الخزام وحب الوطن (9): أربعة آلاف مقاتل من رجال البحرين يشاركون في فتوح بلدان ما وراء النهر – بقلم عباس الخزام رحمه الله*

[أربعة آلاف مقاتل من رجال البحرين يشاركون في فتوح بلدان ما وراء النهر]

القائد الإسلامي قتيبة بن مسلم الباهلي يصفهم بالشجاعة المتفوقة. ليس هذا مجرد كلام نسوقه على عواهنه أو هو بدافع العاطفة وإنما هو حقيقة تاريخية لا يشوبها أية شائبة أو شك،،،

فبعد ان قام العلاء بن الحضرمي بالقضاء على الفتنة وعناصرها التي احدثها الخطم بن ضبيعة بمساعدة الزط والسبابجة بالقطيف وجواثا ودارين وأوال وحقق تلك الانتصارات الباهرة ساوره الطمع وأخذته العزة والخيلاء بعد هذه الواقعة ونجاحها فقرر ان يغزو « فارس » لكن الخليفة عمر بن الخطاب منعه من ذلك إلا أنه لم يصغ إلى قول عمر.

الصورة من إعداد م. صادق القطري

فجمع جيشا من رجال البحرين من العبديين ودفع بهم الى ركوب البحر قسرا لغزو فارس وندبهم اليها وقد قسمهم على مجموعات ، المجموعة الأولى عليها الجارود بن المعلا والمجموعة الثانية عليها همام بن سوار العبدي والمجموعة الثالثة عليها المنذر بن ساوى ثم سارت تلك الجنود عبر البحر إلى فارس وكان على أهل فارس قائد الفرس الهريذ حاكم مدينة دار بجرد الفارسية ، فلما علم الفرس بدخول العلاء بن الحضرمي وجيشه إلى أراضيهم حاصروهم وحالوا بينهم وبين سفنهم وأغرقوها فقام من بينهم رجل اسمه خليد فخطب في الناس خطبة مؤثرة دخلت إلى قلوبهم ورغبتهم إلى القتال والتضحية ، فصلوا صلاة الظهر وقاموا وهاجموا الفرس واقتتلوا قتالاً شديدا في مكان يقال له طاؤوس وهو موضع من بلاد فارس الا أنهم لم يصمدوا أمام جيوش الفرس فاضطروا إلى التراجع ولم يجدوا إلى الرجوع سبيلا حيث كانت سفنهم غارقة في البحر.

وهذه تعتبر أول محاولة قام بها رجال البحرين لغزو فارس وقبلها لم يجرأ أحد من العرب على غزوها. ولما علم عمر بن الخطاب بمحاصرة جيش العلاء بن الحضرمي غضب شديداً على ابن الحضرمي وكتب اليه كتاباً بعزله عن إمارة البحرين ثم ولى مكانة عثمان بن أبي العاصي أميراً على البحرين وعمان أيضاً – فارسل عثمان بن العاصي أخاه الحكم بن العاصي في جيش عظيم من أهل البحرين عبر البحر ومعهم أيضا رجال من تميم ومن الأزد ومن بني ناجية وغيرهم ففتح جزيرة أبركان وهي جزيرة عظيمة الشأن في بحر فارس بين البحرين وعمان ثم توجه إلى توج ففتحها وبنى بها مساجدا وأسكنها أهل البحرين آل عبد القيس وغيرهم.

وبذكر صاحب فتوح البلدان البلاذري أن الذي قتل شهرك مرزبان فارس هو سوار بن همام العبدي من أهل البحرين حمل عليه ثم طعنه فأرداه عن فرسه ثم ضربه بسيفه وقد فتح سوار بن همام أيضا راشهر وهي مدينة من أرض سابور بفارس بالقرب من توج وقد سار عمر بن الاهتم إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر منشداً هذين البيتين من الشعر يمدح بهما سوار بن همام:

جئت الامام بإسراع لأخبره @@@ بالحق من خبر العبدي سوار

أخبار أروع ميمون نقيبته @@@ مستعمل في سبيل الله مغوار

الصورة من إعداد م. صادق القطري

وبعد هذا الفتح العظيم تتابعت الفتوحات وتم تعيين عثمان بن ابي العاصي أميرا على فارس حيث استقر هو والجيش الذي سار به من البحرين هناك. ولذلك تجد كثيرا من عرب البحرين مندمجين ومنصهرين مع الفرس الى يومنا هذا فكثير من العرب من ابناء البحرين هاجروا أيام فتح فارس إلى فارس واستقروا فيها. ثم بعث ابن العاصي الفارس الشجاع الفقيه الزاهد وأحد كبار علماء البحرين هرم بن حيان العبدي بعثه إلى قلعة يقال لها شبير ففتحها هذا الرجل المؤمن عنوة بعد حصار وقتال عنيفين.

وبعدها جاءه أمر بالتوجه إلى قلاع فارس فلما كان بين جره وشيراز تخلف عن أصحابه في إحدى عقبات الطريق لقضاء حاجة فاحاطت به جماعة من الترك فقتلوه فسميت تلك العقبة بعقبة الجارود. وقد عرف هذا القائد بالزهد والورع والتقوى وله كرامات لم يسع المجال لذكرها ولكنني سوف اتحدث عنها في أعداد لاحقة باذن الله ولما قتل هرم بن حيان قاد الجيش عبد الله بن عامر بن كريز فزحف بالجيش على بلد يقال لها اصطخر ففتحها ثم على بلدة جور ففتحها ايضا ثم تلاحقت الفتوحات الواحدة تلو الاخرى على فارس.

ورجال البحرين ليسوا فقط رجال حرب وقتال بل أيضا كانوا مستشارين واصحاب رأي وتؤخذ مشوارتهم بعين الاعتبار فعندما جهز قتيبة بن مسلم الباهلي جيشا لغزو ما وراء النهر(۱) فانه استعان بأربعة آلاف فارس من فرسان البحرين من آل عبد القيس كما يذكر الطبري في كتاب الأمم والملوك [ج 4 ، ص 36] وهذا بلا شك عدد ضخم، فما هو السر في هذا الاختيار؟ ، فهل هم أشجع من غيرهم أم هناك أسباب أخرى تجعلهم مؤهلين لخوض مثل هذه المعارك ، فأنا اعتقد أن السبب في ذلك هو خبرتهم وتخصصهم في ركوب البحر أكثر من غيرهم ولذلك فقد تم لقتيبة بن مسلم الباهلي بمساعدتهم فتح بخارست(۲) وبيكند(۳) والسند(٤) وخراسان وسمرقند(٥) وطخارستان(٦).

وان هذه الفتوحات بمساعدة أبناء هذه البلاد لهي في الحقيقة تعتبر مورونا تراثيا يحفل بالفخر والاعتزاز ليس فقط للخليج العربي وانما للأمة العربية والاسلامية. (المصدر: مجلة المواقف – العدد 1277).

الهوامش:
(1) ماوراء نهر جيحون فما كان في شرقيه يقال له بلاد الهباطلة وما كان في غربيه فهو خراسان وخوارزم.
(۲) بخارى بلد واسع يقع فيما وراء النهر فيه خليط من الناس من العرب والعجم.
(۳) بيكند بلدة بين بخارى وجيحون على مقربة من بخارى كثيرة المزارع والقرى.
(٤) السند بلاد بين الهند وسجستان وأهم مدنها المنصورة والديبل والبيرون.
(٥) سمرقند هي مدينة على وادي ثغر الصفد بناها رجل اسمه شمر كرب فسميت شمر كند ثم بعد ذلك عربت وصارت سمرقند.
(٦) طخارستان هي ولاية كبيرة وهي قريبة من خراسان. أما خراسان فلا تحتاج إلى تعريف فهي معروفة لدى أهل البحرين ويقصدها في كل عام آلاف الزائرين وبها مشهد الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام.

*شاهد الروابط:
الخزام وحب الوطن (1): https://www.qatifscience.com/?p=24775
الخزام وحب الوطن (2): https://www.qatifscience.com/?p=24839
الخزام وحب الوطن (3): https://www.qatifscience.com/?p=24845
الخزام وحب الوطن (4): https://www.qatifscience.com/?p=24873
الخزام وحب الوطن (5): https://www.qatifscience.com/?p=25131
الخزام وحب الوطن (6): https://www.qatifscience.com/?p=25217
الخزام وحب الوطن (7): https://www.qatifscience.com/?p=25228
الخزام وحب الوطن (8): https://www.qatifscience.com/?p=25230
الشاعر عباس مهدي خزام رحمه الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *