حرب الساسانيين وحرب المناذرة على البحرين ، هل هما بدافع الإنتقام أم لهما أبعاد أخرى؟!
عندما أتحدث عن البحرين فائما أعني بها البحرين بالمفهوم الجغرافي والتاريخي والتي كانت حدودها ممتدة من عمان جنوباً حتى البصرة شمالاً والتي من مدنها القطيف وهجر والجبيل التي كانت تعرف بعينين ، أما البحرين الحالية فكانت تعرف باسم أوال أيضا نسبة إلى صنم اسمه أوال كان يُعبد كما عبدت هذه الجزيرة صنما آخر اسمه المحرق واعتقد أن تسمية المحرق بهذا الاسم يعود إلى هذا الصنم الذي عبدته بكر بن وائل ثم عبدته سائر ربيعه.
أما القطيف والاحساء وجواثا والجبيل فقد عبد سكانها صنما اسمه ذو اللبا ويذكر ابن حزم في جمهرة انساب العرب وبن حبيب البغدادي في كتابه المحبر: أنه سمي ذو اللبا لان الناس كانو يطوفون من حوله ويلبون بهذه العبارات: لبيك اللهم لبيك فاصرفن عنا مضر واسلمن لنا هذا السفر إن عما فيهم لمزدجر واكفنا اللهم أرباب هجر، وكانت ثلاث ديانات منتشرة هي المجوسية واليهودية والأسيدية ولكن أهل البحرين لم يعبدوا أيا من هذه الديانات ، والاسبديون هم الذين كانوا يعبدون الخيل.
أما الحرب التي شنها الساسانيون على البحرين فيذكر المؤرخون أن للبحرين دولتين مجاورتين في ذلك العصر أولها دولة الساسانيين في فارس والثانية دولة المناذرة وكانت الثانية خاضعة للأولى إلا ان حكمها كان مستقلا. فعندما هلك هرمز بن ترسي بن بهرام ملك الفرس لم ينجب ولدا للعرش فشق ذلك على الناس فسأل رجال نساء الملك فوجدوا احداهن حاملا فولدت سابور فاستبشر الناس بولادته وبثوا خبره في الأقطار، فعلم الناس بخبر ذلك الصبي من خارج الدولة الفارسية وساورهم الطمع فيها وفي أملاك أراضيها ومن الذين طمعوا بعض القبائل العربية المتاخمة للدولة الفارسية فاستغلوا الفرصة وكانوا من أحوج الناس فهجموا على أبر شهر وأسياف فارس.
وكانت من ضمن تلك القبائل قبيلة عبد القيس التي كانت تقطن هذه الديار وتقطن القطيف والأحساء وما جاورهما. ويذكر الطبري في تاريخ الأمم والملوك أن العرب عندما احتلوا تلك المناطق من فارس أكثروا فيها الفساد ونهبوا المحاصيل الزراعية حيث كانت برشهر تعني بالعربية بلد الغمام أي أن السحاب لا تفارقها فهي أراضي خصبة.
وظلوا محتلين برشهر ست عشرة سنة لا يغزوهم أحد من الفرس إلى ان بلغ سابور السادسة عشرة من العمر فجعل يفكر بالمسئولية التي انيطت به كملك فاخذ يعد العدة ويحضر الجيوش محاولاً بذلك استرداد الهيبة إلى الدولة الفارسية فاحضر مستشاريه وتداول معهم فانتخب ألف فارس من صناديد جنده وابطالهم ثم سار بهم إلى حيث القبائل العربية التي اقتطعت جزءاً من مملكته وأغار عليهم وقتلهم وأسر أعدادا منهم ، فهرب الباقون إلى أوطانهم في أوال والقطيف وهجر ولكن سابور تتبعهم وركب البحر وراءهم فدخل أوال ودخل القطيف فقتل أهلها أشد تقتيل ثم دخل مدينة هجر وبها أناس من عبد القيس وتميم وبكر بن وائل فافشى فيهم القتل ثم عطف على مدنهم واحدة تلو الأخرى فأباد أهلها إلا من هرب منهم. وقد سمي بسابور ذو الاكتاف لانه كان ينزع الأكتاف كما يشير إلى ذلك الطبري في تاريخ الأمم والملوك وابن خلدون في العبر وديوان المبتدأ والخبر.
أما حرب المناذرة التي شنها عمرو بن هند ملك الحيرة على البحرين فكانت حرباً شرسة ايضاً ذهب ضحيتها آلاف الناس من رجال ونساء وأطفال وحتى النساء اخذن أسارى مصفدات بالاغلال إلى عمرو بن هند، وسببها آن طرفه ابن العبد لما قتل على يد أمير البحرين من قبل عمرو بن هند وهو من الحواثر من آل بكر ابن وائل أرادت أن تحدث فتنة بين آل عبد القيس وبكر بن وائل ولكن بن وائل سارعت بإطفاء هذه الفتنة ودفعت دية الى أخيه معبدا فهدأت الأمور لكن المتلمس الشاعر خال طرفه يعير آل عبد القيس باخذهم الدية ويقول:
لن يرحض السوءات عن أحسابكم … حمر النعائم إذ تساق لمعبد
ويرحض بمعنى يغسل. ثم جعل المتلمس يحرض الناس على عصيان عمرو بن هند ويقول فيه قصائد الهجاء بعد أن هرب الى دمشق ويطالب الناس على التمرد والثورة على الظلم الذي يثيره عمرو بن هند وولاته فاحدث شعره خلخلة في أوساط الطبقة المثقفة والواعية وبدأ السخط على فعلة عمرو بن هند وغدره بقتل الشاعر طرفه يجتاح نفوس الناس.
وحين عمت موجة الكره والاستياء أهالي البحرين ضد عمرو بن هند اشتد غضبه وقرر ان يغزوهم بجيش مدجج بالسلاح والعتاد لاخضاعهم، فشن حرباً شعواء شرسة على أهل البحرين وقتل عشرات الآلاف من رجالها وأسر الرجال وأسر النساء وأخذهن أسارى مع آلاف الرجال وقد كان من الذين أسروا ابن اخت الشاعر المثقب العبدي شاعر البحرين في ذلك العصر واسمه الممزق وهو الذي كان يقول مخاطبا عمرو بن هند:
فان كنت مأكولا فكن أنت أكلي… والا فادركني ولما أمزق
وقد أورد الأصمعي في كتابه الأصمعيات هذا وذكر أن الممزق كان يستجدي عمرو بن هند لاطلاق سراحه وقد سمي الممزق لقوله هذا البيت من قصيدة له (…والا فادركني ولما أمزق).
لكن الشاعر الكبير المثقب العيدي الشاعر الفحل ظل يكيل المديح لملك العرب عمرو بن هند لاطلاق سراح الأسرى من الرجال والنساء ومن جملة ما قال:
فانعم ابيت اللعن إنك أصبحت … لديك لكين كهلها ووليدها
فاطلقهم تمشي النساء وراءهم… مفككة بين الرجال قيودها
وظلت علاقة أهل البحرين بعد هذه الواقعة مع المناذرة علاقة متأرجحة لا يسودها الحب ولا الوفاء حيث ظلت رواسب هذه الحرب وما خلفته من دمار راسخة في قلوب أهل البحرين وبقيت القلوب مليئة بالشحناء حتى في عهد النعمان ابن المنذر ملك العرب حيث ظل الشعراء يهجونهم ويقللون من امجادهم ومكارمهم بل ويصفهم البعض بالغدر حيث هجا يزيد ابن خذاق الشني وهو شاعر من شعراء البحرين هجا النعمان قائلاً:
نعمان إنك غادر خدع … يخفي ضميرك غير ما يبدي
لكن المحللين يرون ان الحربين لهما أهداف وأبعاد سياسية واقتصادية حيث ظلت الدولتين تستنزف خيرات هذه البلاد وثرواتها ومحاصيلها كما جعلتها مرافق هامة لوارداتها وصادراتها. (المصدر: مجلة المواقف – العدد1267).