هل سألت نفسك ما هو مشروعك الناجح في الحياة؟
ما هي بصمتك التي تريد أن تتركها عبر التاريخ للأجيال القادمة؟
ما هو المشروع؟ وماهي مقومات نجاح المشروع؟
المشروع:
كل عمل فكري نظري مثل تأليف كتاب او مادي مثل تأسيس شركة ناجحة او اجتماعي مثل تأسيس جمعيةٍ خيريةٍ ينتج أثرًا ايجابيًا ملموسًا على حياة صاحب المشروع واحيانًا على حياة المجتمع وتنمية الوطن ومستقبل الإنسانية جمعاء. هذه المشاريع تجتمع معًا لتصب في نهر الحضارة العظيم. هكذا تبقى مشاريع البعض قرونًا طويلة نتيجة نتائجها العظيمة التي تركت بصماتها الجميلة على لوحة الخلود.
مقومات المشروع الناجح:
النجاح يعتمد على اختيار نوع المشروع الذي يستحقّ الاهتمام والتضحية، وعلى مواصفات صاحب المشروع، وعلى فريق العمل، وعلى الظروف المناسبة زمانًا ومكانًا.
أهداف المشروع:
• تلبية المشروع لحاجات الفرد المادية الدنيوية والروحية الأخروية،
• مساحة تأثيره الإيجابي فرديًا واجتماعيًا وانسانيًا،
مواصفات صاحب المشروع:
• رؤيته الصائبة للمستقبل،
• عزيمته وإراداته الحديدية القادرة على تخطي المصاعب،
• كفاءته الفنية والعلمية والمهنية والاجتماعية المناسبة للمشروع،
• عمله الجاد الدؤوب وصبره الطويل حتى بلوغ الغايات المرسومة،
• قدرته على بناء وإدارة فريق العمل،
فريق العمل:
• بناء الفريق المنسجم والمتنوع والمتحمس لتحقيق النتائج،
• تشجيع الفريق المتواصل واحتفاله بالنجاحات.
الظروف المحيطة:
هناك نظرةٌ تفصيليةٌ دقيقةٌ للمشروع تهتم بالاقتصاد الجزئي والمحيط المباشر مثل موارد المشروع المالية والبشرية والمواد الخام والتكلفة والأسواق المباشرة ونقاط القوة والضعف والتحديات والفرص المتاحة محليًا. وهناك نظرةٌ شاملةٌ تهتم بالاقتصاد الكلي والمحيط العالمي الذي يشمل وضع الأسواق وحركة الاقتصاد والتي تنعكس سلبًا او ايجابًا على المشروع المعين.
التاريخ زاخرٌ بالكثير من المشاريع الناجحة اجتماعيًا وتجاريًا وصناعيًا وعلميًا وفنيًا، بل وفي كلّ جوانب الحياة. وقد يكون للفرد حضورٌ متميزٌ في أكثر من مشروع وعلى أكثر من صعيد حسب ظروفه وكفاءته، وقديمًا قيل أنّ النجاح يقود الى نجاح آخر، وهكذا. وهناك أيضًا الكثير من المشاريع الفاشلة التي قد تقود الى مشاريع ناجحة، فالفشل يعني محاولة غير ناجحة تستحقّ المعاودة بطريقةٍ أفضل لبلوغ النجاح.
هل يمكن اعتبار الزواج مشروعًا؟
الزواج رابطٌ اعتباري بين الذكر والأنثى له آثارٌ تكوينيةٌ منها تلبية حاجات الطرفين ضمن بناء أسرةٍ تعيش تحت سقفٍ واحدٍ وتنجب الأبناء والبنات وتتكفل بتربيتهم وتنشئتهم ليكونوا امتدادًا تاريخيًا خالدًا للأبوين. هذا الرابط سببٌ لعلاقةٍ خاصةٍ داخل الأسرة بين الزوج والزوجة وبين الأبوين والأبناء والأحفاد ذكورًا وإناثًا. هذه العلاقة تمثل مجموعةً من الحقوق والواجبات بين أفراد الأسرة وتختلف قوةً وضعفًا حسب التشريعات التي تؤمن بها الأسرة، دينيةً او وضعية. فالزواج مشروعٌ يحتاج الى مُدخلات وتكاليف وله نتائج وعوائد مادية ومعنوية، كما أنّه قد يواجه تحديات ويحتاج الى تضحيات.
البعض يعتبر مشروع الزواج عظيمًا وجذّابًا فهو أعظم بناءٍ وأفضل استثمارٍ يبني الإنسان المثالي المستقر نفسيًا ويحقّق معنًى ساميًا للحياة، بينما يعتبره البعض الآخر سببًا للكثير من القيود والمشاغل التي قد يستغني عنها ببديلٍ آخر. دعونا نحاول أن ندرس مشروع الزواج موضوعيًا لنكتشف أهدافه، وتحدياته والتضحيات التي يحتاج اليها.
أهداف مشروع الزواج:
• تحصين أفراد المجتمع غريزيًا وحمايته من الانحراف والتحرش الجنسي وأنواع الرذيلة،
• تلبية حاجات الزوجين النفسية والاجتماعية وبقاء ذكراهم خالدةً عبر جيل الأبناء والأحفاد ومن يأتي بعدهم ذكورً وإناثًا، مقارنةً بعدم الزواج الذي يحرم الأفراد من الاستقرار النفسي ومن الذرية التي تحمل إرثهم المادي والمعنوي،
• بناء أسرةٍ مستقرةٍ كنواة مجتمعٍ صالحٍ تنظمها حقوق وواجبات بين أفراد الأسرة ضمن أجواء المودة والرحمة، مقارنةً بعدم الزواج الذي يحرم المجتمع من أهم لبنةٍ ودعامةٍ يقوم عليها البناء الاجتماعي، ويحرم المجتمع من جيلٍ مستقرٍ نفسيًا يستطيع أن يحمل إرث المجتمع تاريخيًا ومعنويًا وحضاريًا،
• تأمين المستقبل الشخصي للزوجين بالرعاية والاحترام والحب في الأسرة الممتدة، مقارنةً بدور الرعاية التي تحتضن الأفراد الغير متزوجين من كبار السن.
التحديات والمخاوف:
قد يؤمن البعض بمشروع الزواج لكنّه يتوقع الكثير من التحديات، خاصةً في ضوء ما يلي:
• اهتمام الآباء والأمهات المادي بمستقبل الأبناء والبنات الدراسي والعملي على حساب تأهيلهم فكريًا ومعنويًا لتأسيس أسرهم المستقبلية،
• انشغال الأبناء والبنات بإكمال الدراسة والتطور الوظيفي وتحقيق الذات رغبةً في تأمين مستقبلهم المادي، مما أدّى الى تأخير الزواج حتى إنهاء الدراسة وبدء العمل أحيانًا (قد يبلغ عمر الزواج 25 -30 سنة)،
• بعض الممارسات الاجتماعية التي قامت على قناعات واعتبارات سادت أثناء الطفرة الاقتصادية قد تبالغ في تكلفة الزواج،
• الانفتاح الغير المحدود عبر وسائل التواصل والضخ الإعلامي رسم ايقونات رومانسية غير حقيقية لمواصفات الشريك في أذهان الجيل الجديد،
هذه التحديات زادت من خطورة المخاوف التي تنتاب البعض، مثل:
• عدم وجود الشريك المناسب نتيجة المبالغة في المواصفات المطلوبة،
• الخوف من عدم الانسجام النفسي بين طرفي الزواج مما قد يؤدي الى الانفصال المعلن رسميًا او الغير معلن في أجواء المنزل المشحونة بالتوتر،
• عدم رغبة البعض في التنازل عن حريته وعلاقاته الودية التي تجمعه مع أصدقائه وزملائه قبل الزواج،
• التخوف من المسؤوليات الأسرية كحقوق الزوج والأطفال مستقبلًا.
هذه التحديات والمخاوف تحبط البعض وتصرفه عن الاهتمام بمشروع الزواج حتى سنٍ متأخر، بينما يرى البعض أنّ الزواج مشروعٌ ناجحٌ رغم التحديات والمخاوف، فيقدم على الزواج بعد أن يختار شريك حياته بعناية بقناعة تامة أنّه سيتجاوز الصعاب ويحقق أهدافه السامية.
التضحيات المطلوبة:
يحتاج رئيس الشركة وصاحب المشروع المادي الى رؤيةٍ صائبةٍ وعزيمةٍ راسخةٍ وعملٍ دؤوبٍ وصبرٍ جميلٍ وكفاءةٍ عاليةٍ وقدرةٍ على بناء وإدارة فريق العمل ليقود شركته رغم تحديات الأعمال ويحقق النجاح المادي. كذلك من يرى عظمة مشروع الزواج وأهدافه السامية ويتلمس آثاره الإيجابية على استقراره النفسي ويقتنع برسالته في بناء الجيل الجديد الذي يحفظ تاريخه ويخلد ذكراه، فإنّه يقدم على الزواج ويقتحم التحديات ويقبل أن يقدم التضحيات في سبيل ذلك، ومنها:
• اعتبار الزواج وبناء الأسرة أولويةٌ قصوى تؤهل الفرد الى الإبداع في حياته الدراسية والعملية وليس العكس،
• التنازل عن المواصفات الخيالية المبالغ فيها للشريك المطلوب،
• القبول بالحلول الوسط التي تضمن توافق طرفي الزواج وانسجامهما النفسي،
• إدارة الزواج بحكمة والتخطيط للحمل والإنجاب حسب خطةٍ زمنيةٍ تتناسب مع دخل الأسرة وظروفها المادية،
• التمتع بجو الزواج وما يوفره من سعادةٍ تعوض الفرد عن علاقاته السابقة قبل الزواج،
• اعتبار الزواج أعظم مشروعٍ يهدف الى بناء جيلٍ رائعٍ مبدعٍ من أبناءٍ وبنات، هذا الهدف المقدّس يحفظ للأسرة تماسكها ويشيع فيها أجواء المودّة والرحمة.
قد يلاحظ القارئ الكريم، أنّ هذه المقالة اعتمدت منهجًا عقليًا منطقيًا وليس دينيًا لإثبات جدوى الزواج كمشروع حياة. أمّا إذا أردنا أن نستعين بأمثلةٍ وقدواتٍ دينية فخير مثالٍ على ذلك، هو زواج أم المؤمنين السيدة خديجة عليها السلام من رسول الله (ص)، رغم مواجهتها التحديات الضخمة من قومها، ورغم تضحياتها العظيمة بأموالها وجاهها في سبيل الله. لقد نجحت السيدة خديجة عليها السلام، تلك المرأة الصالحة في زواجها من سيد البشر و خاتم الرسل محمد (ص) فأنجبت الذرية الصالحة واستحقت سعادة الدارين، والحمد لله ربّ العالمين.
