[حلة محيش الفردوس المفقود]
حلة محيش قرية ريفية تقع على المدخل الغربي من مدينة القطيف وهي أشبه ما تكون بواحة تتشابك فيها الأشجار والبساتين والخمائل وكل من يدخل حلة محيش لابد وان يقف مبهور الأنفاس تائه الحس لما يشاهده من طبيعة خلابة رائعة حيث يشاهد فردوسا مجهولا لو كان في بلد آخر لتوافدت إليه السواح،،،
فانت تجد أشجار الليمون وأشجار التين وأشجار التوت وقد تدلت اغصانها. وترمق النخيل الباسقات مرسلة يعاسيبها في الافق يداعبها النسيم فيلقي خوصها ألحانا تلقي البهجة والسعادة في النفس، وتمتاز القرية الصغيرة بورودها المتميزة وبرياحينها ذات العبق المبهج ، كما تتميز بساتينها بالرطب الجني وبمختلف الثمار البهيجة الذي يستحوذ على مجتنيه ويفرض مذاقه على سكان القطيف فينهافتون على شرائه كتهافت الفراش على الزهر.
ولقد كانت حلة محبش في العهد العثماني عندما كانت القطيف خاضعة لذلك الحكم كانت حلة محيش مصيفا لباشوات وكبار علية القوم حيث كانت تقام الضيافات في بساتينها وكان حاكم القطيف التركي وبقية المسئولين يتخذونها منتجعا ومنتزها لما لها من جمال الطبيعة ووفرة المياه الكبريتية. حتى ان المرء إذا نزل في عيونها للاستحمام لا يرى صديقه الجالس أمامه من سحائب الدخان المتصاعدة من الماء.
وكان قيس بن الملوح يستلهم منها الاشعار ، ويذكر صاحب وديوان قيس بن الملوح أن والد قيس أرسله إلى بلدة يقال لها القطيف لينتهل من العلم ولتصقل مواهبه فكانت القرية التي استلهم منها قيس بن الملوح هي قرية حلة محيش حيث تبلورت شاعريته قبل أن يعود إلى دياره والذي لديه شك في هذا فليراجع ديوان مجنون ليلى قيس بن الملوح(1).
وقد زار (الشاعر عباس خزام رحمه الله) حلة محيش وتجول بين مروجها وينابيعها وخمائلها فكتب هذه القصيدة وفاء منه لهذه القرية التي اغدقت على القطيف من خيراتها وعطائها:
حلة محيش كنت مصدر إلهام @@@ ولا زلت واحة الشعراء
تستجم النجوم في أفقك الوردي @@@ جذلى في غمرةِ الأنداء
كل درب مخضوضر فيك حتى @@@ عانق الصبح فيك عبق المساء
باسقات قاماتها تتثنى @@@ من هبوب النسيم والأجواء
والبساتين والخمائل تبدو @@@ كجنان مكسوة بالضياء
يا له منظراً يكاد يتيه @@@ المرء منه من شدة الإغراء
أغصنٌ فوق أغصنٍ وثمار @@@ يانعات والنخل فيض عطاء
حلة محيش جنة لم يشاهد @@@ مثلها في الجنائن الخضراء
حلة محيش أين أيام قيس @@@ وليالي السمّار في البيداء
كان قيس يطوفُ حول روابيكِ @@@ وبين الزنابقِ البيضاءِ
وطيور الربيع تستلهم اللحن @@@ فتشدو في رقة وصفاء
سحر واديك لم يزل يبعث @@@ النجوى بقلبي في زهوة الخيلاء
من أنا يا ترى وما قيمة الشعر @@@ إذا لم يكن سخي الوفاء
حلة محيش جئت أهديك شعراً @@@ فاقبليه مشفعاً برجائي
(1) تمت مراجعة كتاب [الحب الخالد.. قيس وليلى… قصة واقعية حدثت في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان] ، إصدار دار الكتب الشعبية ، بيروت – لبنان. ففي صفحة 5 وتحت عنوان {قصة قيس بن الملوح المجنون بحب ليلى العامرية… ولادته ونشأته وقبيلته ودياره} يقول الكتاب: مجنون ليلى هو قيس بن الملوح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من بلاد نجد من قبيلة بني عامر ولد في سنة 440 هجرية في عهد خلافة عبد الملك بن مروان من خلفاء بني أمية {ملاحظة: الصحيح أنه ولد في سنة 24 هجرية “وليس 440 هـ” وأنه أي قيس عاصر عبد الملك بن مروان كخليفة بين 65هـ و 68هـ سنة وفاة قيس} ونشأ قيس مترعرعا فطنا ذكيا وورث عن أبيه شعر العرب وأخبارهم وعلمه أبوه ببلدة إسمها القطيف قرب ديار نجد فتفوق في الشعر والأدب ومعرفة النجوم للسير ليلا فكان رجلا رزينا دمث الأخلاق محبا للمكارم ومن الدليل أن إسمه قيس هو قول صاحبته ليلى فيه:
ألا ليت شعري والخطوب كثيرة @@@ متى رحل قيس مستقل وراجع
كل ما قيل في وصف حلة الخير والجمال قليل، حفظ الله هذه البلدة المعطاء، ورحم شاعرنا الكبير عباس الخزام وطيب ثراه.
احسنت كثيرًا وأحسن المرحوم الشاعر الخزام وهو شاعر ترك بصمته في الشعر فأغناه بالمعنى وجمله بالمغنى فتغنى بوصف ربوع بلاده بقصائد تخلد تاريخها. وحلة محيش أو الحلة اختصارًا بلدة طيبة بطبيعتها الخلابة ومنتجاتها الزراعية المتميزة واجوائها اللطيفة لبعدها النسبي عن ساحل البحر، والأهم من كل هذا طيبة اهلها الذي يلمسه كل من اقترب منهم وتعامل معهم ولقد ابقت حلة محيش لها مكانة في ذكريات خواطري حيث كنا نصلها ونحن نسير على الأقدام ، نذاكر دروسنا ونراجع كتبنا المدرسية ماشين كما كانت عادة وأسلوب الطلبة في زماننا ايام الستينات والسبعينات كما كنا نأتي عين أم عمار الرائعة البديعة مرورًا بقرية حلة محيش الهادئة التي كانت تشعرنا بالسكينة ولا أنسى المرحوم طيب الذكر زميلنا أحمد المهنا والمرحوم اخاه الأكبر اللذان تميزا بالجد والأجتهاد والأخلاق الطيبة المثالية.