حليب الأم قد يمثل نقلة نوعية في طبيعة علاج الأمراض المميتة عند الرضع – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

Human milk could transform treatment of deadly diseases in infants
(جامعة موناش – Monach University)

مقدمة غسان علي بوخمسين: صيدلاني أول، مستشفى جونز هوبكنز
حليب الأم: معزز طبيعي للتوافر البيولوجي للأدوية
يُعرف حليب الأم غالبًا بإسم “الذهب السائل”، فهو ليس فقط المصدر المثالي لتغذية الرضع، ولكنه أيضًا سائل بيولوجي فريد يتمتع بخصائص فريدة، يمكن أن تؤثر في التوافر البيولوجي للأدوية(1). يشير التوافر البيولوجي إلى نسبة الدواء التي تدخل الجسم (عبر الفم أو الوريد) وتدور فيه، وتكون قادرة على إحداث تأثيرًا فعالًا في المكان المستهدف. وقد أبرزت الأبحاث الحديثة إمكانات حليب الأم في تعزيز التوافر الحيوي لبعض الأدوية، مما يفتح آفاقًا جديدة لتوصيل الأدوية بأكثر كفاءة وإلى استراتيجيات علاجية ناجعة.
يتمتع حليب الأم بتركيبته الفريدة وخصائصه الحيوية النشطة بإمكانيات كبيرة لتعزيز التوافر البيولوجي للأدوية. بالرغم من وجود تحديات يجب التغلب عليها، إلا أن الفوائد المحتملة للعلاجات الأطفال والراشدين، وكذلك في مجال الأورام، كبيرة. من خلال الاستفادة من الخصائص الطبيعية لحليب الأم وتطوير الأبحاث في هذا المجال، يمكننا فتح آفاق جديدة لتوصيل الأدوية وتحسين النتائج العلاجية للمرضى في جميع أنحاء العالم.
في المقال المترجم بين أيدينا، دراسة بحثية عملية على استخدام حليب الأم في محاولة التغلب عل ضعف امتصاص أحد الأدوية المهمة في علاج الأمراض المعدية، وهذا يعطي الأمل في توسع الأبحاث في هذا المجال الواعد في حقل توصيل الأدوية بأمان وفعالية.
التركيبة الفريدة لحليب الأم
حليب الأم هو سائل معقد يتكون من الماء، والدهون، والبروتينات، والكربوهيدرات، والفيتامينات، والمعادن، والجزيئات الحيوية النشطة. تشمل المكونات الرئيسة التالية والتي تساهم في دوره الممكن في تعزيز التوافر البيولوجي للأدوية:
– الدهون: يتوافر حليب الأم على مجموعة متنوعة من الدهون، بما فيها الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة طويلة السلسلة (LCPUFAs)، والتي يمكن أن تحسن قابلية ذوبان الأدوية الدهنية وامتصاصها.
– البروتينات: يمكن للبروتينات، مثل اللاكتوفيرين والكازين، أن تكون روابط بالأدوية، مما يعزز استقرارها وامتصاصها.
– الكربوهيدرات: يمكن أن تعمل السكريات القليلة في حليب الأم كمواد بيولوجية، مما يعزز نمو البكتيريا النافعة في الأمعاء، مما قد يؤثر بشكل غير مباشر في امتصاص الأدوية واستقلابها.
– الجزيئات البيولوجية النشطة: يحتوي حليب الأم على عوامل النمو، السيتوكينات، والإنزيمات التي يمكن أن تعدل البيئة المعوية، مما يعزز امتصاص الأدوية.
الآليات التي يعزز بها حليب الأم التوافر البيولوجي للأدوية
تحسين قابلية الذوبان
– الأدوية الدهنية: يمكن لمحتوى الدهون في حليب الأم أن يذيب الأدوية الدهنية، مما يعزز امتصاصها في الجهاز الهضمي. على سبيل المثال، يمكن أن تزيد الأحماض الدهنية المتعددة غير المشبعة طويلة السلسلة من التوافر البيولوجي لأدوية، مثل السيكلوسبورين والباكليتاكسيل.
– الأدوية القابلة للذوبان في الماء: يمكن أن تشكل بروتينات حليب الأم مركبات مع الأدوية القابلة للذوبان في الماء، مما يحسن من قابلية ذوبانها واستقرارها.
-تعزيز الامتصاص
– نفاذية الغشاء: يمكن للجزيئات الحيوية النشطة في حليب الأم، مثل عوامل النمو، أن تعزز نفاذية الغشاء المعوي، مما يسهل امتصاص الأدوية.
– تعديل ميكروبات الأمعاء: تعزز السكريات القليلة في حليب الأم نمو البكتيريا النافعة في الأمعاء، والتي يمكن أن تستقلب الأدوية إلى أشكال أكثر قابلية للامتصاص
الحماية من التدهور
– الحماية الإنزيمية: يحتوي حليب الأم على إنزيمات مثل الليباز المحفز بأملاح الصفراء، والتي يمكن أن تحمي الأدوية من التدهور في الجهاز الهضمي.
– التنظيم الحمضي القاعدي: يمكن أن يوفر الرقم الهيدروجيني الحمضي قليلاً لحليب الأم بيئة مواتية لاستقرار بعض الأدوية.
التطبيقات المحتملة
-توصيل الأدوية في أجسام الأطفال
– تركيبات الرضع: يمكن استخدام حليب الأم كوسيلة لتوصيل الأدوية للأماكن المستهدفة في أجسام الرضع، مما يضمن امتصاصًا أفضل ويقلل من الآثار الجانبية. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي إضافة الأدوية المضادة للفيروسات القهقرية إلى حليب الأم إلى تحسين توافرها البيولوجي لدى الرضع المعرضين لفيروس نقص المناعة البشرية.
– المكملات الغذائية: يمكن أن يعزز حليب الأم التوافر البيولوجي للمكملات الغذائية مثل الفيتامينات والمعادن، مما يضمن التغذية المثلى للرضع.
العلاجات للراشدين
– توصيل الأدوية عن طريق الفم: يمكن دمج مكونات حليب الأم في تركيبات الأدوية الفموية لتعزيز التوافر البيولوجي للأدوية ذات الذوبان الضعيف. على سبيل المثال، يمكن استخدام اللاكتوفيرين لتحسين امتصاص مكملات الحديد.
– التوصيل المستهدف: يمكن هندسة الحويصلات النانوية في حليب الأم لتوصيل الأدوية إلى أنسجة معينة، مما يوفر نهجًا جديدًا للتوصيل المستهدف للأدوية.
علم الأورام
– العلاج الكيميائي: يمكن استخدام محتوى الدهون في حليب الأم لتحسين التوافر البيولوجي للعوامل الكيميائية العلاجية، مما قد يقلل من الجرعة المطلوبة ويقلل من الآثار الجانبية.
التحديات والاعتبارات
القضايا الأخلاقية والعملية
– التوريد وإمكانية الوصول: حليب الأم مورد محدود، ويجب موازنة استخدامه في توصيل الأدوية مع الاحتياجات الغذائية للرضع.
– المخاوف الأخلاقية: يثير استخدام حليب الأم لأغراض غير غذائية أسئلة أخلاقية تحتاج إلى معالجة من خلال إرشادات ولوائح واضحة.
التحديات العلمية والفنية
– ثبات التركيب: يمكن أن يختلف تركيب حليب الأم بشكل كبير بين النساء وبمرور الوقت، مما يشكل تحديات لتوحيد تركيبات الأدوية.
– الاستقرار: يعد ضمان استقرار الأدوية في حليب الأم والحفاظ على سلامة مكوناته الحيوية النشطة أثناء المعالجة والتخزين أمرًا بالغ الأهمية.
العقبات التنظيمية
– عمليات الموافقة: يتطلب استخدام حليب الأم في تركيبات الأدوية اختبارات صارمة وموافقة من الهيئات التنظيمية، وهي عملية يمكن أن تكون طويلة ومعقدة.
– مراقبة الجودة: يعد إنشاء إجراءات مراقبة الجودة لضمان سلامة وفعالية تركيبات الأدوية القائمة على حليب الأم أمرًا سكان الأطفال والبالغين أمر ضروري.
التوجهات المستقبلية
التركيبات المبتكرة
– التركيبات النانوية: يمكن أن يؤدي تطوير التركيبات النانوية التي تتضمن مكونات حليب الأم للتوصيل المستهدف للأدوية إلى إحداث ثورة في مجال الطب الشخصي.
– المحاكاة الاصطناعية: يمكن أن يوفر إنشاء محاكاة اصطناعية لمكونات حليب الأم التي يمكن استخدامها في تركيبات الأدوية بديلاً قابلاً للتطوير وأخلاقيًا لاستخدام حليب الأم مباشرة.

( الدراسة المترجمة )

نشر فريق من باحثي جامعة موناش دراسة جديدة(2) تثبت قوة حليب الأم كوسيلة ناجعة جدًا لعلاج الرضع ببعض الأدوية الفموية.

وفي هذه الدراسة ما قبل السريرية [التي تهدف لجمع معلومات عن الدواء وسلامته، بحسب التعريف]، وجد الفريق أن الكمية الممتصة من دواء كلوفازيمين (clofazimine) – أي نسبة التوافر البيولوجي للدواء(1) الفموي – زادت بأكثر من 2.5 ضعف عند تناولها مع حليب الأم.

الصورة مقدمة من مؤسسة (Lifeblood) التابعة للصليب الأحمر الأسترالي.

وبنحو مماثل، كان التوافر البيولوجي لدواء الكلوفازيمين الفموي أعلى بشكل ملحوظ عند إعطائه في كل من الحليب البشري والحليب البقري لحيوان حديث الولادة، مما يشير إلى أنه يمكن تحقيق ارتفاع مماثل في نسبة التوافر البيولوجي للدواء الفموي لو استخدم في الحليب البشري أو البقري.

استخدم الكلوفازيمين سابقًا في علاج الجذام، ويُستخدم حاليًا لعلاج مرض السل – وهو المرض المعدي الأكثر فتكًا في العالم. وفي سياق هذه الدراسة، كان الباحثون يختبرون كيف يمكنهم رفع نسبة امتصاص الكلوفازيمين (توافره البيولوجي) في الأطفال المصابين بالمرض الطفيلي، داء الكريبتوسبوريديوس (داء خفية الأبواغ)(3).

يعد داء الكريبتوسبوريديوس مسؤولاً عن معدلات كبيرة من اعتلال ووفيات الأطفال الصغار دون سن الخامسة بسبب الإسهال في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، وفي السنوات الأخيرة استخدم الكلوفازيمين كخيار علاجي لهذه الحالات.

المشكلة في استخدام الكلوفازيمين لعلاج الأطفال هو أن فعاليته محدودة بسبب عدم قابليته للذوبان في سوائل الجهاز الهضمي. ولذلك، حليب الأم حل هذه المشكلة وذلك بتوفير بيئة مواتية لذوبان الكلوفازيمين فيه، دون الحاجة إلى اضافة مواد سامة أخرى مع هذا الدواء لتجعله قابلًا للذوبان.

مصادر من داخل وخارج النص:
1- “التوافر البيولوجي للأدوية Oral bioavailability] (F%)] هوعبارة عن نسبة الدواء، الذي يتناوله المريض عن طريق الفم، التي تصل إلى الدورة الدموية الجهازية. بعد حقن الدواء في الوريد، يصبح الدواء متاحًا بشكل مباشر وكامل في مجرى الدم ويمكن وصوله عبر الدورة الدموية الجهازية إلى النقطة التي يراد أن يؤثر فيها الدواء. أما لو كان تناول الدواء عن طريق الفم، فلابد له اجتياز الكثير من العوائق للوصول إلى الدورة الدموية الجهازية، مما قد يحد بشكل كبير من النسبة النهائية للدواء التي تصل إلى مجرى الدم.” ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: https://www.pharmainformatic.com/html/oral_bioavailability__f__.html
2- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0939641124004302?via=ihub
3- https://www.webteb.com/general-health/diseases/الكريبتوسبوريديوم

المصدر الرئيس:
https://www.monash.edu/pharm/about/news/news-listing/latest/human-milk-could-transform-treatment-of-deadly-diseases-in-infants

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *