هذه المرة الحديث ليس حول معلم مندثر تماماً ولكن ابتعدت معلوماته عنا بعيداً فتبعثرت معارفنا عنه لدرجة أنها تبدو وكأنها ضرب من الخيال حين نسمع أو نقرأ عنها بعض الحقائق فكم يلفها الكثير من الغموض وكم يظن البعض -مثلاً- أن القلعة هي الأساس فهي قابعة فوق البناء الضخري المنحوتة صخوره على شكل مكعبات أو متوازي مستطيلات ضخمة تشبه صخور أهرامات الجيزة ماهي إلا مجرد قاعدة بنيت من أجل أن تقف عليها هذه القلعة!
لذلك نلاحظ أن الكلام والإهتمام دائما مايوجه لتلك القلعة وعلى أنها قد بنيت لها قاعدة من الصخور وأما بقية ماجاورها من اساسيات كالعيون والمعبد وبعض الآثار من حولها فقلما يظهر ذكرهم أو الحديث عنهم وإن كان الأمر قبل ثلاثة عقود من الزمن يختلف تماماً فالقلعة -مثلاً- لم تكن في نظر السكان المحليين -أعني أهالي تاروت وبقية مناطق القطيف- إلا جزءًا من تلك المنطقة الأثرية يأتي في الأهمية بعد العيون وبعد تلك الصخور المنضدة حيث كانوا يقولون (نذهب إلى حمام تاروت) وكذلك (نسبح في الحمام) وهكذا وكم تغنى الشعراء بذكر حمام تاروت لا قلعته فمنهم من يقول -مثلا- “حمام تاروت كل يوم عليه طيرين..الخ” كما يذكرون أيضاً حمام باشا وهو الحمام المتدفقة مياهه من خلال (الحلقوم الشمالي) ماراً بحافة المسجد الشرقية وكذلك العين التي تقع غرب الحمام وهي عين اعوينه وكذلك عين هرهر ثم يقول البعض منهم حين يصفون ذلك الحمام لمن لم يراه أن هناك قلعة على جانبه الجنوبي.
ليس ذلك تقليل من شأن القلعة وأنما هي معلم شاهق مشهور وله أهميته التاريخية وإنما نقول انه لم تسلط الأضواء على تلك القلعة من قِبَل عامة الناس بشكل مركز إلا بعد نضوب مياه حمام تاروت مع سائر عيون المنطقة حين بدأ ذلك تحديداً من عام ١٩٩٦م ولاننسى أيضاً السائحين الأجانب فكثيراً مايلفت أنظارهم تلك القلعة الشاهقة والمبنية قوق ذلك الصرح المنيع المبني بتلك الصخور المكعبة الضخمة المنحوتة من صخور الفروش البحرية.
فعندما نقترب من صرح ضخم يرتفع عن سطح الأرض بما لايقل عن ارتفاع منزل بثلاثة أدوار بُنِيَ من تلك الصخور التي يصل أبعاد بعضها إلى متر في ستين أو سبعين سنتيمتراً او سبعين × ستين ×ستين نُحِتت من أحجار الفروش البحرية فإننا بالفعل نظن لأول وهلة أن هذا الصرح ماهو إلا قاعدة بنيت من أجل تلك القلعة ولكن حين نتحقق في الأمر فإننا ندرك أولاً أن الفرق الزمني بين ذلك البناء الصخري وتلك القلعة هو فرق شاسع يصل إلى آلاف السنين وثانياً ندرك أن بناء ذلك الصرح الصخري هو اكثر صعوبة في إنجازه من انجاز تلك القلعة القابعة على سطحه بكثير ولا شك أنه استغرق هذا الصرح وقتا أطول عندما نفكر في طريقة جلب تلك الصخور الكبيرة جداً من وسط البحر وكيفية نقلها وكم تستغرق كل صخرة ليتم نحتها بذلك الشكل التكعيبي، حينها ندرك أنه وكما يقال: “كيف تكون البطانة أغلى من المعطف ذاته؟”
ولا شك أن نقل الحجارة ونحتها وصفُّها فوق بعضها قد استغرق سنين ناهيك عن كونها انها ذات علاقات تربطها بذلك الحمام العريق من خلال منافذ تمر داخل ذلك الصرح وأن هناك الكثير ممن استطاعوا الدخول إلى متاهات في داخل ذلك الصرح بعد الغطس في العين ثم الصعود لعدة سلالم لتقودهم إلى متاهة تشبه الغرفة وأمامها مصطبة تشبه مايُغسل فوقه الميت وبقعة ضوء شمسية تنير ذلك المكان وهي قادمة من الفوهة التي تشبه البئر والتي غُطيت بالحجارة تحديداً منذ عام ١٤٤٠ خوفا من سقوط البعض فيها، وكما يروى أن كثير من المغامرين كانوا يدخلون من خلالها لجلب بعض القطع الأثرية فجميع هذه الدلالات تشير إلى أن هذا الصرح الصخري هو معبد قديم يختلف عصره عن عصر تلك القلعة القابعة فوقه وأنه من المعروف أن جميع الأديان السماوية منها والوضعية لابد لها من الطهارة قبل الشروع في العبادة فبدلك يكون العابد مجبر أن يغتسل قبل دخوله هذا المعبد.
لقد تم العثور على العديد من تلك القطع الأثرية بما فيها بعض التماثيل سواء اكانت من داخله أم من المناطق المجاورة له فهذا الصرح هو المشهور بمعبد عشتاروت وقد وجدت بعض التلميحات عنه في ملحمة جلجامش. كان من اشهر وأكبر ما اكتشف من التماثيل التي كانت في هيئة العبادة هو ذلك التمثال المعروف ببعل عشتاروت او تمثال العابد او العابد الخادم والمعروف مكان عرضه في متحف الرياض الوطني والذي كان مقر اكتشافه بالقرب من الرفيعة.
كانت أول مرة اراه فيها حين زرت المتحف عندما كنت طالبا في جامعة الملك سعود عندما كان موقع المتحف على الشارع المؤدي لحي الشميسي وبعد عدة سنين وتحديدا عام ٢٠١٥ بينما كنت أتجول في متحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك (The Metropolitan Museum of Art) ، تفاجأت بوجود هذا التمثال نفسه يحتل مكانه هناك فالتقطت له عدة صور ثم التقيت بعدها بأحد المسؤولين لأتحدث له عن ذلك التمثال وانه من بلدي حينها تجاذبنا أطراف الأحاديث حوله ففهمت منه أنه وحسب وصفه كما قال: (إنه ضيف عندهم وسيمكث عندهم لعدة شهور وقد تمدد فترة زيارته لأكثر من سنة).
هناك العديد من الآثار المكتشفة من هذه المنطقة التي غادرت البلاد ورغم أن الدولة بدلت الجهود الكبيرة من أجل استعادة الكثير منها إلا أنه لايزال هناك الكثير منها لايزال مغيباً.
*الأستاذ عبد الرسول الغريافي باحث في التراث ومؤرخ.
احسنت ووفيت و كفيت على هذا البحث المتكامل عن جزء وموقع اثري قريب من قلوبنا. وامل ان تسترجع كل الاثار المسروقة من المتاحف العالمية لانها ملكا شرعيا لهذا البلد الحبيب. تحياتي