الأفكار السلبية و كيفية التغلب عليها – علي سـعيد البيك

الأفكار السلبية و كيفية التغلب عليها

أخطاء التفكير العشرة و الحديث الذاتي الإيجابي

هناك حكمة صينية قديمة تقول: ” ليس بإمكانك منع طيور الأسـى من التحليق فوق رأسك ، و لكن تستطيع منعها من إقامة أعشاشها على رأسك ” .

إذن تعامل مع طيور الأحزان برقة لحثها على المغادرة ، و لا تسمح لها بأن تبني لها عـشاً في قلبك أو فوق رأسـك. و كذلك الأفكار السلبية لا نستطيع منعها من التحليق فوق رؤوسنا و لكن نستطيع مناقشتها مع ذواتنا و تفنيدها ثم حثها على المغادرة ، ولكن كيف ؟   . . . هذا هو موضوعنا ، الأفكار السلبية: ماهي ، و ما  وظيفتها ، و كيف نتغلب عليها ؟

تقدر الدراسـات أننا نقوم بتقييم ذواتنا ما بين 300 – 400 مرة يومياً، و أن 80 % منها هو عبارة عن تقييم سلبي و لوم و انتقاد !!

وفي دراسة أجرتها جامعة أمريكية في عام 1983م تقول أن هذه النسبة المرتفعة من الأحاديث السلبية تتسبب في أكثر من 75 % من الأمراض التي تصيبنا بما فيها أمراض الضغط و السكري و النوبات القلبية و غيرها. و يعتقد الكثير من علماء النفس أن العديد من مشكلات الحياة تنشأ من التفكير السلبي و غير المنطقي ، و التي قد تؤدي الى الاكتئاب، و لذلك يتحدثون عن التواصل مع النفس بشكل كبير هذه الأيام ؛ بل قامت مدرسة للعلاج النفسـي تدعو إلى مراقبة ما يتحدث به المرء مع نفسه مراقبة صارمة ومن ثم العمل على توجيه هذا الحديث لما يشحن من طاقتنا النفسية و يزيد من تبصرنا للأمور و الأحداث .

المدرسة النفسية التي أولت عناية كبيرة بأهمية الأفكار السلبية و غير العقلانية هي المدرسة المعرفية السـلوكية ، وهي المدرسة الأقوى اليوم في العلاج النفسي ، وتقنية العلاج المعرفي السلوكي تقنية فعالة و سريعة ،وهو علاج يركز على تغيير طريقة التفكير و من ثم تغيير المشاعر و السلوك ، ” أنت تصبح ما تفكر فيه “، و يتلخص العلاج المعرفي السلوكي (1) CBT في   المعالجة النفسية للأفكار , فليست الأحداث هي التي تؤثر فينا إنما طريقة تفكيرنا إزاء هذه الأحداث . . . هناك مساحة بين الحدث و ردة الفعل لذلك الحدث ، في هذه المساحة توجد أفكار فورية و في الغالب سلبية تسمى ( الأفكار الأتوماتيكية ). (2)

ماهي الأفكار الآلية الأتوماتيكية ؟

هي أفكار سريعة جدًا ، و مؤثرة جداً ، تمر على الإنسان (3) ،و قد تؤدي إلى الإحباط أو قد تؤدي إلى زيادة الهمة هذه هي وظيفتها ، وهي نوعية في المحتوى ، تعطي التفسير للحوادث ، وغالباً ما تتضمن التنبؤات عند الحوادث، وهي تحدث خارج وعي الفرد ، وعندما يستبصر بها الفرد يعيها ، فإنه عادة ما ينظر إليها على أساس حقائق و مـسلمات غير قابلة للجدال أو النقاش (4).

و قد عدد الدكتور ديفيد بيرنز (1980) (David Burns (5 عـشر مجموعات من الأفكار السلبية الفورية الأتوماتيكية و التي يحتاج الناس إلى أن يواجهوها وأن يستبدلوا بها أفكاراً إيجابية ، وهذه المجموعات هي:

1ـ التفكير بكل شيء أو لا شيء :

وهو نمط من التفكير يمر به الطفل  في مراحل نموه النفسي ، فهو يتصور الأشخاص و الأشياء و المواقف على إحدى حالتين فقط و لا وسط بينهما إما الصواب التام ( و القبول ، و كل ما هو حـسن و إيجابي ) أو الخطأ التام ( و الرفض ، و كل ما هو سلبي و سيئ ) فكل من ليس بكامل الصواب فهو كامل الخطأ ، و كل ما ليس بأبيض ناصع البياض فهو أسود فاحم السواد ، و كل من ليس بصديق حميم فهو عدو لدود ، و كل من لا يفهم تمام الفهم فهو غبي أحمق ، وكل من ليس معي فهو ضدي ، و هكذا ، و هذا المنطق نفسه الذي تحدث به الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن عندما قال: من ليس معنا فهو ضدنا !

   ونحن أناس لا توسـط عندنا

                      لنا الصدر دون العالمين أو القبرُ

     و هذا النمط من التفكير يتخطاه الطفل غالباً بمرور العمر و يبدأ يدرك بالتدريج الفروقات الواسعة الشاسعة بين الطرفين النقيضين و يستوعب ما بين الأبيض و الأسود من ألوان متنوعة ؛ و لكن قد يتعطل نمو التفكير عند بعض الأشخاص فلا يتخطى الواحد منهم مرحلة التفكير الحدي هذه ، فيكبر جسمه ويزداد عمره و هو مستمر في هذا النمط من التفكير فيتعب نفسه و غيره معه .

مثال : عندما تتناول فتاة شابة تعمل رجيماً ملعقةً واحدةً من الآيـسـكريم فإنها تقول لنفسها : ” لقد أفسدت الرجيم تماماً ” ، هذا التفكير يصيبها بالإحباط لدرجة تجعلها تبتلع ربع جالون من الآيـسـكريم ، إن نظرية الحصول على كل شيء أو لا شيء تنتهي بالحصول على لا شيء !

    يقول العالم النفسي و الكاتب الدكتور البرت أليس Ellis : ” إن  تفضيل و محاولة فعل شيء بصورة كاملة هو أمر جيد مثل إنتاج بعض الأعمال العبقرية . . و لكن الإصرار على ذلك سينتج قلقاً كاملاً ” .

و من ذلك ما يمر به كثير من الشباب و الفتيات الذين يصارعون شهوايهم فتغلبهم أحياناً و يقعون في بعض المعاصي فيجد الشخص نفسه أنه ليس بكامل في استقامته فينتقل به التفكير الحدي إلى النقيض تماماً و يتوهم أنه منغمس في الخطأ و لا مفر منه . ( 6 )

تقول الكاتبه / هبة رؤوف عزت : ” في الحياة الزوجية ، و الحياة المهنية ، و التعامل مع أطفالنا و أصدقائنا . . عندما نختلف أو نشعر أن هناك تعارضاً في وجهات النظر ، أو حتى نرى أن الطرف الآخر تجاوز صلاحيته ـ ربما ـ أو تعسف في استخدام حقوقه لا نتفاوض ، و لا نراجع ، و لا نقول خذ هذا  وأترك تلك ، و لا نقترح بدائل ، بل نقف في توتر ، و نقول : بكل أدب و أخوة و دون توتر ( مع كل هذا التوتر ) : الكل . . أو لا شيء !

كل حقوقي أو فلنفترق ، إنشروا كل النص أو ردوا لي نصوصي ، إسمعوا كل كلامي أو لن أتكلم بالمرة، وافقوني الرأي أو لن أقول رأياً بعد الآن . . هكذا ! و يبدو أن المشكلة أعمق من مجرد حوادث فردية ، يبدو أن مشكلتنا ثقافية ، و أننا بسبب ـ أحاول إكتشافه ـ لا نتعلم مهارات التحاور و التفاوض و تحديد ما نستطيع أن نتركه أو ندعه و ما نختار ألا نتنازل عنه ، و أن ندير هذه الأمور بقدر من الهدوء . . و الثقة . . و الصبر .

الكل أو لا شيء ، مبدأ لا يصلح  في حياة إجتماعية . . الكل أو لا شيء أخطر من أن نتعامل معه بغضب ، أو عصبية ، أو عزة نفس  أو غرور ، إنه موقف في حاجة لمراجعة عميقة ” .  ( 7 )

2 ـ المبالغة في التعميم :

يميل بعض الناس إلى المبالغة في إستخدام عبارات التعميم ( كل ، جميع ، لا أحد ) و يبنون عليها تصورات و أفكاراً غير دقيقة و قد يترتب على ذلك بعض التصرفات والإجراءات التي تولد نتائج سلبية .

وللتعميم صور و أشكال متنوعة :

ـ تعميم السلبيات من خلال سلبية واحدة أو إثنتين .

ـ تعميم الإيجابيات من خلال إيجابية واحدة أو إثنتين .

ـ التعميم على الجماعة من خلال بعض أفرادها ، مثل : طلاب هذه المدرسة مهملون ، وأكثر من يقع في التعميمات من يغلب عليهم التفكير الحدي و ضيق الأفق .

مثال : شـاب في بداية حياته يرى سلبية واحدة مثل الفشل العاطفي أو الفشل في الوظيفة كفشل لا ينتهي فيكثر من استخدام كلمات مثل ( دائماً و أبداً ) عند التفكير في الأمر ، مثلا عندما تطلب امرأة من زوجها طلباً لا يستطيع أن ينفذه لها بسبب إنشغاله ، فهي تقول : أنت دائماً هكذا لا تقوم بعمل أي شيء أريده ، هذا المثال يوضح أنها ألغت جميع حسنات الزوج وعمّمتَ موقفاً واحداً .

يقول ألبرت أليس :” لايعني الفشل في مشروع مهم أنك ستفشل دائماً و لن تنجح أبداً . هل استسلم الآخرون جميعهم بعد إصابتهم بالفشل و شعروا بأنهم بلا أمل ؟ أو مضى العديد منهم قُدماً للنجاح لاحقاً ؟ ” .

3 ـ التصفية الذهنية :

  التصفية الذهنية أو تفكير الترشيح العقلي هو أن يبقى الفرد مدققاً على إحدى التفاصيل السلبية ، وهنا يشوه أو يتعامى عن  كل الجوانب الأخرى من الواقع ، بحيث يختار سلبية صغيرة و يتعمق فيها بشكل كبير لدرجة أن نظرته لجميع الحقائق تصبح مظلمة مثل تلوين نقطة الحبر الصغيرة لكأس الماء .

مثال : يلقي الشخص محاضرة ، أو كلمة أمام الناس ، أو يقوم بعمل ما ، فيمتدحه الآخرون غير أن أحدهم يوجه له إنتقاداً ، فيمكث أياماً في شعور سلبي ، ويتجاهل المدائح الإيجابية .

4 ـ تحطيم الإيجابيات الذاتية :

يقلل صاحب هذه الفكرة من شأن التجارب و الأعمال الإيجابية الذاتية ،وقد يحطمها .

مثال : يقوم الشخص بعمل متقن من الأعمال ُثم يقول لنفسه : ” أي أحد من الناس قد يعمل مثل هذا أو أحسن ” . إن تحطيم و تهميش الإيجابيات الذاتية يسلب الحياة متعتها و يجعل الشخص يشعر بعدم الفائدة و بعدم الإنجاز .

5ـ القفز إلى الإستنتاجات و قراءة المستقبل :

القفز إلى الإستنتاجات : هو تفسير الأشياء بسلبية و بدون أن يكون هناك أي حقائق تدعم هذا الإستنتاج أو التفسير ، مثل أن ينتهي الفرد بسرعة إلى نتائج سلبية عن موقف و لو لم تظهر أدلة كافية على ذلك .

وهذا النمط من التفكير نوعان :

أ ـ قراءة الأفكار :

مثل أن يتوهم الشخص أنه يستطيع قراءة أفكار الذي أمامه و تفسير نظراته و تصرفاته بدقة و يجزم بذلك و كأنه على يقين ، و هو ليس كذلك ،فالظن لا يغني عن الحق شيئاً ، هذا الشخص غالباً ما يشك في كل شيء و في كل إنسان .

ب ـ التشاؤم من المستقبل :

و هو التنبؤ بأن الأمور ستنتهي بشكل سيء ، فإذا كان الشخص مكتئباً سيقول لنفسه ” لن أتحسن أبداً ” .

يقول أليس : ” عش حياتك و تمتع بالزمن الحاضر واقلق ولكن لا تفرط في القلق على المستقبل . خطط لتبعد المحن عنك و لكن لا تدع هاجس حدوثها المحتمل يتملكك. إن ركزت ملياً على التمتع بالحاضر سيكون لديك فرصة أقل لتضخيم الأمور و الشعور بالهلع حول المستقبل، و إن كنت تطمح إلى مستقبل زاهر و تعمل على تحقيق ذلك بدون أن تطلب أن ذلك يجب حدوثه بالتأكيد ، فسيكون فرصتك أكبر في بلوغ هدفك ” .( 9 )

6 ـ تكبيرالمشاكل و الصفات أو تصغيرها :

    تضخيم المشاكل الصغيرة أكثر من الواقع أو تصغيرها ، و يُسمى ( تفكير التهويل أو التوهين ) ، مثل أن تبالغ في أهمية مشاكلك و عيوبك أو أن تقلل من أهمية صفاتك الجيدة أو المرغوبة ، و يطلق على هذه الحالة الخدعة المجهرية ، وتتلخص في أن يعمد الفرد إلى المبالغة في تعظيم العوامل السلبية أو يقلل من أهمية العوامل الإيجابية .

 و هناك أنواع عدة من المبالغة في التضخيم  تختلف باختلاف الأشخاص ، فمنهم من يضخم  سلبياته و إيجابيات غيره فهو يبالغ في تصوير اخطائه و عيوبه و قلة إمكانياته ، كما يبالغ في تضخيم إيجابيات غيره و قدراتهم و نجاحهم . . وأكثر ما يكون عند المتشائمين و المحبطين نفسياً .

ومنهم من يضخم سلبياته و سلبيات غيره و يبالغ في تقديراته لحجم تلك السلبيات بما لا يتناسب مع الواقع ، و منهم من يضخم إيجابياته هو و سلبيات غيره ، فهو معجب بنفسه محب لها بإفراط ، منتقص لغيره مبالغ في تضخيم هفواتهم و عيوبهم ، وهذا يكثر في أهل العجب و الكبر ، وأي نوع من هذه الأنواع فإنه يؤثر عليه سلباً في كثير من أمور الحياة .

و إلى جانب ( تضخيم المشكلات ) هناك المبالغة في التصغير : فمن الناس من يصغر إيجابياته و يحتقرها و يصغر سلبيات غيره ، و منهم من يصغر إيجابيات غيره فيحقر غيره بل أن هناك من يقللون دائماً قيمة كل شيء إيجابي .

ومن الناس من يبالغ في تصغير المشكلات الكبيرة و المعضلات العويصة، ومنهم من يبالغ في تصغير ذنوبه و عيوبه و أخطائه و لو كانت كالجبال الشاهقة.( 10 )

 7 ـ الإستنتاج ( التعليل ) العاطفي :

و يسمى بالإحساس القائد ؛ لأن صاحب هذا النمط من التفكير يقول : ” إحساسي يقول لي ” ، فنقول له : ” لا تجعل إحساسك يقودك ، و لا يجب أن ندع شعورنا أن يسيطر علينا ” .

و الإستنتاج العاطفي هو أن تفترض أن لديك شعوراً سلبيًا و بالضرورة يعكس حقيقة الأمور : ( لدي شعور بالرعب من ركوب الطائرة . . لابد أن الطيران خطير ).

( لدي شعور بالذنب . . لابد أني شخص حقير ) .

( لدي شعور باليأس . . حقيقة أنا يائس ) .

أو يقول : ( حدثني قلبي أن هذا البائع مخادع ) .

هكذا إعتمادا على العاطفة و الحدس الخاطئ ، و مع ذلك بعضهم يعد ذلك من الذكاء و الدهاء !

  إن كثير من مواقف الحياة و معاملاتنا مع من حولنا أمور ظنية تحتمل أكثر من تفسير و تقبل أكثر من تأويل ، و مع ذلك نجد بعضهم يُصدر عن تلك الأمور حكماً و يثبت في ذهنه عنها تصوراً معتمداً على ما ينقدح في ذهنه من إنطباع أولي .

هذا التفكير السطحي ” يسميه القرآن ” بادئ الرأي ” و هو النظر إلى الشيء و الحكم عليه بتسرع و دون فهم كمن ينظر إلى العادات و التقاليد و انكباب القوم عليها ، فيحكم بصحتها و يتعصب لها ” ( 11 ) ، إذن نحن نحتاج إلى التفكير العميق وهو النظر إلى الشيء و فهمه ثم الحكم عليه ، بل نحن في حاجة إلى التفكير المستنير و هو النظر إلى الشيء و فهمه و فهم ما يتعلق به ثم الحكم عليه .

إن من الخطأ أن نصدر أحكاماً على أفراد أو جماعات أو أمور و أحوال من خلال مواقف محدودة جداً و معلومات قاصرة و ظنيات عابرة . إن العجلة في الإستنتاج كثيراً ما توقع صاحبها في مشكلات متعددة و خلافات متنوعة و ربما تصدع علاقات و بغضاء و شحناء ،و أحياناً مشادات كلامية سواء داخل الأسرة أو خارجها .

8 ـ عبارات الإلزام و الحتمية :

     و يسمى تفكير الينبغيات Should Statements  ؛ لأن الفرد يستخدم دائماً في حديثه عبارات ” ينبغي أن ، لا ينبغي أن ، من المفروض أن . . . ” و غيرها من العبارات ليجبر فرداً على أن يعمل عملاً معيناً ، هذه العبارات القائمة أساساً على المتطلبات و على التوقعات المتوخاة من الذات أو الآخرين أو المواقف تؤدي إلى الشعور بالذنب و الإستياء و التأنيب و الغضب ، و تقود أيضاً إلى النفور من الآخرين و تجعلهم يعاندون .

 فمن الأخطاء الشائعة إلزام النفس أو الآخرين بما لا لزوم فيه ، أو إيجاب ما لا يجب ( لا شرعاً و لا عقلاً ) و الإنسياق وراء تلك الإلزامات المتعسفة و ما يتولد عنها من إستنتاجات و تبعات تضيّق ما وسع الله على عباده، وقد توقع المرء في حرج مع نفسه أو غيره ، وأكثر ما يكون ذلك في التطلع للمثالية و الكمال ، و لو أعاد المرء النظر في هذه الإلزامات و أحل محلها ما هو أكثر مرونة و واقعية ، مثل ( من الأفضل أن . . ) لاستراح من عناء كبير و همِّ عريض و استطاع المضي في تحقيق أهدافه و التكيف مع ظروفه و الآخرين من حوله . (12)

مثال : بعد قيام طالبة جامعية بالتدريب على عمل ما ، تحدث نفسها : ” كان من الواجب ألا أرتكب كل هذه الأخطاء ” هذا يجعلها مشمئزة إلى درجة التوقف عن التدريب عدة أيام . .

9 ـ إلصاق صفات معينة ثابتة بالذات أو الآخرين :

    و يسمي الدكتور عبدالله الملحم هذا النوع من التفكير  بـ ( الماركة المسجلة ) ؛ لأن الشخص  يصنف نفسه و يلقبها بصفة ثابتة و كأنها ماركة مسجلة ، مثلاً : ( أنا خجول ـ أنا عصبي ـ أنا فاشل . . ) كل هذه الكلمات ماركات مسجلة . و نمط ( الماركة المسجلة ) هو مبالغة في نمط  ( كل شيء أو لا شيء ) .

     فبدلا من قول ( لقد أخطأت ) فإنك تضيف لنفسك نعتاً سلبياً ( ملصقاً و تصنيفاً )، فتقول ( أنا خاسر ، أنا فاشل ) ، وقد تستخدم كلمات مثل أحمق أو بليد . . ، و هذا من التفكير المعوج فالتلقيب في الحقيقة غير منطقي ، فلايوجد إنسان عصبي بل يوجد إنسان يتصرف بعصبية ؛ لأنك لست ماتقوم به فيوجد إنسان ولا يوجد الأحمق ، الفاشل ،البليد !

هذه التصنيفات تقود الفرد إلى القلق و الإستياء و الغضب و ضعف الثقة بالنفس والإحباط ، وقد يلجأ صاحب هذا النوع من التفكير إلى تصنيف الناس أيضاً ، فعندما يعمل شخص ما عملاً يضايقه ، قد يقول لنفسه : ” هذا إنسان حقير ” ، و هنا قد ربط المشكلة بشخصه و وجوده بدلاً من تفكيره أو تصرفه ، و قد يصدر أصحاب هذا النوع من التفكير التصنيفات على مجموعة من الناس أو قبائل معينة أو جنسية معينة ، الأمر الذي يزيد المشكلة صعوبة . . هذا بالطبع يؤدي إلى الشعور بالعدوانية واليأس من تحسين التصرفات ، و تترك حيزاً صغيراً للاتصال البنَّاء .

10 ـ عقدة اللوم ( التأنيب للذات أو الآخرين ) :

     و هو يحدث عندما تعتبر نفسك مسؤلاً عن حدثٍ ما ، ليس تحت تحكمك كلياً ، فمثلاً عندما تستلم الأم إشعاراً بأن طفلها يعاني من بعض الصعوبات في الدراسة ، قد تقول لنفسها  : ” هذا يدل على أنني أم سيئة ” بدلاً من تحديد المشكلة حتى تستطيع مساعدة طفلها . و اللوم قد يؤدي إلى الشعور بالذنب و الخجل.

و بعض الناس يعملون العكس ، يلومون الآخرين أو الظروف ، و هم سبب المشاكل ، قد يقول الزوج مثلاً : السبب في فشل زواجي عنجهية زوجتي ! . .تأخرت عن العمل ، هي لم توقظني  . . ” و هكذا، و لا تعجب إذا سمعت البعض يلوم الحكومة أو المجتمع أو الأهل إلى آخر القائمة ؛ لأنهم سببوا في جر مشكلة مثل هذه له !

اللوم عادة غير مجدية ؛ لأن الآخرين يرفضون أن يكونوا كبش الفداء و سيرجعون إليك اللوم مرة أخرى  . . و هذه العادة تجعل الشخص مثقلاً بالهموم و القلق .

يقول الدكتور عبدالستار إبراهيم : ” إذا كانت الصحة النفسية تتطلب ضبط مشاعر الندم الدائمة ، فإن ذلك لا يعني الدعوة إلى إضعاف الضمير و الحسِّ الخُلقي ، كما لا يعني أن نُبلد إحساسنا بآلام الآخرين و معاناتهم . . ومن الصحة أن يعترف الإنسان بأخطائه حتى يتجنب تكرارها . لكن الصحة أيضاً تتطلب أن لا تتفاقم هذه المشاعر لدرجة تعوق الشخص عن إكتشاف جوانب المتعة المشروعة في حياته ” . (13)

طرق التغلب على الأفكار الفورية السلبية :

    لكي نتغلب على هذه الأفكار يجب علينا أن نتعرف على وجودها أولاً ، ثم نتعرف على الدليل المؤيد لها، ثم نتعرف على الدليل المعارض لها ( تفنيدها ) ثم نصل إلى أفكار متوازنة بناءً على الأدلة المتوفرة لدينا . يعني الفهم ثم التعديل ، فهم الفكرة السلبية ثم تعديلها بما يحقق التوازن للفرد ، و الإنسـان في نظر أليس قادر على ذلك ” لأن لديه موهبة فريدة للتفكير في تفكيره ” و قادر على تعديل أفكاره الهازمة لنفسه .

1 ـ التعرف :  

أ    ـ حدد الحدث السلبي .

ب ـ حدد الأفكار السلبية الأتوماتيكية المصاحبة للحدث .

ج   ـحدد نوع الخطأ في هذه الأفكار .( 14)

2 ـ   موازنة الأفكار :

مثال : أحمد طالب جامعي رسب في أحد الإختبارات ، يشعر بالحزن و الإحباط ، و يحدث نفسه بأنه فاشل : ” أنا شخص فاشل ، لن تقبلني الشركات بعد التخرج ، و حتى الناس تنظر إليّ باحتقار ” .

الحدث السلبي : الرسوب في الاختبار .

المشاعر السلبية : الحزن و الإحباط .

الأفكار السلبية : ( أنا شخص فاشل   . . .)

نوع الخطأ : إلصاق صفة الفشل بالذات ( ماركة مسجلة )

الأفكار المتوازية : لقد نجحت في إختبارات كثيرة ، هذه المرة لم أنجح ؛ لأنني لم أستعد بما فيه الكفاية لهذا الإختبار ، إذن يجب عليَّ أن أبذل الجهد و أستعد استعداداً جيداً في المرة القادمة .

مثال آخر : الموقف الذي حصل، كنت أحاول الحفظ فمرت بي آية الطلاق في سورة البقرة ولم أستطع حفظ الآية في يوم كامل.

درجة الإحباط: 90%

الأفكار الأوتوماتيكية : أنت بطيء الحفظ.. القرآن مليء بالآيات الصعبة الحفظ.. لا تسـتطع أن تحفظ القرآن.

الدليل على صحتها: حاولت أكثر من مرة أن أحفظ آية الطلاق ولم أستطع إذن أنا بطيء في الحفظ، نسيت بعض الآيات السهلة التي حفظتها إذن لا فائدة مني..

الدليل على عدم صحتها:مرت في بداية السور آيات موسى عليه السلام وكانت صعبة ومتشابهة ولكني استطعت أن أحفظها.. حفظت أول ثمنين من سورة البقرة في خمسة أيام.

الأفكار المتوازنة: أنا سريع الحفظ عند الآيات السهلة الحفظ، لكني أحتاج إلى وقت أطول لحفظ الآيات الصعبة

درجة الاحباط الآن 30 %، لاحظ كيف تغيرت درجة الإحباط من 90 % إلى 30 %؟ (15)

 ما هو الدليل :

      عندما تمر عليك الأفكار الأوتوماتيكية عليك أن تسأل نفسك دائماً : ماهو الدليل على صحتها ؟ مثلا عند تفنيد فكرة التعميم : لأنني فشلت في الإمتحان ، هل هذا دليل على أنني سأفشل دائماً في كل الامتحانات ؟

في مثال سابق ، ماهو الدليل على أن أحمد شخص فاشل ؟ ما هو الدليل على أن الشركات لن تقبله ؟ ما هو الدليل على أن الناس سوف تحتقره ؟

إن أكثر الطرق إقناعاً لمجادلة الفكرة السلبية الهدامة هي أن تبين عدم صحة هذه الفكرة من الناحية الواقعية ، و في أغلب الأحيان ستجد أن الحقائق كلها في صفك ؛ لأن الأفكار السلبية عادة ما تكون ردود فعلٍ مبالغاً فيها ، وعليك أن تسأل : ما هو الدليل ؟

و يقترح الدكتور أليس أسلوب السخرية و الإستهزاء من هذه الأفكار اللاعقلانية باعتبارها غير منطقية و سخيفة ولا تقوم على دليل .

 النظرة المزدوجة :

      عندما أتحدث إلى نفسي بسلبية يجب أن أفكر في النظرة المزدوجة بيني و شخص آخر ، فقد لا أستطيع أن أقول الكلام الذي أوجهه لنفسي إلى صديقي مثلاً لأنني أعرف أنه سيزعجه و قد يحطم معنوياته .

أحمد ـ في المثال السابق ـ لو نظر نظرة مزدوجة هل سيقول الكلام ذاته الذي قاله لنفسه لصديقه عندما يقع في المشكلة نفسها ؟ أكيد أنه لن يقول ذلك لصديقه ؛ إذن عليه أن لا يقوله لنفسه .

   الإستبيان الشخصي (سـل الآخرين ) :

حاول عندما تداهمك الأفكار السلبية أن تسأل الآخرين عنها ، و من ثم تفنيدها ، مثلاً : زوج تشاجر مع زوجته فأصابه اليأس من الزواج ، قال في نفسه : ” الأزواج السعداء لا يتخاصمون ” من أين عرف ذلك ؟ هل سأل الأزواج السعداء عن هذه الفكرة ؟ إذن عليه أن يفكر بطريقة الإستبيان الشخصي و يسأل الآخرين .

   التجربة الذاتية :

كثير من المخاوف ليس لها أساس و غير حقيقية  ، و لذلك إذا كنت تعتقد أن ركوب الطائرة أمر خطير و يهدد حياتك ؛ فحاول أن تركب الطائرة مرة واحدة و سوف تتبدد مخاوفك ، ورد عن الإمام علي ( ع ) قوله : ” إذا هبت أمراً فـقع فيه فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه “ . ( 16 )

   حساب الربح و الخسارة :

 عند مناقشة الأفكار السلبية الهدامة دائمًا ضع نصب عينيك الربح ( ماذا ستستفيد ) و الخسارة ( ماذا ستخسر )، إلى أين ستؤدي بك هذه الأفكار اللاعقلانية ؟ مثلاً : محمود شخص يعتقد أنه لا يستطيع أن يتحدث أمام الناس أبداً ، و يقول في نفسه : ” أنا ضعيف الثقة بنفسي و لا أصلح للحديث أمام الناس ، إن ذلك أمر مرعب . . . ” ماذا سيستفيد محمود من هذه الأفكار و ماذا سيخسر ، لا شك أنه سيخسر الكثير.

يقول ألبرت أليس : ” لنفترض أنك تعرف أن التدخين مضر و تظل تعد نفسك بأنك ستقلع عنه إلا أنك تواصل التدخين . لماذا تتصرف بهذه الطريقة الهدامة؟ لأنك عندما تمارس هذا السلوك المضر أي التدخين ، أنت تستجيب فقط للذة الآنية متجاهلاً الأضرار التي ستنجم عنه في النهاية . بتعبير آخر أنت تركز على الحسنات و تتجاهل السيئات كالإضرار بالصحة ” ( 17 ) ثم يقترح عمل قائمة بأهم الأضرار و قراءتها كل يوم وحفظها غيباً. . . وقائمة بحسنات الإمتناع عن التدخين ، ثم التفكير بالقائمتين باستمرار .

8ـ   التفكير الرمادي:

و المقصود هنا التفكير المنفتح و عدم التطرف في الأحكام ، فليست الأشياء إما سوداء أو بيضاء ، فهناك طيف واسع من الألوان المتنوعة و المتفاوتة في شدتها و صفائها ، كما وضحنا .

  فضل و لا تلزم :

إن الأخذ بمبدأ التفضيل يريح النفس ، إذا قلنا ( لازم أفعل كذا . . و لازم يفعل فلان كذا . . و ينبغي كذا و لا ينبغي . .   إلخ ) فقد نوقع أنفسنا و غيرنا في الحرج ، لذلك فضل و لا تلزم وخذ بمبدأ التيسير ” يسروا و لا تعسروا ” ، وهذا الحل أكثر مرونة و واقعية .

10ـ  أنظر إلى المشكلة من جميع الزوايا :

    إذا واجهتك مشكلة فحاول قدر طاقتك أن تتفحصها من جميع الجهات و بشكل جيد ، و خاصة عندما تكون هناك مشكلة في وجهات النظر، و تذكر أن تقلب المحنة إلى منحة ، فكل شيء يحدث لنا هو مفيد لنا ، المهم هو زاوية النظر إلى الأمور .

تدريب عملي :

 سجل أفكارك السلبية لمدة 15 دقيقة يومياً و لمدة شـهر واحد و انظر النتائج الإيجابية ، و يمكن كتابة الأفكار السلبية العشرة على بطاقة صغيرة (5×8 سم) و على الوجه الثاني أكتب عناصر طرق التغلب عليها ، و ضعها في محفظتك و كلما مرت بك فكرة سلبية طالعها .

كلمة أخيرة . .

 ويقترح علماء النفس مجموعة من الطرق التي تساعد على مقاومة الضغوط و القلق و تساعد على الشعور بالتحسن من أهمها : ممارسة التمارين الرياضية ، و ممارسة تمارين التنفس ، وممارسة التأمل (18) ، فهي كفيلة بالتقليل من التوتر و ستلهيك عن الأفكار السلبية المدمرة للذات ؛ لأنها تعيد للفرد توازنه الجسدي و النفسي المفقود ، هذا بالإضافة إلى النوم الصحي المريح ، و أولاً وآخراً الإستعانة بالصبر و الصلاة ، قال تعالى : (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) . (19)

الهوامـش:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1)      Cognitive Behavioural Therapy

2)     الأفكار الآلية أو الأوتوماتيكية (  Automatic Thaughts ) تعبير استخدمه العالم النفسي أرون بيك Bece عام 1963 م ، وهو من رواد العلاج المعرفي السلوكي( CBT ) .

3)      برنامج ( الأفكار الأوتوماتيكية ـ العلاج المعرفي السلوكي ) الإستشاري في الطب النفسي ، الدكتور / عبدالله بن أحمد  الملحم .

4)      العلاج السلوكي للتوتر و الغضب ، د . محمد الحجار ، دار النفائس ، 1998م ، ص 131 .

5)   The feeling Good : The new mood therapy by David Burns . .

و راجع أيضاً : الذكاء الوجداني ، د . صفاء العسر ،  د . علاء الدين كفافي ، دار قباء ،  2003 م .

6)      ما تحت الأقنعة ، د . محمد الصغير ، عقان الإعلامية ، 2002   ، ص 160

7)      موقع : إسلام أون لاين .

8)      ما تحت الأقنعة ، مرجع سابق ، ص 158

9)      شعور أفضل ، نفسية أفضل ، حياة أفضل ، د . أبرت أليس ، الدار العربية للعلوم ، 2004 ، ص 110

10)  ما تحت الأقنعة ، مرجع سابق ، ص 155

11)  التفكير ، د . ميثم السلمان ، دار الولاء ، 2005 ، ص 56

12)  ما تحت الأقنعة ، مرجع سابق ، ص 143

13)  القلق : قيود من الوهم ، د . عبدالستار إبراهيم ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 2002 ، ض 138

14)    برنامج ( الأفكار الأوتوماتيكية ) مرجع سابق ،

15)  حقق حلمك في حفظ القرآن الكريم ، د .عبدالله الملحم ، قرطبة للإنتاج الفني ، 1424 هـ ، ص11

16)  شرح ابن أبي الحديد 18 | 406 . شرح ميثم بن علي بن ميثم 5 | 337

17)    اجعل حياتك سعيدة ، د . أبرت أليس ، الدار العربية للعلوم ، 2004 ، ص 105

18)  راجع كتاب : شعور أفضل ، نفسية أفضل ، حياة أفضل ، د. ألبرت أليس ، الفصل الثالث .

19)    سورة الرعد : 28

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *