تخيل انك تجلس مع جهاز تلفونك النقال وتطلب من تطبيق (Chat GPT) ان يلقي عليك طرائف ونكت جديدة أو تتسامر معه أو تطلب منه ان يرسم مشاعرك بلوحة او يكتب لك قصيدة أو يترجم لك محادثة منقولة على الهواء المباشر.
ولك ان تتخيل انك ستسمع هذه الطرائف التي قام بتأليفها عبر بعض تطبيقات الذكاء الصناعي ومن تلكم الطرائف على سبيل المثال لا الحصر:
١- لماذا رفض فنان لعب دور الرجل الخفي في عمل فني؟ لانه لا يستطيع أن يرى نفسه في ذلك العمل عند انتاجه!
٢- لماذا كتاب الرياضيات حزينا؟ لان لديه مسائل كثيرة ومعقدة غير محلولة!
٣- لماذا لا تستطيع الدراجات الوقوف من تلقاء نفسها؟ لأن الاطارات متعبة ومنهكة!
٤- ماذا تسمى سمكة بلا عيون؟ …… فش!
٥- ما هي أكثر الكلمات إثارة للقلق في اللغة العربية؟” قول احدهم لك: “في الطريق!”
تخيل كل تلكم الطرائف هي طرائف تم توليدها من قبل تطبيقات الذكاء الصناعي الذي يخوض تجارب قراءة الوعي البشري والتلميح والغمز اللغوي والخيال والابداع كما يفعل العقل البشري. وهذا التطبيق “لذكاء الصناعي” تطبيق خلاق وقد يكتسح احتكار صناع الفكاهة حول العالم ويصادرها من الانسان الى الالة المبرمجة بعد نجاح التجارب القائمة!
الذكاء الصناعي
فكرة الذكاء الصناعي هو محاكاة اعمال البشر في كل الانشطة التي يقوم بها بنو البشر. عالم التواصل (اللغة speech recognition) والتحليل البصري [image processing / computer vision) و machine learning و neutral network و deep learning] ادمجت في الالات لتقوم باعمال مشابهة لاعمال الانسان. وتطورت التطبيقات بدمج تلكم التطبيقات بشكل هندسي خلاق الى درجة محاكاة افعال الجنود في ساحات القتال والانشطة المختلفة في عالم الرياضة والاعمال الشاقة والرقص والاعمال التجارية والتحليل الرياضي (للاسهم والبورصات) و … و… الخ حتى اضحت امر ملموس وواقع.
التحول الصناعي في عالم البرمجيات الى اين سيتجه؟!
تحول المجتمع البشري السابق من الصيد الى الزراعة اعتبر نقلة نوعية بكل الابعاد. وفقد عدد كبير من الناس يومذاك قدراتهم الخلاقة في فنون الصيد ومطاردة فرائسهم وفنون القتال والاختباء والانقضاض وتتبع الاثار. وبعد ذلك تحول المجتمع البشري من الزراعة الى الصناعة اي من الغرس للبذور الى الة الحرث الزراعية وهذا ايضا نقلة نوعية ومنعطف تاريخي بكل الاتجاهات في سيرة البشرية.
وفقد عند ذاك عدد كبير من الناس قدراتهم على بناء جسد قوي وقل عدد الانشطة اليومية التي يقوم بها الناس وتحتاج الى قوة جسدية وزاد عدد اصحاب الامراض المزمنة وذوي السمنة المفرطة والاجساد قليلة الحركة. وحديثا نعيش مخاض تحول المجتمع البشري من الالة الى تطبيقات الذكاء الصناعي (AI) المتعدد الاتجاهات والنطاقات والميادين. والسؤال هو: هل سيفقد الاغلب من الناس قدراتهم العقلية والابداعية مع شراسة وسرعة التطور في عالم الذكاء الصناعي للبرامج و استخدام الآلات؟!
من هم اشد حاجة للتطبيقات الذكية
يشخص بعض علماء الاقتصاد والمجتمع والسياسة ان الدول الصناعية الرائدة ستفتقر الى الموارد البشرية المؤهلة في قادم العقود لاسباب عديدة ومنها: شيخوخة المجتمعات هناك وعزوف الشباب والفتيات من العلاقة الزوجية الرسمية خشية من المسؤولية وهروب الجيل الصاعد من الالتزامات الاسرية ، وان تزوجو الشباب بالفتيات لم ينجبوا وان انجبوا فلا اكثر من طفل او اثنان ، وانتشار قبول البرلمانات الغربية لتشريع الأجهاض واطلاق قوانين حماية زواج الشواذ.
حاليا اكبر محفز للدول الصناعية في فتح باب احتضان الكفاءات من الدول الصناعية وكما هو معلن: ١- سباق جلب العقول لا سيما في مجالات برمجة وهندسة الذكاء الصناعي و ٢- جلب عمالة لسد النقص في مجالات الرعاية الصحية ورعاية كبار السن والمهن المتدنية (سواق شاحنة ، خباز ، جزار … الخ). وبالمحصلة ايجاد قوة عقلية ذكية وقوى عاملة ماهرة تضمن لتلكم الدول التفوق والسيطرة التقنية والاستمرار وتمد في ذات الوقت نظام التامينات الاجتماعية القائم هنالك بموارد مالية نتيجة الضرائب على الدخل الفردي.
كمجتمعات اجتماعية شرقية قد نكتشف مع مرور الزمن أن الذكاء الاصطناعي المستفحل في تطبيقاته ساهم في تعطيل الكثير من قدراتنا البشرية، والمادية والذهنية، واضعافها. وبالتالي نكون كبشر اقل قابلية للتطور الذهني في بعض الحقول واضعف تكيفا واكثر تهميشا واقل منافسة بين الامم.
لذا التحدي الحقيقي كبشر يقطنون بقعة من الارض ، من وجهة نظري ، ليس تطوير الذكاء الاصطناعي فهو سيحصل وحصل وسيستمر في النمو سواء كان مستورد او مطور محليا ، التحدي الاولي هو: الحفاظ على القدرة على التطور للافراد كعقول وكحواس وكأجساد وكإنتاج . والتحدي الثاني: هو فرز مساحات التنافس او الموائمة اي هل هو تفاضل او تكامل بين الانسان والذكاء الصناعي وتفعيل الضوابط الاخلاقية لاعمال الروبوت والذكاء الصناعي!
شركات الذكاء الصناعي وحروب السيطرة
لم يعد الامر سرا بان جميع بيانات المستخدمين لتطبيقات التواصل الاجتماعي منتهكة ويتم استخدامها لصالح الشركات المالكة لتلكم التطبيقات ومحركات البحث الالكتروني. الادهى والامر ان كل صور الفوتوشوب التي تم تطويرها باستخدام تطبيق (adobe) تقع ضمن سلطة الاستخدام المباشر للشركة المالكة بدعوى الاستخدام للتدريب!! والامر ايضا ينطبق على شركات تطبيقات الكترونية ذكية متعددة! ولعل من اطلع على مصادر وآليات جني ارباح شركة فيس بوك عرف واقع الحال بكل تفاصيله.
مع كثرة نظريات الراسمالية النيو ليبرالية والنانو ليبرالية ونظريات السيطرة على السوق والانتاج والموارد وسلاسل الامداد والاستحواذ على مناطق اسواق الإستهلاك حول العالم والحروب التجارية الكبيرة بين الفيلة ، من حق ذوي البصيرة ان يقلقوا على بعض الامور وان تفاؤلوا في امور اخرى في حقول صراع الذكاء الصناعي.
ولعل تطبيق التك توك خير مثال على حروب السيطرة في عالم الذكاء الصناعي واللوغرثميات الحاسوبية بين الشرق والغرب. وحسب ما نقرأ في صحف العالم فان حروب التقنية بين تنين الشرق وصقر الغرب مرت بمحطات عدة منها محطة الهواتف الخلوية ( هواووي ) ومحطة الطوابع ثلاثية الابعاد العملاقة ومحطة التسويق العالمي ( علي بابا ) وحديثا تطبيق التيك توك للتواصل الاجتماعي.
كما يبدو ان هناك عدة اسباب لحملات بعض الحكومات الاوروبية ضد شركات وسائل التواصل الاجتماعي الاجنبية:
١- قبل عدة سنوات اعتبرت بعض دول أوروبا أن شركات وسائل التواصل الامريكية، تاخذ البيانات من الجمهور الأوربي ثم تعيد بيعه للشركات الاوروبية. هذا فضلا عن استخدام تلكم الشركات للمعلومات في الاعلانات والترويج والاستهداف، وتجني بذلك مليارات اليوروهات من هذه العملية. بدفع ضرائب قليلة أو بدون أن تدفع ضرائب، لأن مقراتها الضريبية في مناطق وجزر متفرقة، وبالتالي تضيع عشرات ملايين اليورات من الضرائب على الحكومات الاوروبية والغير اوربية.
٢- امتلاك هذه الشركات المسيطرة للبيانات والمعلومات الضخمة يتيح استخدامها وتوظيفها سياسيا، بطريقة غير مباشرة لتوجيه الرأي العام، أو مباشرة بهدف الحصول على معلومات امنية او مالية او صحية او علمية وبيعها على شركات او اجهزة ذات اختصاصات معينة.
وبالفعل نجحت اوروبا في الحصول ، عبر احكام قضائية أوروبية في محاكمها التجارية ، على تعويضات من بعض الشركات الامريكية بالمليارات.
يقول البعض ان صراع النفوذ على التحكم على تطبيق التيك توك شرسا ومازال قائما واهدافه سياسية واقتصادية، وليست اخلاقية، أو لضبط استخدامات الذكاء الصناعي كما يتم وصفه من قبل بعض المنابر الاعلامية.
وذاك الحدث في ردهات محكمة العدل الاوروبية هو ما تسعى دولة النسر الاقرع للحصول عليه من الشركة المالكة لتطبيق تيك توك الصيني . ، فعدد المشتركين من المواطنين الأمريكيين يفوق عشرات الملايين من البشر لاسيما الشباب والفتيات ، وبالتالي كل البيانات اليومية الخاصة بهم لدى الصين وبعض اجهزته العسكرية ، وتستفيد الشركات الصينية والحكومة الصينية من ذلك اقتصاديا وسياسيا واكثر من ذلك.
والمعروف ان دولة النسر تشترط على مالك تطبيق تيك توك، أما بيعه لشركة عابرة للقارات، أو حظره في دولتها. وصراع النفوذ على الاستحواذ على تطبيق التيك توك شرسا ومازال قائما واهدافه تتخطى موضوع الضبط الاخلاقي ألى اهداف سياسية واقتصادية ونفوذ.
هل الذكاء الصناعي سيدمر البشرية
وظيفة مثل الصحفي والصيدلاني ومقدمي نشرات الاخبار وموظف البنك وموظف عمل مصانع التجميع ومقدم القهوة ونادل المطاعم والمحاسب واللحام والمهندس المعماري ومهندس الجيولوجيا على وشك استحواذها من قبل روبوتات الذكاء الصناعي! فتلك الوظائف اضحت ضمن نطاق الأتممه ويؤديها روبوت ذكاء صناعي بكفاءة عالية! اي ان الكثير من الوظائف القائمة احتلها الروبوت بجدارة. وهناك انواع من الوظائف قد تصمد لفترة قادمة مثل الجراح ذوي العلم الغزير والمبدع المتجدد والمعلم صاحب الذكاء العاطفي الابداعي. وهذا يعني ان الابداع والمهارة ركيزة اساسية للحفاظ على وظيفة ذاك الشخص!
وهناك وظائف ستُستحدث مثل مهندس الروبوت ومصمم الروبوت ومبرمج ومشغل صيانة الروبوت. قيل عبر بعض وكالات الاخبار الدولية ان حجم الوظائف الجديدة سيكون ضعف حجم الوظائف التي ستندثر بسبب انتشار وسيطرة استخدام التطبيقات للذكاء الصناعي!! ولذلك التفكير في التحول الوظيفي (career shift) لبعض الكوادر المهنية الحالية المهددة بالانقراض اضحى ضرورة معيشية وليس ترف او هواية أو تسلية.
وعلى الانسان الجاد ولا سيما الشباب والفتيات اللذين هم في مقتبل اعمارهم المهنية عمل موائمة مع توجهات سوق العمل على اثر نفوذ الذكاء الصناعي وتمدد تطبيقاته بدل التنافر والانعزال والتشاؤم. فبين تشاؤم البروفسور (Roman Yampolskiy) خبير سلامة الذكاء الاصطناعي الذي حذر وقال: بأن “AI سيدمر البشرية” في احد المقابلات واليك الرابط للمقابلة: https://www.youtube.com/watch?v=NNr6gPelJ3E
والتفاؤل الذي اودعه الله في قلوب ونفوس المؤمنين ، وجب رسم الخطط والرؤى والاهداف والتحرك لبلوغ تلكم الاهداف بدل العويل وندب الحظ والتسكع في دروب التفاهة.
هيئات ضبط الذكاء الصناعي هل هي فعالة
مراكز البحث المعلنة والسرية والعلم التجريبي اليوم يقاد من قبل مراكز ابحاث وشركات رأسمالية عابرة للقارات هدفها الكسب المالي السريع والسيطرة وتهشيم المنافسين والاستحواذ. والذي يستشعره الاغلب من للناس بان المسافة تباعدت كثيرا بين البحوث القائمة ومخرجاتها وتوظيفاتها وبين فلسفة العلم الاصيل وفلسفة الأخلاق والممارسات العلمية الرصينة. بالتالي نتساءل من سيضع القيود الاخلاقية المهنية ومن يشرف على تنفيذها وماهي اليات الالتزام بها وماهي ادوات الردع والعقوبات والجزاءات ولوائح الغرامات؟!
منظمة مو شغلك (Non of your business)
منظمة [(NOYB) None of Your Business] وتضم عضوية بعض من الدول الاوروبية: المانيا والنمسا وبلجيكا وفرنسا وهولندا واليونان وإيطاليا وأيرلندا والنرويج وبولندا وإسبانيا. وقد دعت تلك الدول إلى التحرك ضد ممارسات الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة (Meta) الامريكية.
وهذا يشمل تطبيقات الواتس اب والفيس بوك والانستغرام ومواقع التعارف للصداقة ومواقع التسويق ومواقع التجارة الالكترونية ومواقع بيع الافلام عبر النت ومواقع القمار ومواقع سناب شات وتطبيق الادوبي وغيرها كثير. للمزيد يمكنك نقر الرابط التالي: https://x.com/smalkalbani/status/1798785532908155308?s=46
مشروع محو الامية التقنية التنموي والمؤسسات الوقفية المحلية
يبدو لي شخصيا ان زمن مشروع محو الامية الذي اطلق من قبل معظم وزارات التعليم في العالم قد استنفذ اهدافه وحان الاجل في ان يُستبدل بمشروع جديد تنموي باسم (محو الامية التقنية). وللحق فان وجود مبادرات فردية شخصية بإلقاء محاضرات او فتح قناة يوتيوب تتكلم عن الذكاء الصناعي والبرمجة والتعليم العميق وتعلم الالة وهندسة الالات قد يسد فراغ بسيط ولكن لا يقوم مقام مشروع متكامل الاركان تكون من اهدافة محو الامية التقنية وكسر الرهبة من الذكاء الصناعي للالات ومعرفة الموائمة المناسبة.
اقتراحي باختصار هو تبني مبادرة كاملة بمسمى مشروع محو الامية التقنية لمجاميع بشرية شابة من خلال جمعيات خيرية لاعداد كوادر بشرية مهنية مؤهلة لاقتحام سوق العمل مع تسليح علمي كاف في مجال تطبيقات الذكاء الصناعي. واقدم بين ايدي المؤسسات الوقفية القائمة والمستجدة بالتعاون مع جمعيات البر والجمعيات الخيرية الاجتماعية والجمعيات الاهلية هذا المقترح لتفعيل هكذا مشروع اي مشروع “محو الامية التقنية” من خلال ترشيح وتبني بعض المستفيدين الشباب / الفتيات من ذوي القدرات والمواهب المناسبة.
*ختاما*
قال احد المفكرين المعاصرين ويدعى جوديه ساراماغو: الاكثر رعبا من العمى ، هو ان تكون الوحيد الذي يرى!!. وشخصيا ادعي بان الاصح: ” الاكثر رعبا من العمى ، هو ان تكون الوحيد الذي لا يرى!!