العلاج الأول في العالم بخلايا من متبرع يساعد على انحسار أعراض أمراض المناعة الذاتية – ترجمة عدنان أحمد الحاجي 

World-first therapy using donor cells sends autoimmune diseases into remission
(بقلم: سمريتي مالاباتي – Smriti Mallapaty)

نجاح علاج ثلاثة مرضى يبعث على الأمل في إنتاج كميات بالجملة من علاجات CAR T المتقدمة جدًا.

سيدة ورجلان مصابون بأمراض مناعية ذاتية(1) حادة دخلوا في حالة انحسار لأعراض هذه الأمراض بعد خضوعهم للعلاج بالخلايا المناعية المهندسة بيولوجيًا والمعدلة بتقنية كريسبر(3، 4). هؤلاء الثلاثة الصينيون المصابون باضطرابات المناعة الذاتية هم أول من خضع للعلاج بالخلايا المناعية المهندسة من خلايا منتزعة من متبرعين، وليست منتزعة من أجسام هؤلاء المرضى أنفسهم. هذا التقدم هو الخطوة الأولى نحو إنتاج بالجملة لمثل هذه العلاجات.

الصورة: الخلايا المناعية المهندسة(1)، والتي تسمى خلايا الـ (CAR T) (باللون الأصفر)، أحدثت ثورة في علاج بعض الأورام (باللون الوردي) وأظهرت نتائج واعدة في علاج أمراض المناعة الذاتية.

السيد غونغ رجل صيني من شنغهاي يبلغ 57 عاماً مصاب بمرض التصلب المجموعي(5)، الذي يؤثر في النسيج الضام(6) وقد يؤدي إلى تصلب الجلد وتضرر أو تلف الأعضاء. ويقول إنه بعد ثلاثة أيام من خضوعه للعلاج، شعر بأن جلده أصبح مرتخٍ وتمكن من البدء في تحريك أصابعه واستطاع فتح فمه مرة أخرى. وبعد اسبوعين عاد الى عمله المكتبي. ويقول بعد مرور أكثر من سنة على خضوعه إلى العلاج: “أشعر أنني لا زلت بحالة جيدة جدًا”.

الخلايا المناعية المهندسة، والتي تسمى الخلايا التائية لمستقبل المستضد الخيميريCAR T” (7)” ثبت أن لها نتائج واعدة جدًا في علاج سرطانات الدم(8) – اعتُمدت ست منتجات في الولايات المتحدة(9) – والتي هي عبارة عن علاج واعد لأمراض المناعة الذاتية مثل مرض الذئبة(11 ،10) والتصلب المتعدد(13 ،12)، حيث تفرز الخلايا المناعية المتمردة أجسامًا مضادة ذاتية(14) تهاجم أنسجة الجسم. لكن العلاج يعتمد عادةً على الخلايا المناعية للشخص، وهذا النوع من العلاج التخصيصي [للشخص نقسه] يجعله مكلفًا ويأخذ وقتًا طويلاً.

ولهذا السبب بدأ الباحثون في ابتكار علاجات الخلايا التائية لمستقبل المستضد الخيميري “CAR T” من خلايا مناعية من متبرع. وإذا نجحت، فإنها ستمكن شركات الأدوية بتوسيع نطاق الانتاج، مما قد يؤدي إلى خفض التكاليف(15) وتقصير أوقات الإنتاج. فبدلاً من إجراء علاج واحد لشخص واحد، بهذه الطريقة يمكن إجراء علاج لأكثر من مائة شخص من خلايا تائية متبرعٍ واحدٍ، كما يقول لين شين (Lin Xin)،  باحث في علم المناعة بجامعة سينغوا (Tsinghua) في بكين. استخدمت خلايا “CAR T” المنتزعة من متبرع لعلاج المصابين بالسرطان، ولكن بنجاح محدود حتى الآن(16).

أمراض المناعة الذاتية

وتعد هذه التجربة، التي أجراها شو هوجي (Xu Huji)،  اخصاصي الروماتيزم في جامعة الطب للقوات البحرية في شنغهاي، أول تجربة تعلن عن نتائج علاج أمراض المناعة الذاتية منشورة في مجلة الخلية(17) “Cell” في سبتمبر 2024. وبعد أكثر من ستة أشهر من تلقي العلاج، بقي الخاضعون للعلاج في حالة انخفاض أو انحسار لأعراض الأمراض(18). ويقول شو إن عشرين شخصًا آخرين خضعوا للعلاج المنتزع من متبرعين ومنتجًا معدلاً بشكل طفيف. وكانت النتائج إيجابية إلى حد كبير، كما قال شو.

يقول لين شين (Lin Xin) الذي قاد تجربة منفصلة باستخدام خلايا الـ “CAR T” المنتزعة من متبرع لعلاج مرض الذئبة: “كانت النتائج السريرية التي حصلنا عليها مذهلة”.

يبدو نجاح العلاج وسلامته علاجًا واعدًا، لكن لا يزال هناك حاجة إلى أن يُجرى على عدد أكبر من المرضى قبل أن يتمكن الباحثون من استخلاص استنتاجات بخصوص مدى تطبيقه على نطاق أوسع، كما تقول كريستينا بيرجمان (Christina Bergmann) ، أخصائية الروماتيزم في مستشفى جامعة إرلانغن (Erlangen) في ألمانيا.

ولكن لو نجحت هذه الطريقة في التطبيق على عدد أكبر من المرضى واستمرت فاعلة لمدى زمني أطول، فإنها “قد تكون بمثابة نقلة نوعية”، كما يقول دانييل بيكر (Daniel Baker)،  باحث في علم المناعة من جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا. أكثر من 80 مرضًا من أمراض المناعة الذاتية مقترن بخلل وظيفي في الخلايا المناعية.

متبرع سليم

علاج الـ “CAR-T” ينطوي عادةً على انتزاع خلايا مناعية تُعرف بـ الخلايا التائية من الشخص الخاضع للعلاج. وتنمق هذه الخلايا ببروتينات الـ “CAR” التي تستهدف الخلايا البائية ثم تُسرب (infused) مرة أخرى إلى جسم المريض.

عملية إنتاج خلايا الـ “CAR T” من الخلايا المناعية المتبرع بها متشابهة. انتزع شو وزملاؤه خلايا تائية من امرأة تبلغ 21 عامًا، وقاموا بتنميقها بخلايا الـ “CARs”  التي تتعرف على المستضد اللمفي البائي “CD19” وهو مستقبل متواجد على سطح الخلايا البائية. استخدموا أداة تحرير الجينات (CRISPR-Cas9) لاستئصال خمس جينات من الخلايا التائية، لمنع خلايا المتبرع من مهاجمة جسم المضيف (المريض الخاضع للعلاج) وجهازه المناعي من مهاجمة الخلايا المنقولة من المتبرع.

وكانت أول مريضة تخضع للعلاج، في مايو 2023، امرأة تبلغ 42 عامًا مصابة بنوع من أمراض المناعة الذاتية وهو اعتلال عضلي(19)، والذي يستهدف الأنسجة العضلية الهيكلية، مما يؤدي إلى ضعف وإعياء. كان السيد غونغ، ورجل آخر يبلغ 45 عاماً، مصابان بنوع شرس من مرض التصلب اللويحي. بدأ المريضان علاجهما في يونيو وأغسطس 2023.

بمجرد حقنها في المريضين، بدأت خلايا الـ “CAR T” بالعمل. تضاعفت أعداد الخلايا واستهدفت ودمرت جميع الخلايا البائية، بما فيها الخلايا المسببة للأمراض المرتبطة بأمراض المناعة الذاتية. بقيت الخلايا التائية المهندسة بيولوجيًا لأسابيع في هذين المرضيين قبل أن تختفي إلى حد كبير. وفي نهاية المطاف، نمت خلايا بائية جديدة وسليمة، وبدون الخلايا المسببة للأمراض. وقد لوحظت استجابة مماثلة لدى المصابين بأمراض المناعة الذاتية والذين خضعوا للعلاج بخلايا الـ “CAR T” المنتزعة من خلايا أجسامهم(20).

“اختفاء الأعراض تمامًا”

وبعد شهرين من العلاج، يقول الباحثون إن المرأة شُفيت شفاءً تامًا من الأعراض، وبقيت على هذه الحالة خلال فترة المتابعة التي استمرت ستة أشهر. قال بيكر إنه على الرغم من أنه ظهر على المرأة تحسن سريري واضح، إلا أنه كان حذرًا في وصف ذلك بالشفاء التام من الأعراض، نظرًا لقصر فترة التقييم. انخفضت الأجسام المضادة الذاتية لدى المرأة إلى مستويات غير قابلة للكشف [بمعنى أن نتيجة تحليلها كانت سلبية]، وتحسنت قوة عضلاتها وقدرتها على الحركة بشكل كبير.

وشهد الرجلان أيضًا تحسنًا ملحوظًا في أعراضهما، بما في ذلك بدأت أنسجة الندبات بالتكوِّن مرة أخرى، وانخفضت مستويات الأجسام المضادة الذاتية.

لم يعاني أي من هؤلاء المرضى الثلاثة من رد فعل التهابي شديد يُعرف بـ متلازمة إفراز السيتوكين، والذي لوحظ لدى بعض المصابين بالسرطان الذين خضعوا لعلاج “CAR-T”،  ولم تكن هناك دليل على مهاجمة خلايا المتبرع لجسم المريض الخاضع للعلاج. لكن الباحثين ما زالوا يحاولون التعرف على ما إذا كان جسم المريض سيرفض خلايا المتبرع هذه بعد فترة.

أحد المخاوف الرئيسة المتعلقة بالسلامة والتي لوحظت لدى بعض المرضى الذين خضعوا لعلاج خلايا “CAR-T” لعلاج السرطان هو ظهور أورام سرطانية جديدة، على الرغم من أن الباحثين ما زالوا يحققون فيما إذا كانت هذه الخلايا السرطانية الجديدة لها علاقة بالعلاج. قال بيكر إنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان المصابون بأمراض المناعة الذاتية والذين خضعوا للعلاج بخلايا “CAR T” من متبرع سيواجهون هذا الاحتمال. “الوقت كقيل لإخبارنا بذلك”.

يقول بيكر إن المسألة هي ما إذا كانت المقاربة نفسها ستنجح لو طُبقت على عدد كبير من المرضى، وما مدى ثبات هذا العلاج. “هل سيبقى هؤلاء المرضى بدون أعراض على مدى سنوات؟”.

مصادر من داخل وخارج النص: 
1- https://fastercapital.com/arabpreneur/هندسة-الخلايا-والأنسجة-التطورات-في-هندسة-الخلايا-والأنسجة–نظرة-شاملة.html
2- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/علم-المناعة/مرض-المناعة-الذاتية
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/تعديل_كريسبر
4- https://www.cell.com/cell/abstract/S0092-8674(24)00701-3?_returnURL
5- https://altibbi.com/مصطلحات-طبية/الامراض-الجلدية/تصلب-مجموعي
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/نسيج_ضام
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/مستقبل_مستضد_خيمري
8- https://www.nature.com/articles/d41586-022-00241-0
9- https://www.nature.com/articles/nature.2017.22304
10- https://www.nature.com/articles/d41586-024-00169-7
11- https://www.mayoclinic.org/ar/diseases-conditions/lupus/symptoms-causes/syc-20365789
12- https://www.nature.com/articles/d41586-024-00470-5
13- https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/Diseases/Nervous-system/Pages/005.aspx
14- https://ar.wikipedia.org/wiki/ضد_ذاتي_(مناعة)
15- https://www.nature.com/articles/d41586-024-00809-y
15- https://www.nejm.org/doi/10.1056/NEJMoa2300709
16- https://www.cell.com/cell/abstract/S0092-8674(24)00701-3
17- https://my.clevelandclinic.org/health/articles/24673-cancer-remission
18- https://ar.wikipedia.org/wiki/اعتلال_عضلي
19- https://www.nejm.org/doi/10.1056/NEJMoa2308917
20- https://ar.wikipedia.org/wiki/متلازمة_إفراز_السيتوكين

المصدر الرئيس:
https://www.nature.com/articles/d41586-024-03209-4

الأستاذ عدنان أحمد الحاجي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *