لماذا تَرَبَعَ المنُّ القطيفي على عرش شهرة الأوزان سعودياً وخليجياً؟ – بقلم عبد الرسول الغريافي

ولماذا لايزال بريق أسم المنّ القطيفي لامعاً في سماء الشهرة أينما وليتَ وجهكَ في المملكة وأرجاء الخليج العربي؟

ولماذا لايزال اشعاعه يشق طريقه نحو استمرارية الإنتشار وتوسعية الإستعمال؟

ولماذا لاتزال استمرارية استعماله باقية في السعودية والجزيرة العربية وسائر دول الخليج حتى أيامنا هذه وإن كان لايظهر بالإسم فهو يظهر مُعَرَّفاً بتحديد عدد وحداته التي انفرد بها وهي ١٦ كيلو؟

بينما نلاحظ التراجع في استعمالات سائر الأمنان الخليجية الأخرى وهي في طريقها إلى الإندثار بشكل ملحوظ أو اقتصارها على وزن غلات معينة محلياً فقط، ولما لم تعد هناك أي جدوى لاستعمالاتها المتعددة بل حلت محلها وحدات أوزان أخرى مع ظهور أنظمة الأوزان والميازين الحديثة؟

فما السر في ذلك؟

قد يتبادر إلى الذهن مباشرة عندما نقرأ أو نسمع كلمة المنّ لأول وهلة أنها توأم السلوى اللتان ذكرتا في القرآن الكريم في أكثر من موضع كقوله تعالى: في سورة الأعراف: “وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَارَزَقْنَاكُم”. [لأعراف:160]، أو قد يظن البعض على أنه ذلك الحلوى والمقترن أيضا بالسلوى والمعروف بندى السماء أو العسل السماوي المُعَدْ من تلك المادة الصمغية الدبقة المُخْضَرَّة والشبيهة بالدبس الناتجة من أشجار اللوز والبلوط وأشجار أخرى! كلا! إنه ليس كذلك فنحن هنا نتحدث عن شيء مختلف تماماً وموضوعه لايمت بصلة بالمن والسلوى مطلقاً!

ماهو المن؟
نحن نتحدث هنا عن المَنّ بفتح الميم وتشديد النون مع تسكينها، وجمعه أمنان والمقصود بهذا المَنّ أنه وحدة قياس وزن من الفئة الكبيرة التي تداولها التُجّار عالميا منذ أقدم العصور وفي أنحاء العالم إلا أن نظام وزنها غير موحد عالمياً بل هو مختلف حسب كل منطقة وكل زمان أيضاً وهذا التفاوت قد يكون كبيراً وقد يكون صغيراً ولكن إجمال الإتفاق عالمياً أن المَنّْ هو وحدة وزن من الفئة الكبيرة.

وقد ورد ذكر تعريف المنّْ في بعض المعاجم العربية كالمعجم الوسيط -مثلاً- بأن المنّْ معيار قديم كان يكال به أو يوزن وقدره إذ ذاك رطلان بغداديان والرطل عندهم اثنتا عشر أوقية بأواقيهم، وأما تعريفه كما جاء في معجم الفقهاء فهو بالفتح والتشديد ج أمنان: مكيال سعته رطلان عراقيان أو أربعة أستار ويساوي ٣٩، ٨١٥ غراماً.

مستويات فئات وحدات الأوزان:
عندما نتحدث عن تصنيف وحدات الأوزان التقليدية القديمة العامة فيمكن تصنيفها إلى أربعة فئات تتدرج من الصغيرة إلى الوحدات الكبيرة طبقاً لطبيعة أنواع البضائع المراد وزنها وكمياتها وأحجامها وتختمها في الأخير الفئة الخامسة وهي ذات الصعيد الموحد العالمي ألا وهو الطن (1000 كيلو)، ابتداءً من السلع التي خف وزنها وغلا ثمنها كالذهب والفضة واللؤلؤ والألماس وسائر المجوهرات النفيسة حيث تستخدم لها الأوزان والميازين الدقيقه والصغيرة جداّ ووحدات أوزان هذه السلع المتعارف عليها في المنطقة وخصوصا الذهب والفضة هي المثقال والذي يعادل وزنها ٤.٢٥ جرام ثم بعد ذلك تم تقريبه إلى ٥ غرام للتسهيل، وكان في الماضي القديم يستخدمون أيضاً نظام القمحة (grain) للؤلؤ والذهب والفضة والألماس والأحجار الكريمة والعطور والبخور وكذلك اللآليء وقد حل محلها فيما بعد الجرام فهي تعدل 0.065 جرام، أو 1/7000 رطل،
وفي الخليج عامة كانوا يستخدمون وحدة وزن للؤلؤ تسمى (چَوّْ) وهي من أصل هندي والحبة (grain) تزن ١٠٠ چَوّْ.
تأتي بعدها الفئة الثانية في الأوزان الخاصة بالبضائع الإستهلاكية محلياً أو العائلية ويعرف هذا النوع من البيع بالتقطيع (بيع المفرد) ووحدات أوزانها هي التي تُعادَل في أيامنا هذه فئة الكيلو ومايزيد عنه مضاعفاً، وكان من أقدم هذه الوحدات المستخدمة محلياً وحدة (الحقة) وهي محرفة من الأقة أي الأوقية وقد كان المَنّْ يساوي ١٢ حقه والتي استمر استعمالها حتى منتصف خمسينات قرن العشرين.

وقد سبق وحدة الحقة وحدة أخرى اسمها (القياس) وحتى بعد اندثار هذه الوحدة فقد استمر استعمالها بشكل خاص لبيع حليب الأبقار المُنتَج محلياً، وهناك أيضاً وحدة قديمة جداً تسمى (الألف) وهذه الوحدة أيضا حتى بعد الإستغناء عن استعمالها استمرت في مجال البناء لإختيار أحجام حجارة الفروش البحرية اللازمة في البناء والذي دام استمرارها حتى منتصف سبعينيات قرن العشرين، ثم تلى وحدة الألف الربعة وهي بداية وحدات الأوزان الحديثة والتي كان أوج استعمالها في أربعينيات قرن العشرين واستمر البعص في استعمالها للمنتجات المحلية المنزلية، ثم تلى ذلك الرطل والذي استمر حتى نهاية الستينيات، وأخيرا استقر بنا النوى عند وحدة الوزن الكيلو وهي شبه الموحد استعمالها عالمياً في أيامنا هذه وهي تساوي ألف غرام.

وأما الفئة الثالثة فهي المصنفة من أوزان الوحدات الثقيلة المُعَدة للبضائع الوفيرة الإنتاج وبكميات كبيرة وخصوصاً المُعَد منها للتصدير كالتي تعبأ في أكياس الخيش كالسلوق أو العيش (الأرز) الهندية أو الأحمر المنتج محلياً أو قلال التمر وكذلك أكياس العومة والمتوت المستوردة من الخليج وكذلك لوزن الأسماك التي يتم بيعها بكميات كبيره في أسواق الجزازيف (بيع الجملة)، فمثل هذه البضائع تحتاج إلى وحدتين مختصتين بالأوزان الثقيلة: أولهما وحدة المنّ القطيفي والذي نحن في صدد الحديث عنه والذي يساوي (١٦ كيلو).

وهناك فئة رابعة لوحدات هذه الأوزان اشتهرت بها القطيف والبحرين والمُعدة لأوزان الكميات الكبيرة والأكثر غزراة في الأنتاج وهذه الوحدة تسمى (الرفعة)، والرفعة في القطيف تحتوي على عشرة أمنان قطيف (١٦٠ كيلو).
وفي كلتا الحالتين (المن والرفعة) تُستَخدم لها ميازين كبيرة جداً بعضها تُنَصَّب على أعمدة حديدية لها حوامل في الأعلى لتحمل قبان الميزان وفي أسفلها قواعد متينة للتثبيت أو أن بعضها يعلق على أشاير خشبية ظاهرة تبرز من جدران المباني،

وبعضها تعلق في السقوف المبنية وبعضها تُرْفَع من مقابضها بأيدي رجال أشداء أكفاء وبعضها تعلق مقابضها على سبايات (مفرد سباي) وهو عبارة عن حامل مكون من ثلاث ركائز من جذوع الأشجار تركز على الأرض بشكل مثلث وفي الأعلى تربط رؤوسه لتشكل نقطة ارتكاز واحدة وبحيث يشكل هيكله شكل مخروطي هرمي وفيها يربط مقبض الميزان، والسباي هي لفظة من أصل فارسي مكونه من كلمتين هما (سه) بمعنى ثلاثة (وباي) بمعنى أضلاع وهي تعادل بالإنجليزية (tripod) بمعنى حامل.

وفي القطيف أيضاً هناك مكيال خاص بين المن والرفعة وأدواته الكم والحجم وليس الميزان وهذا المكيال يسمى “طرحة” والطرحة خاصة ببعض المنتجات الزراعية كالبطيخ القطيفي والبوبر (اليقطين) وكذلك الطروح “القثا” والبطيخ الأحمر (الجِحْ)، فطريقة بيعه تتم عن طريق تقدير كمية تشكل كومة بحجم هرمي معين أو أحيانا بعدد معين تُكوَم على الأرض تعرف بالطرحة، فنقول: طرحة بطيخ وطرحة بوبر وطرحة اطروح وغيرها.

المَنّ تاريخياً وجغرافياً
فلنعد إلى الحديث حول موضوع المنّ وتاريخ استعمالاته من قِبل العديد من مجتمعات الحضارات العريقة وذكر ألفاظه عبر الزمان فقد ورد ذكر المَنّ بألفاظ مختلفة في كثير من الحضارات القديمه كتوثيق ذكره في الحضارة البابلية على المسلات التي دُوِنت عليها تشريعات الملك حمورابي (1750 – 1793 قبل الميلاد) وهو من أعاظم ملوك البابليين في العراق القديم الذي انصرف في بداية حكمه إلى الإصلاحات الداخليه وترفيه شعبه والقضاء على الفساد والرشوات وغيرها فأصدر قوانين سجلها بالخط المسماري وباللغة البابليه على مسلة اسطوانية الشكل كبيرة الحجم من حجر الديورانت الأسود بطول بلغ 225 سم وقطر 60 سم إذ احتوت على 282 مادة تشريعية.

وقد تم العثور عليها في مدينة سوسه عاصمة عيلام أثناء البعثه التنقيبية الفرنسية (1902 – 1901) وهي موجودة اليوم في متحف اللوفر بباريس. لقد قام الباحث محمود الأمين بترجمة كل ما احتوت عليه هذه المسلة من تشريعات من اللغة المسمارية إلى اللغة العربية وقام بطباعتها في كتاب أسماه: (شريعة حمورابي) والذي قامت بطباعته ونشره دار الورّاق للنشر بلندن، فعلى هذه المسلة وردت لفظة (المَنٍ) وبألفاظ مختلفة في عدة مواد فالمادة رقم (24) من تشريعاته -مثلا- تقول: “فإن كانت نفس قد فُقِدت أثناء السرقة فعلى المدينة والحاكم أن يدفع منا من الفضة لأهله”. وفي ترجمة أخرى “يدفع مانة”. كما وقد ذُكِر المَنّ ايضاً في المادة رقم (59) والتي تقول: “إذا سيد قطع شجرة من بستان سيد آخر بلا موافقة صاحب البستان فعليه أن يدفع نصف مانا من الفضة”.

لا يفوتنا أن استخدام وحدة وزن المَنّ في حضارة مابين النهرين قد سبق استخدامها العهد البابلي فقد ورد ذكر استخدامها في اللغة الأكادية أيضاً حيث أن الأكاديين وهم الشعب السامي الذي استوطن بلاد مابين النهرين حين أنشأ سرجون الأول دولته قبل الميلاد بأكثر من ألفين سنة فقد كانت وحدة الوزن الرئيسية في دولتهم المَنّ والذي يطلق عليه أيضاً مسمى المانا (mana) والذي استمر استعماله وبنفس التسمية حتى مابعد الألف الثاني قبل الميلاد حين حلت الدولة البابلية محلها ومحل بقايا سومر حين بلغت عصرها الذهبي مع المشرع الكبير حمورابي (كما سبق الحديث عنه) وكانت هناك وحدة أخرى تدعى تلنت (talent) وهي تساوي ثمانين مانا. بعد ذلك انتشر المَنّ مع انتشار الأوزان والمقاييس البابلية في معظم أرجاء حضارات البلدان القديمة.

لقد ورد ذكر المَنّ في كثير من حضارات العالم؛ ففي الهيروغليفية المصرية حيث العصر الفرعوني جاء ذكرها في صورتين: أولاهما تماماً كما نسميه نحن في عصرنا وهو (مَنّ) [Men] وأما في الصورة الثانية فانه يُنْطَق (مانا) [Mana] وقد حُفِظت عند الأقباط فيما بعد بمسمى إمنا (emna) أو أمنا (amna). وفي العبرية مانه (Maneh) وبالروماني (Mina)، وقد ادخلت في قواميس العرب بهذه الصورة بمسمى “المَنّ: جمعها أمنان وهو كيل أو ميزان ويساوي شرعا 180 مثقال وعرفا 280 مثقال”.

وقد انتقل من البلاد العربية إلى الهند ومنها إلى شرق آسيا، كما انتقل إلى الغرب؛ ففي أسبانيا يسمى المِنا (almena)، وفي اللغة الفرنسية وجد بمسمى (Almene) ويساوي عشرين رطلا، وانتقل من الهند إلى البرتغال بإسم (moe) وقد كانوا يقسمون المَنّ إلى ثمانية كؤوس والكأس في نظام الأوزان يعني الصاع الذي استعمله العرب كمكيال فالمَنّ البرتغالي كان ثمانية صاعات. وأما في انجلترا فهو يعرف بالماند “Maound” وقد استخدم قبل أربعة قرون.

والمن رسميا هو 8 صاع (أي مايعادل 20 كيلو أو أقل)، ولكن تتغير مقادير المن من مكان إلى آخر وذلك حسب أنواع منتجات البضائع لتلك المنطقة وأصنافها وطبيعتها وكميات الإنتاج وهل طبيعة المنتج ثقيل أم خفيف وهل حجمه صغير أم كبير وكذلك حسب وفرة الكميات وظروف البيع والشراء وكذلك خضوعها لعادات وتقاليد المجتمع.

في بومبي ،مثلا، المن يساوي 28 رطلا وفي مدراس 25 رطلا وأعلى وزن له في الهند هو 163.25 رطلا وأقله 18 رطلا، وفي بلاد فارس أقل من 7 أرطال أما المن الملكي الشاهي فهو 14 رطلا.

هل انقطع التعامل مع المَنّ؟
ولاتزال وحدة وزن المَنّ حتى أيامنا هذه متداولة في بعض مناطق الخليج العربي؛ ففي كل من الإمارات وعمان المَنّ يساوي 9 أرطال أي 4 كيلو، ولاننسى أن المَنّ اليمني يساوي ٢٨ رطلاً وهذا وزن يعدل أكثر من ١٢ كيلو، ولكن هناك فئة يمنية أخرى تدعى “بهار” وجمعها أبهرة وهي تساوي ٣٠٠ رطل وهي التي تستعمل لوزن التمور. أما في البحرين فهو 24 كيلو وفي الأحساء 240 كيلو وفي القطيف 16 كيلو، وقد كانت وحدة قياس الوزن الأصغر من المنّ القطيفي في الخمسينات وما قبلها من القرن العشرين الماضي هي الحقه (المحرفة من الأقة أي الأوقيه) والتي تساوي كيلو وثلث أي ان مقياس المنّ لم يتغير إذ أن 12 حقه= 16 كيلو.

وجدير بالملاحظة أن أغلب وحدة الأمنان وبالأخص الخليجية عندما تحول إلى الكيلو او الرطل أو الربعة او الحقه فإن العدد يكون زوجيا بحيث يمكن تقسيم المَنّ الى النصف والربع والثمن بل وحتى إلى نصف الثمن أحيانا ونصف الثمن هو جزء من ستة عشر.

وتستخدم في كل من البحرين و القطيف وحدة وزن أخرى هي أثقل من المن وأخف من الطن، ألا وهي “الرفعه”. والرفعة تساوي عشرة أمنان قطيفية وسبعة أمنان بحرينيه، وقد كان استعمالها في العقود الماضية حتى نهاية السبعينات. ولعل عدم استخدام الرفعة في الأحساء بسبب أن المَنّ الأحسائي يقوم مقام الرفعة إذ أن المن الأحسائي يساوي رفعة ونصف رفعة قطيفية (٢٤٠ كيلو).

وتستخدم الرفعة لوزن أكياس العومه والمتوت والحلى (الأسماك المجففه) والمشلق (الاسماك المجففه المشقوقة الكبيره) كما وتستعمل في وزن الربيان المجفف والسلوق المجفف وكذلك لوزن بندلات التتن (التبغ) المستورده وبعض المعادن وغيرها من البضائع غير أن استخدام الرفعة أخذ في الأفول مع بداية الثمانينات من القرن العشرين الماضي وذلك لتغير نظام البيع والشراء والعرض والطلب لبعض مثل هذه البضائع والتي انتهت تجارتها وأيضاً لتغير وسائل تعبئتها فلم تعد أكياس الخيش تنفع لتعبئة بعض البضائع ولا القلال مجدية لكناز التمور أو عرضها في السوبرماركتات، بالإضافة إلى إندثار بعض البضائع كالسلوق والعوم (العومه) وحتى بيع الربيان المجفف بكميات كبيره لغرض تصديره لم يعد مُعتَمَداً.

لقد بقي استعمال المَنّ مستمرا حتى أيامنا هذه وذلك لما للناس من حاجة له في استخداماته المحدودة من أجل بيع بعض البضائع، فالمنّ الأحسائي (وهو 240 كيلو) وإن قل استعماله في هذه الأيام حيث أصبح استعماله مقتصر فقط بين الفلاحين المتبعين للطرق التقليدية في وزن كميات التمور وإن كانت تلك الموازين التقليدية الكبيرة وسنجاتها ذات الأوزان الضخمة لم تعد تستخدم بشكل شائع فالموازين الحديثة والإلكترونية حلت محل تلك الموازين التقليدية، كما أن نظام التعبئة المصنعية الحديثه والعبوات الصغيره لم تعد بحاجة لإستخدم الاوزان والميازين الكبيره وإن كانت الكميات كبيره فقد حل محلها استعمال الميازين الحديثة ونادرا ما يُحَوَّل إلى المنّ إلا في حالات الإحصاء للمعرفة بين الفلاحين وقد تحتاجها جهات مختصة أخرى ولكن استعماله أصبح أيضاً محصورا داخل المنطقة.

لاشك أنه لابد للأوزان القطيفية أيضاً أن تواكب ركب العصر في أنظمته الحديثة ولكن لازالت هناك منتجات من البضائع المحلية لابد أن تسير أنظمة أوزانها حسب الطريقة التقليدية المتبعة مع استخدام الأجهزة الحديثة لأن الإعتماد عليها لازال ملحاً في حسابات البيع والشراء لكي لايختل نظام المبيعات ما جعلها تشكل أسباب قد مدت في عمر استمرارية استعمالات وحدة المنّ القطيفي زمنياً وكذلك انتشار تبني استعمالاته على مدى نطاق واسع بحيث بقيت استمرارية هذا الإستعمال حتى أيامنا ومعها عدة عوامل قد مدت في عمر استعمال المَنّ القطيفي وكذلك انتشار تبنيه في كثير من المناطق، ومن أهم أسباب شهرته وتوسع استعماله مايلي:

أولاً: لما للمنطقة من موقع استراتيجي بين المناطق المجاورة فقد رفع من أهميتها الأقتصادية والتجارية والزراعية والإجتماعية منذ القدم فمنها تنطلق بداية أطول طريق قوافل في الشرق الأوسط والذي يلتحق به الطريق القادم من العراق فالكويت حيث يتجه بعدها إلى الشمال ماراً بجميع المناطق حتى يصل في النهاية إلى أراضي الأناضول شمالاً وعليه فقد امتدت بمحاذاته خطوط التابلاين في عصرنا الحديث، وهذا ماجعل أنظار الطامعين أيضاً في العصور السابقة تتجه نحوها كغزو القرامطة لها في العصر العباسي لما لها من أهمية اقتصادية وتجارية فقد تمادوا إلى درجة سرقة الحجر الأسود من الكعبة حين وضعوه عند إحدى عيون الجش عام٣١٧ إلى عام ٣٣٩ حيث استقر عند تلك العين لمدة ٢٢ عاما كل ذلك من أجل اجبار جلب الحجاج لتنشيط تجارتهم.

لقد كانت البضائع في تلك الأيام توزن باستخدام هذه الوحدة المشار إليها بل ومنذ أقدم من ذلك وبنفس المقدار دون إضافة أو نقصان كماتشير كثيرا من الوثائق وهذا نتيجة حرص تجّار هذه المنطقة حسب ماجاء بتقيدهم بالصاع القديم (كما سيرد) وهو القريب من هذا المَنْ وكانت وحدات الوزن بلا شك متأثرة بارتباطها بكثير من وحدات أوزان الحضارات القريبة التي يتعاملون معها تجاريا وثقافياً فلا شك أن وحدة المنّ لعبت دورها في تلك الآونة وما قبلها وقد حافظ أهالي المنطقة على وحدة المَنّ الشهيرة رغم تغير أنظمة الوحدات التي هي أقل منها وزنا إلا أن وحدة المنّ ظلت تصارع الزمن حتى وصلت إلى أيامنا هذه دون أن تندثر رغم تغير الوحدات التي هي من دونها.

ثانياً: إعتدال مقدار المن القطيفي بين الأمنان الخليجيه؛ فهو ليس بالمقدار القليل الملاصق والقريب جداً من الوحدات الصغيرة كالكيلو أو الرطل أو الربعة وكذلك الأوقية أو الحقة قديماً، كما أنه لايصل ثقله إلى فئات الأوزان ذات المحتوى الكبير كالرفعة أو الطن إنما هو في وسط معتدل وهذا يظهر الفرق متبايناً بين فئات الوحدات الصغيرة السابقة الذكر وبين هذه الوحدة الكبيرة عند الوزن، كما أن هذا المنّ ليس بالمقدار الكبير جدا بحيث يتعدى مقداره لينحصر استعماله في الكميات التجارية الكبيره جداً فقط والتي لايمكن التعامل بها إلا على هذا المستوى التجاري الكبير دون الكميات الاستهلاكيه الأسريه أو ما يتعامل به باعة التجزئة الذين يبيعون الكميات الصغيره من البضائع وذلك في حالتي البيع والشراء؛ فمقدار هذا المَنّ هو فقط 16 كيلو، وهذا وزن في متناول جميع المستويات عند البيع والشراء.

ثالثاً: قُرْب مقدار المَنّ القطيفي من المَنّ الرسمي العالمي العريق وقد كان هذا منذ القدم والذي يقاس على أنه ثمانية صاعات حسب النظام القديم وهذا يعادل عشرين كيلو أو أقل وهو رقم قريب من المن القطيفي البالغ ستة عشر كيلو.

رابعاً: تميزت استراتيجية تقسيم المَنّ القطيفي وفق طلب التاجر والمستهلك في البيع والشراء بحيث يمكن تقسيمه إلى أصغر وحدة متعارف عليها في نظام البيع والشراء في الخليج بأرقام صحيحة وبدون كسور أو باقي في الأرقام وبذلك فإن الرقم ١٦ (أي جزء واحد من ستة عشر) متعارف عليه في أوزان وحدة المنّ الذي يعادل نصف ثُمن المَنّ وهو آخر تقسيم متعارف عليه في المَنّ عند أهل الخليج وبالأخص في القطيف والبحرين والأحساء، لذلك يمكن القول بأن المنّ القطيفي قد تم اختياره بحصافة وذكاء إذ أن نصف الثُمْن هو آخر الاجزاء المستعملة من المَنّ؛ فربع المن مثلاً يساوي ٤ كيلو والثُمْن يساوي ٢ كيلو ونصف الثُمْن يساوي ١ كيلو وهو آخر الأجزاء (واحد تقسيم ستة عشر)، وكذلك في عصر استعمال الأرطال نجد أن ربع المنّ يساوي ٤٠ رطلا والثُمْن ٢٠ رطلا ونصف الثُمْن هو ١٠ أرطال، بل وحتى في أيام الأوقيه والمعروفة محلياً بالحقة حيث كان المنّ أيامها يساوي ٥٢٨ حقة (أوقية) فإن ربعها يساوي ١٣٢ أوقية (حقة) وثُمْنُها يساوي ٦٦ حقة وبالتالي فإن نصف الثُمْن وهو آخر وحدة يساوي ٣٣ أو قية (حقة).
هذه التقسيمات الميسرة على مدى فترات من الزمن جعلت من استعمالات المَنّ القطيفي لأن يكون في المتناول لأنه أكثر سهولة ويسر في مناطق الخليج.

خامساً: طبيعة أرض القطيف الزراعية والبحرية بالإضافة إلى موقعها على شواطئ الخليج العربي مكناها من انتاج بضائع معينه تفتقر إليها بعض المناطق المجاوره من دول الخليج وكذلك بعضها تفتقر إلية بعض المناطق الداخلية في السعودية؛ فالرطب والسلوق والتمور التي تنتجها أرض القطيف والأحساء تصدر لبعض دول الخليج (كما سيرد لاحقا)، ومن ناحية أخرى ثروتها السمكية الهائلة ومعها الربيان التي تصدر إلى المناطق الداخليه المجاوره من المملكه كالأحساء والمنطقة الوسطى وغيرهما وحتى الدمام والظهران والخبر والثقبة لكونهم مناطق متخصصة في التجارة وشؤون أخرى غير صيد الأسماك بالإضافة إلى طبيعة بحر القطيف البيئية والعشبية المختلفة، بل ومن الغريب أن المنطقة الغربية وبالأخص جده كانت تستقبل بعض أنواع الأسماك من القطيف لتفضيلها، كل ذلك جعل منها أن تفرض وحدة الوزن الخاصة بها عند البيع وهو المَنّْ القطيفي إذ أن الوزن أثناء بيع الكميات الكبيرة على تجّار الأسماك والربيان في تلك المناطق تتم أيضاً بهذا المَنّ، وبدور تجّار الأسماك الذين يشترون الأسماك والربيان من القطيف بنظام المَنّ القطيفي فإنهم بموجب ذلك يتم بيعه وتوزيعه في بلدانهم بنفس نظام وحدة وزن الشراء وهي المَنّ الذي يساوي ١٦ كيلو.

سادساً: لما للقطيف من استراتيجية موقع تجاري بين عدة مدن ومناطق حديثة لاتمتلك نظاما مستقلا لوحدة المَنّ وكذلك لأن القطيف هي مصدر كثير من البضائع التي يعتمد وزنها على وحدة المَنّ فقد تبنته هذه المناطق الحديثه المجاورة عند الوزن وذلك في حالتي البيع والشراء، ومن تلك المدن الدمام والخبر والثقبه والظهران ورحيمه ورأس تنوره والجبيل وغيرها من المناطق المجاورة وهذا قد قام بدور دعاية وإعلان كبيرين وقد ساهم في تثبيت استمراريته.

سابعاً: لتوسط كلا من واحتي الأحساء والقطيف كمنطقتين زراعيتين بين بعض دول الخليج وقد كانتا في زمن مضى غير بعيد تشكلان (سلتا الخليج) وهما تمدان بعض هذه الدول ببعض المنتجات الزراعية كالخضار وبعض الفواكه والرطب وغيرها، وقد كانت وحدة الوزن المستخدمه لكل من الأحساء والقطيف عند وزن عذوق الرطب في كل من قطر والكويت وبعض مناطق الإمارات في تلك الآونة هي وحدة المَنّ القطيفي (16 كيلو) لكونه أنسب في توسط الوزن وقد استمر هذا حتى بداية الثمانينات من قرن العشرين الماضي.

كما أنه في فترة زمنية (في الستينات والسبعينات من القرن العشرين) انتشر استعمال المَنّ القطيفي في الأحساء وذلك لتصديره مع بعض المنتجات البحريه كالربيان المجفف والعومه (العوم) والمتوت (الإحساس المستخدم لعمل الإدام) إذ كان العوم يُجلب من دول الخليج عن طريق جمرك فرضة القطيف حيث يستورده تجار القطيف لما له من أهمية لتغذية الماشية وكذلك لتسميد الزراعه، وقد بات من الضروري ان يجلبه تجار الاحساء من القطيف إلى الأحساء ومن ثم يتم بيعه بنفس نظام وزن وحدة المَنّ القطيفي (المَنّ 16 كيلو) وذلك بموجب شراءه لكي لا تحدث خلخلة بين نظامي البيع والشراء عندهم.

وإلى أيامنا هذه وخصوصا في موسم الفسح بصيد الربيان والمشهور بصيده وبيعه أهالي القطيف حيث ينتشر البائعون المتجولون القطيفيون او غيرهم ليتم البيع في تلك المناطق إما بنظام الكيلو أو بنفس المَنّ القطيفي الذي تم الشراء بموجبه، وكذلك لا ننسى الأسماك التي تشترى من القطيف بواقع المَنّ القطيفي فتباع في الأحساء وغيرها بنفس النظام وإن لم يستعمل بطريقة مباشرة فهو بموجب شرائه بالمَنّ القطيفي المساوي ١٦ كيلو.

ثامناً: استعمال المَنّ القطيفي في أكبر أسواق الشرق الأوسط والخليج: للدعايات الإعلامية دورها الكبير الفعّالة التي يلعبها المَنُّ القطيفي عند ترويج التجَّار القطيفيون بضائعهم المتخصصة فيها أهالي القطيف ذات الأهمية وذلك باستعمال المَنّ القطيفي والتي تُصَدّر إلى أنحاء المملكة والخليج وبعض المناطق الأجنبية؛ فسوق سمك القطيف -مثلاً- والتي كانت تعد في فترة زمنية – كما جاء في احصائيات ذكرت في أحد أعداد مجلة الاقتصاد السعوديه- وكذلك كما أشارت إليه جريدة الرياض الإقتصادي في عددها 15790 الصادر في يوم السبت 19 شوال 1432 الموافق 17 سبتمبر 2011م أن سوق سمك القطيف هي أكبر سوق سمك في الشرق الأوسط من حيث حركة وكمية البيع والشراء. حيث يقول النص: “يشار إلى أن سوق السمك المركزي في محافظة القطيف يعد أكبر سوق لبيع السمك في الشرق الأوسط من ناحية حجم المبيعات والكميات التي تداولها”.


كما أن هناك احصائية جديدة أخرى بعد انتقال السوق من مقرها القديم إلى جزيرة الأسماك تفيدنا بإضافات إحصائية جديدة حيث أنها أصبحت أيضاً من حيث المساحة أكبر سوق سمك جملة في الخليج العربي كما ورد ذكر مساحتها والحديث عنها في كل من صحيفة الرياض الاقتصادي الإلكترونية أيضاً في العدد الصادر في يوم الإثنين ١٠ ربيع الثاني عام ١٤٤٣هجري الموافق ١٥ نوفمبر ٢٠٢١م، وكذلك في صحيفة العربية الإلكترونية الصادرة يوم ٢٣ يناير عام ٢٠٢٢، وأيضاً في صحيفة عكاظ الإلكترونية والصادرة يوم الأحد ٩ ديسمبر عام ٢٠١٨م تشير جميعها إلى أنها أكبر سوق سمك في الخليج من حيث المساحة إذ بلغت مساحتها ستة آلاف متر مربع.

بات من المعروف سعودياً وخليجياً أن سوق أسماك وربيان القطيف تزود جميع اسواق اسماك المملكة، وبما أن نظام البيع فيها يستخدم وحدة وزن المنّ القطيفي (وهو 16 كيلو) فقد انتشر نظام الوزن بوحدة المَنّ القطيفي مع انتشار بيع الأسماك والربيان ليعم انحاء المملكه بما فيها حتى بعض المناطق البحريه الأخرى كجده وينبع وجيزان وغيرها إذ أن الكثير من سكان تلك المناطق يفضلون بعض أنواع الأسماك الخليجية والربيان (الجمبري) لكثرته ولتميزه كما وتُجلَب بعض أسماك تلك المناطق إلى القطيف فهي تباع وتشترى باستخدام نفس المنّ القطيفي، فلا مناص لها من استخدام هذا المَنّ عند شرائه أوبيعه بكميات كبيره. بالإضافة إلى تلك المنتجات البحرية هناك منتجات أخرى من البضائع يتم تصديرها كالمنتجات الزراعية المتعددة والتي يستدعي بعضها عند البيع استعمال هذه الوحدة من الوزن في تلك الأيام الماضية.


وما أذهلني من غريب الأمر أنه قبيل منتصف ثمانينات القرن العشرين عندما التقى بي أحد زملاء الدراسة في شارع كوينز واي (Queensway) بالقرب من محطة فيكتوريا أخبرني بأنه سيفاجئني عندما اذهب معه باتجاه الداون (down) عند أول تقاطع على اليسار فذهبت معه هناك لنرى محلاً لبيع الأسماك وكانت المفاجأة بأن الاسماك اغلبها شعري وكنعد وميد وصافي وعندما سألناه قال بأنها تجلب من القطيف السعودية وقد كُتِب على الكراتين الأوزان (نصف منّ!)، والأغرب من ذلك أنه في هذه الأيام شاهدت على اوسائل التواصل الإجتماعي أكثر من مقطع فيديو لهذا العام وللعام الماضي أيضاً حيث موسم الفسح بصيد الربيان أن مؤسسة مصرية في القاهرة يروجون دعاية لبيع كراتين (الجمبري الكبير الحجم) ويقولون أنه سعودي من (القوطيف) حسب مانطقها وقد ذكر أيضاً وحدة الوزن وهي المَنّ!

تاسعاً: أنه في فترة زمنية وخصوصا بين الستينات والسبعينات من القرن الماضي كثر عدد البحارة العمانيون في منطقة القطيف بين صيادين في منطقة القطيف وبين جالبي أسماك من عمان وخصوصا بعد أن عُبِّدت الطرقات البريه بين دول الخليج فكان تعاملهم مع أهالي القطيف بالمن القطيفي (16 كيلو) لا العماني (4 كيلو)، لذا عند جلبهم الأسماك العمانية للقطيف فإنه كان يتوجب عليهم حصر تلك الكميات المستوردة ووزنها بنظام وحدة المن القطيفي وهذا لا يزال حتى أيامنا هذه.

عاشراً: لايفوتنا أن نذكر أوزان كل من الربيان المجفف والسلوق وقلال التمر التي كانت تصدر الى مناطق أبعد من دول الخليج فالربيان المجفف كان يعبأ في حاويات (التنك) أو الخيش للتصدير وعند التعبئة يستخدم المَنّْ القطيفي كوحدة لوزنه. وأما المسافرون من أهالي المنطقة فيما مضى سواءا كان في عصر السفر على الجمال أم في العصر الذي تلاه حيث السفر (بالشاحنات) أو الباصات القديمه فقد كانوا يستهلكون اثناء أسفارهم كميات من ذلك الربيان المجفف والحلى (الأسماك المجففه) لسهولة حمله وحفظه من التعفن وإعداده كطعام لهم، فكل ذلك كانوا يشترونه بنظام الوزن بالمن القطيفي وذلك عندما يعبأ في حاويات التنك أو الخيش.

كما أن الربيان المجفف الذي كان يصدر الى بعض بلدان فارس والعراق بعد تعبئته في حاويات التنك او الخيش كان يوزن بنظام المن القطيفي، وكذلك السلوق وهو الرطب الذي يسلق ثم يجفف ويعبأ في اكياس الخيش ويحتوي كل كيس خيش على أربعة أمنان قطيفيه من السلوق (64 كيلو) ليصدر من ميناء القطيف ليصل إلى الهند وإيران بنظام وزن المن القطيفي. ولا ننسى قلال التمر وهي ظروف أو حاويات تحاك من خوص النخيل على شكل زنابيل كبيرة جدا تعبأ فيها التمور ويحكم اغلاقها، وتحتوي على كمية من التمور تزن منين قطيفيين اثنين (٣٢ كيلو) ثم تصدر إلى كثير من دول الخليج بوزن أمنان القطيف. ويذكر لويمر/ دليل الخليج ج6 أنه كان يصدر الفائض من تمور القطيف البالغ وزنها 24 ألف طن (أي مايعادل 750 ألف قله) يصدر أغلبها إلى إيران وعمان والخليج والهند.

وللطين الخويلدي دوره الكبير في اشتهار المن القطيفي أيضا، إذ أن الطين الخويلدي والمستخرج من مقالعه في أسفل جبل البَرَّاق غرب الجارودية والممتد لحدود الخويلديه شمالا هو طين له تركيبة معدنية متميزه مفيدة لبشرة جسم الإنسان وتنظف الشعر وفروته وتنعيمه، وقد اشتهر هذا الطين منذ القدم في جميع أنحاء دول ومناطق الخليج وكان عليه إقبالا شديدا ولازال يطلب حتى أيامنا هذه من قِبَل من يعرفونه في الكويت والبحرين ولايزال يباع بكميات كبيرة في البحرين بنفس الإسم، وكان بائع الطين الخويلدي يتجول به في أنحاء قرى ومدن القطيف فيملأ حاويتين كبيرتين من الخوص تعرف بالمرحلة توضع على جانبي الحمار وفي أثناء تجواله ينادي بصوت مرتفع “طين خويلدي” فيسمعنه النساء ويخرجن من بيوتهن لشرائه بالوزن “بوحدة الربعة وكان قبلها وحدة الحقه ثم الكيلو فيما بعد”.

أما عند بيعه بكميات كبيرة على الموزعين في أنحاء الخليج فإنه يباع عليهم بنظام وزن وحدة المن القطيفي وخصوصا في العشرينات من قرن العشرين الماضي حين كانت العراق تشتري منه كميات كبيرة لسد وتثبيت فوهات آبار البترول في العراق لكونه مناسب جداً لهذا الدور كما كن نساء العراق يشترينه لنفس الهدف المستعمل في منطقة الخليج، ولاشك أن الشراء بهذه الكميات الكبيرة كان يتم وزنه بالمن القطيفي.

من نافلة القول أن نفس العوامل التي أعطت المَنّْ القطيفي تلك الشهرة الذائعة الصيت والمسبباب التي ساعدت على نشره وتعريفه في أنحاء المملكة والخليج والجزيرة العربية لاتزال محافظة على امتداد استعماله حتى أيامنا هذه وإن اندثرت كثير من تلك البضائع الرائجة في تلك الأيام ومعها ميازينها و(سنجها) التقليدية إلا أننا لانزال حتى يومنا هذا نرى تسجيل المئات من الفواتير الشاهدة على بيع أطنان من الأسماك والربيان بشكل يومي تصدر من أسواق المزاد للأسماك “سوق الجزازيف” بالقطيف يوميا إلى جميع انحاء المملكة لتكتب عليها الأوزان بالمن القطيفي، وعليه تباع بنفس النظام في كل مكان في المملكة. وبهذا ندرك مدى أهمية الدور الذي لعبته تجارة الأسماك والربيان وكذلك ما أنتجته أرض القطيف وصدرته من محاصيل زراعية في تعريف المَنّ القطيفي ونشر استعماله الذي حظي بالديمومة ونال تلك الشهرة الواسعة.

المؤرخ الأستاذ عبد الرسول الغريافي

4 تعليقات

  1. احسنت واجملت ووصفت ووضحت
    شكرا لك استاذ عبد الرسول الغريافي

  2. إبراهيم احمد بزرون

    ما شاء الله عليك استاذ عبد الرسول ابدعت وليس مستغرب منك كونك مؤرخ ومطلع على كل ما يدور في هذا البلد المعطاء من تراث وحرف ومصطلحات قد يكون البعض لا يعرفها او يجهلها أطروحاتك دائما غنيه بالمعلومات المفيدة لصغير والكبير وخصوصاً تراث الأجداد اعتقد بقاء وجود المن القطيفي كون البلد كانت ولاتزال تشتهر بالتجارة كان الزراعيه او السمكية شكرا لك واتمنى لك العمر المديد كي تتحفنا بما هو خفي علينا

  3. حسين عبيدان

    الموضوع ثري بالمعلومات والصور القديمة سلمت أناملك أبو محمد

  4. موضوع ثري وشرح عميق مفصل، موضوعي وعلمي…بوركت أناملك أبا محمد وشكراً على هذا المجهود الرائع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *