متحف الجرداسي قرية سياحية وليس متحف – بقلم المهندس علي الجشي

هل تريد معرفة تفاصيل معرفية عن البيئة الزراعية القطيفية وسبر عمق تراثها البستاني، قم بزيارة سريعة إلى متحف “الجرداسي” الزراعي بالعوامية وستجد في ذلك ضالتك.

 ستجد في هذا المتحف معلم سياحي مبهر بمحتوياته البيئية والزراعية والتراثية وثري بتنوع مقتنياته الفلاحية والمعيشية التاريخية مما يجعله فريدًا من نوعه إذ لم يترك شاردة ولا واردة في التراث الزراعي والبيئي الا جمعها على ارضه وعرضها بطريقة تملك ألباب الزوار، وستستنتج دون عناء إنك لست في متحف ولست في مزرعة، ولكنك في قرية زراعية جامعية لما توفر فيها من أصناف العلوم والمعرفة.

لكن الذي سيشدك أكثر ويدعوك إلى التفكير بشكل اعمق هو كيف استطاع القائم عل هذا الصرح التراثي والمعلم السياحي المتميز جمع وترتيب كل محتوياته، والاستمرار في المحافظة عليها بعناية حتى جعلها وكأنها تنطق وتحاكي الزائرين كمعلمٍ يشرح لطلابه دروس في علوم الزراعة والبيئة والتاريخ والاجتماع وفنون الديكور وتمازج الألوان، وستبهرك قدرته على تنظيم المكان لتشدك الاماكن المتعددة في المتحف إليها، فما أن تختار مكانا منها وتبدأ بتفحص ما عرض فيه من أنواع الفنون والعلوم حتى تتجاذب مع كل جزء فيه فتأتيك الأفكار وتطرأ على بالك التساؤلات حتى تغرق في حنين الماضي إن كنت قد عايشت واقعه مثلنا أو تسرح معه في تصوراتك إن لم يدركه زمانك.

 إن كنت شاعرًا فسيوحي لك الشعر من ابداعاته ما يطرب المشاعر والأحاسيس كما في التوصيف البديع للشاعر سعود عبد الكريم علي الفرج:

يا نخل “جرداس” كم تلهو بك الصور *** ماض من الأمس يزهو فيه ينحفر

جمعت فيه من التذكار ما ندِرت *** في “متحف” حافل قد كان يندثر

هذي الصباحات تحلو فيه عاطرة *** والشعر يلهمني سحرا وينهمر

بين النخيل التي أضحت معالمها *** وسط الجداول تزهو وهي تنتشر

أو كما جاء على لسان الشاعر عيسى بدن:

صور تريح النفس عند تجول *** فيها واصوات الطيور نغم

تزداد بهجة من مشى في حقلكم *** ويناله الاعجاب من تلك الهمم

أما إن كنت مهندسًا زراعيًا فستتفحص الشتلات والزروع وصنوف الأوراق والزهور ولابد أنك ستنبش شيء من الأرض لتعرف مدى جودة تربتها وصلاحيتها للزراعة ونفاذيتها للري والتصريف وستقارن طرق الري القديمة وإبداعاتها وفعالية أدواتها بما هو متوفر اليوم من اساليب وتكنولوجيا في مجال الزراعة والري.

وإذا كنت مهندسًا صناعيًا فسيجول بصرك في الصناعات التقليدية القديمة التي اخترعها الإنسان لنفسه باستخدام ما وفرته له النخيل والأشجار ومناجم الطين والأحجار من مواد أولية صنع منها اثاثه وعمر بها بنيانه وبرد بها ماءه واستعملها في وسائل مواصلاته.

ولو كنت مهندسًا معماريًا فسيلتفت اهتماك إلى كيفية توزيع مرافق السكن من مطبخ ومجلس وامكنة نوم وجلسات للعائلة وقاعات تجمع عامة للمناسبات ومحلات توفير المؤونة للسكان ومحلات توفير مستلزمات الملبس والأدوات المنزلية والزراعية والأثاث.

ولو كنت صيدلانيًا فسيثير اهتمامك استخدام النباتات والاعشاب في ممارسات الطب الشعبي المحلي.

لكننا نودك أن تكون مستثمرًا اقتصاديًا فترى إمكانية اقتباس الأفكار والإبداعات التي يحتويها هذا المتحف لتقوم باستنساخها وتوسيع مفهوم فكرتها وتطبيقه في بناء قرية تراثية نموذجية على نطاق تجاري يجذب الزوار المحليين والسياح العالميين مما سيوفر رافد ممتاز لدعم الاقتصاد المحلي والمحافظة على التراث لأن هذه السوق ستوفر سبل لإحيائه واستدامته.

المهندس علي الجشي

 

تعليق واحد

  1. عبدالرسول علي الغريافي

    احسنت أبو حسن وكأنك قرأت أفكار من كانوا في صخبتك لهذا المعلم السياحي فهو حسن التخاطر بيني وبينك ولعله بين جميع من قام بزيارته..
    أنا أصنف هذا النوع من المتاحف بأنها متاحف إثنوغرافية وهذا النوع هو الذي يجسد انثروبولوجية المجتمع أي أنه يصف الحياة الإجتماعية بما فيها العادات والتقاليد وسائر الحياة الإجتماعية اليومية التي يمارسها كل فرد من المجتمع بما فيها من مزاولة الأعمال التقليدية والحرف المهنية وإقامة المناسبات بكل دقة وتفاصيل، وهذا المتحف تناول أكبر جزء من حياة المجتمع القطيفي الحقيقية وبكل صدق وأمانة بحيث عندما يدخله الزائر سواء أكان اجنبيا أم طفلا ام شابا من المواطنين الذين لم يشهدوا ذلك العصر فإنهم يخرجون منه بإنطباع عن حياة القطيف الواقعية وليس كما أرى بصراحة من الزيف في كثير من متاحفنا الأهلية البعيدة عن توصيل الحقائق الى السائح التي تجسد الحياة الواقعية للمجتمع. فألف شكر لك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *