متى كان حكم الله في كرب النخل؟!
قولة إحتجاج غاضبة أطلقها الشاعر جرير أمام حشود القبيلتين كليب وتميم عندما إحتكم الشاعران الكبيران جرير والفرزدق الى شاعر البحرين والجزيرة العربية في العهد الأموي الصلتان العبدي الذي يعد شعره من أرقى الشعر العربي في ذلك العصر والذي إتسم بالحكمة والتدير والتبصر في أمور الدنيا.
وما ظنك بشاعر يحتكم اليه شاعران عملاقان يتربعان على عرش الشعر العربي ويملكان ناصيته ولا يقف معهما في الإطار سوى شاعر واحد وهو ثالث إثنين ، ألا وهو الأخطل ولكنه لم يكن معهما في ميدان المنازلة هذه المرة فهو لم يفتخر بنسبه وحسبه كما فعل نظيراه.
وقد لقب أحد النقاد المتفرسين في النقد جرير والأخطل والفرزدق بالثالوث الأنجس لكثرة هجائهم وبذائة ألسنتهم. وقد ذكر صاحب الأغاني حادثة لأحدهم من أنه خرج ذات يوم الى الصحراء فضلت به دابته ، فأبصر عن بعد خباء فقصده ، فإذا بداخله إمرأة إعرابية فاستضافها فأضافته وأكرمته وفي أثناء نومها إعتدى عليها وفجر بها وتسلل الى خارج خيمتها وكتب على باب خيمتها هذا البيت:
وكنت إذا نزلت بدار قوم @@@ نزلت بخسة وتركت عارا
فمن هو هذا الشاعر الذي إحتكم اليه الشاعران العملاقان واختارته القبيلتان تميم وكليب حيث أن الفرزدق ينتمي لتميم بينما جرير ينتمي الى كليب ، فقد ذكر ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء أن الشاعرين تفاخرا واحتدم الجدال بينهما فطلبا من الصلتان العبدي أن يحكم بينهما ، وجاءت القبيلتان مع الشاعرين الى البحرين ونصبت السرادق واجتمع الناس من كافة أطراف الجزيرة والخليج ، وصعد الصلتان العبدي على منصة الخطابة وأنشد يقول والناس مطرقون:
أنا الصلتان الذي قد علمتم @@@ متى ما يحكم فهو بالحكم صادع
أتتني تميم حين هابت قضائها @@@ وإني لبالفصل المبين قاطع
سأقضي قضاء بينهم غير جائر @@@ فهل أنت للحكم المبين سامع
يناشدني النصر الفرزدق بعدما @@@ ألحت عليه من جرير صواقع
فقلت له إني ونصرك كالذي @@@ ينبت أنفا كشمته الجوادع
جرير أشد الشاعرين شكيمة @@@ ولكن علته الباذخات الفوارع
وقالت كليب قد شرفنا عليكم @@@ فقلت لهم سدت عليك المطامع
وقد حكم لجرير بفصاحة الشعر وعذوبته وجزالته وحكم للفرزدق بعلو النسب والشرف والحسب ، فثار جرير غاضبا وطالب نقض الحكم وأنشد في الحال:
أقول ولم أملك سوابق عبرتي @@@ متى كان حكم الله في كرب النخل
أما الفرزدق فقال أما الشرف فقد عرفه وأما الشعر فما للبحراني والشعر. وقد ذكر صاحب كتاب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب صفحة 325: إن الفرزدق قبل بالحكم وفال إنما الشعر مروءة من لا مروءة له – وقد رد على جرير شاعر من القطيف اسمه خليد عينيه فقال:
تعيرنا بالنخل إن كان إرثنا @@@ وود أبوك البغل لو كان ذا نخل
ويعد شعر الشاعر البحراني الفحل الصلتان العبدي من أروع الشعر العربي وأفصحه ، فقد ذكر الجاحظ في كتابه البيان والتبيين أن آل عبد القيس الذين استوطنوا البحرين هم أشعر شعراء القبائل العربية – وقد أورد صاحب كتاب المؤتلف والمختلف للأمدي صفحة 145 أبياتا من قصيدة للصلتان العبدي عدها من شعر الحكمة ، حيث تصور التأمل في الحياة والموت وهي آية في الجمال والروعة وفيها يقول:
أشاب الصغير وأفنى الكبير @@@ كر الغداة ومر العشي
اذا هرمت ليلة يومها @@@ أتى بعد ذلك يوم فتي
نروح ونغدوا لحاجاتنا @@@ وحاجات من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته @@@ وتبقى له حاجة ما بقي
ويعد هذا نموذج من تراثنا الشعري الذي تزخر به كتب التاريخ والأدب حتى أن بعض الكتاب المصريين نالوا شهادات الدكتوراه عن دراسات تخصصوا بها في دراسة تاريخ أدب الخليج والجزيرة أمثال الدكتور الصيرفي الذي نال الدكتوراه عن دراسة وبحث قدمهما عن الشاعر البحراني المثقب العبدي ، بينما كرسنا نحن طاقاتنا وبحوثنا على التغزل والمديح وحمل لواء الأدب التجاري والتسابق للمهرجانات الثقافية التجارية. (المصدر: مجلة المواقف- العدد 1282).
*شاهد الرابط: https://www.qatifscience.com/?p=24775
أدب جميل راق فيه حكم بليغة وتاريخ اصيل.
جميل ورحم الله الاخ عباس وفي ميزان حسناته