رواد صناعة الحلوى في الدبابية – بقلم أحمد بن جواد السويكت

اشتهرت مدينة القطيف بصناعة الحلوى خلال العقود الماضية باعتبارها من المهن العريقة من خلال بعض العوائل القطيفية المعروفة ، ومن بينها بعض الأفراد من عائلة المخرّق(1) في بلدة الدبابية القديمة التي كانت تصنع الحلوى في أواخر الخمسينيات من القرن الهجري الماضي بالعمل اليدوي البدائي على الخشب ولاحقًا على الغاز.

صناعة الحلوى ببلدة الدبابية التاريخية

وبالمكونات الرئيسية الأربعة للحلوى وهي (الماء – النشأ – السكر – الزيت أو الزبدة) التي يتم وضعها في قدر نحاسي يتحمل الحرارة العالية وذلك ضمن كمية من المقادير المحددة، يضاف أولا الماء والزيت ثم النشأ مع السكر وتخلط المكونات جيدًا ، ويتم تحريكها لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات والنتيجة الحلوى اللذيذة.

الأدوات المستخدمة (قدر نحاسي – واداة التحريك المعروفة بـ “الملاس”) لصناعة الحلوى

ومن أبزر الرواد الذين عملوا في صناعة الحلوى في الدبابية التالية أسمائهم: –

{1. الحاجّ إبراهيم بن مكي المخرّق “أبو عبد الله”(2)}

عمل الحاج إبراهيم في بداية حياته في مهنة الطواشة(3)، وبعد اندثار هذه المهنة اشتغل في صنع الحلوى في منزل العائلة المعروف باسم “البيت العود” الكائن في الدبابية.

الحاجّ إبراهيم بن مكي المخرّق – رحمه الله-

وفي أوائل الخمسينيات من القرن الهجري الماضي تقريبًا، هاجر الحاجّ إبراهيم المخرّق – رحمه الله – بسبب الظروف الحياة المعيشية الصعبة آنذاك إلى محافظة الأحساء للعمل فيها، حيث عمل بمهنة صناعة الحلوى في مدينة الهفوف، وكان الحاج ابراهيم يبيع الحلوى في بسطة سوق “القيصرية” التاريخي بالهفوف بجانب الدكاكين الموجودة فيها وذلك لمدة طويلة من الزمن لا تقل عن 29 عامًا تقريبًا(4).

سوق ” القيصرية ” التاريخي بمدينة الأحساء الذي كان يبع فيها الحاجّ إبراهيم مكي المخرق الحلوى (مصدر الصورة رقم 6).

وفي أواخر الثمانينات من القرن الهجري الماضي بعد تحسن الأوضاع المعيشية في القطيف، عاد مرة أخرى إلى بلدته الدبابية والى بيت العائلة “البيت العود” واستأنف نفس العمل في صناعة الحلوى وييبعها في حي الشريعة بالقرب من سوق السمك بجوار مخبز الحاجّ عبد رب الرسول الدهان، وكان أحياناً يشترى اللؤلؤ من البحارة ثم يقوم ببيعها إلى تجار اللؤلؤ في دولة البحرين(5).

أبناء الحاجّ إبراهيم المخرّق (حسين – علي – المرحوم محمد)

وقد عجز عن ممارسة هذه المهنة في أواخر حياته، وتوفي في يوم الاثنين من عام 1411هـ، ودُفِن بمقبرة الدبابية القسم الشمالي جهة الشرق.

وقد استمر أبناء الحاج إبراهيم بعد وفاته في مهنة صناعة الحلوى القطيفية ولا يزالون يمارسونها حتى الآن في سوق مياس وغيرها من أسواق القطيف وهم المرحوم الحاج ّمحمد والحاجّ علي والحاجّ حسن.

{2. الحاجّ سعيد محمد جواد المخرّق “أبو محمد”}

إمتهن الحاجّ سعيد المخرق عدة أعمال في بداية حياته، حيث مارس مهنة إصلاح الدوافير والمصابيح في سكة “القيصرية” القديمة بالقطيف، وبعد إزالتها في عام 1383هـ، إنتقل إلى سوق الحرية، ومارس نفس المهنة وأضاف الى مهنته تنظيف وإصلاح مبردات السيارات “الريدرات” وإصلاح المولدات الصغيرة “الدينمو”.

المرحوم الحاجّ سعيد محمد المخرّق “أبو محمد”

ثم ترك هذه المهنة واتجه نحو مهنة صنع الحلوى في منزله بالدبابية الذي يقع في الجهة الغربية الجنوبية من البلدة،  واستمر على مهنة صناعة الحلوى حتى آخر حياته وذلك بمساعدة أبناؤه (محمد – باقر – علي). حيث كان ييبع الحلوى في سوق الخميس لمدة سنوات عديدة حتى أصابته الوعكة الصحية التي أوقفته عن العمل بشكل نهائي، وتوفي بتاريخ 10/10/ 1416هـ.

السكة القديمة الذي عمل فيها الحاجّ سعيد محمد المخرق (مصدر الصورة رقم 6)
سوق الخميس القديمة الذي يبع فيها الحاجّ سعيد محمد المخرق الحلوى (مصدر الصورة: ويكيبيديا)
الحاجّ سعيد المخرق يقوم بتقليب الحلوى في منزله بالدبابية.
الحاجّ سعيد مع أبناؤه (باقر –علي) وهم يقلبوا الحلوى في قدر نحاسي في منزلهم في الدبابية عام 1404هـ.
من جهة اليمين منزل الحاجّ سعيد المخرق “أبو محمد” وبه معمل صناعة الحلوى في بلدة الدبابية مقابل بيت المرحوم الحاجّ أحمد الضبيكي “أبو عبد الحسين”.

{3. الحاجّ جعفر إبراهيم بن علي مكي المخرّق “أبو عبد الكريم”}

إمتهن الحاجّ جعفر إبراهيم المخرّق “أبو عبد الكريم”، مهنة صناعة الحلوى في منزله الكائن في بلدة الدبابية ثم يتم تسويقها إلى الأسواق بالقطيف مثل سوق الشريعة بجوار ابن عمه الحاج إبراهيم بن مكي المخرّق وأيضًا سوق مياس في يوم الخميس بالقرب من زاوية السوق (حالياً معرض أزياء مال الله). واستمر في هذه المهنة حتى وفاته ودفن بمقبرة الدبابية – القسم الغربي.

الحاجّ جعفر إبراهيم بن علي مكي المخرّق
سوق مياس القديمة في عام 1388هـ الذي كان يباع فيها الحلوى. تصوير: ميرزا أحمد الضامن (أبو أحمد)
منزل عائلة المخرّق في بلدة الدبابية (البيت العود) (مصدر الصور: كتاب عائلة المخرّق)

{4. الحاجّ محمد علي إبراهيم علي مكي المخرّق “أبو إبراهيم”}

في بداية حياته التحق بإحدي الوظائف الحكومية في بلدية الخبر ثم بلدية القطيف، ثم ترك العمل الحكومي واتجه نحو صناعة الحلوى وتسويقها إلى أسواق القطيف مثل سوق الخضار مقابل مطعم ادريس في الصباح وفي المساء بسوق مياس بالقرب من زاوية السوق بشارع جعفر الخطي، وذلك بمساعدة إبنه الحاجّ إبراهيم.

الحاجّ محمد علي المخرّق – مع ابنه الحاجّ إبراهيم

وفي أوائل عام 1413هـ، فتح الحاجّ محمد علي المخرق “أبو إبراهيم” فرع لبيع الحلوى بشارع (طلحة الندى(7)) بعمارة الجمرى بجوار بقالة الحاجّ عبد الكريم جميل الدبوس لمدة سنتان ثم أقفل بشكل نهائي.

وبعد وفاة الحاجّ محمد علي المخرّق في 7/2/1432 من الهجرة ، استمر ابنه الحاجّ “إبراهيم” في ممارسة هذه المهنة لمدة طويلة في سوق مياس بالقطيف بجانب مسجد الأمام زين العابدين (ع) وقد توقف بشكل نهائي في عام 1441هـ.

سوق الخضار القديم بالقطيف الذي كان الحاجّ محمد علي المخرق يبيع الحلوى بجانبها
سوق مياس القديمة في عام 1388هـ الذي كان يباع فيها الحلوى (تصوير ميرزا أحمد الضامن – أبو أحمد)
من جهة اليمين تظهر عمارة الجمرى في شارع طلحة الندى الذي فتح فيها الحاجّ محمد علي المخرق محلًا لبيع الحلوى.

ــــــــــــــــــــــــ

الهوامش:

(1) قال المرحوم الحاجّ عبد رب الحسين عبد الله المخرّق في كتابه عائلة المخرق في صفحة (12): المخرّق: نسبة إلى تخريق اللؤلؤ، حيث عمل الحاج مكي المخرّق (الأول) ووالده محمد في الطواشة والمتاجرة في بيع اللؤلؤ وتخريقه. وعائلة المخرق أسرة كريمة وعريقة متواجدين اليوم في مدينة القطيف ومملكة البحرين ولهم مكانتهم الكبيرة.

(2) قال المرحوم الحاجّ عبد رب الحسين عبد الله المخرّق في كتابه عائلة المخرق في صفحة (56) الحاجّ إبراهيم مكي المخرّق من صفاته شديد الذكاء، ثاقب الرأي، قوى الذاكرة يحفظ القصائد والأحاديث والوقائع والأحداث، كما يعرف الأنساب وأصول الأسر. وكان يحضر محاضرات “قراءة الحسينية” للمقدس الشيخ منصور المرهون ويحفظ القراءة، كما أنه رأى سماحة الحجة الشيخ محمد النمر ويحفظ الكثير عنه، وقد تحققت من بعض الروايات والأحاديث التي كان يحفظها فوجدتها مطابقة للمتن باستثناء سلسلة الراوي. ومن الذين عملوا في مهنة الطواشة الحاجّ عبد الحسين علي المخرّق المتوفى 1360هـ، وهو والد الحاج “عبد الله ” المتوفى 1408هـ، وهو من أهالي بلدة الدبابية.

(3) الطواشة هي مهنة المتاجرة باللؤلؤ، وهي مهنة تقليدية اختصت بها دول الخليج. والطواش هو تاجر اللؤلؤ الذي يتنقل بين سفن الغَوْصُ في مواقع صيد الأسماك لاستخراج اللؤلؤ من أعماق البحار، أو بين نواخذة الغَوْصُ بعد عودتهم. (ويكيبيديا).

(4) أخبرني بذلك أخينا العزيز الحاجّ علي إبراهيم المخرق “أبو محمد”.

(5) أخبرني بذلك البحّار الحاجّ منصور محمد علي فندم “أبو يحيى”. كما أنه أخبرني انه كان يبيع بجانب الحلوى “القبيظ” وهو من الحلويات اللذيذة التي كانت تصنع آنذاك.

(6) مصدر بعض الصور: https://www.instagram.com/p/Cryr-dusvIz/?igshid=M2MyMzgzODVlNw%3D%3D

(7) إسم الشارع بإسم الصحابي: طلحة بن عبد الله بن عوف القرشي الزهري المعروف بطلحة الندى.

[شكر وتقدير للإخوة الأعزاء الذين قدموا لنا بعض المعلومات والصور ونخص بالذكر: -الحاجّ على إبراهيم المخرق – وأخينا باقر سعيد المخرق وأخيه حسين – والحاجّ عبد الكريم جعفر المخرق – وحسين محمد علي المخرق ، وأخينا العزيز الحاجّ علي حسن المخرق حفظهم الله جميعًا].

2 تعليقات

  1. منصور الصلبوخ

    ن منا لا يحب الحلوى القطيفية المتقنة الصنع، إن كان ثمة أناس لا يحبونها فهم العدد الأقل، إن الحلوى القطيفية تعد بحق إحدى المتع واللذائذ التي لها خصوصيتها في قطيفنا الجميل، إن طعمها المبهج وقوامها المرن الرائع تجعلانها حبيبة الجميع أطفالًا وكبارًا، فمن ذا الذي يستطيع مقاومة إغراء هذه الحبيبة، إنها مشتهى الناس .. كل الناس ويبقى الذين لا يحبونها لظروف صحية أو لرغبات خاصة هم أقل عددًا.
    قبل الحديث عن الحلوى القطيفية لابد من تقديم الشكر والتقدير للموفق الباحث الأستاذ أحمد بن جواد السويكت حفظه الله لجهوده المستمرة في إحياء الموروثات الشعبية، وقفتَ أيها الباحث أبا مصطفى على كل كبيرة وصغيرة في صناعة حلوى أيام زمان، عمل موثق بالصور النادرة لهذه الصناعة الأصيلة، ولرجالات صناع ذلك الزمن الجميل، أجدني منكبًا على قراءة ذلك التوثيق الرائع، لتعي الذاكرة الكثير مما كان يطبع المجتمع القطيفي . فشكرًا جزيلًا على هذا العمل والعطاء والإبداع ..
    اشتهرت القطيف منذ القدم بصناعة الحلوى، الموروث الشعبي لمجتمع القطيف، ذات قيمة غذائية عالية فهي مصدر مهم للطاقة التي يحتاجها أجدادنا الذين أقاموا الصروح وشيدوا الأمجاد.
    إن الحديث عن الحلوى القطيفية يجذب كثيرًا من الناس بصورة مذهلة، وما ذلك إلا لزيادة الطلب عليها، ولا لوم لهم في ذلك لما للحلوى من طعم لذيذ ونكهة مميزة، يتناولها الصغير والكبير. فكل شيء له صلة بالماضي لذيذ وجميل، لقد نشأت في حي الدبابية، ديرتي التي قضيت فيها أيام جميلة طفلًا ويافعًا ثم شابًا ، لي فيها ذكريات جميلة، أتذكر طعم حلوة المخرق مع الخبز العربي، في تلك الأيام كانت القروش المعدنية لا تزال ذات قيمة، كنت أفرح حين أحصل على قرشين أو أربعة قروش لأشتري قطعة حلوى ساخنة، وكنت ألتهم بها قطعة الخبز وأجدها ألذ من الشهد .
    تصنع الحلوى القطيفية في داخل البيوت، وكانت مقصورة على بعض العوائل مثل عائلة المخرق بالدبابية وعائلة الهجهوج بالقلعة والقصقوص بالقديح. ولكل عائلة خصوصيتها في صناعة الحلوى القطيفية، وما يميزها عن الحلويات الأخرى، جودة مكوناتها خصوصًا نوع النشأ الصرف والسمن البلدي والزعفران الذي يكسبها اللون المميز، مواد خام ذات جودة عالية لكنها غالية الثمن، والذي يتحكم في جودتها العامل الاقتصادي، اليوم صناعة الحلوى أقل جودة، والجدل المثار حولها هو استخدام زيوت نباتية وألوان ومحليات صناعية أقل كلفة، افقدت الحلوى طعمها الأكثر لذة وقوامها الأكثر ليونة وذوبانًا في الفم .
    اشتهرت عائلة المخرق الكريمة وتفننت بصناعة هذه الحلوى الطيبة، عمل يدوي بالأساس، وهناك سر وراء إقبال الناس عليها، هو دون شك سحر يد هذه العائلة، يصطف أهالي الديرة للحصول عليها ساخنة قبل أن تصل إلى السوق المحلي، وتتميز الحلوى القطيفية باللون المصفر وبنفحة عطرية جاذبة، وتصنع من أفضل أنواع النشأ الصرف، وقد يتم تزيينها بالمكسرات حسب الطلب.

    وأخيرًا ، كم تمنيتُ لو أن الجيل الحالي من أبناء المخرق قاموا بإنشاء معمل عصري لصناعة الحلوى وبعض الأصناف الأخرى مثل الرهش، زلابية، بقيط وغيرها من الحلويات المعروفة في منطقة الخليج، من منطلق أن العائلة متخصصة في هذه النوعية من الحلويات، لا سيما أنها مهنة الآباء والأجداد.
    نعم، هذه هي الحلوى .. إنها الحلوى القطيفية .. من الذي يقاوم إغراءها ..؟

  2. تقرير جميل أبا مصطفى..

    بوركت جهودكم الخيرة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *