هدم السور ونشأة مدن (الجزء الثاني) – بقلم علي الجشي

[البنية التحتية للطرق]

بعد تشييده في عام 300م، هُدِم السور سنة 1960م. طوال هذا الزمن الذي استمر 1600 سنة، بقى هذا السور كما هو مرتفعًا شامخًا كرمز لحضارات متعاقبة ومكانة استراتيجية واقتصادية مرت بها المنطقة في فترات متعدده، وفي برهة من الزمن، لا تتعدى ايام لبضعة شهور مرت سريعة، هُدِم السور دون أن يكون لذلك تأثيرٌ ذي بال، فطواه النسيان في ذاكرة الزمان ليصبح جزء من تراث ينتظر من يذكره في سطور قرطاس كتب الأدب والتاريخ لتحفظ أثره بعد زوال حجره.

أزيل السور لتستخدم حجارته في ردم سواحل بحرية وإنشاء طرق جديدة. وتبع هدمه تغييرات متلاحقة عايشها الناس دون أن يدرك الكثير منهم أفقها وأبعادها وحجم التغييرات التي ستترى دون توقف كتأثير الدومينو الذي يسبب حدث واحد فيه سلسلة متتابعة من الأحداث الأخرى المشابهة فتغيرت معالم الواحة في كل شيء وتبدلت مواقع اهميتها وتأثيرها.

سور قلعة القطيف – مصدر الصور: موقع ويكيبيديا

بدأت مشاريع القص مع تأسيس البلدية في عام 1927 ميلادية (جمادى الأول 1346 هجري) بغرض فتح طرق جديدة وإنشاء شوارع حديثة وتطوير مشاريع عمرانية لتواكب المتغيرات التي بدأت البلاد تشهدها في مختلف النواحي التنموية والاقتصادية والاجتماعية.

اختلفت طبيعة الحياة ونمطها.  اصبحت هناك مركزية إدارية وأمن مستتب ومدارس تعليمية تربوية ومراكز صحية تطبيبية وعلاجية ودوائر لمختلف الخدمات المدنية والإتصالات الحكومية، ووسائل نقل ومواصلات متقدمة تستخدام السيارات والشاحنات والعربات الحديثة،  واستحدثت المطارات والسكك الحديدية، وتأسست مراكز البرق والبريد والهاتف، ووظفت المكننة والأتمتة في أداء الأعمال فبدأ الاعتماد على الدواب يتلاشى شيئًا فشيئا حتى تناساتها الأجيال ونستها. كما قللت الحاجة لليد العاملة تدريجيًا كما في اعمال النجارة والبناء والنقل وغيرها وغيرت الانتاج الفردي المقنن الى الإنتاج الغزير فلم يعد باستطاعة الإنتاج اليدوي منافسة الإنتاج الممكنن الذي يحتاج وسائل نقل وطرق مناسبة تخدم الغرض الاقتصادي والاجتماعي.

كان الفلاح في ما مضى يحمل منتجاتة الزراعية فوق رأسه أو على ظهر الحمار ويسير بها مسافات تطول وتقصر ليوصلها إلى أماكن بيعها وتوزيعها عبر ممرات قديمة وطرق ضيقة ناسبت الحاجة إليها في حينها، ومع المتغيرات والتطور اصبحت هناك حاجة لطرق وممرات وشوارع تناسب وسائل النقل الأكثر تقدمًا وفعالية، وهذا بدوره احتاج إلى بنية تحتية مختلفة تتطلب تغيير وتحديث في الوضع العمراني القائم.

تُعد الشوارع والطرقات مقياسًا من مقاييس أفق التطور العمراني المدني، فهي تحدد نمو المناطق الحضرية المعتمدة على أسس التخطيط السليم لاستخدام الأراضي وتنميتها وإدارتها وإذا كان هناك عصب حيوي للنمو والتطوير فعصب النمو العمراني للمدن السكنية وحتى المجمعات الصناعية والمناطق الريفية الزراعية هو البنية التحتية للطرق لما لها من تأثير كبير على كيفية استخدام الأراضي وتطويرها ونمو المدن واستيعابها.

يتم نمو المدن إما رأسيا بملء المساحات المفتوحة بين المباني القائمة أو أفقيا بالتوسع خارج المناطق الحضرية القائمة باستغلال الأراضي الغير مستخدمه، ولكي تنمو المدن بشكل مستدام، فإنها تحتاج إلى توازن بين هذين النوعين، وكل هذا يحتاج إلى بنية طرق مناسبة لتوفير جميع الخدمات الأساسية اللازمة لاستخدام الأراضي كالماء والكهرباء والهاتف والصرف الصحي وتصريف سيول الأمطار ولتيسير جميع الخدمات الحضرية التي يحتاجها ساكني المدن كمتطلبات الصحة والأمن والسلامة. 

مصادر الصور: مصدر الصور: موقع ويكيبيديا

من المهم بمكان أن تكون تنمية المدن جزءا من استراتيجية أوسع لاستخدام الأراضي بالشكل الأمثل، وهذا يتطلب الابتعاد عن التطوير في المناطق الحضرية القائمة، وعليه فيجب أن يكون هناك إطر متكاملة مدروسة لتحديد منهجية التوسع الحضري، بما في ذلك البنية التحتية للطرق لتكون مرجع للتصاميم العمرانية الهندسية تسهل النمو الحضري للمدن بطرق فاعلة تمكنها من استيعاب شامل للنمو المستقبلي باستراتيجية متكاملة تساعد في استدامة نمو المدن وتجعلها قادرة على الاستجابة امام الحاجة للحالات المستعجلة وطلبات التغيير الآنية.

تغيير اساليب المعيشة احتاج إلى نزع ملكية اراضٍ ومساكن ومزارع، ودفن مساحات شاسعة من المياه الساحلية فتغيرت معالم الواحة تغييرًا جذريًا. لا اظن الأجداد تصوروها ولا في قصص الخيال. واحة خضراء وارفة تتحول إلى ارض تتيبس وتتشقق حاراتها وتمزق مزارعها لتجثم عليها بيوت من خرسانة، وتغطيها سيارات من حديد.

زاد في مشكلة التطوير العمراني في القطيف إنها لم تكن ارضًا بكرًا يسهُل تخطيطها وتوسيع رقعتها السكنية بيسر وسهولة لتتمكن من استيعاب منشآت خدماتية وصناعية، فهي واحة ممتدة متصلة ببعضها، متراصة مزارعها إلى درجة احتجاب الشمس عن معظم رقعتها بسبب كثافة نخيلها وأشجارها. بخلاف باقي الواحات الصحراوية التي عادة ما تكون متناثرة ومتباعدة وبينها اراضٍ بيضاء يمكن استغلاها للنمو العمراني، وهذا بالطبع أدى إلى ارتفاع كلفة المشاريع وقلل من فعاليتها، وزاد من قيمة الأراضي إلى اسعار فلكية وفاقم من عبلكة سير المركبات وتعطل الحركة المرورية في اوقات الذروة مما زاد من اهمية تعزيز نظم البنية التحتية لكامل شبكات الطرق التي تخدم مدن الواحة وتصلها بما حولها، وقد مرت الواحة عبر سنوات نموها بمراحل متعددة من هذا التطور في البنية التحتية للطرق.

شاهد الجزء الأول: https://www.qatifscience.com/?p=25960

المهندس علي الجشي

تعليق واحد

  1. علي العبدالله ابو قدس

    إزالة الآثار جريمة بحق الأجيال و التاريخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *