جملة: هل تعلم! – بقلم المهندس أمير الصالح

– هل تعلم ان مؤلف كتاب “دع القلق وابدأ الحياة – (How to Stop Worrying and Start Living)” مات منتحرا !!
– هل تعلم ان مخترع هاتف الجوال الذكي ذو خاصية تطبيقات التواصل الاجتماعي المتعددة ، مات مقاطعا للتواصل مع والده!
– هل تعلم ان عبقري الموسيقى الالماني ، بيتهوفن ، صاحب السمفونيات التسع الشهيرة كان اصم!
– هل تعلم ان اكثر الدول ترويجا للحرية في العالم هي الاكثر انشغالا في الحروب حول العالم!
– هل تعلم ان اكثر مناطق العالم ثروات طبيعية يكون سكانها الاكثر تهميشا او الاقل حظوة بتلكم الثروة / الخيرات!
– هل تعلم أن عدد بحور الشعر هو: سـتة عشر بحـراً ولكن لا يمكنك ان تسبح في اي منهم!
– هل تعلم ان ضوء اشعة الشمس يستغرق ٨ دقائق وعشرون ثانية ليصل لسطح الارض ويمكنك ان تحجب ذلك الضرء عن راسك باقل من ثانيتين!
– هل تعلم ان ثاني اكبر دول العالم مساحة هي دولة كندا والمساحة المشغولة بالسكان فعليا اقل من ١٠ بالمائة!
هل تعلم… هل تعلم… هل تعلم… الخ

ردة فعل ضمني تلقائي لعدد كبير من الناس عند سماع جملة: ” هل تعلم! ” ، هو: نعم ، اود ان اعلم ، فتفضل اخبرني فينصت المتلقي بانتباه وتركيز وحضور تام للذهن.

هذا الاسلوب كان ومازال يشكل قناة فعالة في جذب انتباه السامع وتمرير معلومات مؤطرة وغير مؤطرة قد تخدم المتلقي وقد لا تخدمه اطلاقا.

وحتى نقل المعلومة والتجارب بين الاجيال يحتاج لهذا النمط لانه اسلوب يروي شجرة الفضول لدى السامع. فمن المعلوم ان نقل المعلومة بأسلوب جاف وغير محفز وخالي من اي طراوة يجعل الكثير من الناس لا سيما الشباب زاهدا في المعلومة أو لا يصغي للمتحدث. اما اذا كانت المعلومة في اطار يزيد الشغف ويحرك الفضول ويثري النهم المعرفي لدى الشباب فإن الأغلب الأعم ينصت ويسمع لكي يستفيد او يحدث معلوماته.

وهنا تبدأ تفعيل رحلة إذكاء روح نقل التجارب في ذهن الابناء بكل اريحية ورصانة وسلاسة من خلال الاستهلال والتوظيف الذكي لجملة “هل تعلم!”.

صياغة جملة “هل تعلم” الشائع استخدامها بين الناس هو صياغة ابدعت في نقشها مدرسة روكفيلر التعليمية باذهان الاجيال حسب ما استخلصت عبر قراءات عديدة. وهذا الاسلوب ( هل تعلم ! ) انغمس في استعماله عدد كبير من قنوات الاعلام والتعليم والترفيه وبشكل كامل وتام ومسرف حتى تم شحن عقول الشباب والفتيات بالمحتوى الرقمي للابعاد والاطوال والاحجام في الاكبر والاصغر من الاشياء.

مثال ذلك: هل تعلم ان اطول جسر في العالم هو جسر …! هل تعلم ان اكبر مول تجاري في العالم هو مول…. ؟ هل تعلم ان اطول نهر في امريكا الشمالية هو نهر …. ؟ هل تعلم ان اقوى قضمة في عالم الحيوانات هي قضمة اسنان التمساح؟ هل تعلم ان طول /اكبر/ اوسع / ارفع / اسرع / اقصر / انحف / اسمك / ادق اثرى رجل في العالم / …. !! واصبحت موسوعة جينس للارقام مرجع للشباب / الفتيات.

قولبة معلومات رقمية جافة وليس لها اي انعكاس تربوي راقي على شكل قوالب بصياغة “هل تعلم”، رسخت على مدى عقود زمنية قالب المعرفة بين اجيال في نمط حفظ وتذكر معلومات رقمية جافة وليس لها اي نفع يذكر في صياغة السلوك الحسن والمحمود في صاحب تلكم المعرفة بالارقام.

في عالم اليوم ، نحن بامس الحاجة لتوظيف صياغة “هل تعلم” لتحفيز الشباب والفتيات على كل الاصعدة لغرس السلوكيات المحمودة وترسيخ المفاهيم النافعة .

ولتقريب الصورة ، نضرب بعض الامثلة:

الاقتصاد
قد يصاب بعض اولياء الامور بالاحباط من عدم التزام ابناءهم باطفاء اجهزة التكييف بغرفهم عند الذهاب للمدرسة. فيقوم احد الوالدين بتلك الوظيفة وهكذا دواليك في امور ترشيد اقتصادي مختلفة. ولنجرب فكرة “هل تعلم”.
فنطرح افكار ترشيد اقتصادي في قالب “هل تعلم” مثل قول:
– هل تعلم ان الراحة التي توفر لافراد الاسرة هي من مال لا يلتقط من الشارع وانما مال تم حصده عبر جهود احترقت واعمار صرفت وصحة استنزفت واعصاب تلفت.
– هل تعلم ان والدك يحتاج الى ٢٥ سنة لتسديد اقساط المنزل الذي تقطنه مع اخوانك فحافظ عليه.
– هل تعلم ان الموظف العادي يحتاج الى متوسط ٤٠ ساعة عمل لسداد فاتورة الكهرباء الشهرية و ١٥ ساعة عمل لتسديد فاتورة الماء الشهرية و ٦٥ ساعة عمل لسداد فاتورة المؤونة الشهرية للاكل. فهل تعلم كم يكلف والدك من ساعات عمل خلال الشهر لصيانة اجهزة المنزل أو ليوفر لك ولاخوانك اجازة سنوية مرموقة.

التعامل الانساني

– هل تعلم أنه اذا كان المنصب الوظيفي أكبر من قدرات الانسان الذي يشغل المنصب فانه سيكون متعجرف ومغرور ومتسلط ويكون مصداق للمثل الانجليزي الشهير (penny saver pound foolish). اما اذا كان الشخص مقتدر في منصبه فان سلوكه متواضع ورزين ومنتج وخدوم وفعال وبعيد عن البهرجة الاعلامية الرخيصة.
– هل تعلم ان رأيت شخصا متنفذ كأن كان مدير ما ومتعلق بالسحت أو المصلحة الذاتية أو النساء الساقطات فانه سيخون الامانة مقابل بطنه او فرجه.
– هل تعلم ان الزوج يكون غير كفوء للاحتفاظ بزوجته الباذلة جهدها لإسعاده والمجتهدة في انجاز اعمال منزله والحافظة لفرجها والمربية لاطفالها ان هو :١- مد يده عليها أو ٢- شتمها أو قذفها في عفتها دون دليل أو ٣- استهزأ بها وتهكم عليها عند جلوسه مع اصدقاءه او مع اهله أو ٤- تلفظ احدهم همزا او لمزا على زوجته بشي من المنكر في محضره ولم يدافع عنها. ٥- اهمل زوجته حين انبعثت حاجتها الماسة اليه (خذلها) ٦- اهمل نظافته الشخصية في محضرها أو ٧- الزمها في اعمال تخالف شرع الله والفطرة السليمة أو ٨- اتهمها بعدم الامانة أو ٩- ان كان كسولا في طلب رزقه أو ١٠- مد يده على اموالها دون رضى منها.
– هل تعلم ان الاخ / الصديق وان كان باذل للمال والطعام فانه ينفر اخوانه / اصدقاءه منه ان هو:١- كثير الاذى والمشاكل ٢- قليل الادب والسلوك الحسن ٣- وقح التعامل وجلف في الحديث والافعال ٤- كثير المفاخرة بنفسه ٥- منعدم الذوق ٦- مصاب بداء الرياء والكذب والعُجب.
– هل تعلم ان الرجولة ليست بطول الشارب وليست بفخامة السيارة التي تقودها وليست بكبر رصيدك البنكي وليست بكثرة ابناءك ولا تعدد زوجاتك ولا كثرة املاكك وعقاراتك وسفراتك ووجاهة جلساءك ولكن بطيب معاملتك ووفاءك وحسن تعاضدك وتواضعك وجميل اخلاقك.
والعكس صحيح ان اهملت الزوجة زوجها الوفي المجد المادح الصادق.

السعادة
– هل تعلم ان من سعادة المرء امتلاكه لدار واسعة واحتضانه زوجة مطيعة وحيازته لسيارة ذات كفاءة مرموقة ومجاورته لجيران صلحاء واصطحابه لاخلاء اتقياء ورزقه الله بأولاد يبرونه في حياته ومماته.
– هل تعلم ان من سعادة المرء ان يرى المرء احفاده قبل وفاته وان يكون زاهدا قنوعا راضيا وان يكون مبادرا للخيرات وعامل للاعمال الزاكيات ومجالس لكرام الناس.
– هل تعلم أن ما كل من نوى شيئا قدر عليه، ولا كل من قدر على شئ وفق له، ولا كل من وفق أصاب موضعا له، فإذا اجتمعت النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهنالك تمت السعادة (بتصرف عن حديث الصادق (ع) في كتاب الرشاد).
– هل تعلم ان لكل شي زينة وان “العفاف زينة البلاء، والتواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة الكلام، والعدل زينة الإيمان، والسكينة زينة العبادة، والحفظ زينة الرواية، وحفظ الحجاج زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل، وبسط الوجه زينة الحلم، والإيثار زينة الزهد، وبذل الموجود زينة اليقين، والتقلل زينة القناعة، وترك المن زينة المعروف، والخشوع زينة الصلاة، وترك ما لا يعني زينة الورع ( مقتبس بتصرف من حديث لرسول الله (ص) ، ميزان الحكمة ).

ايام زمان حيث كانت الاذاعة المدرسية مصدر ملهم للطلاب وكانت فقرة “هل تعلم” الاذاعية هي الاكثر جذبا للطلاب لانها مصدر رئيس لمعرفة معلومات خارج المناهج التعليمية. في عالم اليوم حيث اعتمد معظم الشباب والفتيات على محركات البحث الالكتروني في العالم الرقمي مثل جوجل وياهو وفايرفوكس وكروم … الخ، كمصدر اساس ووحيد للمعلومات وبالتالي تشكيل المفاهيم وتنميط الافكار وبلورة السلوك.

شخصيا اقترح على الاباء المربين والخطباء والمدربين توظيف قالب “هل تعلم” والاستعانة بكتب الحكمة وموازين العقل الراشد والمتطق السليم لترسيخ حِكم ومواعظ وارشادات تربوية تتبلور وتُترجم في قادم الايام على شكل سلوكيات محمودة من فبل ابناء الجيل الصاعد.

فهل تعلم عزيزي القارئ ان معظم افلام هوليوود وبوليوود تعمق الانانية والفردانية والعنف وحب مقاطع الرقص وادمان مشاهدة مقاطع الاغواء للرذيلة عند الشبان والفتيات.

وهل تعلم اخي المربي ان معظم الطلاب مشتتين التركيز بسبب الافراط في استخدام الحواسيب. في واقعنا اليوم حسن توظيف الذكاء العاطفي وحسن توظيف ادوات المعرفة التحفيزية حواضن للشباب والفتيات فليحسن الجميع اتقان استخدامهم.

فهل تعلم ان حسن تربية الابناء والإنعام عليهم واحتضانهم وتصويبهم للخير جزاءه الجنة والسمعة الحسنة والدعاء في ظهر الغيب للوالدين.

وهل تعلم ان سوء التربية للابناء أو اهمالهم أو التنصل عن رعايتهم وبال على اهله في الدارين.

هل تعلم بُني الشاب / ابنتي الفتاة ان اصلاح ذات البين خير من سائر النواقل. هل تعلم ابني الشاب / الفتاة ان صلة الرحم تطيل العمر وتزيد البركة وتوسع في الرزق.

في الختام ،،،

اعلم عزيزي القارئ ان اي معلومة او مسابقة تطرق مسامعك تحت عنوان “هل تعلم” ولا تصقلك انسانيتك وروحك وسلوكك فانها مجرد معلومة جافة وناشفة وخالية من اي طراوة وورقة في غابة من الارقام.

2 تعليقات

  1. عدنان احمد ااحاحي

    افكار رائعة ابا عبد الله
    الله يعطيك العافية 👍🌹

  2. أمير الصالح

    ادام الله وافر علمك و مشاركاتك . شكرا لمرورك و تعليقك بو طه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *