الزواج بين الدين والاجتماع – بقلم الدكتور عبدالجليل عبدالله الخليفه

لو سألك أحد:
• 2 + 2 = ؟ فستجيب بسرعة ويقين رياضي (100%) أنّ النتيجة 4
• هل كل انسان يموت؟ فستجيب بسرعة ويقين منطقي (100%)، نعم كلّ انسان يموت
• هل كل المعادن تتمدد بالحرارة؟ ستفكر ثم تجيب بتردد، نعم كل المعادن تتمدد بالحرارة، لكن باطمئنان (90% او أقل) لأنك لم تستقرأ 100% من المعادن بل ربما أجريت التجارب على 80% منها.
لو سألك آخر:
• لو رأيت اثنان يغرقان لا قدّر الله أحدهما قريبك والآخر صديقك العزيز، وتستطيع أن تنقذ أحدهما فقط، فأيٍ منهما تنقذ؟
• لو أعطاك الجالس بجنبك الأيمن على مقعد الطائرة 1000 ريال وطلب منك أن تعطي جزءًا منها للجالس بجنبك الأيسر، فان لم تتفقا فسيسترجع المبلغ كاملا، فكم تعطي الجالس بجنبك الأيسر؟ 100 او 200 او 500؟
• لو سألت أحد الأبناء والبنات: متى تتزوج؟ هل تتزوج وعمرك 20 او 25 او 30 سنة؟

لماذا تتردد في الإجابة على هذه المجموعة من الأسئلة، وكم انت مقتنع بإجابتك (نسبة 60% او أكثر او أقل).
السبب أنّ المجموعة الأولى تتعلق بالعلوم الحقيقية التي يكتشفها عقلك وينفعل بها من الوجود الخارجي سواء كانت رياضية او منطقية او تجريبية، بينما المجموعة الثانية تتعلق بموقفك الذي يحدّد ماذا ينبغي عليك أن تعمل او لا تعمل لتحقق الطمأنينة النفسية والحياة السعيدة، فالعقل هنا لا يكتشف واقعًا خارجيًا حقيقيًا بل يتفاعل مع الواقع الخارجي ليتخذ موقفًا يعتبره الأفضل من بقية الخيارات.

العلوم الحقيقية:
أبدع الله خلق السموات و الأرض وما بينهما ضمن قوانين كونية طبيعية كالجاذبية الأرضية وتمدد المعادن بالحرارة، يكتشفها الإنسان بقدرة الإحساس ومهارة التعلم والمعرفة فينعكس هذا الوجود وظواهره في ذهن الإنسان عبر نظرياتٍ ومعارفٍ وعلومٍ حقيقية تعكس الواقع الخارجي وعلاقاته.

المشاهدات الحسية والتجريبية يجمعها الإنسان لتثير قدرته العقلية المنطقية حيث يضيف اليها البراهين الرياضية اليقينية والقضايا البديهية مثل استحالة اجتماع النقيضين وضرورة السببية بين الأشياء ليكتشف النظريات العلمية. هذه النظريات العلمية تفسر الظواهر الحسية والطبيعية كما هي في الواقع الخارجي. فالعقل لا يخلق هذه الحقائق الكونية بل يكتشفها فقط. وهذه إذن مسيرة التطور في العلوم الحقيقية.

العلوم الاعتبارية:
فطر الله الإنسان على حب الكمال والنفور من النقص فهو يسعى للاستفادة من هذا الوجود الكوني وعلومه الحقيقية لتحقيق غاية كماله الوجودي. إن حاجة الإنسان لتلبية متطلباته من الواقع الخارجي الذي يعيش فيه، يجعله يقرر ما ينبغي عليه ان يفعل وما لا ينبغي له أن يفعل، فمثلا حين يحس بضراوة الجوع، يدرك أنه ينبغي عليه أن يأكل فيبحث عن الطعام ليأكل، وحين يحس بالعطش يدرك أنه يجب عليه أن يشرب فيبحث عن الماء ليشرب، وحين يرى الأسود والحيوانات المفترسة يدرك أنه يجب عليه أن يهرب منها.

هذه الإدراكات والمشاعر التي تدفعه لعمل شيء وترك آخر، نستطيع أن نسميها علوما وادراكات اعتبارية (يعني أن الإنسان إعتبرها طريقه الأفضل لبلوغ الكمال). هذه الاعتبارات قد تكون ضرورية كإدراكه بالحاجة للأكل والشرب واللباس والسكن والاجتماع مع الآخرين، وقد تكون غير ضرورية مثل اعتباره اللون الأخضر للحركة واللون الأحمر للوقوف، فقد كان بالإمكان ان يختار البشر ألوانًا أخرى لتحقيق هذه الغايات. ومن هذه الإدراكات الاعتبارية الفن والأدب وكل ما يتوافق عليه البشر، كاللغة وقواعدها مثل رفع الفاعل ونصب المفعول وحركة المرور في الشوارع وحقوق الملكية والتنظيمات الإدارية والنقود الورقية، بل كل ما يدور في العلاقات البشرية.

الفرق بين العلوم الحقيقية والعلوم الاعتبارية:
العلوم الحقيقية لها واقعٌ تكويني خارجي حقيقي يكتشفه العقل، أما العلوم الاعتبارية فليس لها واقعٌ خارجي يكتشفه الإنسان، بل إن الإنسان يتبناها ويتوافق عليها مع الآخرين لتنظيم شؤون الحياة. ويلاحظ على هذه الاعتبارات ما يلي:
• قد تكون صحيحةً تحقق المطلوب وقد لا تكون كذلك، فمثلا قد يتبنى البعض حركةً مروريةً لعلاج أوقات الذروة ويثبت فشلها فيضطر الى تغييرها بعد فترة،
• من الاعتبارات متغيرٌ ونسبي غير ثابت مثل عادات الأكل والاستقبال والضيافة والتي تتغير من زمانٍ الى آخر، ومنها ما هو مطلقٌ ثابتٌ بغض النظر عن المكان والزمان مثل اعتبار أنّ العدل قيمةٌ مطلقةٌ ومنها قدرة العقل على إدراك الحسن والقبح ،
• العلاقات بين الاعتبارات ليست برهانيةً تستنتج بعضها من بعض، على العكس من العلوم والنظريات الطبيعية التي يمكن ان يستنتج بعضها من البعض الآخر.

القوانين والتشريعات:
وجد الإنسان في نفسه الحاجة للحياة مع الآخرين ضمن مجتمعٍ صغيرٍ ما لبث ان كبر وأتسع وزاد عددًا، فتدافعت مصالح البشر وتنافسوا على الموارد. وبرزت أهمية القانون الذي ينظم حياة الناس (مجموع الحقوق والواجبات على أفراد الجنس البشري تجاه الطبيعة وتجاه بعضهم البعض، وتجاه الخالق بالنسبة للأديان السماوية)، واتضحت أيضا الحاجة الى السلطة التي تنفذ القانون وتحكم بين البشر فيما اختلفوا فيه. وقد جرت سيرة العقلاء ومنها المشرّع السماوي على إتباع نفس الطريقة في تشريع أي قانونٍ حيث تمر في مرحلتي الثبوت والإثبات:

مرحلة الثبوت (سنّ القانون):
• يدرك المشرِّع المصلحة او المِلاك الذي يحققه الفعل المعين،
• تتولد في نفس المشرِّع إرادة لتحقيق هذه المصلحة،
• يسنّ المشرِّع القانون الذي يوجب الفعل المعين لتحقيق المصلحة،
مرحلة الإثبات (إعلان القانون):
• ينشر المشرِّع القانون على الملأ ويطلب منهم اتباع هذا القانون.

الفرق بين التشريعات الأرضية والسماوية:
الفرق الأساسي هو تحديد المصلحة فبينما يرى الخالق في تشريعه السماوي المدد الغيبي والجزاء لأخروي والتوازن بين الجانبين الفردي والاجتماعي بالإضافة الى المصلحة الدنيوية يستبعد المشرع الوضعي ما وراء المادة ليركز على الجانب المادي الدنيوي وبنظرةٍ فرديةٍ أحيانًا في الغرب او بنظرةٍ مجتمعيةٍ بحتة في النظم الاشتراكية.

وهناك فرقٌ آخر في التطبيق، فالمشرّع السماوي يوقظ الرقيب والوازع الداخلي في نفس الإنسان حيث يسعى لتأمين سعادته في الدار الآخرة بينما يعتمد المشرّع الأرضي على الرقيب الخارجي فلا يرى الآخرة في معادلته الحياتية.

أطلقت أوروبا بعد عصر النهضة شرارة التشريعات الوضعية، وكانت خلفيتها الثقافية ما يلي:
• الموقف المشين للكنيسة ضد النهضة العلمية إبّان عصر النهضة وتبنيها لأفكارٍ خاطئةٍ كمركزية الأرض وغيرها، مما أوجد ردة فعلٍ عنيفة ضد الدين والتشريعات السماوية،
• الانبهار بالثورة العلمية واكتشاف الكثير من القوانين والحقائق الكونية بناء على المنهج التجريبي والبديهيات العقلية والمنطق الرياضي، وقد دفع الحماس الفلاسفة والمفكرين الغربيين لإيجاد بديلٍ قانوني متكامل ينظم حياة الأفراد والمجتمعات بناء على الادراكات الاعتبارية التي تعتمد على التوافقات البشرية في مكانٍ وزمانٍ معين.

وهكذا انطلقت القوانين الوضعية التي تحمي حقوق الأفراد وتنظم العلاقات الاجتماعية على كافة المستويات، ومنها حقوق المرأة ونظام الأسرة، ومازالت هذه القوانين في طور التغيير الى يومنا الحاضر. لقد إعتبر الغرب نجاحه في اكتشاف العلوم الحقيقية عن الواقع الخارجي الطبيعي، دافعًا له للولوج في العلوم الاعتبارية كتشريع القوانين.

لكنّ العلوم الاعتبارية لا تكتشف الواقع الطبيعي الخارجي كما هي العلوم الحقيقية التي أبدع فيها الغرب، بل هي ادراكات اعتبارية عن أفضل العلاقات الإجتماعية التي تحقق الطريق الأمثل لبلوغ حالة الكمال البشري، فالمصلحة (أي المِلاك) يتم تقديره من قبل المشرّع الإنسان بناء على تفكيره وخلفيته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية على العكس من التشريعات السماوية التي ترى أنّ الخالِق هو العارِف الحكيم العالِم بالمصالح والمفاسد الحقيقية، وبناءً عليها جاءت تشريعاته السماوية عبر الرسل والكتب السماوية.

هل نجحت تشريعات الغرب الوضعية أم لا؟
يرى البعض نجاح التشريعات والقوانين الغربية فمجتمعات الغرب تنعم بالحياة الرغيدة وحفظ الحقوق الاجتماعية والحريات الفردية. ويرى البعض خِلاف ذلك، فالإنسان الغربي في نظره أصبح أداةً ميكانيكيةً تديرها عجلة الاستهلاك لتجني الأرباح الطائلة لصالح 1% من أفراد الطبقة الثرية، وقد أفرغت حياته من معناها فأصبح يعيش دوامةً من الفراغ المعنوي والقلق والاكتئاب، وعمّت الفردانية والأنانية المادية وتحطمت عُرى الأسرة.

ولعلّ الحروب العالمية أبسط مثالٍ على الدمار الكبير الذي لحق بالإنسانية نتيجة جشع الغرب وتكالبه على ثروات البلدان الفقيرة. ويضرب هذا البعض مثالًا جديرًا بالدراسة ألا وهو الأسرة وتغير نظامها منذ انطلاقة النهضة الأوربية وحتى عصرنا الحاضر.

الزواج في الدين:
تهدف الشريعة السماوية من خلال الزواج الى تحقيق ثلاثة أمور:
1. إشباع الرغبة الجنسية، والحفاظ على العفة والحياء،
2. تحقيق التناسل الشرعي، وإشباع غريزة الأبوة والأمومة،
3. إقامة أسرةٍ سعيدةٍ ملؤها السَّكينة والمودة والرحمة تمثل نواة المجتمع الكبير.
ففي أوروبا مثلًا وحتى أثناء العصور الوسطى، اعتبرت المسيحية الزواج سرًا مقدسا يربط بين الرجل والمرأة وجعلت الزواج ميثاقًا محترمًا، وشجّعت كثرة النسل وحرّمت الإجهاض، وطالبت الزوج وزوجته أنْ يلتزما العفّة وألّا يقربا الزنا.
فكيف تغير نظام الأسرة في الغرب خلال القرون الثلاثة بعد ذلك؟

النهضة الأوربية والتغيير الاجتماعي:
أودت مرحلة الطاعون الأسود على حياة ربع سكان أوروبا تقريبًا في القرن الرابع عشر، فحدث فراغٌ كبيرٌ ملأته النساء وهذا تغيرٌ كبيرٌ لدور المرأة، فشاركت ومارست أنواعًا مختلفة مِن الأعمال. وتمّ جلب النساء إلى المدن للعمل كخادمات أو عاملات في معامل النسيج وتمّ استخدام الشابات غير المتزوّجات فزاد مِن الفرص الاقتصاديّة، إلّا أنَّه أخّر سنّ الزواج. وبدأت المرأة بالقفز مِن عملٍ إلى آخر، أو أداء أكثر مِن عملٍ في وقتٍ واحد.

وفي بريطانيا ومع انطلاق الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، انتقلت الفتيات من الريف حيث كن يعشن في أسر ريفية ممتدة الى المدن حيث عملن في المصانع وعشن منفردات بعيدات عن الرقابة الاجتماعية الصارمة في الريف. فعملن لساعات طويلة وبأجور منخفضة، وقد أخر ذلك سنّ الزواج.

وبدأت النظم الدراسية في تدريس وتأهيل الأولاد والبنات في الصفوف الجامعية لتخريج كوادر عاملة في المصانع والشركات خدمة للأثرياء وأصحاب النفوذ، فأصبح من الطبيعي تأخير الزواج الى ما بعد المرحلة الجامعية، وانصرف البعض تدريجيًا الى أهدافٍ مادية استهلاكية وفي بيئةٍ منفتحة تلبي غرائزهم الجنسية بعيدا عن الرقابة الصارمة في الأسر الممتدة مما أدّى الى ضعف الدافع للزواج. وأدى توفير موانع الحمل في المجتمعات الغربية، وجعلها في متناول الشباب، وإباحة الإجهاض، إلى تشجيع البعض على ممارسة الرذيلة، دون خوفٍ من الحمل، خاصة مع وجود مؤسسات رعاية الأطفال غير الشرعيين.

في ستينات القرن العشرين، انطلقت موجة حركاتٍ تحمل عدة أفكارٍ سلبيةٍ عن الزواج؛ فاعتبرته وسيلةً يستخدمها الرجال للسيطرة على النساء، ورأت أنّ انهاء مؤسسة الزواج شرطٌ أساسي لتحرير المرأة. ودعت بعض هذه الأفكار الى الغاء مفهوم الأسرة القائم على نظام الزوجية (الذكر والأنثى)، وشجّع بعضها أخيرًا على إباحة ممارسة الشذوذ والزواج المثلي (أي زواج رجل برجل، وامرأة بامرأة)، وقلّلت من شأن الأمومة، وحاربت الإنجاب، وطالبت بالاعتراف بحرية المرأة الجنسية والتناسلية بعيدًا عن مؤسسة الزواج.

اباحة الشذوذ الجنسي في بعض التشريعات الوضعية:
اعتبر المشرّع في بعض البلدان الغربية أن الإنسان حرٌ في تصرفاته وليس للآخرين سلطةٌ عليه فله حقّ التصرف في جسمه وتقرير مستقبله. لذلك يمكنه أن يقرّر ماذا يريد أن يكون وكيف يعيش حسب ما يراه مناسبًا له، وبناءً على ذلك، حرّم القانون في السنوات الأخيرة أيّ تمييزٍ ضد دعاة الشذوذ بل وأوجد جوًا صاخبًا عالميًا يدعو الى ممارسة الشذوذ.

وهكذا سنّ المشرّع الغربي في العشرين سنة الماضية عدة قوانين تمّ تطبيقها وتفعيلها في بعض البلدان، حيث تم تغيير معنى الأسرة، فالأسرة ليست زوجًا وزوجةً كما كان سابقًا، بل يمكن أن تكون الأسرة فردين من جنسٍ واحد، او فردًا وأبناءً من زواجٍ غير شرعي. وهكذا انتشرت الرذيلة نتيجة قوانين المشرّع الوضعي التي أصدرها بناءً على رؤيته الخاطئة للمصلحة في تشريع القانون.

ملاحظات عن الزواج في مجتمعنا:

يعيش مجتمعنا ولله الحمد في ظل هدى الدين الحنيف الذي يحث على الزواج واكمال نصف الدين ويشجع على بناء الأسرة المطمئنة التي توفر أجواء المودة والرحمة. ويعيش أغلب المجتمع أجواء العفة والحياء ويحارب الزنا والرذيلة وأجواء الانحراف.

تأثير التغييرات الاجتماعية على الزواج في مجتمعنا:
في ظل التغييرات الاجتماعية العالمية وانفتاح المجتمعات عبر وسائل التواصل والعولمة، تسربت الى مجتمعاتنا بعض الظواهر المحدودة التي تستدعي انتباه الجميع وتتطلب دراساتٍ متخصصة قبل أن تتفاقم وتنتشر لتصبح ظواهر اجتماعية خطيرة. فعلى سبيل المثال:

• تأخر سنّ الزواج، نتيجة رغبة أغلب الجيل الجديد في انهاء دراسته الجامعية، بينما يرغب البعض بعد التخرج في تأخير الزواج حتى يحصل على وظيفةٍ مناسبة، ويؤجل البعض الزواج أكثر من ذلك منتظرًا تأسيس سكنٍ مناسبٍ له، مما أخّر الزواج الى عمر يتراوح بين 25 الى 30 عامًا او أكثر (أي بعد مضي 15 عامًا من مرحلة البلوغ الجنسي)،
• يتقدم الكثير من الأولاد لخطبة البنات أثناء دراسة المرحلة الجامعية او حتى بعد التخرج منها، فيرفضن الزواج مما قد يؤدي الى تفشي ظاهرة العنوسة مستقبلًا. والسبب هو أنّ البنت العزيزة قد تعتبر أنّ الدراسة والعمل يحتل المرتبة الأولى في الأهمية بينما يمكن أن يتأخر الزواج لعدة سنوات. هذا الاعتبار قد يكون مبنيًا على تجربة زواجٍ فاشلةٍ من قريبٍ او قريبة، او لأنّ الفتاة تعتبر أنّ تحقيق ذاتها وطموحها لا يتم إلا عبر الوظيفة، او لأسبابٍ أخرى. هذا الموقف قد يتغير إذا عرفت الفتاة أنّ هذه الاعتبارات ليست حقائق قطعية الصحة، بل هي آراءٌ واعتبارات يمكن مناقشتها بقلبٍ مفتوحٍ مع الأسرة للوصول الى حلٍ مناسبٍ يلبي طلباتها ضمن بيت الزوجية الجميل.
• انتشرت بعض حالات الانفصال في أسرٍ مضى على زواجها أكثر من عشر سنوات ولديها أولاد وبنات، وبعد الانفصال، قد تعيش الزوجة منفردةً وبعيدةً عن بيت والدها. إنّ وجود النساء المنفصلات برفقة عيالهن او لوحدهن حالةٌ غريبةٌ لم يشهدها مجتمعنا سابقًا. وسبب الانفصال قد يكون من الزوج او الزوجة مع الأسف، متناسين أنّ المواقف النفسية الحادة قد تكون نتيجة اعتباراتٍ قابلةٍ للنقاش فهي ليست قطعية الصحة، بل تحتمل الصحة والخطأ من الطرفين،
• أصبح من المستغرب أن يسكن الابن المتزوج حديثًا وزوجته في بيت الأب والأم ضمن الأسرة الممتدة، بل في الغالب، ينتقل الزوجان الجديدان للعيش في سكنٍ منفصلٍ عن بيت الأب والأم فلا يستفيدان من رعاية الأبوين ودعمهما للأسرة الجديدة بالحكمة المناسبة. إنّ اعتبار السكن البعيد أفضل من السكن مع العائلة قابلٌ للصحة والخطأ تبعًا لظروف العائلة الخاصة، فهو ليس الأفضل دائمًا.

هذه التغييرات الطارئة تمثل ادراكات اعتبارية لدى البعض نتيجة أفكارٍ وأراءٍ يقتنع بها في ظل ظروفٍ معينة، وحيث أنها لا تمثل هتكًا لهدى الدين وقيم المجتمع، يسكت عنها البعض الآخر ويتجنب الحديث عنها. لكن النتيجة التي لا تغيب عن أحد هي أنّ الأسرة بناءٌ مقدسٌ يوفر أجواء المودة والرحمة والسكينة للزوجين ويحافظ على أجواء العفة والحياء خاصةً أثناء ثورة الرغبة الجنسية في السنّ المبكرة.

لذا فإن تأخير الزواج وانصراف البعض عنه نحو الاهتمام الكلي بالعمل والدراسة قد يحرمهم من السعادة الأسرية وإنجاب الذرية الصالحة التي تحقق الطمأنينة والاستقرار وتوفير الأجواء المناسبة التي تربي الجيل القادر على دعم التنمية في وطننا العزيز. و الحقيقة أنّ السعادة في أجمل صورها تتحقق في أجواء الزوجية الهادئة والذرية الصالحة ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ (الفرقان: 74).

الخاتمة:
تبين جليًا ما يلي:
• العلوم الحقيقية تختلف جذريًا عن العلوم الاعتبارية وأي خلطٍ بينهما قد يسبب خطأً في المفاهيم والقناعات،
• التشريعات الوضعية الغربية وإن نجحت في بعض المجالات لكنها فشلت فشلًا ذريعًا في مجالات الزواج وبناء الأسرة، بينما بقيت التشريعات السماوية حيةً ونابضةً بالقيم والأخلاق السامية،
• إنّ انصراف الأبناء والفتيات عن الزواج وانشغالهم بالدراسة او العمل على حساب الزواج بالغ الضرر على مستقبل المجتمع والأجيال القادمة. هذا التأخير او الامتناع عن الزواج قد يكون مبنيًا على آراءٍ واعتباراتٍ قابلةٍ للنقاش والتغير حسب الظروف، فهي ليست علومًا حقيقيةً ثابتةً مطلقة. لذا يجب على الآباء و الأمهات وكذلك على المهتمين بذل الجهد لمعالجة هذه الظواهر المحدودة قبل أن تستشري وتصبح ظواهر اجتماعية خطيرة، والحمد لله ربّ العالمين.

د. عبدالجليل  الخليفه

تعليق واحد

  1. رضا البن سعد

    أحسنت دكتور، ورحم الله والديك، طرح رائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *