التفتيش الهندسي والفحوصات اللاإتلافية [إستثمار في الجودة والإقتصاد والكفاءات الوطنية] – بقلم المهندس محمد ابوفور*

تعتبر معامل البتروكيماويات من أهم الركائز الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، حيث تلعب دورًا محوريًا في تعزيز النمو الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل. فهي لا تقتصر على إنتاج المواد الخام الضرورية للصناعات المختلفة، بل تسهم أيضًا في تحقيق رؤية المملكة 2030 من خلال تعزيز الاقتصاد غير النفطي، وزيادة التصدير، وخلق فرص عمل متنوعة.

[لذلك، فإن الحفاظ على سلامة هذه المعامل وضمان استمرارية عملها بكفاءة عالية يشكل أولوية وطنية]

التفتيش الهندسي هو عملية تقييم شاملة تهدف إلى ضمان أن جميع المعدات والبُنى التحتية تفي بالمعايير والمواصفات الهندسية المطلوبة. يشمل ذلك التحقق من التصميم، التصنيع، التركيب، التشغيل، والصيانة.

مصدر الصورة: موقع ينساب الإلكتروني

لذا يعد التفتيش الهندسي ضمان للجودة وركيزه أساسية لتحقيق سلامة وكفاءة العمليات في مختلف القطاعات الصناعية، بما في ذلك البتروكيماويات، النفط، الغاز، والصناعات الثقيلة. ومع التطور التكنولوجي وزيادة تعقيد المعدات الصناعية، أصبحت الفحوصات اللاإتلافية أداة حيوية في تعزيز السلامة التشغيلية وتقليل المخاطر وضمان جودة المنتجات والخدمات. في المملكة العربية السعودية، يتزايد الاهتمام بهذا المجال مع تسارع وتيرة المشاريع الصناعية الضخمة التي تدعم رؤية المملكة 2030.

أهداف التفتيش الهندسي:

  1. ضمان السلامة: الحيلولة دون وقوع حوادث قد تؤدي إلى خسائر بشرية أو بيئية.
  2. زيادة الكفاءة التشغيلية: الحفاظ على أداء المعدات والبُنى التحتية بأعلى مستويات الكفاءة.
  3. تقليل التكاليف: الكشف المبكر عن العيوب يحد من الحاجة إلى الإصلاحات المكلفة أو استبدال المعدات.
  4. الامتثال للمواصفات والمعايير الدولية: تحقيق الالتزام باللوائح الفنية والمعايير المحلية والعالمية.

ما هي الفحوصات اللاإتلافية؟

الفحوصات اللاإتلافية هي مجموعة من التقنيات التي تُستخدم لتقييم خصائص المواد والمعدات والهياكل دون التسبب في أي تلف أو تغيير في حالتها الأصلية. تتنوع هذه الفحوصات بين التقنيات التقليدية مثل التصوير بالأشعة، الموجات فوق الصوتي، الفحص المغناطيسي والفحص البصري، والتقنيات المتقدمة التي تعتمد على الروبوتات والطائرات بدون طيار والذكاء الصناعي.

استخدام الروبوتات والطائرات بدون طيار أصبح شائعًا في الفحوصات اللاإتلافية لما توفره من كفاءة ودقة في الوصول إلى الأماكن الصعبة والخطرة، مثل خطوط الأنابيب المرتفعة أو مرافق النفط البحرية. بالإضافة إلى ذلك، يُسهم الذكاء الصناعي في تحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة، مما يُمكن من الكشف المبكر عن العيوب والتنبؤ بالأعطال المستقبلية، ما يعزز سلامة العمليات وكفاءتها.

أهمية الجودة في ضمان السلامة والكفاءة

تعد الجودة معيارًا أساسيًا لضمان سلامة معامل البتروكيماويات وخطوط الأنابيب التي تعتمد عليها هذه الصناعة. إن أي خلل في المعايير يمكن أن يؤدي إلى مخاطر بيئية واقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على السلامة العامة. ولهذا، تُعد الفحوصات اللاإتلافية أداة فعّالة لضمان الجودة والكشف المبكر عن العيوب في المعدات والأنظمة قبل أن تتحول إلى مشاكل مكلفة. هذه الفحوصات تساعد في تقليل المخاطر، تحسين الكفاءة التشغيلية، ودعم خطط الصيانة الاستباقية.

تشجيع الشباب السعودي للانخراط في مجال الفحوصات اللاإتلافية

القوى العاملة الماهرة في مجال الفحوصات اللاإتلافية تُعتبر عاملاً رئيسيًا لدعم هذا القطاع الحيوي. ومن هنا تأتي أهمية تشجيع الشباب السعودي على الانضمام لهذا المجال، لما يوفره من فرص وظيفية مجزية ومسارات مهنية واعدة.  يجب أن يكون هناك تركيز على التوعية بأهمية هذا التخصص، بالإضافة إلى توفير البرامج التدريبية والشهادات المعتمدة التي تؤهل الشباب لدخول سوق العمل بكفاءة.

دعم المعاهد الوطنية المتخصصة

تلعب المعاهد الوطنية المتخصصة في مجالي التفتيش الهندسي والفحوصات اللاإتلافية دورًا مهمًا في تطوير الكفاءات المحلية. لذا، من الضروري تعزيز الدعم لهذه المعاهد لتوفير برامج تدريب متقدمة تتماشى مع المعايير الدولية. هذه الجهود ستسهم في إعداد جيل جديد من المهندسين المتخصصين الذين يتمتعون بمهارات فنية وعلمية متطورة، مما ينعكس إيجابيًا على الصناعة بشكل عام.

نقل الخبرات بين الأجيال

من المهم تعزيز التواصل بين الخبراء في مجال الفحوصات اللاإتلافية وجيل الشباب، وذلك من خلال برامج التوجيه والتدريب. نقل الخبرات العملية والعلمية سيحفز الشباب على تطوير قدراتهم الفنية، مما يعزز الابتكار ويرفع من مستوى الكفاءة في هذا المجال. كما يمكن تنظيم ورش عمل وندوات تجمع بين المتخصصين والشباب لتبادل الأفكار والخبرات.

تطوير المهارات في الشركات والمؤسسات

ينبغي على الشركات والمؤسسات العاملة في مجال الفحوصات اللاإتلافية الاستثمار في تدريب موظفيها وتطوير مهاراتهم. هذه الخطوة لا تعزز فقط من قدرات الشركات التنافسية، بل تسهم أيضًا في تمكين الشباب السعودي من اكتساب خبرات عملية متقدمة. تحسين كفاءة القوى العاملة يعزز من مكانة الشركات ويزيد من موثوقيتها في السوق.

حث المهندسين السعوديين على التطوير المهني

على المهندسين السعوديين السعي الدائم لتطوير قدراتهم الفنية في مجال الفحوصات اللاإتلافية، من خلال المشاركة في الدورات التدريبية المعتمدة والمؤتمرات الدولية. هذا التطوير ينعكس بشكل إيجابي على أدائهم في المشاريع الكبرى، خاصة في قطاع البتروكيماويات والنفط والغاز، الذي يُعتبر من أبرز محركات الاقتصاد الوطني.

إن دعم قطاع الفحوصات اللاإتلافية في المملكة العربية السعودية يُمثل استثمارًا استراتيجيًا يعزز من سلامة معامل البتروكيماويات، ويُساهم في تحسين جودة المنتجات والخدمات، وتقليل المخاطر التشغيلية. كما أن تشجيع الشباب السعودي ودعم المعاهد الوطنية المتخصصة سيسهم في بناء كوادر وطنية قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية وتحقيق التنمية المستدامة في هذا القطاع الحيوي.

نصيحتي للشباب أن يعملوا بجد واجتهاد، وأن يتحلوا بالصبر والمثابرة، مع الحرص على الحصول على الشهادات الدولية المعتمدة في مجال الفحوصات اللاإتلافية. فهذه الشهادات تُعد مفتاحًا لفرص العمل المتميزة، وتُسهم في تعزيز الكفاءة الشخصية والمهنية، مما سينعكس إيجابيًا على مستقبلهم الوظيفي وعلى ازدهار الاقتصاد الوطني.

* المهندس محمد عبد الله أبو فور مستشار متخصص في مجال الفحوصات اللاإتلافية، وله باع طويل في تطوير تقنيات التفتيش الهندسي في قطاع النفط والغاز. كما له مساهمات كبيرة في دعم برنامج الفحوصات اللاإتلافية في معهد إتقان وكلية الجبيل الصناعية. يشغل حاليًا منصب المدير الإقليمي للجمعية الأمريكية للاختبارات اللاإتلافية لمنطقة 19، التي تضم المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الهند، الكويت، عُمان، والعراق. وهو أيضًا عضو مؤسس في الجمعية الأمريكية للفحوصات اللاإتلافية – قسم المملكة العربية السعودية. حصل المهندس محمد على العديد من الجوائز المميزة في هذا المجال على الصعيدين المحلي والعالمي، كما تم تكريمه في مناسبات عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية واوروبا.

 

7 تعليقات

  1. عدنان الحاجي

    موضوع رائع ومستفيض عن هذه الاختبارات الضرورية لسلامة المعامل واستمرار عملها وتشجيع الشباب على الانخراط فيها وتدريبهم عليها ونقل الخبرات إلى الأجيال القادمة، سلمت يداك مهندس 👍

  2. المهندس محمد ابوفور …

    قامه من قامات الشركة الكبرى في العالم ارامكو السعودية لصناعة النفط والغاز والبتروكيماويات ، بلا شك انت فخر لكل عربي ومسلم وصديق .
    حقًا نهنىء انفسنا اولاً على الاستفادة العلمية والمهنية من شخصك الكريم ، ونهنئك على هذا التفوق الاكاديمي النادر الذي تحظى به ، خبراتك حقًا لم تقتصر على داخل وظيفتك فقط فحسب بل افادة جمعيات علمية اقليمية وعالمية ، ومعاهد اكاديمية .

    يسعدني ان اهنئك مره اخرى وايضًا يسعدني متابعة انجازاتك وثمرات المؤتمرات التي تكون فيها حجر الزاوية دومًا.

    اتمنى لك وافر الصحة والتوفيق والنجاح.

  3. الأخ المستشار المهندس محمد ابوفور أجاد الشرح والتفصيل في مجاله
    كما كان شرحه وافي مما يدل على تمكنه وخبرته في المجال المتميز ارجوا له التوفيق والنجاح والابداع اكثر فشكرا له على هذا الطرح والاسلوب الشيق والشكر والتقدير له على هذا التميز.

  4. عادل علي الصفواني أبو دانيال

    دائما مبدع يا بوحاسم ، عسى ربي يطول بعمرك ويفيد المجتمع اكثر فاكثر من علمك وافكارك
    موفقين لكل خير

  5. ما شاء الله أبو جاسم طرح موفق وموضوع رائع ودائماً متألق الله يوفقك.

  6. تلخيص المقال في نقاط احترافية – بقلم عبدالعزيز وإهداء للمهندس محمد أبو فور:
    1. أهمية معامل البتروكيماويات للاقتصاد الوطني
    • تشكّل صناعة البتروكيماويات ركيزة أساسية للتنويع الاقتصادي وتحقيق رؤية المملكة 2030.
    • تُسهم هذه الصناعة في خلق فرص عمل وزيادة صادرات المملكة غير النفطية.
    2. التفتيش الهندسي ودوره في ضمان الجودة
    • التفتيش الهندسي يشمل تقييم التصميم، التصنيع، التركيب، التشغيل، والصيانة لضمان سلامة وكفاءة المعدات.
    • يعدّ التفتيش الهندسي خط الدفاع الأول ضد الحوادث والخسائر البشرية والمادية.
    3. الفحوصات اللاإتلافية والتطور التقني
    • الفحوصات اللاإتلافية تُستخدم للكشف المبكر عن العيوب في المعدات دون إلحاق ضرر بها.
    • تشمل هذه التقنيات التصوير بالأشعة، الموجات فوق الصوتية، الفحص المغناطيسي، والروبوتات والطائرات بدون طيار.
    • يُسهم الذكاء الصناعي في سرعة تحليل البيانات واكتشاف المشكلات المستقبلية بكفاءة عالية.
    4. دور الجودة في السلامة والكفاءة
    • الجودة هي العامل الرئيس في حماية البيئة وضمان استمرار العمليات الصناعية بأمان.
    • تتيح الفحوصات اللاإتلافية الكشف المبكر عن المشكلات وتطبيق الصيانة الوقائية، ما يقلل التكاليف والأعطال المفاجئة.
    5. تشجيع الشباب السعودي على الانخراط في المجال
    • توافر برامج تدريبية وشهادات معتمدة يُساعد في تهيئة جيل جديد من المتخصصين في الفحوصات اللاإتلافية.
    • يوفّر هذا القطاع فرصًا وظيفية واعدة ومجالات مهنية متنوعة.
    6. دور المعاهد الوطنية والتدريب المستمر
    • دعم المعاهد الوطنية المتخصصة يُعزز من قدرات الكوادر المحلية ويدفع عجلة التطوير في قطاع التفتيش والفحوصات.
    • نقل الخبرات العملية بين الخبراء والشباب أساسي لتكوين قاعدة معرفية متينة تعزز من الابتكار والتميز في هذا المجال.
    7. الاستثمار في تطوير المهارات والكفاءات
    • على الشركات والمؤسسات الاستثمار في تدريب موظفيها واكتساب الشهادات الدولية، ما يرفع كفاءة القوى العاملة ويزيد موثوقية الشركات في السوق.
    • التحديث المستمر للمهارات يُعزّز من تنافسية القطاع الصناعي ويضمن جاهزية السعودية لمواجهة تحديات المستقبل.
    8. نصيحة للمهندسين والشباب
    • الجد والاجتهاد والمثابرة في مجال الفحوصات اللاإتلافية مع الحرص على نيل الشهادات الدولية المعتمدة.
    • تفتح هذه الشهادات آفاقًا وظيفية متميزة وتدعم النمو المهني والشخصي.
    9. دور المهندس محمد أبو فور
    • خبير ومستشار في مجال الفحوصات اللاإتلافية، وله باع طويل في تطوير تقنيات التفتيش الهندسي.
    • يشغل مناصب محلية وعالمية بارزة، وحظي بتكريم دولي لنشاطه وعطاءاته في هذا القطاع المهم.

    كل الشكر والتقدير للمهندس محمد أبو فور على هذا المقال المتخصص والمهم، وعلى جهوده المتواصلة في تعزيز قطاع التفتيش الهندسي والفحوصات اللاإتلافية في المملكة.

    المصادر والمراجع
    1. الجمعية الأمريكية للاختبارات اللاإتلافية (ASNT)
    https://www.asnt.org
    2. موقع ينساب الإلكتروني
    https://www.yansab.com.sa
    3. رؤية المملكة 2030
    https://www.vision2030.gov.sa
    4. نص المقال الأصلي بقلم المهندس محمد عبد الله أبو فور.

  7. ما شاء الله فعلاً موضوع رائع ومفيد، تسلم يدك يا أبو جاسم وهذا ليس بالشيء الغريب عليك فإبداعاتك كثيرة.
    عسى الله يحفظك ويوفقك يارب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *