[ثورة التوابين.. هل إنطلقت من الكوفة أو من البحرين؟]
ثورة التوابين هل انطلقت من الكوفة أم من البحرين ومن هو أول من قاد ثورة التوابين هل هو المختار بين عبيدة الثقفي أم المثنى ابن مخربة العيدي؟!
عندما تُذكر ثورة التوابين يتبادر إلى الأذهان انها انطلقت من الكوفة وأن أول من قاد ثورة التوابين هو المختار بن عبيدة الثقفي ، أما الحقيقة فهي خلاف ذلك.
فبعد استشهاد الحسين بن علي أبي طالب عليه السلام وما خلفته من ردود فعل وغضب شديدين ضد العرش الأموي ، ظل الناس يتلاومون ورأوا أنهم أخطأوا خطأ بدعائهم الحسين إلى النصرة وتركهم إجابته وأنه لن يغسل العار والإثم عنهم في مقتله الا بقتل من قتله أو القتل فيه ، فظل القوم يجمعون آلة الحرب والاستعداد للقتال ودعاء الناس في السر من الشيعة وغيرهم إلى الطلب بدم الحسين عليه السلام والأخذ بثاره حتى وفاة يزيد بن معاوية وأمروا عليهم سليمان ابن صرد الخزاعي رضي الله تعالى عنه استعدادا للحرب والوثوب على قتلة الحسين.
فكتب سليمان ابن صرد كتابا إلى المثنى بن مخربة العبدي من أهالي البحرين وأقصد البحرين بمفهومها التاريخي الممتد من عمان جنوباً إلى البصرة شمالاً ، كتب اليه كتابا يخبره بما عزم عليه الناس من الأخذ بثار الحسين وكان المثنى بن مخربة من القادة العسكريين الذين ناصروا الامام عليا عليه السلام في الجمل وصفين والنهروان.
وكتب ايضا كتابا مماثلا إلى أبي جويرية العبدي أحد الابطال البارزين في البحرين يدعوهما فيه إلى مساعدته في هذه الثورة المباركة فكتب المثنى بن مخربة العبدي خطابا إلى سليمان ابن صرد الخزاعي يقول فيه:
أما بعد فقد قرأت كتابك وأقرأته إخوانك . فحمدوا رأيك واستجابوا لك فنحن موافوك إن شاء الله للأجل الذي ضربت وفي الموطن الذي ذكرت والسلام – ثم كتب في اسفل الخطاب أبياتا من الشعر قال فيها:
تبصر كأني قد أتيتك معلماً @@@ على اتلع الهادي أجش هزيم
طويل القرا نهد الشواة مقلص @@@ ملح على فاس اللجام أزوم
بكل فتى لا يملأ الروع نحره @@@ محس لعض الحرب غير شنوم
أخي ثقة ينوى الاله بنصره @@@ ضروب بحد السيف غير أثيم
ثم بعثا المثنى بن مخربة وأبو جويرية العبدي عبدالله بن عوف الأحمر في مائة وعشرين وحنش بن ربيعة الكناني في مثلها والمثنى في مائتين وابي الجويرية في مثلها وانطلقوا قاصدين قبر الحسين عليه السلام ثم بعث سليمان بن صرد المسيب بن نجية الفزاري في أربعمائة واجتمعوا عند قبر الحسين حيث يكون منه المنطلق.
فتكلم الأشراف ثم تكلم المثنى بن مخربة فاحسن وقال: ان الله جعل الحسين وأباه وأخاه بمكانهم من نبيهم صلى الله عليه وآله أفضل ممن هم دون نبيهم وقد قتلهم قوم لهم أعداء ومنهم براء وقد خرجنا من الديار والأهلين والأموال ارادة استئصال من قتلهم في الله لو أن القتال فيهم بمغرب الشمس أو بمنقطع التراب يحق علينا طلبه حتى نناله فان ذلك هو الغنم وهي الشهادة التي ثوابها الجنة فقالوا له صدقت وأصبت.
ثم ركب سليمان بن صرد في اربعمائة والثقفي بهم عند قبر الحسين عليه السلام ثم انطلقوا جميعاً قرأوا اعرابيا فسألوه عن معسكر ابن ذي الكلاع وهو قائد من قواد عسكر بن زياد فقال لهم الاعرابي هذا عسكر بن ذي الكلاع على بعد ميل فخرجوا اليهم مسرعين وحاصروهم وقتلوهم وقتلوا ابن ذي الكلاع واستولوا على اسلحتهم وقد غنموا عنما كثيرا.
فلما وصل الخبر الى إبن زياد أرسل اليهم الحصين بن نمير السكوني في اثني عشر ألف فالتقى الجيشان ولقلة عدد جيش سليمان فقد انهزموا ، وقُتل سليمان بن صرد ، فاخذ الراية المسيب بن نجبة الفزاري فقُتل ولما قُتل المسيب بن نجبة أخذ الراية عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي وقاتل مع رجال البحرين المثنى بن مخربة ثم قُتل سعد بن نفيل وبقى المثنى في ثلاثمائة فقط فتخلخل جيش التوابين فانسحبوا فلم يبعث الحصين بن نمير في أثرهم أحدا ، فسار المثنى ومعه رفاعه بن شداد البجلي ثم جاء حذيفة ابن اليمان في أثرهم ومعه سبعون فارسا فالتقى المثنى في منطقة صندوداء ثم جاء أبو الجويرية وجلس الناس وتنازعوا أمرهم فيما بينهم وكانت هذه أول ثورة التوابين والمختار بن عبيدة كان في السجن.
وعندما وصلته (أي المختار بن عبيدة الثقفي) أخبار هزيمة التوابين التي نقلها اليه سجانه الذي كان يزوره في السجن كاتب المثنى بن مخربة من داخل السجن وقال اذا أنا خرجت هل تقبلوا بي أميرا ، فكتب اليه المثنى يقول نعم نقبل بك وان شئت أتينا اليك وأخرجناك فشكرهم ، وقال لهم انني سوف أخرج في أيامي هذه وفعلا خرج المختار وقبل أن يخرج جعل المثنى بن مخربة يأخذ له البيعة إلى أن خرج المختار وقام بالثورة الثانية للتوابين أما أول ثورة فكان قائدها المثنى بن مخربة من أهالي البحرين. (المصدر: مجلة المواقف – العدد 1260).