الخزام وحب الوطن (1): في ذكرى رحيل الشاعر عباس الخزام رحمه الله – بقلم حسن المرهون

ولد الشاعر عباس مهدي علي الخزام في القطيف عام 1355 هجري (الموافق 1934 ميلادي) ورحل الى بارئه في الشهر السابع من عام 2007م في البحرين.

تعلم في بداية حياته في مدينة القطيف كغيره من أقرانه لكنه كان يهوى الأدب منذ نعومة اظفاره ويعشقه ، ويتسمر في مكانه منصتا اذا ما سمع خطيباً يقرأ شيئاً من الشعر. كان يهوى السفر والتنقل منذ شبابه.

درس اللغة الانجليزية وزاول مهنة الترجمة كما درس دورات في المرافعات الحقوقية في انجلترا والهند. عمل مدرساً في مدارس الظهران الصناعية ثم مترجما في ادارة الترجمة بأرامكو. كانت بدايته مع الشعر حينما كان في السادسة عشرة من عمره عندما كتب أول قصيدة له بعنوان الرياح العاتية وقد نشرت في جريدة أخبار الظهران انذاك وكان مطلعها:

رفقا بكوخي يارياح @@@ فليس لي كوخ سواه

لا تقلعيه فإنني فيه @@@ أعيش   وفي   ذراه

للشاعر عباس الخزام عدة أعمال أدبية في التاريخ والادب منها خمسة دواوين هي:

1. أنغام وآلام
2. الجريح الصامد
3. باقات قلب
4. أشواك وورود
5. أنغام من أرض النخيل

وقبل رحيله الى الرفيق الأعلى كان على وشك طباعة ديوانه الاخير “الهزار الصادح” وقد تم تقديمه لإحدى المطابع في البحرين الا أن إشكالا بين المطبعة والشاعر حال في المضي قدما لطبع الديوان ، وأتمنى أن يكون هذا الديوان محفوظا عند أولاد المرحوم وانهم يسعون لطباعته وانه سيرى النور قريبا بجدهم وعزيمتهم.

المرحوم الشاعر الخزام شاعر قدير مرهف الحس يتأثر بما يجري حوله بحساسية مفرطة، تنساب الكلمات من بين أنامله عندما يسمع بخبر يؤثر عليه. يتلاعب بالمفردات وكأنها طوع ارادته. كان ملما بالتاريخ الاسلامي وخاصة تاريخ جزيرة العرب، يحفظ كثيرا من الشعر لشعراء العرب قديما وحديثا. وكان شديد النقد لكثير من الشعراء المعاصرين وخاصة الشباب منهم، فهو صعب الرضا ولا يثني الا على ما ندر من النصوص الادبية.

جائه ذات يوم  أحد الإخوة من الأحساء طالبا منه أن يكتب قصيدة في حبيب ابن مظاهر الأسدي ، وهو جالس يحتسي الشاي في مجلس لأحد الأصدقاء ، إبتسم وطلب من صاحب المجلس ورقة وقلم ، وبعد نصف ساعة وبالرغم من فوضى السوالف والضحكات في المجلس أنهى القصيدة قائلا للرجل تفضل: وكان مطلع القصيدة الذي عنونها بـ (مصرع الصقر):

أكرم بشخص حبيب ابن مظاهر @@@ من كان يعرف بالشجاع الثائر

إن كان في التاريخ أبطال لهم @@@ مجد فإن حبيب رمز مفاخر

وفي مقابلة شخصية أجريتها معه عام 1410 هجرية ، أوضح الشاعر الخزام بأنه يعتز بقصيدته الاكسير الخادع والتي نشرتها الصحافة وأذيعت من الاذاعة البريطانية عدة مرات في برنامج رياض الشعر الذي تقدمه هدى الرشيد كما  أذيعت من تلفزيون أبو ظبي في مقابلة تلفزيونية مع الشاعر، والذي كان يقول في مطلعها:

من أين جئت بهذه الأموال @@@ أمن الحلال أتت أم استغلال

أم من كفاحك في الحياة كسبتها @@@ وركبت فيها أخطر الأهوال

حتى تلامع في البنوك بريقها @@@ وتوهجت كالشمس في الأصال

وكان يعتز أيضا بأنه ساهم في تطوير القصيدة القطيفية وأخرجها من عزلتها. فهو الذي يقول:

أردت بأن أحي تراثا مضيعا @@@ وأنشر سفرا للقطيف مشعشعا

كان يرى ان الشاعر عليه واجبات كبيرة ومسؤولية تجاه وطنه ومجتمعه وعليه أن يكرس مواهبه وطاقاته في تفهم أحداث العالم وقضاياه، فالشاعر لسان حال أمته يعبر عن آلامها ويتلمس مواطن المواجع.

وقد كان شاعرنا فعلا يحاول جاهدا طوال حياته اخراج القصيدة المحلية الى خارج الحدود. وكان محبا لمسقط رأسه حبا شديدا. بالرغم من بعده المبكر والمتكرر عن وطنه، الا انه يكن عشقا كبيرا لهذا الوطن. وعندما سئل ماذا تعني لك القطيف: أجاب شعرا:

إن القطيف من القطف اسمها عرفت @@@ والقطف في اللغة الفصحى هو الثمر

وهو في غربته كان يقول:

ابعثوا لي من القطيف سلاما @@@ يحرق الشوق والاسى والعذابا

واذا ما وطأت رجلاه القطيف رأيته يقول: 

أتيت الخط الحبيبة بعدما @@@ تعبت وأضناني النوى والتنقل

وقد تغزل في القطيف كثيرا فلا يخلو محضر من محاضره ولا ديوان من دواوينه من ذكر جميل للقطيف وقراها، فكان لا يرى القطيف الا تلك الواحة الجميلة ذي الطبيعة الخضراء والساحل الساحر ، وهو يتألم اذا ما سمع او رأى هجوما على البقعة الخضراء فهو الذي يقول: 

إن القطيف رياض حين تنظرها @@@ ودوحة الشعر مطروقا ومبتكرا

 وفي تاروت يقول:

تاروت در وياقوت ومرجان @@@ ولؤلؤ ساحر الألوان فتان

وفي القديح يقول:

قف بالقديح ففي أكنافها مضر @@@ وحي شعبا به التاريخ يفتخر

وفي حلة محيش يقول:

حلة محيش كنت مصدر الهام @@@ ولا زلت واحة الشعراء

وفي سيهات يقول:

يا أيها الركب إن جئتم لسيهات @@@ فأوقفوا الظعن واهدوها التحيات

وقبل وفاته بعدة أشهر طلبت شخصيا من الشاعر المرحوم الخزام أن يكتب قصيدة في القطيف يتغنى بها أبناؤها- وبعد فترة قصيرة من الزمن جائني بورقة فيها هذه القصيدة، وربما تكون هذه آخر ما كتب ، وهذا مطلعها:

بلدي القطيف بها الدرر @@@ بلدي لها يهفو القمر
                     بلدي بساتين على @@@ اغصانها اشهى ثمر                     

وقبل وفاته بفترة وجيزة أرسل لي هذا البيت من الشعر معلقا: قلت هذا البيت بسبب تزاحم الأمراض وشعوري بدنو الأجل:

سوف نمضي كما مضى قبلنا @@@ الأباء والأمهات والأجداد

وقد أبنه مجموعة من أصدقائه في حفل يليق به في مجلس المبارك بالقطيف تخلل الحفل كلمات وقصائد وذلك بعد أربعين يوما من وفاته وكان ذلك يوم الثلاثاء 21 من شهر أعسطس (2007م) الموافق 8 شعبان (1428هجري).

رحم الله الشاعر الخزام الذي أحب وطنه ومات عاشقا له يتألم لألامه ويفرح لأفراحه.

وبعيدا عن الشعر كان الخزام رحمه الله يهتم بتاريخ المنطقة الضارب في القدم فقد ألف كتاب “نماذج من التاريخ الجاهلي” عام 1375هـ  وهو في العشرينات من عمره،  فهو مؤرخ وله أيضا دراسات وأراء حول تاريخ البحرين ، ورصدنا له 43 مقالة في الأدب والتاريخ نُشرت في مختلف الجرائد والمجلات داخل المملكة وخارجها ، ومما كتب عن وطنه القطيف عدة مقالات تاريخية تطرق من خلالها الى إقليم البحرين القديم وعن بعض رجالاته وعن قبائل عبد القيس وحرب الساسانيين والمناذرة… وسننشر هذه المقالات التاريخية التي تخص القطيف بشكل خاص وإقليم البحرين القديم* بشكل عام تباعا بإذن الله كما هي من مصادرها تحت عنوان “الخزام وحب الوطن” وهي:

أولا: متى كان حكم الله في كرب النخل؟!

ثانيا: كيف شارك رجال البحرين في فتوحات ما وراء النهر؟

ثالثا: حرب الساسانيين وحرب المناذرة على البحرين ، هل هما بدافع الإنتقام أم لهما أبعاد أخرى؟!

رابعا: الجارودية مدينة الجواردة وموطن سيد عبد قيس.

خامسا: لماذا تلصق الردة بأهل البحرين دون غيرهم وهل هي ردة أم فتنة؟

سادسا: ثورة التوابين.. هل إنطلقت من الكوفة أو من البحرين؟

سابعا: صعصعة بن صوحان.

ثامنا: أربعة آلاف مقاتل من رجال البحرين يشاركون في فتوح بلدان ما وراء النهر.

تاسعا: قرط ابن جماح العبدي

عاشرا: حلة محيش الفردوس المجهول (قيس بن الملوح).

*مع ملاحظة: أن إقليم البحرين القديم يضم القطيف والأحساء والبحرين. كما يؤكد المحقق عبد الخالق الجنبي رحمه الله إذ يقول: منطقة إقليم البحرين القديم الذي كان يضم في السابق ثلاث بؤر استيطانية رئيسية هي الأحساء والقطيف وجزيرة أوال.