قبل البدء، دعني أسألك أولًا – عزيزي القارئ:
هل هناك ميكروبات تعيش في الفضاء الخارجي (Universe) ولا تعيش على كوكب الأرض؟
أم هل هناك ميكروبات قادرة على أن تغزو كوكب الأرض وتدمر البشرية – أو أي جنس حي آخر يعيش فيه – (نظراً لسميتها وعدم تعرف جهازنا المناعي عليها)؟
وعليه هناك الكثير من الأسئلة عن طبيعة الأبعاد التي قد يتميز بها عالم الأجرام الصغيرة!
لو تأملت – عزيزي القارئ – في الأسباب التي تجعل الكثير من الأحياء لا تستطيع أن تعيش في بيئة عالية الملوحة كالبحر الميت – مثلاً – ستعرف بأنها هي نفس الأسباب التي تجعل بعض أنواع الحياة الموجودة في تلك البيئة قادرة على أن تستمد القوة وتبقى مُتعايشة في تلك البيئة، بل هي نفس الأسباب التي تجعل بعض أنواع الحياة تستمد القوة من مسببات الموت للكثير من الكائنات الحية ومن ضمنها الإنسان كالإشعاعات وارتفاع درجة الحرارة أو إنخفاض درجة البرودة، وغيرها من أسباب تظهر على أنها كارثية ومميتة.
خذ على سبيل المثال ميكروب الهالوبكتيريوم (Halobacterium) فهي تعيش في البحر الميت وتستمد القوة من إرتفاع معدل الملوحة (والذي يصل إلى ما يعادل من 5 إلى 10 أضعاف الملوحة الموجودة في مياه البحار الأخرى).
وانطلاقا من الهالوبكتيريوم، فإن العلماء تطلق العنان في تفكيرها إلى إمكانية إيجاد سبل للحياة خارج نطاق التفكير الإعتيادي؛ بل ويصل إلى ما هو أبعد من التعرض للإشعاعات الكونية والتي قد تدمر المحتوى الجيني للكائنات الحية (خصوصاً الميكروبات).
إن الدراسات التي تجريها جامعة ماريلاند الأمريكية (بتمويل من “ناسا” وبتعاون من مؤسسة الأنظمة البيولوجية في مدينة سياتل) على الهاليكوبكتيريوم أشارت إلى أن تلك النوعية من الميكروبات لها القدرة على إصلاح حمضها النووي (DNA) أو الموروث الجيني عند تعرضها لظروف بيئية قاسية مدمرة بطريقة هندسية بارعة؛ حيث أنها كانت (وكما قال رئيس الفريق العلمي أدريات كيش من جامعة ماريلاند) في كل مرة تخضع لظروف قاتلة (والتي من ضمنها تعريضها للأشعة فوق البنفسجية والجفاف وانعدام الجاذبية) تعاود ترتيب حمضها النووي بالطريقة التي كانت عليها، علما بأن باقي الأنواع البكتيرية التي كانت تخضع لنفس التجربة تموت وتتغير تماماً.
لقد أدهشت هذه النوعية من البكتيريا خيال الباحثين، وجعلتهم يسألون:
عن إمكانية مقاومتها للظروف المعقدة في الفضاء الخارجي؟
وتقول الباحثة جوسلين ديورجيرو (من نفس الفريق البحثي المذكور) بأن الهاليكوبكتيريوم تفرز إنزيمات إصلاحية للحمض النووي في الموروث الجيني للهاليكوبكتيريوم تسمى بأدوات الإصلاح الجزيئية (molecular repair tools) قادرة على تعديل الحمض النووري للموروث الجيني متى ما أصيب بأي أضرار.
ومن هنا بدأ العلماء يسألون:
هل بالإمكان الاستفادة من هذه البكتيريا في إيجاد نظام مُشابه يعمل بنفس الكفاءة عند البشر (أي يقوم بالتعديل التلقائي عند حدوث العطب في حال كان هناك تعرض لتلوث بيئي أو للشيخوخة مثلاً)؟
والسؤال أعلاه خارج نطاق المقالة الحالية، ولكنه سؤال يطرح بطريقة بحثية احترافية تجعل العلماء يبحرون من خلالها بأفكارهم إلى ما هو أبعد من النظام الموجود في ميكروب الهليكوبكتيريوم. ويجب علينا أن لا نغفل ونتذكر أيضًا بأن أصل العلوم المطبقة في عصرنا الحالي كانت أفكار فرضية ونظريات بدت وكأنها خيالية.
بناء على ما تقدم، تم طرح السؤال الثاني:
كيف يتم الاستفادة من تلك الأدوات الإصلاحية الجزيئية عند غزو الفضاء؟
وهل بمقدور الطب الاستفادة منها في منع الأمراض السرطانية، مثلاً؟
ومن الأمور المهمة هنا والتي يجب أن ألفت الإنتباه لها، هو أنه قد تم الحصول على الهاليكوبكتيريوم في ترسبات ملحية يعود عمرها إلى قرابة 250 مليون سنة (وهي تقارير جدلية).
فإذا صح هذا! فإنه سيشجع العلماء على البحث بجدية عن حياة في الفضاء، خصوصاً أن الدراسات العلمية التي قامت بها المركبتين “سبرت” (Sprit) و”اوبورتشينيتي” (Opportunity) على سطح المريخ قد كشفت عن وجود بحيرات ملحية يعود عمرها لعشرات ملايين السنين وهو ما يثير تساؤلات العلماء حول إحتمالية وجود ميكروبات مماثلة للهليكوبكتيريوم تعيش على كوكب المريخ (أو حتى على كوكب آخر)!
*باحث واستشاري في علوم الميكروبات الإكلينيكية وهندستها الجينية