لم يعد الإنسان يرضى بالقليل أو يقف عند حد معين وقد حباه الله عقلا يفجر من خلاله الأفكار، وأصبح عصرنا بفضل التقدم العلمي لا يقبل بما يسمى الأفكار الخيالية ، فكل فكرة خيالية هي الآن قاب قوسين أو أدنى لأن تكون حقيقة ملموسة وواقعية.
كان الأباء في الماضي يحرصون على أن يعمل أبنائهم ولو مجانا في محال النجارة أو الحدادة أو في المزرعة أو على قارب لصيد الأسماك كي يتعلموا هؤلاء الفتية مهنة ينطلقون بها في بداية حياتهم ولا يحتاجون الى طلب المعونة من أحد….. فمهنة في اليد أمانة من الفقر…..ولكن الآن تغير الوضع ولم نعد بحاجة الى أن نحرص هذا الحرص الشديد كي نرسل الأولاد الى هذه الأماكن فبإستطاعتنا أن نأتي بكل هذه الورش الى بيوتنا من الآن فصاعدا. بل بالإمكان أن تأتي حتى بمصانع كل ما يحتاجه بيتك أو عائلتك من أثاث وقطع غيار ومستلزمات الى البيت وتستطيع أن تجعل من بيتك مجمع صناعات مصغر.
وكنا نتغنى بالثورة الصناعية الأولى والثانية، أما الآن أصبحتا من الماضي مع بداية قرب تفجر الثورة الصناعية الثالثة. وتعريف الثورة الصناعية هو إحلال العمل اليدوي بالآلة. وقد إنفجرت الثورة الأولى في بريطانيا أواخر القرن الثامن عشر معتمدة على الطاقة البخارية ومكننة إستخراج الفحم الحجري من المناجم وصناعة النسيج، وتفجرت الثورة الصناعية الثالثة في نهاية القرن التاسع عشر بالولايات المتحدة الأمريكية معتمدة على الكهرباء وإستخراج النفط والتصنيع الشامل. أما ثورتنا الثالثة والمرتقبة فهي التصنيع الرقمي الإلكتروني وعنوانها الأبرز الطابعة التي تصنع لك ما تريد كما هو واقعيا بأبعاده الثلاثة.
قبل سنوات قليلة ماضية يحتاج الإنسان لمواد هائلة كي يبني مجسم يحاكي منتج معين، أما الآن فكل ما تحتاجه هو جهاز كمبيوتر وخيال واسع. المستقبل سيكون مشرقا وباهرا جدا لأن الخيال العلمي أصبح حقيقة. كنا نفكر أن الطابعة الواقعية هي مجرد خيال علمي لكنها قريبا ستكون في بيتي وبيتك. فعندما تكسر إبريقا في البيت فما عليك إلا طباعة إبريق آخر مثله تماما. وعندما تحتاج الى قطعة غيار الى الغسالة أو المكنسة الكهربائية مهما كانت معقدة التصنيع فما عليك إلا الدخول الى موقع الشركة المصنعة وتنزيل المعلومات التي تحتاجها عن هذه القطعة وتطبعها وتكون بين يديك كما هي.
كيف تعمل الطابعة الواقعية
عندما ننظر الى أي مجسم مهما كانت المادة المصنع منها ومهما كان شكله على أنه بناء من مجموعة من ملايين من الطبقات الرقيقة متراصة على بعضها البعض. فإن فكرة تصنيع الطابعة الواقعية أو الثلاثية الأبعاد تكون أقرب الى الواقع منها الى الخيال. فأول خطوة الى صناعة هيكل ما هي تصميم طبقات هذا الهيكل على شاشة الكومبيوتر من خلال برامج عديدة ويتم إختيار سمك الطبقات التي سيتم إستخدامها لبناء النماذج وعادة ما تكون بالمليمترات أو أجزاء منه. ثم يتم ربط هذه الملايين من الطبقات مع بعضها البعض بشعاع الليزر عالي القوة لدمج جسيمات المادة الخام المستخدمة والتي تكون عادة سبائك معدنية أو سيراميك أو بطريقة الإنصهار والترسيب إذا كانت المادة المستخدمة بلاستيك او بطريقة التغليف الثلاثي الأبعاد إذا كان ورق أو ما شابه.
هذه الطابعة أيضا تستطيع أن تنسخ المجسمات عن طريق الماسح الضوئي ثلاثي الأبعاد ورسم نموذج رقمي للمجسم ومن ثم إعادة طباعته من جديد.
مستقبل الطابعة الواقعية
في الوقت الحاضر بإمكان إستخدام الطابعة الثلاثية الأبعاد في البيوت وطباعة أي هيكل طبيعي من البلاستيك. كما يوجد أكثر من الف مادة خامة للبيع لهذه الطابعات وهي بمثابة الحبر الذي يستخدم في الطابعات العادية.
كانت هذا الطابعات حتى عام 2005 تصنع سنتمترا واحدا في الساعة فقط وتضاعف هذا الرقم رويدا رويدا في السنوات الأخيرة والآن تستطيع الطابعة الثلاثية الأبعاد أن تصنع 900 سم في الساعة والمستقبل القريب يبشر بنتائج أفضل، مع ملاحظة أن حجم المطبوع ودقة التصنيع تتحكمان بسرعة الطابعة فكلما كانت الجودة أفضل زاد وقت التصنيع. ولكن طموح الإنسان لا يقف عند هذا الحد بل تعداه الى التفكير بإستخدام مواد كالسيراميك الذي يتحمل حرارة عالية لطباعة أشياء مهمة كالأسنان ، أو إستخدام التيتانيوم لصناعة قطع تقوم مقام العظام قوية جدا وتعيش لفترات طويلة.
من خلال هذه القفزة الصناعية بالإمكان صنع أشياء كانت مستحيلة في السابق فنظريا بالإمكان طباعة كل ما يخطر على البال في كل المجالات كطباعة محرك الطائرات على سبيل المثال. العلماء في الوقت الحاضر يتطلعون الى أشياء مذهلة حقا وذلك بالبحث حول إمكانية إستخدام خلايا حية لطباعة كلية إنسان أو التفكير بطباعة الطعام. نعم معالم هذا النوع من الطباعة بدأت تلوح في الأفق.
لا مجال للخيال
الإنسان في طريقه للواقعية على المستوى الصناعي في جميع جوانبه فلا داعي لرسم نشاطاتنا ببعدين ما دام البعد الثالث في متناول اليد. ففي المسقبل القريب لن يقبل الإنسان أن ترسم له خارطة بيته الذي سيسكنه على ورقة، هو يريد أن يراه كما هو ببعده الثلاثي. لذا ستختفي قريبا الكتب والدفاتر والسبورات ولوائح العرض، وكل ما هو مرسوم على ورق سيعتبر من الماضي ومكانه المتاحف، وكل النشاطات الإنسانية ستتغير طريقة عرضها ، فالفنان التشكيلي مثلا لن يقبل منه أن يرسم بفرشاة على لوح ، ولابد له أن يجاري التقنية ويرسم لنا إبداعاته بشكلها الطبيعي ويترجم لنا خياله المرهف كما هو ماثلا أمامنا بأبعاده الثلاث. ولن يتشجع الناس في المستقبل القريب لحضور معرض للتصوير الضوئي بطريقته التقليدية ، لذا ستختفي آلات التصوير التقليدية قريبا وتستبدل بكاميرات ثلاثية الأبعاد وستختفي قريبا مفردة هو أقرب للواقع منه الى الخيال لأن بإمكان الفنان والمهندس والطبيب والمهني أن يقدم لنا كل جديد بشكله الواقعي مهما كان معقدا. فعلينا جميعا أن نتغير كي نتماشى ولو على إستحياء مع عصرنا عصر الواقعية.
كما عودتنا دائماً اخ ابو علي! مقالات جميلة و مواضيع شيّقة.