الحاج المرحوم جعفر “أبو عزيز”، أبو جمال، أيقونة سائقي حافلات نقل الركاب في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن المنصرم. مذ وعينا رأيناه وهو يقود حافلته التي يعتني بمظهرها ونظافتها وأمور سلامتها الهيكلية والميكانيكية، وحرصه يستمر حتى في اختيار مكان وقوفها.
في البداية كانت حافلة ابو جمال ، كغيرها من حافلات ذلك الوقت، عبارة عن مقصورة من صندوق خشبي يصنع في مناجر محلية، ويثبت فوق شاصي سيارة لوري، ويزود بمقاعد خشبية ثابتة تعلوها نوافذ بطول جانبيه وفي مقدمته، ويكون له باب في الخلف، فيجلس الركاب على المقاعد الخشبية، وتوضع البضائع في حوش الصندوق، وعادة ما يكون لرحلات هذه الباصات الترددية جدولة عرفية غير مكتوبة يعرفها مستخدميها.
ومن هذه الباصات ما كان يعمل بين القطيف ومناطق اعمال ارامكو المستحدثة في الظهران ورأس تنورة، ومنها ما ينقل العاملين في بيع الخضار والأسماك والمواد الغذائية والسلع الإستهلاكية وعموم من يعمل في اسواق ودوائر ومؤسسات المدن المجاورة الجديدة كالدمام والخبر ورحيمة. كما كانت هناك رحلات اسبوعية كتلك التي تذهب إلى الخفجي وحفر الباطن وابقيق وغيرها، أو حسب الطلب والحاجة كتلك التي تنقل الحجاج والمعتمرين إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ومدن أخرى في المملكة.
بعد “الباص الصندوق” تملك ابو جمال نصف باص حديث (School Bus) ساهم بفعالية في خدمة نقل الركاب بالمنطقة لمختلف الفئات والأعمار وفي شتى صنوف الفعاليات فكان ينقل لاعبيّ ومشجعي الأندية الرياضية إلى الملاعب لأداء التمارين وإقامة المباريات، وينقل النساء في مناسبات الأعراس إلى حيث العيون لفعالية الغسالة حيث يتم غسل العروس وتجهيزها للزفاف قبل ليلة الدخلة ببضعة ايام فتذهب معها النساء والفتيات ليسبحن معها في العيون المخصصة لهم ومن اشهرها الغميري والعياشي ، كما ينقل الرجال إلى حيث العيون المخصصة لهم يوم غسالة المعرس.
وفي الأعياد يأخذ ابو جمال الأولاد إلى اماكن الترفيه البسيطة في احياء تملك البيوت التابعة لموظفين ارامكو برحيمة التي توفر بعض الألعاب كمرجيحات الميزان، ومرجيحات البندول والقرص الدائر وبعض الألعاب الخفيفة التي لم تكن متوفرة في القطيف حينها، فيلعبون بها ويمرحون في محيطها ومن ثم يأخذهم إلى كافتيريا حي رضوى التابع لأرامكو حيث يعمل أحد اخوانه فيسهل دخول الأولاد ليشتروا كيك أرامكو وسويترول ودونات وهات كيك وبان كيك وغيرها من الأطباق الأمريكية.
هذه الأطباق التي بدأت تدخل شيئًا فشيئٍا في قائمة وجبات طعامنا المحلية كالستيك بأنواعه والهمبرقر والجيزبرقر، فيصرف الأولاد ما تبقى لهم من تحويشة عيدياتهم التي اجتهدوا طوال صبحياتهم في جمعها من بيوت اقربائهم، ويرجعون مع غروب شمس يوم العيد إلى بيوتهم وجيوبهم خاوية خالية وهم يرددون “رحيمة لا رحمش الله اخذتي فلوس خلق الله”، إلا إنهم كانوا ينتظرون العيد التالي على بعد زمنه ليحظوا بهذه الرحلة الترفيهية.
تمتع ابو جمال بصفات شخصية فاضلة عديدة مما كان يطمئن الأهالي ليأتمنونه على اولادهم وعائلاتهم لنقلهم إلى حيث مراد وجهاتهم، إنما الأمر الخاص الذي اشتهر به ابو جمال إلى حد الأعجاب والتعجب والاستنكار والتفكر احيانًا هو شدة تأنيه وتؤدده في قيادة مركبته إلى درجة أن ضُرب به المثل في البطىء حين التبرم من التأخير فيقال كأنه “باص ابو عزيز”،،،
لكن ابو جمال لم يعر هذه الملاحظات أي اهتمام، واستمر في طريقته متوخيًا قيادة آمنه ومتبعًا انظمة السلامة المرورية فنال بذلك احترام المجتمع وتقدير المسؤولين، ومما يذكر إنه لم يُسجل أي حادث مروري ضده طوال مدة امتهانه قيادة “باصه الشهير” لكسب رزقه، واشتهر بتقديم خدمة عالية القيمة للمجتمع بتوفير وسيلة نقل فاعلة آمنة لترفيههم وقضاء حوائجهم.
إلى ما قبل نهاية السبعينات المنصرمة، شكلت الباصات بأحجامها وسعاتها المختلفة مع سيارات التاكسي وسيلة نقل فعالة واكبت حاجة الناس إليها فامتلك وامتهن العديد من المواطنين حافلات وسيارات أجرة ساهمت في تحقيق الاستفادة الأمثل من أصول وسائل النقل العام بما يدعم الاقتصاد الوطني ويوفر على الناس الكثير من العناء بطريقة اقتصادية لتسهيل تنقلاتهم، ولذلك كانت تسمى الباصات الصغيرة، التي تعرف اليوم بالميكروباصات، في المنطقة الشرقية بالتسهيلات وفي الرياض بأنيسة.
إضافة إلى الباصات الفردية التي كان يمتلكها الأفراد، انشئت العديد من المؤسسات والشركات التي خدمت النقل العام بما في ذلك النقل بين المدن ونقل الموظفين والعمال إلى اماكن عملهم وكذلك الحجاج والمعتمرين والزوار. ومن الأمثلة الناجحة البارزة للنقل شبه العام باصات أرامكو التي نشطت في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات حتى إن الشركة استقدمت خدمات شركة قري هاوند العالمية الشهيرة مع بداية الثمانينات لكنها لم تدم طويلًا، لكن ارامكو استمرت لزمن طويل وما زالت تقدم خدمة نقل متطورة لموظفيها وعائلاتهم لتسهيل تنقلاتهم.
مع طفرة الثمانينات، بدأ امتلاك السيارات الخاصة يتنامى بسرعة مما أثر بشكل كبير ومجحف على قوة خدمة النقل التي توفرها الباصات وعلى فعالية ومنفعة سيارات الأجرة فيما يخص العاملين عليها والمستفيدين منها.
اصبح الكل تقريبًا يمتلك سيارة خاصة او اكثر فلم تعد هناك حاجة ملحة ولا حتى ثانوية لباصات النقل العام ولا للتاكسي التي ضعف سوقها وجودتها تباعًا وصار استخدامها في أعمه الأغلب يعتمد على حاجة العمالة الوافدة إليها، اما المواطنون، ومع التعود على رفاهية وراحة السيارات الخاصة التي صارت عبئا على الطرق والبيئة والسلامة المرورية، اصبحوا لا يستسيغون وسائل النقل العام، وقد تزامن هذا العزوف مع تأسيس الشركة السعودية للنقل الجماعي (سابتكو) في عام 1979م بغرض نقل الركاب بالحافلات على شبكة الطرق العامة داخل المدن وفيما بينها.
اليوم نرى باص النقل الجماعي وهو يمر في مساراته المحددة خاليًا من الركاب في اغلب اوقات تشغيله ليلتقط الركاب الذين قل تواجدهم رغم تهيئة الباصات تهيئة جيدة ليقدم خدمة نقل متطورة مما يدعو للتسائل عن اسباب ابتعاد جموع الموظفين عن استخدامه ويختارون العنت والعناء جراء الاستمرار في استخدام سياراتهم الخاصة للوصول إلى اماكن اعمالهم في المناطق الصناعية والتجارية والتعليمية المختلفة.
فبالإضافة إلى العبئ الاقتصادي المترتب على استهلاك السيارات الغالية الثمن وتكلفة الوقود والصيانة والتأمين وغيرها، هناك الضغط النفسي والعصبي الذي تسببه عوامل كثيرة منها تزاحم المرور في الطرقات والاستعجال في الوصول إلى اماكن الأعمال وكثرة مركبات النقل الثقيل وأعمال الصيانة الدورية والطارئة للطرقات والاضطرار لتحويل المسارات وخاصة في اوقات الذروة، وتهور بعض من السائقين ولو كانوا قلة وصعوبة القيادة اثناء مواسم الأمطار والضباب وهبوب العواصف الرملية، بحيث لو سألنا الكثير عن الصعوبة التي يجدونها في اعمالهم لقالوا الوصول اليه والعودة منه للمنزل.
إن استخدام السيارات الخاصة بشكل فردي لا يمكن أن يكون وسيلة نقل مستدامة خاصة في ضوء التوسع العمراني والصناعي وزيادة عدد السكان ونسبة العمالة الوطنية في مختلف المؤسسات وزيادة تكلفة النقل الخاص الفردي مما يدعو إلى تتويج النقل الجماعي بنظام خدماتي يستثمر التطبيقات الألكترونية الحديثة المتطورة لتأسيس قاعدة بيانات شاملة للموظفين والعمال والطلاب والتلاميذ تُحدد بموجبه محال سكناهم وأماكن عملهم واوقات ذهابهم وإيابهم من وإلى أماكن اعمالهم،،،
وبالتالي تحديد المسارات وأوقات وأماكن تواجد الحافلات التي ستنقلهم والزمن اللازم لنقلهم من محل سكناهم إلى مكان عملهم عبر محطات تجميع وتوزيع، فيتم تجميع الركاب بميكروباصات من مختلف احياء مدن سكناهم الى محطة حافلات محددة في مدينتهم ليتم نقلهم بحافلات كبيرة عبر المدن ومن ثم توزيعهم إلى اماكن عملهم بحافلات صغيرة، وتعاد الكرة لتجميعهم من اماكن أعمالهم إلى منازلهم باستخدام نفس وسائل النقل المناسبة عبر محطات التجميع والتوزيع المحددة.
يستطيع التطبيق الإلكتروني في تحديد اوقات مرور مركبات التجميع ومركبات التوزيع ومغادرة الباصات الكبيرة الناقلة عبر المدن، فباستخدام قاعدة البيانات وانضمام الراغبين في استخدام التطبيق والاشتراك فيه ماليًا بدفع الرسوم سيوفر هذا التوجه نظام نقل متطور وفعال له منافع اقتصادية وبيئية ونفسية ومرورية كثيرة.
رحمه الله
رحم الله العم كان مثالا للبهجة
كان شريك كفاح مع الوالد و بقية قائدي النهضة الاجتماعية من خلال تفعيل التواصل الإجتماعي بأقوى طاقات التحمل اثناء قيادة الحافلة .
رحمه الله تعالى رحمة الأبرار .
طبعآ لم يكن ابو جمال وحيدا في هذا المضمار ، لكنه كان بسيطا لدرجة السعادة مهما حصل .
علي عبدالله العبدالله المشهور بعلي الكعيو
ولد عبيد، بتحديد الدال ، الذي كان سابقا للمرحوم عبدالرحيم الفطري .
و هو نار على علم في المنطقة الشرقية و ليس على مستوى الأحساء و القطيف فقط و الحمد لله.
عبيد بتشديد الياء
طبعا تناول هذه المواضيع ليس فقط لنتذكر الماضي الجميل بشخصياته الجميله وقد تكون فريده لاننا لا نرى مثيلها ولكن ايضا لنظره تتطويريه متنيره بخبرات مانقص الماضي والوقت الحالي والازدحام هناك مشاريع جيده لو تحقق المطلوب منها مثل الباصات ومحطاتها وتفعيل استخدامها من خلال اقناع الناس بانها اجدى من غيرها في اوقات الذروه مما يساعد على التطوير في مجال المواصلات…..تسلم الأنامل ابو حسن وايضا لا انسى المرحوم ابو فايز الغانم احمد حبيب كان سائق باص الى الظهران في فريقنا البستان وكان ذو شخصيه مرحه…رحم الله آبائنا وابائكم…
شكراً أبا حسن لهذا العرض الجميل، ورحم الله الرجل الطيب أبا جمال وطيَّب ثراه