجارودية عند منتصف العياشي وإلى الشمال من قلعة عنك كانت هناك أطلال لقلعة صغيرة منسية لا يرد ذكرها قد حفتها نخيل العيّاشي وكانت آثار أطلالها باقية على سطح الأرض حتي بداية الستينات، وإلى الشرق منها برج أبو الليف الذي تهتدي بأضوائه ودخانه السفن ليلاً عند اشعال ليف النخيل بداخله، ثم قلعة دارين في الزاوية الجنوبية الشرقية من الجزيرة والتي بُنيَ فيها قصر محمد بن عبدالوهاب الفيحاني، والى الشمال الشرقي منها في تاروت تطالعنا قلعة حمام تاروت التي لاتزال شامخة وإلى الغرب منها بعد مغادرة جزيرة تاروت وبعد اجتياز المقطع البحري نصل إلى قلعة جبرو أو جبارو وهي أكبر قلعة في القطيف فهي قلعة سكنية تقع في قلب القطيف والمطلة على جمرك القطيف ذات الأحد عشر برجاً والأربع بوابات والأربعة أحياء: الزريب والخان والوارش والسدرة وخامسهم الحي الوسطي الأصغر، وإلى الشمال الشرقي منها يقع الكوت للحراسة.
وعند الإتجاه إلى الشمال تطالعنا مسورة العوامية السكنية وأبراجها. وفي أقصى الشمال وعلى شواطئ صفوى تقبع قلعة أخرى تعرضت إلى الغزو البرتغالي فهي كسائر قلاع هذه المنطقة يعود تاريخ بنائها التقريبي إلى القرن السادس عشر وهي أيضاً منارة أخرى تأتم بها السفن.
لو رجع بنا الزمان قليلا خلال ثلاث مراحل غير بعيدة من قرن العشرين لتمكن كل من تمنى مشاهدتها بالإستمتاع بذلك بدءاً من الثلاثينات والأربعينات التي فيها نحظى برؤيتها جميعا وكاملة. وأما خلال الخمسينات الستينات فسندرك بعض من اسوار قلعة القطيف وقلعة دارين وبرج سيهات كاملة.
*الأستاذ عبد الرسول الغريافي باحث في التراث ومؤرخ.