قلعة دارين التاريخية (قصر الفيحاني) – بقلم صادق علي القطري

قصر محمد بن عبد الوهاب الفيحاني هو قصر تاريخي واثري يقع في جزيرة دارين المجاورة الى جزيرة تاروت بالقطيف بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. متصل بقلعة دارين التاريخية وكان يطل مباشرة على الساحل حيث كانت السفن ترسوا بجانبه.
تم بناؤه في الأصل في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، وتم ترميمه فيما بعد بين عامي 1884 و1886م على يد محمد بن عبد الوهاب الفيحاني، أحد التجار البارزين في منطقة الخليج العربي في ذلك الوقت.

منظر لواجهة القصر وهو في حالته السليمة.

اشتهرت قلعة دارين باسم محمد بن عبد الوهاب بعد بنائه قصره بجوارها حيث نُسب القصر إليه أيضًا. بالرّغم من وجود القلعة سابقًا قبل بناء الفيحاني لقصره إلاّ أنه شاع نسبتها إليه علاوةً على تسميتها بقلعة دارين. كما اشتهرت مُسمّيات أخرى بين الأهالي مثل: قصر محمد بن عبد الوهاب الفيحاني، قصر محمد باشا، قصر عبد الوهاب باشا، قصر جاسم بن عبد الوهاب، قصر الفيحاني ومسك دارين.

والشيخ محمد بن عبد الوهاب الفيحاني هو أحد تجار اللؤلؤ المشهورين في الخليج، ولعل الاهمية التاريخية لقصره التراثي لا تكمن في المبنى ذاته، بل في التل الذي يحتضنه المبنى حيث عثر بجانبه على مسكوكات فضية، يعود تاريخا إلى فترة فجر الإسلام.

والقصر بكل ملحقاته قائمٌ على منتصف قوس ساحلي يقع في جنوب دارين. يضّم القصر مرافقَ وملحقاتٍ عدّة تتضمنُ: مجموعةَ غُرَفٍ، مخازنَ، مجالسَ وفناءً خلفيًّا. جدرانُه تحتوي على مجموعةِ من الأقواس المصممة على الطراز الإسلامي العباسي حيث كانت تقدر مساحته الإجمالية بملحقاته بنحو 8,000 مترًا مربّعًا.

منظر جوي لقصر دارين اخدت عام 1947م.

يقع القصرُ بما فيه وبرج القلعة الملاصق له في بلدة دارين (جزيرة دارين) على مرتفعٍ كبيرٍ بالقربَ من ساحل البحر، ويقع بين الحوطة والحي الشرقي. يحدُّ القصر بما فيه من الجنوب مسجد صغير بمرتفع صخري ينخفض تدريجيًّا حتّى يتّصل بالبحر مباشرة حيث ميناء دارين، ومن الشرق مجموعة منازل سكنيّة ثم جامع دارين الكبير، ومن الشمال ساحة مفتوحة وغربه منزل مهجور. يُمثّل التّل الواقعة عليه القلعة طبقات رسوبية مُتراكمة، تشكل كل واحدة منها حقبة زمنية مختلفة.

وينسب الاسم الأصلي للحي الذي تقع فيه القلعة قِبلة أو جِبلة؛ لكونه يقع غرب دارين متجها نحو القبلة، واكتسب هذا الحي اسم الحوطة من حوطة قلعة دارين التي كانت مقرًّا للجنود العثمانيين، ويفصل حي الحوطة أو قبلة عن المنطقة الثالثة جزيرة الحالة وهي خليج صغير لا يتجاوز عرضه 500 متر.

قلعة دارين قبل ان تتهاوى.

يدكر الباحث التاريخي عبد الخالق الجنبي رحمه الله: “إن أقدم نص تاريخي ورد فيه إسم دارين هو ذلك النص الذي أورده الطبري في تاريخه عن غزو الملك الفارسي سابور ذي الأكتاف الذي حكم عام 310م لأقليم البحرين، فذكر عنه أنه أسكن قوماً من بني تغلب لمنطقة سماهيج ودارين والخط، ويذكر البكري عن إسمها من معجمه أنّ كسرى سابور سأل بعض قادته عندما وقفوا به عن إسمها فأجابوه أنها دارين، وهذا دلالة على أنها أقدم من عام 310م وهو ما تؤيده بعض الاكتشافات الأثرية التي عثر عليها في جزيرة دارين.

فقد تم العثور على منازل خربة والبعض محترق وأواني فخارية قرب قلعة الفيحاني وبعض الجرار الفخارية أحداها سليمة وبها دراهم فضية ساسانية المنشأ فيها صور كسرى والتاج الساساني، وفي بعضها معبد النار ويقف بجانبه حارسان أو كاهنان وتوجد على النقود كتابات بلهوية. ويضيف المؤرخ الجنبي أن دارين في فترة العثمانيين عام959م غير متصلة تماماً بجزيرة تاروت فهي جزيرة لوحدها، ويوجد بينهما خور يمر الناس منه في حال الجزر وقد بقى هذا الخور حتى وقت قريب قبل أن يدفن.

ولعل ميناء دارين موغل بالقدم على أساس تلك اللقى الأثرية التي تعود لفترات قبل الإسلام، أما التاريخ الحديث لها فهو منذ 120 عاماً فقط فقد كانت محطة اقتصادية مهمة للسفن والقوارب التي تنقل البضائع بين جزيرة العرب وساحل فارس والهند وعمان ، فتصدر التمر واللؤلؤ والسيوف واللبان العربي والمرّ ، وتستورد المسك والعطور والبهارات والمنسوجات والبخور والأحجار الكريمة والعاج والخشب.

دارين في الماضي كانت محط الأنظار وطلاب الثروة فقد عاشت فترة رخاء وازدهار كبيرين حيث انها كانت محط ومرسى للسفن القادمة من الهند والمحملة بأنواع البضائع المتنوعة مثل التوابل والمنسوجات والسيوف الهندية والمسك والبخور والأحجار الكريمة والعاج والخشب الفاخر النادر وكذلك سفن الصين المحملة بالحرير والمنسوجات الحريرية والخضار،

ومن بلاد العرب الجنوبية محملة بالمر واللبان والبرود اليمانية والعاج الوارد إليها من سواحل افريقيا الشرقية، والتي يتم إعادة تصديرها الى سائر بلاد العالم. بالإضافة الى ذلك، كان بدو وسكان أواسط شبه الجزيرة العربية يفدون إليها، فيبيعون بضاعتهم من الأغنام والمنسوجات الصوفية ويبتاعون حاجياتهم، فتمر قوافلهم عبر صحراء الدهناء في طريقها إلى الأحساء والقطيف ، ثم تعبر الجزيرة عبر المياه الضحلة وفي ذلك يقول أعشى همدان:

يمرون بالدهناء خفافا عيابهـــــــــــــم *** ويخرجن من دارين بجر الحقائب

لقد نالت دارين شهرة، وارتبط اسمها بأجود العطور الآتية من الهند حيث أنّ التجار الهنود كانوا يأتون إلى دارين في عصر ما قبل الإسلام، فيبيعون فيها المسك والعنبر حتى أصبح مسك دارين نوتة شعرية مدوية في الأدب العربي يستخدمها كل شاعر في شعره حيث يشبه به طيب فم الحبيبه، أو طيب الشراب، ومن ذلك قول ابن حمديس الأزدي الصقلي:

فَما فازَ بِالمِسكِ إلا فتىً *** تَيَمّمَ دارِينَ أو دارَها

وفي ذلك يقول النابغة الجعدي:

كَأَصدَافِ هِندِيِّين صُهبٌ لِحاهُمُ *** يَبيعُونُ في دارينَ مِسكاً وعَنبَرا

وبالعودة الى موقع القصر بملحقاته فانه غني بالآثار التي تعود إلى أزمنةٍ مختلفة ومتعاقبة. وعلى الرغم من قلة التنقيب في المنطقة إلا أنه وُجدت آثارًا فيها شملت نقودًا تمتد إلى العصر الأموي. سبق اكتشاف عملات قديمة تعود لعصر صدر الإسلام مكتوب عليها الشهادتان في سبعينات القرن العشرين. كما عُثر على أجزاء من هيكل عظمي تعود تقديرات عمره لنحو 200 عام قبل الميلاد. وعثر على جزء من فك وكتف بشري في الركام المُستخرج من الأرض المنقب فيها.

قصر دارين عندما دمر بسبب الإهمال ولم يتبقى منه الا قاعدته. مصدر الصورة: HTTPS://JEHAT.NET/

في عام 2014م، عثر فريق البحث والتنقيب بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني خلال أعمال التنقيب في القلعة على مجموعة متكاملة من الأواني الزجاجية والفخارية والخزفية التي يُرجّح أنها تعود إلى عصور مختلفة، إضافةً إلى بعضَ القطع الفخارية العائدة إلى فترات متقدمة من العهد الإسلامي. عُثر أيضًا على بعض العظام التي يشتبه في كونها عظامَ حيواناتٍ. وأخيرًا، تحتوي القلعة على نصب تذكاري في الجهة الجنوبية منها يؤرخ المعاهدة التي وقعها الملك عبد العزيز مع البريطانيين.

بالرّغم من أهمية القصر وقلعته الاثرية وقيمته التاريخية الكبيرة إلا أنه لم يحظَ بالاهتمام المطلوب من قبل الجهات المشرفة على الحفاظ على الاثار، حيث تهدم القصر بأكمله، جدرانه، المنقوشات الزخرفية التي كان يحتويها القصر، والأقواس الإسلامية العباسية الطراز بمختلف أشكالها، ولم يتبقَّ من القلعة والقصر الا بقايا قاعدته، حيث تداعى تدريجيًا بسبب عوامل التعرية والإهمال. ولكن في الآونة الخيرة هناك بادرة أمل لأحيائه وإعادة بنائه من قبل هيئة الاثار الوطنية وتحويله الى معلم سياحيا لاستقطاب السياح.

المهنس صادق علي القطري

المصادر:

• https://rahal-k.blogspot.com/2011/11/blog-post_21.html
•https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%B5%D8%B1_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D9%86%D9%8A
•https://areq.net/m/%D9%82%D8%B5%D8%B1_%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%AD%D8%A7%D9%86%D9%8A.html#%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B8%D8%B1
• https://alraynews.net/120181.htm
• https://www.wafyapp.com/ar/article/the-history-and-beauty-of-dareen-island
• HTTPS://JEHAT.NET/?ACT=ARTC&ID=52646

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *