[أُعلن يوم الطفل العالمي في عام 1954 باعتباره مناسبة عالمية يُحتفل بها في 20 تشرين الأول/نوفمبر من كل عام لتعزيز الترابط الدولي وإذكاء الوعي بين أطفال العالم وتحسين رفاههم. وتأريخ 20 تشرين الثاني/نوفمبر مهم لأنه اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل . في عام 1959، كما أنه كذلك تاريخ اعتماد الجمعية العامة اتفاقية حقوق الطفل في عام 1989. ومنذ عام 1990، يحتفى باليوم العالمي للطفل بوصفه الذكرى السنوية لتاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان حقوق الطفل وللاتفاقية المتعلقة بها]
[المصدر: موقع الأمم المتحدة – https://www.un.org/ar/observances/world-childrens-day]
لكن،،،، أية صورة تُبنى عن العالم في قلوب الأطفال وهم بمئات الآلاف اليوم يكابدون ويلات الحرب. ليس أقل شناعة أن ترى صورة العالم مكسرة ومشوهة من رؤية جسد طفل مزقته شظايا قنبلة أو صرعته كتلة خرسانية انهارت عليه. كلاهما منكر عظيم يجب التصدي له.
عجز النظام العالمي عن حماية الأطفال ضد الحروب في أرجاء المعمورة ولم تفلح العبر التي سطرتها الحرب العالمية الأولى ولا الثانية في منع كرة الحرب والدمار والقتل والتهجير والحصار والتجويع من التدحرج بسرعة وقوة فدًهست بقسوتها قرى ومدن وتمزقت مجتمعات بأسرها.
اليوم في بلدان المسلمين وغيرها ، يئن ويبكي مئات الآلاف من الأطفال ، يتملكهم الفزع ويلفهم الخوف ويتقاذفهم الذعر من ناحية لأخرى وهم يعايشون العدوان تلو العدوان ، يفتك بهم أو بأحبائهم أو بنظرائهم من البشر كبارا وصغارا.
مفجع منظر الطفل وهو مقطع لأشلاء أو موزع بين ركام المباني ، لكن ثمة “أشلاء” في ذهنه لا تقل خطورة عما سبق ، إنها أشلاء صورة العالم الذي أمسى عاجزا بل ميتا لا حول ولا قوة له. وبات الواقع مخيفا للأطفال في العالم ويمثل تهديدا مزمنا يكبر ويزداد مع كل يوم يكبر فيه هؤلاء الأطفال وهم يرون عجز والديهم عن حمايتهم ، ويستشعرون بكاء والديهم من الألم الجسدي والنفسي واختلال ميزان الأمن.
الأمن الذي هو قاعدة الاحتياج البشري، الذي كانت الأم وحضنها يوما ما كافيان لتحقيقه ، أما في ظروف الحرب فلا الأم قادرة على تلبية حاجة الأمن ، ولا الأب قادر على تأمين أدنى الإحتياجات ، ناهيك عن كون أحدهما او كلاهما إما مفقود أو مقتول أو مصاب ، والجميع مكسور الظهر من الخذلان العالمي.
لا تتوقف كارثية المشهد عند الأطفال في مناطق الحرب ذاتها بل تمتد لكل أطفال العالم الذين يشاهدون ويسمعون ما يجري لنظرائهم. من المحتمل جدا أن تتشوه صورة العالم وتحوله إلى مكان مفزع وغير جدير بالثقة ومن بعد ذلك تتأسس قواعد لعهد جديد ونسخ جديدة من اضطرابات القلق.
في أعقاب الحرب العالمية الأولى نشر فرويد كتابه: قلق في الحضارة. فلو أنه اليوم معنا فماذا سيكتب؟ ها هي الحرب وجدت طريقها بكل بقاع الأرض ودوماً الأطفال هم أبرز ضحاياها. فكانت الحرب العالمية الثانية ثم الحروب الكارثية في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأخيراً في حروب الألفية الثالثة منذ غزو العراق حتى حرب أوكرانيا وحرب الشرق الأوسط.
هذا المسلسل من العنف العالمي لا يمكن للطفولة أن تعبره دون أضرار في كل الأبعاد بشكل مباشر وغير مباشر. وإن كان كل الأطفال يعنوننا بكل مكان إلا أن أطفال الأمة العربية هم شأننا المباشر وعلينا أن نتساءل ما الذي يمكن عمله لأجل الطفولة العربية في ظل الحالة الممتدة لأكثر من سنة حتى الآن ، ونحن نرى وحشية هذه الحرب وضحاياها من الأطفال ، وأمست أخبارها عند مسامع أطفالنا يومياً.
ما هي الصورة التي تُرسم في أذهان الأطفال الناشئين في هذه المرحلة وأي حكم ينبني لديهم عن مدى أمان هذا العالم؟
إن الأطفال أمة واحدة: يجب علينا التعبير بوضوح أننا لا نقبل بما يجري وأننا ضده حتى لو كنا عاجزين عن فعل مباشر لإيقاف هذه الحروب. يجب أن يشعر كل طفل أن ذويه يقفون بصدق رافضين لهذه الأحداث ويستنكرونها جيداً لأن في هذا التصرف يبُنى مستوى تأسيسي لصون الطمأنينة في قلوب الأطفال. يلي ذلك تدرج يتناسب مع المرحلة العمرية لشرح سياق هذه الحروب ويتضمن هذا الحديث عن النزوح والجروح والموت. وكذلك هناك مساحات للحديث عن التحمل والصبر والتضامن والعون.
ولمثل هذه الأحاديث سبلها وتقنياتها التي ينبغي على الكبار التدرب على استخدامها وتطبيقها لكي نكون مصدر لحماية ذهنية ونفسية لهم. الأطفال بطبيعتهم “مقدر عليهم” أنهم يتقنون الاستشعار كثيراً لكن معالجة المشاعر وإتقان التعبير لم ينضج بعد عندهم ، فيقعون في الفجوة بينهما ولا يمكن أن يحميهم من هذه الفجوة كيلا يسقطوا (ويخرجهم منها إن سقطوا) إلا نحن الكبار الناضجون.
الأطفال صوت المستقبل، فلنستمع إليه جيداً.