وجهة نظر: كيف حصدت شركة إكسون موبيل تريليون دولار من المكافآت نتيجة حفر آبار قبالة سواحل غويانا – ترجمة* محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

Viewpoint: How ExxonMobil’s drilling risks offshore Guyana reaped $1 Trillion in rewards
(Kevin Crowley, Bloomberg – بقلم: كيفن كرولي، بلومبرغ)

قصة اكتشاف شركة اكسون موبيل للنفط في غويانا مثيرة جدا. امتدت سنوات عديدة، ومرت بتحديات علمية وتقنية محفوفة بالمخاطر، وطرق اقناع رائدة لادارة الشركة لتضع يدها على كنز كبير فريد من نوعه، يصل حجمه الى ترليون دولار. ولكن قصة هذا الاكتشاف لا تتعلق بالمخاطرة الشديدة من أجل الحصول على مكافأة ضخمة، فقد تحوطت شركة إكسون من المخاطر بهندسة مالية، واشترت لنفسها خياراً لتحقيق ثروة طائلة على نتيجة غير محتملة. يبقى أن شغف الجيولوجي الاسترالي سكوت دايكسترهاوس وقناعته بوجود النفط قاداه الى اقناع ادارة الشركة بخوض المغامرة، وتحقق حلمه باكتشاف النفط في مايو 2015.

خارطة تبين موقع غويانا: تقع غويانا الى الشرق من فنزويلا والى الشمال من البرازيل ويقدر سكانها بأقل من مليون نسمة

كان سكوت دايكسترهاوس مقتنعاً، أو بالأحرى مقتنعاً تماماً عندما تنبأ بما يوجد على عمق أكثر من ثلاثة أميال تحت قاع البحر. فقد تصور عالم الجيولوجيا الذي كان يبلغ من العمر آنذاك 32 عاماً ويعمل لدى شركة إكسون موبيل أن هناك احتمالاً كبيراً لوجود مخزون هائل من النفط مدفون قبالة سواحل غويانا، بالقرب من المكان الذي يلتقي فيه المحيط الأطلسي بالبحر الكاريبي.

والآن جاء الجزء الصعب. فقد كان عليه أن يقنع رؤساءه بحفر بئر يثبت ذلك. ويقول دايكسترهوس: “كان الأمر محفوفاً بالمخاطر. ولكن غويانا كانت بمثابة كازينو [قمار] تريد أن تلعب فيه، لأن الأرباح تكون مرتفعة للغاية عندما تفوز”.

وفي أواخر عام 2013، كان البحث عن النفط في غويانا من بين أدنى أولويات إكسون. فقد حفرت الشركات أكثر من 40 بئرا خالية من النفط (بئر جافة) في المنطقة. وكان التكوين الجيولوجي المستهدف ــ المسمى “ليزا”، على اسم سمكة محلية ــ يقع على عمق ميل تحت الماء، وكان حفره سيكلف 175 مليون دولار على الأقل.

وحتى دايكسترهوس قدر أن فرص النجاح لا تتجاوز 1 من 5. ولكن إذا كان محقاً، فإن هذا من شأنه أن يفتح حدوداً نفطية، ويثبت نظرية مفادها أن نفس الجيولوجيا وراء احتياطيات فنزويلا، وهي الأكبر في العالم، تمتد عبر الساحل الشمالي لأميركا الجنوبية. ولم يكن لدى العديد من العاملين في إكسون أي مصلحة في المراهنة على هذا. ولم يكن لدى الكثير من بقية شركات صناعة النفط أي مصلحة في ذلك أيضاً.

واليوم، [تكوين] “ليزا” هو أكبر اكتشاف نفطي في العالم منذ جيل. وتسيطر شركة إكسون على منطقة تحتوي على 11 مليار برميل من النفط القابل للاستخراج، بقيمة تقرب من تريليون دولار بالأسعار الحالية. وقد حول الاكتشاف غويانا من واحدة من أفقر دول أمريكا الجنوبية إلى دولة ستنتج من النفط الخام للفرد الواحد (برميل لكل مواطن) أكثر من المملكة العربية السعودية أو الكويت بحلول عام 2027. وتسير غويانا على الطريق لتجاوز فنزويلا كثاني أكبر منتج للنفط في أمريكا الجنوبية، بعد البرازيل.

وأصبحت غويانا حجر الأساس لإحياء شركة إكسون بعد جائحة كوفيد. وتمتلك شركة النفط العملاقة في تكساس حصة 45٪ من حقل يكلف إنتاجه أقل من 35 دولارًا للبرميل، مما يجعله واحدا من أكثر الحقول ربحية خارج أوبك. ومع تداول الخام حاليًا عند 85 دولارًا للبرميل، فإن حقل النفط سيحقق أرباحًا حتى لو تسبب التحول من الوقود الأحفوري في انهيار الطلب وانخفاض الأسعار بمقدار النصف.

وتكشف القصة غير المروية عن أصول اكتشاف غويانا – استنادًا إلى مقابلات مع أكثر من اثني عشر شخصًا شاركوا في [تخطيط وحفر وتقييم] بئر “ليزا”، والذين غادر معظمهم منذ ذلك الحين إكسون – بعض الحقائق المدهشة حول ماضي النفط ومستقبله.

ويظهر كيف بالغ آخرون في العمل في تقدير التحول من النفط إلى مصادر الطاقة المتجددة. وقبل ثلاث سنوات فقط، خسرت إكسون معركة على مقاعد مجلس الإدارة مع المستثمرين النشطاء الذين زعموا أنها لم تفعل ما يكفي للتحضير للانتقال. وتمسكت إكسون بعملها الأساسي.

ويقول ليام مالون، رئيس قسم الإنتاج في إكسون، “عندما كان الجميع يتراجعون، كنا نميل إلى الأمام”. ومنذ بدء إنتاج غويانا في نهاية عام 2019، زاد سعر أسهم الشركة بأكثر من الضعف، وهو أعلى عائد بين نظيراتها من الشركات الكبرى.

ولا شك أن منافسي إكسون يشعرون بالندم المؤلم. فقد تخلت ما يقرب من 30 شركة أخرى، بما في ذلك شركة شيفرون، عن فرصة شراء اكتشاف غويانا. وانسحبت شركة شل، التي كانت في السابق شريكًا بنسبة 50٪.

وتدفع شركة شيفرون الآن 53 مليار دولار لشركة هيس كورب، وهي واحدة من شريكي إكسون في غويانا، والتي تمتلك حصة 30% في المشروع. وقد رفعت إكسون هذا العام دعوى تحكيم ضد شركة هيس، مدعية أنها تتمتع بحق الشفعة فيما يتصل بالحصة (وتقول شركة هيس إن هذا الحق لا ينطبق في حالة الاندماج).

ولكن قصة اكتشاف غويانا لا تتعلق بالمخاطرة الشديدة من أجل الحصول على مكافأة ضخمة. فقد تبين أن إكسون شركة هندسية مالية بقدر ما هي شركة استكشاف للنفط. فقد تحوطت بمراهناتها، وخفضت تعرضها، واشترت لنفسها خياراً لتحقيق ثروة طائلة على نتيجة غير محتملة.

ويعود تاريخ هذه الاستراتيجية إلى لحظة مهمة في عام 2013. فقد خلص كبار علماء الجيولوجيا في إكسون إلى أن دايكسترهويس وزملائه لم يثبتوا أن حفر حقل “ليزا” يستحق المخاطرة. وكان دايكسترهويس متشائماً.

وفي غضون أشهر، إذا لم تحفر شركة إكسون، فسوف تضطر إلى تسليم منطقة ستابروك، أو الامتياز ــ ترخيصها لاستكشاف وحفر المنطقة ــ إلى حكومة غويانا (ستابروك هو الاسم السابق لعاصمة غويانا، جورج تاون).

وفي الردهة بعد اجتماع، سحب رودي ديسميوك، وهو مستشار تجاري، أحد علماء الجيولوجيا جانباً. وسأل: “هل ستدعم ليزا إذا تمكنا من حفرها مجاناً؟” فأجاب عالم الجيولوجيا: “بالطبع”.

وهكذا، توصلت مجموعة صغيرة من الموظفين من المستويات الدنيا والمتوسطة إلى طريقة للحفر لـ “لاشيء”، أو ما يقرب من ذلك.

ومثل العديد من علماء الجيولوجيا، كان رود ليمبرت يعلم أن صخور المصدر للنفط في فنزويلا ــ تكوين “لا لونا” ــ تمتد تحت المحيط الأطلسي إلى المناطق البحرية التي تسيطر عليها غويانا وسورينام وغويانا الفرنسية.

وقد أصبح الأسترالي الذي يتحدث بمباشرة مفتونًا باكتشاف بري في سورينام في الستينيات، عندما عثر القرويون عن طريق الصدفة على حقل نفطي يبلغ احتياطيه مليار برميل أثناء الحفر بحثًا عن الماء في ساحة مدرسة.

واعتقد ليمبرت أن النفط في ساحة المدرسة نشأ قبالة الجرف القاري لغويانا وهاجر لأكثر من 100 ميل على الشاطئ على مدى ملايين السنين. وقد أخذ الفكرة إلى فريق إكسون المسؤول عن دخول المنافسة على أحواض جيولوجية جديدة في منتصف عام 1997.

ويقول ليمبرت: “كان لديهم صورة لإبهام يشير إلى الأسفل في نهاية عرضهم التقديمي”. واتصل بحكومة غويانا بشأن الحصول على حقوق الحفر على أي حال. ويقول: “لم أخبر أحداً”.

وفي عام 1997، كانت غويانا واحدة من أفقر البلدان في أميركا الجنوبية، ولا تزال تعاني من السياسات الاشتراكية والانعزالية التي تبناها الرجل القوي “فوربس بيرنهام”، الذي صعد إلى السلطة بعد فترة وجيزة من استقلالها عن المملكة المتحدة في عام 1966.

وسافر ليمبرت واثنان من زملائه بالطائرة من هيوستن إلى جورج تاون، للحصول على سجلات آبار قديمة ومناقشة إمكانية الحصول على حقوق الحفر مع لجنة جيولوجيا ومناجم غويانا. ويقول ليمبرت: “كان الطابق الأرضي هو الطابق الأرضي حرفياً. أعني بذلك أن المكاتب والكراسي كانت على الأرض”.

كما التقى فريق إكسون صمويل هيندز، رئيس غويانا، الذي تحدث في الغالب عن لعبة الكريكيت، وهي هواية غويانا الوطنية. ويقول ليمبرت: “لم أكن في عجلة من أمري للحديث عن الأعمال التجارية، لأنني لم أكن أملك السلطة للقيام بأي شيء”. وعند عودته إلى تكساس ومسلحاً ببيانات جديدة، حصل ليمبرت على إذن لبدء مفاوضات العقود الخاصة بحقوق الاستكشاف.

وبالإشارة إلى جحافل الآبار الفاشلة، ضغط ليمبرت من أجل الحصول على صفقة مواتية للغاية وفاز بها. كانت مساحة حقل “ستابروك” الذي عُرض على شركة إكسون أكبر من مساحة حقل النفط المتوسط ​​في خليج المكسيك بأكثر من ألف مرة. ولم يتطلب هذا الحقل أي دفعات مقدمة، وإذا نجحت شركة إكسون في اكتشاف النفط، فسوف تحتفظ الشركة بنسبة 50% من الأرباح بعد خصم التكاليف. وسوف تدفع للحكومة إتاوة لا تتجاوز 1%. وقد ساعدت الصفقة الحكومة بطرق أخرى. فقد واجهت غويانا نزاعات حدودية خطيرة مع سورينام إلى الشرق وفنزويلا إلى الغرب. والتحالف مع إكسون يعني أن أي شخص يخوض معركة مع غويانا سوف يخوض معركة مع أقوى شركة نفط في العالم.

ولقد ثبتت صحة مخاوف غويانا. فقد أجبرت الزوارق الحربية التابعة لسورينام شركة أخرى تعمل في مجال النفط والغاز على الخروج من المياه المتنازع عليها بين البلدين. ولم تتمكن إكسون من العمل في المنطقة لمدة ثماني سنوات.

وعندما اقترب الصراع مع سورينام من الحل في عام 2007، أدرك المسؤولون التنفيذيون في إكسون أنهم في حاجة إلى إنفاق الأموال على الدراسات الزلزالية لتلبية متطلبات العمل بموجب العقد. فاقترحوا التخلي عن المنطقة لتحرير الأموال اللازمة للاستكشافات ذات الأولوية الأعلى في البرازيل وخليج المكسيك وأحواض الصخر الزيتي الناشئة في الولايات المتحدة.

ونظر ديسميوك، وهو مهندس تلقى تعليمه في تكساس وكان مستشاراً تجارياً لشركة إكسون في نصف الكرة الغربي في ذلك الوقت، إلى العقد مع غويانا ولم يستطع أن يصدق عينيه.

وكانت الصفقة التي تفاوض عليها ليمبرت تنطوي على جانب إيجابي كبير. واقترح ديسميوك وزميل له صفقة امتياز من شأنها أن تسلم جزءاً من المنطقة إلى شركة راغبة في دفع تكاليف الدراسة الزلزالية.

وقد وافقت إدارة شركة إكسون على الفكرة وباعت 25% من امتياز حقل “ستابروك” لشركة شل في عام 2008. وقضت إكسون وشل السنوات الثلاث التالية في تفسير الموجات الزلزالية التي ارتدت عن طبقات الصخور تحت الأرض لفهم جيولوجيا المنطقة. وكانت البيانات الأولية واعدة، إذ أظهرت مؤشرات على وجود الوقود الأحفوري.

ولكن هذه البيانات أكدت أيضاً أسوأ مخاوف العديد من علماء الجيولوجيا: غياب تام للمصائد الهيكلية. وهذه التكوينات عبارة عن صدوع جيولوجية أو أشرطة من الصخور لا يمكن اختراقها وتعمل مثل السدود، فتحتجز النفط أثناء تسربه عبر طبقات الرواسب على مدى ملايين السنين.

وبدون مصيدة صلبة، لا يمكن للنفط أن يتراكم بكميات كبيرة كافية ليكون ذا جدوى تجارياً. وبدلاً من ذلك، كانت لدى غويانا مصائد طبقية، وهي الأكثر خطورة على الإطلاق بالنسبة لمشغل النفط والغاز.

ورغم أنها قد تكون آمنة، فإن المصائد الطبقية دقيقة ويصعب للغاية تحليلها على الخرائط الزلزالية. وهي غالباً ما تحتوي على ما يعرف باسم “منطقة اللصوص” التي يمكن للنفط أن يهرب منها.

ولكن بحلول أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت صناعة النفط والغاز تتكيف مع مثل هذه التكوينات. وكان سعر النفط الخام يتداول بأكثر من 100 دولار للبرميل، لذا فإن الاكتشافات الكبيرة تعني أرباحاً كبيرة. وكانت التفنية تتحسن أيضاً.

وقررت شركة شل زيادة حصتها في منطقة “ستابروك” إلى 50%. وفي نفس الوقت تقريباً، كان اثنان من علماء الجيولوجيا في شركة “أبا كورب” (APA Corp)، وهي شركة صغيرة في هيوستن كانت تسمى آنذاك “أباتشي”، يراقبان الأمر عن كثب.

وقد درس تيم تشيشولم فنزويلا لصالح شركة إكسون في التسعينيات، وكان بابلو آيزنر يعمل في المنطقة لصالح شركة ريبسول. وأراد الثنائي الحصول على حصة من “ستابروك”، ولكن عندما لم يكن ذلك خياراً، قادا شركة أباتشي إلى سورينام بدلاً من ذلك.

وقبل أن يتمكنا من حفر بئر، غيرت إدارة شركة أباتشي رأيها وخفضت فريق الاستكشاف. وتم تسريح تشيشولم وآيزنر في غضون نصف ساعة من تسريح بعضهما البعض. وذهب تشيشولم إلى شركة “هيس” وانضم آيزنر إلى شركة سي إن أو أو سي. ويقول كل منهما إنه يعتقد أن لديه عملاً غير مكتمل.

وفي عام 2013، كان أحد علماء الجيولوجيا في شركة تضم 75 ألف شخص يعمل بدوام كامل في غويانا. وكانت كمية هائلة من البيانات تأتي من الدراسات الزلزالية التي مولتها شركة شل. ولجأت شركة إكسون إلى دايكسترهوس، عالم الجيولوجيا الأسترالي، للمساعدة في تفسيرها. ويقول إنه انجذب إلى هذا الموضوع في الكلية لأنه “كان يحتوي على كل مجال من مجالات العلوم”، بما في ذلك فيزياء النمذجة الزلزالية وعلم الأحياء للكائنات التي ماتت منذ ملايين السنين. ويتابع: “ثم عندما تذهب إلى النفط والغاز، فإنك تحصل على ما يشبه عملية صنع قرار كبيرة”.

وقد اتخذ دايكسترهاوس قراراً مماثلاً بعد وقت قصير من وصوله إلى هيوستن من ملبورن. وكانت شركة إكسون، التي كانت قد احتفظت بحقل ستابروك لأكثر من عقد من الزمان، أمامها بضعة أشهر لتقرر ما إذا كانت ستحفر بئرا بقطر 8 بوصات في مكان ما في منطقة بحجم ولاية ماساتشوستس.

وكانت العلامات تشير إلى عدم جدوى الحفر. فقد ركزت إكسون على مقاطعات النفط القائمة، وكانت شركة شل تشعر بالضيق من المنطقة بعد فشل الحفر في غويانا الفرنسية. وبدأ دايكسترهاوس في تحليل بيانات الزلازل ثنائية الأبعاد التي تم التقاطها قبل حوالي خمس سنوات. وبرزت واحدة من الاحتمالات، منطقة “ليزا”. وأظهرت القراءات أنها [تحتوي] سوائل. ولكن أي نوع؟ ماء أم نفط؟ وقد أثار عدم اليقين تحديات مستمرة من رؤسائه.

وباستخدام النمذجة الحاسوبية المعقدة، جمع دايكسترهاوس أكثر من 300 صورة زلزالية ثلاثية الأبعاد لتحديد ما إذا كان من المحتمل أن يكون نفطاً يجلس فوق الماء. ويقول دايكسترهاوس: “كلما عملت أكثر، كلما شعرت بأن هناك شيئاً ما يحدث هنا”. في أواخر عام 2013، قدم هو واثنان من زملائه النتائج التي توصلوا إليها إلى أكثر من عشرة من كبار علماء الجيولوجيا في شركة إكسون.

وكانت الأخبار الطيبة هي أن منطقة “ليزا” تحتوي على “منطقة آمنة” يبلغ سمكها 90 مترًا (295 قدمًا) مليئة بالرمال المسامية التي يمكن للسوائل أن تتحرك من خلالها بسهولة بالغة. وقد قدروا أنها قد تحتوي على 890 مليون برميل من النفط القابل للاستخراج، بقيمة تقرب من مليار دولار في ذلك الوقت.

وكانت تقديراتهم المرتفعة ضعف هذا. أما الأخبار السيئة فكانت أن فرصة النجاح كانت 22% فقط، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن “ليزا” كانت مصيدة طبقيًة. ولم يكن ذلك كافيًا للفوز بموافقة الرؤساء، وغادر الثلاثي محبطين.

ولكن ديسميوك، الذي جلس في مؤخرة الاجتماع، رأى الأمر بشكل مختلف. ويقول: “لقد فكرت، إذا نجحت هذه الفكرة وصمدت المصيدة، فسيكون لدي 6 ملايين فدان إضافية لاستكشافها بموجب عقد جيد جدًا”.

لقد وضع خطة مماثلة للنهج الذي اتبعه في عام 2008: الحد من الجانب المالي السلبي من خلال إيجاد شركاء يدفعون ثمن البئر بشكل غير متناسب، في مقابل حصة في المنطقة. وبطبيعة الحال، كانت إكسون لتكون أكثر ثراءً الآن إذا لم تتخلص من هذا الخطر.

ويقول مالون، رئيس إنتاج النفط في إكسون، إنه كان من غير المناسب المراهنة بمئات الملايين من الدولارات على بئر واحدة، نظرًا للعديد من الفرص الأخرى المتاحة للشركة.

ويضيف: “لا يمكنك الجلوس كمراقب من مقعدك. هل كان القرار صحيحًا أم خاطئًا؟ كان القرار قائمًا على ما كنا نعرفه في ذلك الوقت”.

وقد وافقت الإدارة، وسارعت إكسون إلى إنشاء غرفة بيانات في مكتبها في جرينز بوينت في هيوستن، ودعت حوالي 30 شركة نفط. وحضر حوالي 20 شركة فقط.

وحصل علماء الجيولوجيا من كل طرف مهتم على عرض تقديمي لمدة يوم كامل من فريق إكسون ويوم ثانٍ لتحليل البيانات. وكانت شركة “هيس” آخر من حضر.

وفي منتصف عام 2014، عندما كانت شركة هيس تفكر في دخول المنطقة، أسقطت شركة شل قنبلة: بعد ست سنوات من الدفع مقابل البيانات الزلزالية، أرادت الشركة العملاقة الأنجلو هولندية الخروج. وقالت الشركة ردًا على الأسئلة إن القرار كان “جزءًا من مراجعة أوسع نطاقًا لمجموعة الاستكشاف الحدودية لدينا”. وبذا تمتلك شركة إكسون الآن 100٪ من ستابروك وقبل أسابيع فقط كان عليها إبلاغ حكومة غويانا بما إذا كانت تخطط للحفر أم لا.

في شركة هيس، كانت غويانا عملية بيع صعبة، لكن الشركة وافقت على الاستحواذ على حصة 30٪. ويقول تشيزولم: “أراهن بحياتي المهنية على ذلك. كنت سأُطرد بالتأكيد لو لم ينجح الأمر”.

وكان آيزنر، الذي كان يطمح إلى الحصول على حق الانتفاع بغويانا منذ أن عمل مع تشيزولم في شركة أباتشي، يعمل الآن في شركة سي إن أو أو سي. ويقول: “عُرض على الجميع حقل ستابروك، ولكنك تحتاج إلى جيولوجي متمرد ومتعجرف يضرب الطاولة، بل ويكسرها، ليقول: “هذا جيد”. وفي شركة سي إن أو أو سي، كنت أنا ذلك الشخص”. وأقنع آيزنر رؤساءه، وحصلت شركة سي إن أو أو سي على حصة 25%. وأصبحت حصة إكسون في حقل ستابروك الآن 45%، ولكن الأهم من ذلك أن الوافدين الجديدين وافقا على تمويل معظم تكاليف البئر. ومع حماية أموال إكسون إلى حد كبير الآن، أعطت الإدارة الضوء الأخضر لحفر بئر “ليزا”.

وقد بلغت تكلفة البئر 225 مليون دولار. ورغم أن إكسون ستنتهي باستثمار أكثر من 25 مليار دولار في مشروع غويانا، فإن إنفاقها الأولي ــ الذي ضمن لها السيطرة على الاكتشاف الملحمي ــ كان قريباً إلى حد كبير من الصفر الذي ذكره مجموعة صغيرة من المؤمنين بغويانا في عام 2013: أقل من 100 مليون دولار، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وربما أقل من ذلك بكثير.

منصة الحفر “ديب ووتر تشامبيون”

واستأجرت إكسون منصة “ديب ووتر تشامبيون” التابعة لشركة ترانس أوشن المحدودة للقيام بهذه المهمة. وكان طول منصة الحفر عالية المواصفات يبلغ طول ملعبين لكرة القدم، وحملت 10 شاحنات محملة بالأسمنت والطين، وكانت قادرة على الحفر على عمق يزيد على سبعة أميال. ومع وجود طواقم المروحيات وسفن الدعم على أهبة الاستعداد، سرعان ما بلغت تكلفة البئر أكثر من مليون دولار يومياً.

وأطلق على هذا المكان داخل شركة إكسون اسم “بئر الجحيم”. فقد علق جزء من الأنبوب، ولم يعد قادرًا على التحرك لأعلى أو لأسفل، مما أدى إلى تعريض سلامة البئر بالكامل للخطر. وقام عمال الحفر بقطع مِثقب الحفر وملء الجزء السفلي من البئر بالإسمنت. وخسروا معدات تزيد قيمتها على 15 مليون دولار.

ولكن الحفارين صنعوا حفرة جانبية أنقذت المشروع. ففي الليلة التي سبقت وصول “ليزا” إلى هدفها، نام دايكسترهاوس وزميل له على الأرض في غرف اجتماعات منفصلة في المقر الذي تم بناؤه حديثًا لشركة إكسون في هيوستن.

وحالما دخل مثقاب الحفر [تكوين] “ليزا” في الخامس من مايو 2015، أظهرت بيانات البئر – في الوقت الفعلي – التي تم إرسالها إلى هيوستن تغيرًا مفاجئًا في كثافة الصخور. وهذا يعني أن “ليزا” كانت مكدسة بالسوائل الأحفورية. ولكن لم يكن من الواضح على الفور ما إذا كان النفط أم الغاز. ولكي تكون حققت شيئا كبيرا، كان لابد أن يكون النفط.

وبعد بضع ساعات، قامت منصة الحفر “ديب ووتر تشامبيون” بتدوير طين الحفر على سطحها ونفضت قطع الصخور على حزام ناقل. ولاحظت كيري مورلاند، عالمة الجيولوجيا البارزة ورئيسة دايكسترهاوس، رائحة مألوفة في هواء البحر المالح. وتقول: “وكأنها مثل محطة وقود”. وامتدت القفازات والتقطت بعض الصخور، التي كانت تقطر بالنفط.

*تمت الترجمة بتصرف

المصدر:

https://worldoil.com/news/2024/8/1/viewpoint-how-exxonmobil-s-drilling-risks-offshore-guyana-reaped-1-trillion-in-rewards/?oly_enc_id=1805F9465478G3U

المهندس محمد جواد آل السيد ناصر الخضراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *