مهما بلغ الإنسان من العلم والتقدم، يظل محدود القدرة، كما جاء في قوله تعالى: (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا). ومع ذلك، يبقى الإنسان مجادلاً ومعانداً في كثير من الأحيان، كما وصفه الله بقوله: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا). ولكن من جانب آخر، يظل هذا الكائن الطموح يسعى للكمال ويبحث عن المعرفة، محاولاً تحقيق الخلافة التي أرادها الله له في الأرض، كما ورد في قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).
[إن تطور العلوم والتكنولوجيا ما زال يبهرنا كل يوم، وآخر ما أذهلنا هو الذكاء الاصطناعي]
دماغ الإنسان يحتاج لعشرين واط ليعمل بكفاءة. الذكاء الاصطناعي بحاجة لعشرين مليون واط ليصل لدرجة ذكاء الإنسان. هذا يعني أن دماغ الإنسان أكفأ بمليون مرة من ناحية استهلاك الطاقة.
وباختصار، التقنية اليوم تعتمد بشكل كبير على متطلبات الطاقة والسعة والسرعة والفعالية. ورغم أن التقنية تتفوق علينا بملايين المرات في السرعة والسعة، إلا أن الإنسان يتفوق في كفاءة استهلاك الطاقة والفعالية، وخاصة فيما يتعلق بكثافة التخزين. فعلى سبيل المثال، طاقة تخزين المادة الحيوية تفوق نظيرتها الإلكترونية بمقدار 2,150,000 مرة. كما أن العمر الافتراضي لأفضل وسائل التخزين الإلكتروني لا يتجاوز عشر سنوات، بينما تبقى المادة الجينية ثابتة لملايين السنين، ما يجعل المقارنة غير ممكنة من الأساس.
ورغم القفزات الهائلة التي حققتها التقنية، إلا أنها تواجه اليوم تحديات كبيرة في ثلاثة محاور رئيسية: الطاقة، تخزين البيانات، ومدة بقاء البيانات المخزنة. ولهذا السبب، أصبح هذا الموضوع محور اهتمام العلماء في مجال التكنولوجيا. وقد أشار دون مانرو في مقالته الأخيرة إلى هذه القضية(1)، ملخصاً فيها أن أنظمة التخزين الإلكترونية لم تعد كافية، مما دفع العلماء إلى التفكير في تخزين البيانات باستخدام الحمض النووي، نظراً لكفاءته العالية وقدرته على البقاء لفترات أطول.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات تقنية للوصول إلى معايير تحقق الكثافة والسرعة المطلوبتين في عملية التخزين والاسترجاع، بالإضافة إلى معالجة الأخطاء التي قد تحدث بعد التخزين. وما زالت مجالات البحث والتطوير في هذا الميدان مفتوحة على مصراعيها، ومن يتمكن من حل هذه المشكلات سيحقق الريادة.
في النهاية، علينا أن نعترف بتواضع أن صنع الله لا يُضاهى، وعلينا أن نقف بإجلال أمام قدرته العظيمة التي يعجز الإنسان بكل تقنياته وعلومه عن مجاراتها. فرغم ما نحرزه من تقدم في المجالات التقنية والطبية، ما زلنا متأخرين بملايين المرات مقارنة بأدق ما أبدعه الخالق العظيم.
(1) https://cacm.acm.org/news/addressing-the-data-storage-crisis/