[وقفة مع الفاظ إتفقت في المبنى وإختلفت في المعنى]
{وهذا باب واسع في اللغة العربية لا غنى عنه لكل دارس لها أو مهتم بها وبآدابها}
وقفة مع الفعل صد. لهذا الفعل ثلاثة معاني وقد ورد في القرآن الكريم في حدود سبعة وثلاثين موضعا في صيغ الفعل المختلفة. والفعل يكون لازمًا لا مفعول له إذا جاء بمعنى الإعراض. ويكون متعديًا إذا جاء بمعنى المنع. وأصل الصد في اللغة جانب الجبل جهة الوادي والصدان جانبا الوادي. ومنه الصدد فيقال بيت زيد صدد بيت قيس أي في قباله، والمعنى مأخوذ من كون جانبي الوادي متقابلين.
الأول المتعدي
• صد، يَصُدُ، بضم الصاد من الفعل المضارع، صَدًا، من باب مد، يَمُدُ مدًا. ومعناه منع، يمنع، والصد منع متجه عن الوصول إلى غايته. وهذا المعنى أكثر ما ورد في القرءان الكريم. وإذا كان بمعنى المنع فهو فعل متعدي فيقال على سبيل المثال: صد الأبُ اطفالَه عن النزول إلى البحر. ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف المباركة في الآية الكريمة رقم ٨٦: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ۖ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾. ومنها أيضًا قول الشاعر:
صددتِ الكأس عنا أم عمرٍو … وكان الكأس مجراها اليمينا.
أي منعتينا الكأس فاتخذتي مجرى اليسار بدلًا من اليمين مخالفة للعرف.
الثاني اللازم
• صد، يَصُدُ، بضم الصاد من الفعل المضارع، صُدودًا، وهو من باب مر، يمر مرورًا. ومعناها الإعراض عن الشيء. وهو في هذه الحال فعل لازم ليس له مفعول به. والصدود الإعراض عن متجه إليك. فيقال صد الزعلان عن أصدقائه صدودًا. ومنه قوله تعالى في سورة النساء المباركة الآية الكريمة رقم ٦١: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا﴾، و منه أيضًا قوله تعالى في سورة المنافقون المباركة الآية رقم ٥: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾.
وكل ما ورد في القرءان الكريم من إستعمال لهذا الفعل ورد بمعنى المنع (الصد) أو بمعنى الإعراض (الصدود) ما عدا آية واحدة. وفي حال الصد بمعنى المنع او الإعراض غالبًا ما يأتي معه حرف الجر عن.
الثالث
• صد، يَصِدُ، بكسر الصاد من الفعل المضارع، صديدًا من باب ضج، يَضِج ضجيجًا. والمعنى الإستهزاء والسخرية بصوت مرتفع. فيقال على سبيل المثال؛ يًصِدُ الإعلام الغربي من الإسلام وتعاليمه ورموزه، أي يضج ساخرًا.
وقد ورد هذا المعنى في موضع واحد فقط في القرءان الكريم وهو في قوله تعالى في سورة الزخرف المباركة الآية الكريمة رقم ٥٧: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ ، أي يسخرون ويهزؤون فيما بينهم كأن يقول أحدهم في قومه؛ من هذا ابن مريم يا عمرو!!! فيرد عليه، لا نعرفه. هههههه. او كان يقول لهم؛ قال محمد: ابن مريم، ومن ابن مريم يا قوم هههه وهكذا من عبارات السخرية والإستهزاء.
والملاحظ أنه لم يأت مع الفعل هنا حرف الجر عن بل جاء معه من.
*الأستاذ حسين جاسم الدبيسي ، أحد رواد العمل التطوعي ، له إهتمامات في التاريخ العميق واللغة وألفاظ الذكر الحكيم.