الحريف والقرين بين حقائق وأساطير – بقلم عبد الرسول الغريافي*

الحريف والقرين مرتفعان من مرتفعات محافظة القطيف والمعروفة محليا بالجبال- فنقول: “جبل لحريف” و “جبل لقرين”.

جبل لقرين وجبل لحريف امتازا بصبغة متميزة حيث لفتهما حكايات وقصص امتزجت بين واقع يشوبه الغموض والتناقضات وبين أساطير أختلف في سردها الرواة وامتزجت بقصص غريبة لا أساس لها من الصحة وإن اشترك العالم في اساطير مشابهة لها.

جبل الحريف عبارة عن مرتفعات تمتد شمالاً لتتصل بحي الزارة من الجنوب الشرقي للعوامية وتصل نهايته الجنوبية إلى زاوية القديح الشمالية الشرقية وهو ممتد من الشرق إلى الغرب ليغطي المنطقة التي هي الآن الجزء الذي بين القديح والعوامية من شارع الإمام علي بن أبي طالب.

هذا الجبل لعبت فيه عوامل النحت والتعرية على مر السنين والقرون فشكلت من طوالعه أشكال تشبه تماثيل للإنسان والحيوان فهناك شكل أسد ضخم يمر من بين فكيه الماء وأشكال أخرى متعددة ومن جملتها شكل يشبه امرأة طويلة تحمل طفلاً وكان يشار لها بالبنان على أنها هي السبب في (انخساف) هذا المجتمع كله حيث أنه في قديم العصر والزمان كانوا مجتمع من البشر قد منَّ الله عليهم بطاعته فكان ينزل الله عليهم الموائد والخيرات من جميع أصناف الأطعمة فكانت عندهم متوفرة فوق حاجاتهم فلا ينقصهم شيئا قط.

وذات مرة عندما احتاج طفل تلك المرأة السالفة الذكر للتنظيف والتطيهر فإنها بدلاً من استخدام الماء أو المنديل الذي بين يديها عمدت إلى استخدام الخبز الوفير لديهم لتمسح الطفل به! فما كان إلا أن خسفهم الله إلى حجارة، والطريف في الأمر أنه على بعد مئتي متر إلى الجنوب الغربي من هذا الموقع بالقرب من احد مداخل القديح هناك ثلاثة أو أربعة طوالع جبيلية وكأنهم رجال عمالقة فكانت تحاك حولهم حكاية أخرى مرتبطة بالمخسوفين في جبل لحريف حيث أنهم لاذوا بالفرار وظنوا أنهم بالغي مرادهم ولكن للأسف فإن الخسف أدركهم.

هذا الجبل استمر وجوده حتى بداية ستينات فرن العشرين الماضي حيث تم شق شارع الإمام علي بن أبي طالب وكان متزامن مع انشاء جسر يربط بين القطيف الأم وبين جزيرة تاروت، فما كان من المقاول إلا أن (ضرب عصفورين بحجر واحد). فزال تلك المرتفعات الصخرية ورمى بها في البحر ليدفنه بها. وكانت تكملة الصخور من مرتفعات أخرى في الملاحة تسمى المعلا. وبهذا فُتِح شارع من الدبابية إلى صفوى بل وإلى رأس تنورة وتم إنشاء جسر بين القطيف وجزيرة تاروت وتلاشت أسطورة بين طيّات الزمان لايعرفها الجيل المعاصر رغم أن هناك كثير من الأساطير المشابهة لها تحاك حول مناطق جبلية في العالم كماهو في ايطاليا وفي بني سويف في مصر.

أما حكاية جبل لقرين الواقع جنوب سيهات والذي يقال أن سبب تسميته بهذا الإسم لأن الناس يسمون المرتفع الجبلي قرن وتصغيره قرين وقد كانت المنطقة التي حوله في يوم من الأيام تشكل قرية ملتصقة بسيهات تحمل نفس المسمى وهو القرين والتي انطمرت تحت الرمال كباقي قرى البذراني.

هذا المرتفع الجبلي قد حفرت على سطحه حفر يقال أنها قبور وإن كان حجمها اصغر من طول الإنسان وغير عميقة إلا أنها كانت تستخدم كمدافن تلالية إذ تهال عليها كومة من التراب للدفن وأما صغر الحجم فيقال أن الدفن فيها بشكل القرفصاء فإن صدق هذا القول فهي من العهد الدلموني الذين كان أهله يدفنون الميت على شكل قرفصاء وهذا ما أكده الباحث كورونول في كتابه : “منطقة الخليج خلال القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد” في صفحة ١٤٢.

حين يذكر المريقبات أو (حي المريجيب بسيهات وبه عين المريجيب) فيقول: “أنه موضع تكثر فيه التلال الرملية وجدت فيه كومات صدفية كما عثر في منحذراته الجنوبية الشرقية على عشرين حفرة غريبة الشكل تبلغ سعة بعضها قدمان في قدم واحد وأعماقها ثمان بوصات بينما البعض الآخر يشبه التوابيت”. اي أنها بحجم وأشكال التوابيت. ومن خلال تحليل كورنول فإنه يرى أنها استخدمت كمدافن.

جدير بالذكر أن هذه الحفر بإتجاهات مختلفة لا كقبور المسلمين المتجهة شمالا جنوباً وهذا يؤكد أنها إن كانت قبور بالفعل فهي تعود لعصور ماقبل الإسلام بكثير.
ورغم أن هناك من يقول ان هذه الحفر عملت من أجل تخزين أموال أهالي سيهات وممتلكاتهم المنقولة عندما يتعرضون للغزو إلا أن الأكثر شيوعاً هي حكاية القبور.

وبما أنها تقع في وسط بيئة زراعية وتحديدا في وسط مزرعة تحت ممتلكات خاصة فمن يدري لعلها حفرت لتكون أحواض استغلت لتملأ بالتربة من أجل الزراعة فيها كما هي في الحدائق المعلقة!
رغم أن هذا الجبل حفت به رمال الدهناء كبقية منطقة البذراني لتغطيه من جميع جوانبه إلا أنه لايزال صامداً وإن قمته بارزة بحفرها المشهورة.

*الأستاذ عبد الرسول الغريافي باحث في التراث ومؤرخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *