بعد شهر من شرائه الآيفون، بعد شهر من تنزيل التطبيقات، بعد شهر من التواصل المكثف مع أصدقائه وعائلته عبر الواتس أب، وقف في طريقي إلى مكتبي قائلاً: لقد تغيرت الدنيا.
نعم تغيرت الدنيا بالنسبة لزميلي، ولمجموعات كبيرة من البشر بعد الطفرات المتتالية لتكنولوجيا الإتصال، وخصوصاً الإتصال المجتمعي، لقد تلاحقت خلال السنوات الخمس الماضية مجموعة من الإبداعات في هذا المجال، حتى أصبحت كلمة “العالم قرية صغيرة” حقيقة ملموسة وليست إعلان عولمي آخر.
في حديثي مع أصدقائي، أؤكد دائماً بأننا للتو بدأنا حقبة جديدة، للتو نخطو الخُطى الأولى نحو مستقبل ضبابي المعالم، في الوقت الذي يحاول البعض التأكيد بأننا في نهاية المطاف، في الخطوات الأخيرة، وما علينا إلا الإنتظار قليلاً وينتهي المستقبل.
في محاولتي لإقناع أصدقائي بفكرتي، أقول: دعنا نقترب من فحوى قصة التغير هذه؛ يتصل بالإنترنت حالياً أجهزة الهاتف والحاسب الآلي (على مستوى الفرد)، الأمر الذي يسّر الاتصال الجمعي؛ تناقلت النصوص بشكل مكثف ومعها الصور والفيديوهات، أصبحنا أقرب، تشكلت مجموعات، إنتقلت الوثائق بينها والإنطباعات والتعابير بفاعلية وتفاعلية في آن واحد.
فقط جهازين إستطاعا تغيير الحياة، السؤال هنا: ماذا لو عممنا فكرة الإتصال لتشمل جميع الأجهزة المباشرة للإنسان، للتبسيط: الأجهزة المنزلية؟!
في المنازل الذكية (مع الإعتراض على التسمية)، يتم التحكم بأجهزة التكييف، والتلفزيونات، والإنارة، ونظام الأمن وبقية الأجهزة الخدمية الأخرى مثل غسالة الثياب والنشافة والثلاجة، يتم التحكم بها بواسطة جهاز تحكم عن بُعد أو لوحة تحكم متصلة بأجهزة المنزل عبر شبكة لاسلكية (واي فاي)، الشبكة نفسها المتصلة بالإنترنت.
لنقترب أكثر، ما النتائج التي يمكن أن نتحصل عليها من إتصال أجهزة التكييف (على فرض أنها من النوع المنفصل) بشبكة الإنترنت، بالإضافة إلى التحكم، فإن تجميع بيانات تشغيل الأجهزة سيكون من المهام الأساسية لهذا الإتصال حيث سيمنح صاحب المنزل إمكانية الكشف عن قدر الضغط الملقى على مكيف محدد دون آخر، وبالنسبة لشركات الصيانة يمكنها من خلال مراجعة سجل التشغيل الإطلاع على تواريخ تشغيله ومُددها لإعطاء تشخيص مناسب لأي مشكلة قد تطرأ على الأجهزة، هذه المنافع تبرر أهمية إتصال نظام التحكم بالإنترنت كما تبرر أهمية حفظ السجلات الخاصة بتشغيل الأجهزة، ومع الوقت – بطبيعة الحال – ستكتسب أهمية أكبر.
ما الذي يمكن أن نعرفه من قراءة سجلات أجهزة التكييف الخاصة بك؟
سنعرف متى تدخل لغرفة نومك، ومتى تخرج منها من خلال جهاز تكييفها، متى تجتمع عائلتك في غرفة المعيشة، سنعرف مواعيد تناول عائلتك للوجبات الرئيسية من خلال جهاز التكييف الخاص بغرفة الطعام، ومتى تبدأ العائلة بإعداد الطعام من خلال جهاز المطبخ، ولعله متى زارك أحدهم عند تشغيلك لمكيف مجلسك..والنتائج بربطها ببعض لا نهاية لها.
يمكننا جمع الكثير من المعلومات الخاصة بك فقط بتوصيل أجهزة التكييف بشبكة الإنترنت وحفظ سجلات تشغيلها، سنجمع الكثير من بيانات بسيطة وبأدوات تحليل تقليدية بسيطة جداً، لن أتحدث هنا عن الويب الدلالي وما يقدمه من إمكانات تفوق الطرق التقليدية بآلاف المرات.
أجهزة التكييف فقط!، ماذا لو أوصلنا الإنارة والتلفزيونات ونظام الأمن وبقية الأجهزة، ما الذي يمكن أن نعرفه عنك؟
بالتأكيد، سنعرف بالتمام متى تخلد إلى النوم ومتى تجلس، ما هو مسلسل العائلة المفضل، وفي أي وقت تجتمع العائلة لتشاهده، ما المطاعم المفضلة للعائلة في أيام الأسبوع، وأيها في نهاية الأسبوع من خلال طلباتكم وحجوزاتكم عبر الإنترنت.
وبقية من المعلومات الخاصة بتفاصيل أفراد عائلتك، سواء معلومات شخصية أو تفضيلات تسويقية وأذواقهم الخاصة بالألوان والملابس والموسيقى والدراما.
أمّا سؤال: من يجمع هذه البيانات، ومن سيدفع تكاليف تحليلها؟ فالإجابة هي شركات الإعلانات التي ستقدمك للمعلنين على أنك منصة إعلان مباشر لمجموعة من المنتجات.
في يومٍ ما ستكون بياناتك الخاصة في متناول مُلاك المعرفة، مَنْ أتقنوا تحويل البيانات البسيطة الرخيصة الضعيفة إلى ثروة أو جيش من المعرفة.
في يومٍ ما سيعرفُ عنك قوقل (مثلاً فقط) ما لاتعرفه عن نفسك، فكيف عن أخيك، سيساعدك قوقل في إختيار هدية مناسبة لأخيك، او إختيار المطعم المناسب لأخيك في حال رغبتك في دعوته للخارج، وعلى أقل تقدير، ستدخل يوماً إلى صفحة قوقل لتكتب: متى يمكنني أن أزور أخي؟
تعليق على المقالة:
عندما تسأل قوقل: متى يمكنني زيارة أخي؟ …الشاعر الأستاذ مالك فتيل كتب هذه المقالة قبل عدة سنوات وبالتحديد عندما بدأنا في بلادنا نستقبل شبكات الإنترنت في البيوت،،،،، ” فليسمح لنا الأستاذ مالك بقليل من التعليق: نعم لقد تغيرت الدنيا وحاضرنا أصبح ضبابيا والمستقبل سيكون أكثر عتمة ….وما ذكرته عن التحكم بالأجهزة تم وإنعدمت الخصوصية وباتت كل تفاصيل حياتنا بين يدي من لا نعرف…… وقوقل يعرف عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا فهو دوما يذكرنا بخصوصياتنا والأدهى من هذا أن الشبكة العنكبوتية تتفنن في خطفنا عن أقرب الناس منا وتتماهى في عزل أولادنا والسيطرة عليهم وإبعادهم من عالم الواقع الى عالم الخيال ،،، فيتحولون بقدرة هذه الشبكة من إنسان الى أشباه إنسان …..هذا يحدث الآن ونحن ما زلنا في عالم “الواي فاي” ولم ندخل عالم الذكاء الإصطناعي (Artificial intelligence) بعد…. يا ترى ماذا سيكون سؤالك يا أستاذ مالك إذا توقعت المستقبل في ظل الذكاء الصناعي؟