طُرحت نظرية المجموعة الضبابية التي تمثل الأساس النظري للمنطق الضبابي [يطلق عليه أيضا المنطق العائم، والمنطق المبهم، والمنطق الترجيحي] في عام 1965م. وقد أسس المنطق الضبابي لبدء ثورة الذكاء الاصطناعي قبل عدة سنوات. ويعتبر المنطق الضبابي إمتدادا للمنطق التقليدي أو الكلاسيكي، حيث يتعامل المنطق الضبابي مع التعابير اللغوية غير الدقيقة أو غير الواضحة، والتي لا يمكن للمنطق التقليدي أن يعالجها.
ويكاد لا يخلو جانب من حياتنا المعاصرة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فمن التعليم والتدريب وادراة الموارد البشرية، الى الأتمتة في النظم الادارية والمعامل والمصانع، وادارة المرور في الطرقات، وادارة وتفعيل المراكز البحثية والعلمية الممتدة على ربوع الكرة الأرضية لمعالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وادارة وحماية ومراقبة الموارد المالية، والحوكمة وكشف ومكافحة العمليات المشبوهة وغسيل الأموال، والاستثمار والاكتتاب وتداول الأسهم، والى الألعاب كالشطرنج والبوكر، والموسيقى والفن، والكتابة والصحافة، والزراعة ومراقبة التربة والمحاصيل الزراعية، والطب والعلاج والرعاية الصحية والكشف المبكر عن الأمراض وادارة وتحليل السجلات الطبية وإدارة وابتكار الأدوية والتنبؤ بتطور الأمراض وبنتائج العلاجات والعمليات الجراحية، والصحة والسلامة في مكان العمل، وعلوم الكيمياء والكيمياء الحيوية والفيزياء وعلم المواد وعلم الأرض وعلم الفلك والأنشطة الفلكية والأجسام الطائرة المجهولة، والأمن السيبراني، وادارة العمليات العسكرية في الحروب، وغيرها الكثير الكثير [راجع ويكيبيديا / تطبيقات الذكاء الاصطناعي].
تحاول هذه المقالة تسليط الضوء على المنطق الضبابي وتعريفه للقراء والمتابعين، ولتأسيس فهم علمي حول نشأته وخصائصه ومعرفة تطبيقاته التقنية وخصوصا في الذكاء الاصطناعي.
مؤسس المنطق الضبابي:
مؤسس المنطق الضبابي هو البروفيسور لطفي زاده [4 فبراير 1921م – 6 سبتمبر 2017م]، وهو عالم رياضيات أذري أمريكي. وقد ولد بمدينة باكو في أذربيجان في 4 فبراير 1921م، وفي سن العاشرة رحل برفقة عائلته إلى إيران، ودرس الهندسة الكهربائية في جامعة طهران وأنهى دراسته بها عام 1942م. وأثناء الحرب العالمية الثانية، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة بركلي في كاليفورنيا، كما حصل على 72 شهادة دكتوراه فخرية. واشتغل في التدريس بنفس الجامعة ابتداء من عام 1959م، وتقاعد في عام 1991م، وظل بعد هذا التاريخ يقدم محاضرات ومنتديات علمية.
طرح زاده في عام 1965 نظرية المجموعة الضبابية[1] وهي الأساس النظري للمنطق الضبابي والذي يعتبر إمتدادآ للمنطق التقليدي أو الكلاسيكي، حيث يتعامل المنطق الضبابي مع التعابير اللغوية غير الدقيقة أو غير الواضحة، والتي لا يمكن للمنطق التقليدي أن يعالجها.
ولدى البروفيسور لطفي زاده أبحات علمية أخرى في مجالات الذكاء الاصطناعي، والنظم الخبيرة[2]، والشبكات العصبية (العصبونية) الاصطناعية (Artificial Neural Network – ANN) أو ما يدعى أيضا بالشبكات العصبونية المحاكية (Simulated Neural Network – SNN)، وغيرها.
نشأة المنطق الضبابي:
نشأ المنطق الضبابي [ويسمى أيضا منطق الغموض، المنطق العائم، والمنطق المبهم، والمنطق الترجيحي؛ ويطلق عليه بالانجليزية (Fuzzy Logic)] عام 1965م على يد العالم الأذربيجاني الأصل البروفيسور لطفي زاده من جامعة كاليفورنيا، حيث طوّره ليستخدمه كطريقة أفضل لمعالجة البيانات، لكن نظريته لم تلق اهتماماً حتى عام 1974م، عندما استخدم المنطق الضبابي في تنظيم محرك بخاري، ثم تطورت تطبيقاته حتى وصلت لتصنيع شريحة منطق ضبابي (Fuzzy Logic Chip – FLC) والتي استعملت في العديد من المنتجات كآلات التصوير.
تعريف المنطق الضبابي:
يُعرَّف المنطق الضبابي بأنه شكل منطقي متعدد القيم، يعتمد على التلاعب بقيم الحقيقة الجزئية بين 0 و1، على عكس المنطق التقليدي الذي يستخدم القيم الثنائية. وباستخدام دوال العضوية التي يمكن أن تتخذ عدة أشكال، مثل الدوال الخطية أو الأسية أو الغاوسية، اعتمادًا على احتياجات النموذج، فإنه يعيد تعريف المجموعات الفرعية لنمذجة الأنظمة المعقدة بشكل أكثر مرونة. وتتألف أنظمة الاستدلال الضبابي من ثلاث مراحل رئيسية: التشويش ومحرك الاستدلال وإزالة التشويش، حيث يفسر التشويش متغيرات المدخلات، ويطبق محرك الاستدلال القواعد الضبابية للحصول على استنتاجات وسيطة، ويحول مزيل التشويش النتائج الضبابية إلى قيم صافية للإجراءات أو القرارات.
ففي الحياة الواقعية، قد نواجه موقفًا لا يمكننا فيه تحديد ما إذا كانت العبارة صحيحة (True – T) أم خاطئة (False – F). في ذلك الوقت، يوفر المنطق الضبابي مرونة قيمة للغاية للتفكير. وتساعد خوارزمية المنطق الضبابي في حل المشكلة بعد النظر في جميع البيانات المتاحة. ثم تتخذ أفضل قرار ممكن للمدخلات المعطاة. وتحاكي طريقة المنطق الضبابي طريقة اتخاذ القرار لدى الإنسان والتي تأخذ في الاعتبار جميع الاحتمالات بين القيم الرقمية صحيحة (T) وخاطئة (F).
اذا، المنطق الضبابي هو أحد أشكال المنطق، ويستخدم في بعض الأنظمة [النظم] الخبيرة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وهناك العديد من الدوافع التي دفعت العلماء إلى تطوير علم المنطق الضبابي، فمع تطور الحاسوب والبرمجيات نشأت الرغبة في اختراع أو برمجة أنظمة يمكنها التعامل مع المعلومات الغير الدقيقة على غرار الإنسان، لكن هذا ولد مشكلة حيث أن الحاسوب لا يمكنه التعامل إلا مع معطيات دقيقة ومحددة. وقد نتج عن هذا التوجه ما يعرف بالأنظمة الخبيرة أو الذكاء الاصطناعي، ويعتبر علم المنطق الضبابي أحد النظريات التي يمكن من خلالها بناء مثل هذه الأنظمة.
فالمنطق الضبابي بالمعنى الواسع هو منظومة منطقية تقوم على تعميم للمنطق التقليدي ثنائي القيم، وذلك للاستدلال في ظروف غير مؤكدة. وبالمعنى الضيق فهو نظريات وتقنيات تستخدم المجموعات الضبابية التي هي مجموعات بلا حدود قاطعة.
ويمثل هذا المنطق طريقة سهلة لتوصيف وتمثيل الخبرة البشرية، كما أنه يقدم الحلول العملية للمشاكل الواقعية، وهي حلول بتكلفة فعالة ومعقولة، بالمقارنة مع الحلول الأخرى التي تقدم التقنيات الأخرى. وتم تطبيق الخوارزمية الضبابية في مجالات مختلفة، من نظرية التحكم إلى الذكاء الاصطناعي. كما تم تصميمها للسماح للحاسوب بتحديد التمييز بين البيانات التي ليست صحيحة ولا خاطئة؛ شيء مشابه لعملية التفكير البشري، مثل القليل من الظلام، وبعض السطوع، وما إلى ذلك.
وكما أن للمنطق الضبابي العديد من المزايا، فإن له أيضًا بعض القيود، فهو يستطيع حل المواقف المعقدة التي لا تستطيع الطريقة الثنائية حلها، ولكنه قد يزيد أيضاً من التعقيد الحسابي. وتتمثل أحدى مزاياه الرئيسية في نهجه التدريجي، الذي يتيح نمذجة الأنظمة المعقدة بطريقة مبسطة. كما يمكن دمجه بسهولة مع الأنظمة التقليدية الحالية ويوفر مرونة كبيرة في اتخاذ القرارات.
وللمنطق الضبابي حدوده، فقد يفتقر إلى الدقة النظرية، وقد يكون صعبا على الذين لايملكون دراية بالمنهجية. وفيما يلي بعض الخصائص المهمة للمنطق الضبابي:
- تقنية التعلم الآلي مرنة وسهلة التنفيذ
- المساعدة على محاكاة منطق الفكر البشري
- احتواؤه على قيمتين تمثلان حلين محتملين
- مناسب للغاية للتفكير غير المؤكد أو التقريبي
- نظره إلى الاستدلال كعملية لنشر القيود المرنة
- السماح ببناء وظائف غير خطية ذات تعقيد تعسفي
- وجوب بنائه بتوجيه كامل من الخبراء.
ومع ذلك، فإن المنطق الضبابي ليس علاجًا لكل شيء. لذلك، من المهم بنفس القدر فهم أين لا ينبغي استخدامه. وفيما يلي بعض المواقف التي من الأفضل فيها عدم استخدام المنطق الضبابي:
- إذا لم تجد أنه من الملائم تعيين مساحة إدخال إلى مساحة إخراج
- عندما يمكنك استخدام الفطرة السليمة
- يمكن للعديد من وحدات التحكم القيام بالمهمة بشكل جيد دون استخدام المنطق الضبابي.
هيكلية المنطق الضبابي:
تتكون هيكلة المنطق الضبابي من أربعة أجزاء رئيسية هي المضبب (Fuzzifier)، والأوامر (Rules)، والذكاء (Intelligence)، ومزيل التضبيب (Defuzzifier). ويوضح الرسم التخطيطي (شكل-1) كيفية عمل هذه الهيكلية:
- مدخلات واضحة
- التضبيب: يساعد في تحويل المدخلات، فهو يسمح بتحويل الأرقام الواضحة إلى مجموعات ضبابية. ويتم قياس المدخلات الواضحة بواسطة أجهزة استشعار وتمريرها إلى نظام التحكم لمزيد من المعالجة، مثل درجة حرارة الغرفة والضغط وما إلى ذلك
- مجموعة مدخلات مضببة
- الاوامر: تحتوي على جميع القواعد والشروط التي يقدمها الخبراء للتحكم في نظام اتخاذ القرار. ويوفر التحديث الأخير في النظرية الضبابية طرقًا مختلفة لتصميم وضبط وحدات التحكم الضبابية، حيث تقلل هذه التحديثات بشكل كبير من عدد مجموعة القواعد الضبابية
- الذكاء: يساعد على تحديد درجة التطابق بين المدخلات الضبابية والقواعد. وبناءً على نسبة التطابق، يتم تحديد القواعد التي تحتاج إلى التنفيذ وفقًا لحقل الإدخال المحدد. بعد ذلك، يتم دمج القواعد المطبقة لتطوير إجراءات التحكم
- مجموعة مخرجات مضببة
- ازالة التضبيب: يحول المجموعات الضبابية إلى قيمة واضحة. وهناك العديد من أنواع التقنيات المتاحة، لذلك تحتاج إلى تحديد الطريقة الأكثر ملاءمة عند استخدامها مع نظام الخبراء.
- مخرجات واضحة
استخدامات المنطق الضبابي:
يستخدم المنطق الضبابى في تصميم وتحليل بعض الشبكات العصبية الاصطناعية، والتحكم العملياتي (Process Control) في العمليات الصناعية في المصانع والمعامل، والتشخيص الطبي، والمساعدة في قيادة المركبات، وادارة حركة المرور، والاستشعار في كاميرات الفيديو، والأجهزة المنزلية، وغلايات السفن، وأنظمة تنظيم درجة حرارة الآلات، والتحكم في تكييف الهواء والتدفئة، والتحكم في العمليات الصناعية.
وهناك تطبيقات صناعية كثيرة من قبيل:
- التحكم الآلي في بوابات السدود لمحطات الطاقة الكهرومائية (محطة طوكيو للطاقة الكهربائية)
- تبسيط التحكم في الروبوتات (هيروتا، فوجي إلكتريك، توشيبا، أومرون)
- منع تقلبات درجات الحرارة في أنظمة تكييف الهواء (ميتسوبيشي، شارب)
- تحكم مستقر وفعال في محركات السيارات (نيسان)
- مثبت السرعة للسيارات (نيسان، سوبارو)
- التحكم في درجة الحرارة للأفران الصناعية (فوجي إلكتريك)
- تحسين كفاءة تطبيقات التحكم الصناعي وتحسينها (أبترونيكس، فوجي إلكتريك، أومرون، ميدن، شاه، ميكوم، ميتسوبيشي، نيشين دينكي، أوكو-إلكترونيات)
- تحديد موضع رقاقة السائر في تصنيع أشباه الموصلات (كانون) [للمزيد: رابط مصدر رقم 10 من مصادر المقالة]
- التحكم في سرعة الماكينة ودرجة الحرارة في مصانع الصلب (كاواساكي للصلب، نيو نيبون للصلب)
- التحكم في أنظمة المترو لتحسين راحة الركوب ودقة التوقف وتوفير الطاقة (هيتاشي)
- تحسين استهلاك السيارات للوقود (أدوات نيبون دينكي)
- زيادة الوعي والكفاءة في التحكم في الرفع باستخدام محركات متغيرة السرعة (فوجي إلكتريك، هيتاشي، توشيبا)
- تحسين سلامة المفاعلات النووية (فوجي إلكتريك، هيتاشي، برنارد، قسم الوقود النووي).
التنفيذ التقني للمنطق الضبابي:
يتطلب تنفيذ نظام المنطق الضبابي تعريف المفاهيم الأساسية مثل المجموعات الضبابية ووظائف العضوية والمشغلات. وتتضمن الخطوات الرئيسية عملية التشويش وتطبيق القواعد وإزالة التشويش. ويشيع استخدام لغات البرمجة مثل “سي#” (C#) و”بايثون” (Python) لتنفيذ محركات المنطق الضبابي. كما أن أدوات مثل “مات لاب” (MATLAB) و”سيمولينك” (Simulink) شائعة الاستخدام أيضاً لتصميم ومحاكاة وحدات التحكم الضبابية.
المنطق الضبابي في الذكاء الاصطناعي الحديث:
يلعب المنطق الضبابي دورًا أساسيًا في الذكاء الاصطناعي الحديث، وقد مكن معالجة المعلومات الغامضة ومحاكاة التفكير البشري. وهو ضروري لاتخاذ قرارات أكثر دقة ومرونة، تتكيف مع أوجه عدم اليقين في التطبيقات الواقعية.
ففي التعرف على الأنماط، يعمل المنطق الضبابي على تحسين الخوارزميات من خلال تمكين التصنيف المرن والقابل للتكيف. فهو يأخذ في الاعتبار الاختلافات والغموض في بيانات الشكل، مما يتيح إجراء ارتباطات أكثر دقة. وفي معالجة اللغات الطبيعية، يساعد المنطق الضبابي على إدارة الغموض اللغوي من خلال تعيين درجات الحقيقة للتفسيرات المختلفة. وهذا يجعل من الممكن معالجة المعرفة المعبر عنها باللغة الطبيعية بطريقة أكثر كفاءة ودقة.
المصادر:
- ويكيبيديا
- معجم البيانات والذكاء الاصطناعي، الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (pdf)
- الموسوعة العربية: تطبيقات المنطق العائم (الموسوعة العربية | المنطق العائم (تطبيقات-))
- https://www.guru99.com/what-is-fuzzy-logic.html
- هارفرد بيزنس ريفيو (https://hbrarabic.com)
- https://www.uomus.edu.iq/NewDep.aspx?depid=7&newid=16787
- موقع فوجي الكتريك (https://www.fujielectric.fr/ar)
- اكاديمية حسوب (https://academy.hsoub.com)
- موقع جامعة المستقبل (https://www.uomus.edu.iq)
- https://www.iloencyclopaedia.org/ar/part-xiii-12343/microelectronics-and-semiconductors/item/700-silicon-semiconductor-manufacturing
الهوامش:
[1] المجموعة الضبابية هي مجموعات تنتمي عناصرها إليها بدرجات مختلفة (في المجموعات غير الضبابية، عنصر ما قد ينتمي إلى المجموعة وقد لا ينتمي إليها، وليس بين هذين الاحتمالين شيء). وقدمت نظرية المجموعات الضبابية من طرف البروفيسور زاده والبروفيسور الألماني ذيتر كلاوا، وكان ذلك عام 1965 كتوسيع للمجموعة التقليدية المعروفة. [2] أنظمة حاسوبية تحاكي قدرات وخبرات البشر في اتخاذ القرارات، وهي في أساسها مصممة لإيجاد حلول للمشاكل المعقدة من خلال التفكير باستخدام مختلف مجالات المعرفة، والتي يتم تمثيلها في هذه النظم باستخدام شروط (إذا .. فإن) بدلاً من البرمجة الإجرائية التقليدية. وتم ابتكار أول أنظمة خبيرة في سبعينيات القرن العشرين، وانتشرت في الثمانينيات من القرن نفسه، وهي من أوائل الأشكال الناجحة لبرمجيات الذكاء الاصطناعي.