عندما يموت الضمير العالمي – بقلم صادق علي القطري

مصطلح الضمير العالمي يشير إلى الوعي الجماعي والفهم الأخلاقي المشترك بين البشر فهو يجسد المشاعر والقيم الأخلاقية التي توجه أفعالنا وقراراتنا على نطاق عالمي حيث ان الفكرة تشير إلى وجود شعور مشترك بالصواب والخطأ يتجاوز الثقافات والمجتمعات الفردية.

إن عبارة، موت الضمير العالمي، تستحضر تأملاً عميقاً في البوصلة الأخلاقية الجماعية والوعي الأخلاقي للبشرية وهي تعني بطريقة غير مباشرة تآكل القيم والمبادئ المشتركة التي تربط المجتمعات العالمية بالقيم المشتركة، فهذا يؤدي إلى الانفصال عن إحساسنا الأساسي بالصواب والخطأ.

هذا المفهوم ليس مجرد فكرة فلسفية او فكرة من الخيال العلمي المجرد؛ بل يعكس الكثير من الآثار السلبية المترتبة على العالم الحقيقي والتي يمكن أن تتجلى في التفتت الاجتماعي، والإهمال البيئي، وتراجع التعاطف مع الآخرين.

ومع تنقلنا في المشهد العالمي المتزايد التعقيد، تصبح حيوية الضمير العالمي أمرًا بالغ الأهمية يعمل كقوة توجيهية تشجع التعاون والرحمة والشعور بالمسؤولية تجاه بعضنا البعض لأننا كبشر نركب قاربا واحدا وهو كوكب الأرض وان موت هذا الضمير قد يدل على تحول مقلق نحو الفردية والنسبية الأخلاقية، حيث تطغى المصالح الشخصية على الرفاهية الجماعية ويثير أسئلة حاسمة حول أطرنا الأخلاقية ومستقبل التعايش البشري.

ان تداعيات موت الضمير العالمي، قد تدعونا إلى التفكير في أدوارنا كمواطنين على هذا الكوكب الى أهمية رعاية الوعي الأخلاقي المشترك، تتجلى أهمية هذا التفكير في التحديات المعاصرة مثل الاستقطاب السياسي والظلم الاجتماعي وتغير المناخ وغيرها، والتي تتطلب الاستجابة الموحدة والمتجذرة من الضمير الجماعي القوي. وفي نهاية المطاف، فإن فهم مصطلح موت الضمير العالمي يفرض علينا التفكير في كيفية إحيائه، وضمان بقاء إنسانيتنا المشتركة في طليعة أفعالنا وقراراتنا.

من العلامات الرئيسية لموت الضمير العالمي التي تعكس هذا الاتجاه المقلق ما يلي:

انعدام التعاطف الفردي بين الناس: أحد المؤشرات الأكثر أهمية هو تراجع التعاطف الفردي باتجاه الآخرين، وخاصة اتجاه الاشخاص المهمشون والمحتاجون. وهذا ما نلاحظه في غرف الصدى وسائل الإعلام الاجتماعية، حيث يصبح الأفراد غير مبالين بمعاناة الآخرين، مما يؤدي إلى نقص التعاطف والتفاهم.

زيادة الاستقطاب: يسلط الانقسام المتزايد بين المجموعات الاجتماعية والسياسية والثقافية المختلفة الضوء على الافتقار إلى القيم المشتركة والتفاهم مما يعزز هذا بيئة يتم استبدال الحوار والتعاون بالعداء والانقسام، مما يقوض الإطار الأخلاقي الجماعي الذي يربط المجتمعات معا.

إهمال القضايا العالمية: إن الفشل في معالجة التحديات العالمية الملحة، مثل انتهاكات حقوق الإنسان، يعكس انخفاض الشعور بالمسؤولية تجاه الكوكب والبشر. والشاهد اليوم ما يعانيه الشعب الفلسطيني ول 76 سنة من قمع ومجازر وتهجير واحتلال ارض وسلب الحقوق والمعاملة غير الإنسانية وتواطئ قوى عالمية ضده وعدم انصافه في المحافل العالمية لهو خير شاهد على هذا. فعندما يتم تجاهل هذه القضايا أو التقليل من شأنها، فإن هذا يشير إلى انفصال عن الضمير العالمي الذي كان ذات يوم يحفز العمل الجماعي.

القبول بالظلم وعدم المساواة: ان قبول الظلم النظامي، مثل العنصرية والتمييز على أساس الجنس واللون والدين وعدم المساواة الاقتصادية، والرضا المقلق للمجتمعات وخاصة المجتمعات الغربية وتطبيعها بدلاً من مكافحتها بشدة، فهذا يشير إلى إضعاف الحتمية الأخلاقية للدفاع عن العدالة والمساواة.

تضليل المجتمعات: إن إعطاء الأولوية للمكاسب الفردية والاستهلاك على رفاهية المجتمع هو علامة أخرى على موت الضمير العالمي وهذا غالبًا ما يؤدي هذا التحول نحو المصلحة الذاتية إلى التدهور البيئي والتفتت الاجتماعي، حيث يصبح الناس أكثر تركيزًا على نجاح الفردية الشخصية بدلاً من المصلحة الجماعية.

الانفصال عن الطبيعة:
إن الانفصال المتزايد عن العالم الطبيعي، والذي يتجلى في الدمار البيئي والافتقار إلى التقدير للتنوع البيولوجي، يعكس تجاهلًا أوسع للترابط بين أشكال الحياة وهذا يؤدي إلى ممارسات غير مستدامة تهدد صحة الكوكب ومستقبله.

الفساد المؤسسي: إن الشعور السائد بالسخرية وانعدام الثقة في المؤسسات والزعماء وحتى المواطنين الآخرين يمكن أن يؤدي إلى تآكل أسس الإطار الأخلاقي المشترك، فعندما يفقد الناس الثقة في الأنظمة المصممة لدعم العدالة والمساواة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى اللامبالاة والانفصال عن المسؤوليات المدنية.

وفي الختام، إن علامات موت الضمير العالمي قد تكون صارخة ومقلقة، فهي تعكس التحول العميق في المشهد الأخلاقي الجماعي، وبينما نشهد انعدام التعاطف، والاستقطاب المتزايد، والتطبيع المقلق للظلم، يصبح من الواضح أن القيم التي كانت توحد البشرية في وقت ما أصبحت مهددة ومقلقة، هذا الانحدار ليس مصدر قلق مجرد فقط؛ بل يتجلى بطرق ملموسة تؤثر على مجتمعاتنا وبيئتنا وإنسانيتنا ذاتها.

إن التغافل عن القضايا العالمية الملحة، مثل الظلم الاجتماعي، يؤكد على اللامبالاة المتزايدة تجاه الترابط بين عالمنا. فعندما يعطي الأفراد الأولوية للمكاسب الشخصية على رفاهية المجتمع، فإننا نخاطر بتعزيز ثقافة العزلة والمصلحة الذاتية التي تقوض نسيج وجودنا المشترك على هذا الكوكب.

وان عدم ثقتنا في المؤسسات تشير إلى الانفصال عن الأطر الأخلاقية التي توجه أفعالنا وقراراتنا.
وفي هذا السياق، من الضروري أن ندرك أن موت الضمير العالمي ليس بالضرورة قدراً لا مفر منه ولكن من خلال الاعتراف بهذه العلامات والعمل بنشاط على مواجهتها، يمكننا أن نبدأ في إحياء الشعور بالمسؤولية المشتركة والوعي الأخلاقي حيث يتطلب هذا الإحياء التزاماً جماعياً بالتعاطف والحوار والعمل، وتعزيز فهم متجدد لترابطنا كمواطنين عالميين نعيش ونتشارك في هذا الكوكب وان لصحة ضميرنا العالمي أهمية بالغة لمعالجة التحديات التي نواجهها اليوم لضمان مستقبل أكثر عدلاً وتعاطفاً واستدامة للجميع.

المهنس صادق علي القطري

المصادر:
• https://www.quora.com/What-is-the-Universal-Consciousness-Do-we-as-individuals-have-a-consciousness-that-is-separate-from-it
• https://www.scientificamerican.com/article/what-happens-to-consciousness-when-we-die/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *