آثار متبقية لثلاث صناعات خشبية قطيفية منقطعة النظير وصناعات خشبية أخرى ولكن فليكن تركيزنا على هذه الصناعات الثلاث:
أولهم بناء السفن الخشبية (اللنجات) وصناعة الباصات وصناعات الأبواب المنقوشة القديمة.
فبناء السفن والمعروفة باللنجات اقترنت بوجود البحر الذي عليه تطل القطيف فالحاجة أم الاختراع إذ أن الحاجة إلى ركوب البحر أمر ضروري للسفر وصيد الأسماك والغوص من أجل اللؤلؤ وبذلك فإن صناعة هذه السفن أو على الأقل شرائها أمر مُلِح.
اتناول شخصيتين في هذا المجال احدهما اختتمت به صيانة السفن الخشبية (القلافة) وآخر أصر أن يكون الوحيد في عالم البحر القطيفي يعمل بسفينة خشبية.
السيد باقر السيد محمد السيد علي السادة كان آخر القلاليف وقد ناهز عمره المئة عام ولم يترك القلافة (حسب تعبيره) حتى تركته القلافة نفسها حين اضمحلت صناعة بناء السفن الخشبية واستنبدلت بالفايبر فقبل اكثر من عشرين عاماً حدثني بأنه امتهن هذه المهنة لأكثر من خمسين عاماً وكما يقول كنت (أچلفت اللقبة بالفتيلة) واللقبة هو الفراغ بين كل لوحين في السفينة وأما الچلفتة فهي عملية حشر الفتيلة في الفراغ بين كل قطعتي خشب لمنع تسربات المياه وهذه عملية من أهم اعمال القلافة وبناء اللنجات الخشبية.
وأما الاخشاب المستعملة فكانت على نوعين المحلي وهو من قضب اللوز اي شجرها وذلك لصناعة الكروات أي الزوايا أو الجسور التي تأخذ الشكلين (V و L) وذلك لتثبيت الأصفاح (أي الجوانب) عليها، والنوع الآخر من الأخشاب هو المستورد وأشهره الساج. وعن أشهر انواع السفن القوارب المصنعة محلياً فهو الهوري والقلص والبانوش والعبرة.
وفي آخر عمل للسيد باقر في عالم السفن وقبل تقاعده بعامين وكان ذلك في سبعينات قرن العشرين حين قام بصنع بانوشاً صغيراً داخل منزله وقد تم بيعه بأربعة آلاف ريال ولكنه عندما أراد اخراجه كان الباب لايتسع لخروجه فما كان منه إلا أن خلع چاربارة الباب وأخرجه.
أما عن آخر سفينة صنعت من الحجم الكبير فقد تمت صناعتها في دارين ومن ثم اقتنتها جهات رسمية لتثبيتها كمعلم بحري على أحد شواطئ دارين.
ولكن الحديث أكثر إثارة عندما نتحدث عن آخر اللنجات التي صنعت وآخر مالك للنجة خشبية وبقيت مقاومة تعمل في عرض البحر للصيد بين لنجات تشابهها في الشكل ولكن تختلف عنها في مادة الصنع واستمرت في العمل حتى تقاعد صاحبها بعد أن كبر وأصبح عاجزاً عن الصيد وقد تولى أمره ابنه بأن قدمها هدية لتنصب كمعلم بحري في أحد شوارع المنطقة.
إنه النوخذا الحاج جواد بن رضي آل عتيق من أهالي باب الشمال الكرام والمولود في عام ١٣٥٩هـ. يقول انه امتلك هوري صغير صنعه في دارين شخص يدعى أبو عجبل وقد امتلكه عندما كان عمره ٣٠ عاماً وأسماه “ضبيان” وقد اصبح عمره قبل عشرين سنة اربعين عاما ثم اشترى عبرة اخرى لنقل البحارة (كلاب السيف) أو (الدغاية) لنقلهم للصيد وكانت تعمل بستة مجاديف وشراع واحد ثم استبدل المجاديف والشراع، وكان يعبر عنها بالعزيزة عليه وأنه لن يفرط فيها ولن يستعمل غيرها حتى آخر أيامه في البحر -وحسب تعبيره- وللأولاد حرية التصرف فيها بعد أن يغادر هذا العالم.
وبالفعل قد تم تقديمها كهدية لتشكل معلما في المنطقة.
وأما الصناعة الثانية فهي صناعة الباصات الخشابية التي اشتهر بصناعتها أهالي القطيف وخصوصاً في سكة الحرية والتي استمرت حتى بداية سبعينات قرن العشرين، وقد ذاع صيتها في الخليج كالكويت وقطر وكذلك الخبر والدمام والاحساء وكان الإقبال على طلب هذا الباص الخشابي كبيراً وذلك من بلدان مختلفة للحصول عليه، لقد كانت هذه السيارة تجوب بعض الاقطار العربية كالعراق وسوريا والكويت،،،
وفكرتها انه يؤتى بسيارة ليس فيها سوى المكينة وقامرة السائق والجسر الخلقي (الشاسيه/الشاصي) فيُرَكب عليها صندوق بهيئة معينة وبمواصفات متميزة تصنع من الخشب والزنك (الچينكو) وهي صالحة للنقل العام: للركاب ولنقل المواشي وكذلك لنقل البضائع والسفر البعيد، كما وقد تميزت باختيارها لنقل المعاريس للعيون من أجل غسالتهم حيث تنقل المدعوين والعريس الى العيون التي يتم فيها غسالة العرسان ولاننسى أنها كانت تنقل لاعبي أندية كرة القدم للملاعب أيضا كالفتح والتآلف وبور سعيد والجزائر.
لقد تركت هذه الصناعة شاهدين اثنين احدهما تَمَثلَ في الصور الفوتوغرافية التي نشاهدها والآخر في باص لايزال على قيد الحياة وبصحة جيدة وقادر على التنقل حتى اليوم في منطقتنا وتحديداً في صفوى وقد امتلكها السائقان الإخوان الحاج علي أكبر وأخوه الحاج سعيد أبناء عبدالكريم آل ابراهيم وكانت الإستمارة بإسميهما.
لقد انتقلت ملكيتها بعد وفاتهما رحمهما الله إلى جيل الأبناء تحت رعاية الابن عبدالله أبو أيمن آل ابراهيم والذي اهتم بها أيما اهتمام وقام بصيانتها وتجديدها وهو معتز بها. هذا الباص الخشابي من موديل ١٩٥٢م أما في الاستمارة فهي موديل ٥٦ وقد احتلت المركز الثاني في مسابقات اقتناء السيارات القديمة.
ومن محاسن الصدف أن الذي قام بصناعة صندوقها هو القلاف الآنف الذكر السيد باقر الساده وأخوه علوي الذي كانا يعملان في بناء السفن.
وعن الصناعة الخشبية الثالثة فهي صناعة البوابات الخشبية المنقوشة بالنقش القطيفي المتميز والذي تعود صناعته الى مئات السنين حسبما يكتب تاريخ الصناعة في احدى جوانبه فهي صناعة متقنة تعتبر كلوحة فنية تستوقف أصحاب الفضول وتلفت الأنظار ويتم اختيار أرقى أنواع الأخشاب كالسيسم والساج وغيرهما، وفيها ينقسم التقش إلى فسمين وهما: الزخارف وكتابة الآيات الكريمة. واليوم يتنافس أصحاب المتاحف على اقتنائها ويدفعون فيها ابهض الأثمان من أجل الحصول عليها.
*الأستاذ عبد الرسول الغريافي باحث في التراث ومؤرخ.
أحسنت يا ابو محمد على هذه المعلومات القيمة