Animals self-medicate with plants − behavior people have observed and emulated for millennia
(بقلم: أدريان مايور، باحث في الكلاسيكيات والتاريخ وفلسفة العلوم، جامعة ستانفورد)
(Adrienne Mayo, Research Scholar, Classics and History and Philosophy of Science, Stanford University)
عندما أصيب إنسان الغاب الوحشي (السعلاة)(1) في سومطرة مؤخرًا بجرح في وجه، بعد اشتباك مع إنسان غاب آخر على ما يبدو، قام بعمل شيئ لفت انتباه الباحثين الذين كانوا يراقبونه. ولاحظوا أنه كان يمضغ أوراق شجرة العارشة (liana)(2)، وهي شجرة لا تأكلها القردة العليا عادة. طوال عدة أيام، وبعد مضغها قام إنسان الغاب بوضع عصير (زي الموجود كلاعب الحيوان) هذه الأوراق بعناية على جرحه، ثم غطى الجرح بعجينة من أوراق شجرة العارشة الممضوغة هذه. والتأم الجرح ولم يخلٍّف إلَّا أثر جرح بسيطًا. هذه الشجرة الاستوائية التي اختارها للعلاج،لها خصائص مضادة للبكتيريا ومضادة للأكسدة ومن المعروف أنها تخفف الألم والحمى والنزيف والالتهابات.
وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم نشرت هذه الخبر المذهل(3) ، شاهد مقطع فيديو:
وفي المقابلات التي أجروها وفي ورقتهم البحثية، ذكر الباحثون أن هذه هي “أول حالة موثقة بشكل ممنهج شاهدوها في حيوان وحشي يستخدم نبات نشط بيولوجيًا [هو مركب له تأثير على الكائن الحي أو النسيج أو الخلية(4)]. لعلاج جرحه النشط (غير الملتئم بعد). وهذا الاكتشاف “سيوفر أفكارًا جديدة حول أصول العناية بالجروح البشرية.”
بالنسبة لي، بدا سلوك إنسان الغاب مألوفًا. باعتباري مؤرخًا للعلوم القديمة(5) أبحث فيما عرفه الإغريق والرومان عن النباتات والحيوانات، فقد ذكرني بعضها بحالات مماثلة أبلغ عنها أرسطو وبليني الأكبر (Pliny the Elder) (أشهر المؤرخين الرومان على الإطلاق)، وإيليانوس (عالم حيوانات روماني)، وغيرهم من علماء الطبيعة في العصور القديمة. تصف مجموعة روايات من العصور القديمة إلى العصور الوسطى العلاج الذاتي للكثير من الحيوانات المختلفة [معالجة الحيوان نفسه بنفسه](6). الحيوانات استخدمت النباتات لعلاج الأمراض وطرد الطفيليات وترياق للسموم وعلاج لإلتئام الجروح.
صيغ مصطلح تطبيب الحيوآن الذاتي (zoopharmacognosy) [تطبيب الحيوان نفسه بنفسه] ــ “المعرفة الطبية للحيوان” ــ في عام 1987. ولكن كما أشار مؤرخ الطبيعة الروماني بليني قبل 2000 عام(7)، فإن الكثير من الحيوانات دلت على الاكتشافات الطبية النافعة للناس. في الواقع، أول ما اكتشفت عدد كبير من النباتات الطبية المستخدمة في الأدوية الحديثة كانت من قبل الشعوب الأصلية والثقافات الماضية التي لاحظت استخدام الحيوانات للنباتات وتقليدها في هذا التصرف(8).
ماذا يمكن أن نتعلمه من مشاهدة الحيوانات وهي تقوم بهذا النوع من الطبابة
تظهر بعض الأمثلة المكتوبة القديمة لتطبيب الحيوان الذاتي في كتاب أرسطو “تاريخ الحيوانات(9)” من القرن الرابع قبل الميلاد، كما هي العادة المعروفة للكلاب وهي تأكل العشب عند اصابتها بمرض، ربما من أجل طرد الديدان والتخلص منها.
وأشار أرسطو أيضًا إلى أنه بعد السبات الشتوي، تبحث الدببة عن الثوم البري كغذائها الأول. فهو غني بفيتامين C والحديد والمغنيسيوم، وهي عناصر غذائية صحية بعد السبات الشتوي الطويل. يعكس الاسم اللاتيني هذا الاعتقاد الشعبي: هذه النبتة تُترجم إلى “ثوم الدببة”(10) (Allium ursinum)، ويشير الاسم الشائع في العديد من اللغات الأخرى إلى الدببة.
وأوضح بليني كيف أن استخدام نبتة فوتنج الجبلي (ويعرف أيضًا بـ ربحان. الأرض أو بقة الغزال وهو من جنس المردقوش](11)، المعروف أيضًا باسم المردقوش الأقربطي، لعلاج جروح اصابات السهام، نشأ من مشاهدة الأيائل الجريحة وهي ترعى العشب.
نسب أرسطو وديسقوريدس الفضل إلى الماعز البرية في هذا الاكتشاف. ادعى فيرجيل (شاعر روماني ولد سنة 19 قبل الميلاد) وشيشرون (كاتب وخطيب روماني ولد سنة 106 قبل الميلاد) وبلوتارخ (فيلسوف ومؤرخ يوناني ولد نحو 45م) وسولينوس (كاتب وجغرافي ومؤرخ ولد في إيطاليا سنة 400م) وسيلسوس (فيلسوف يوناني في القرن الثاني الميلادي) وجالينوس (طبيب إغريقي ولد سنة 129م) أن نبتة فوتنج الجبلي لديها القدرة على طرد رأس السهم وعلى إلتئام الجروح. من بين الكثير من الخصائص الكيميائية النباتية المعروفة لنبتة الفوتنج تأثيرات مطهرة ومضادة للالتهابات ومخثرة للدم.
وفقًا لبليني، تعرف الغزلان أيضًا ترياقًا للنباتات السامة: الخرشوف الشوكي(12). تخفف أوراقه من الغثيان وتقلصات المعدة وتقي الكبد. وكتب بليني أنه من أجل علاج نفسها من لدغات العناكب، تأكل الغزلان السرطانات (السلعطونات) التي تجرفها الأمواج إلى الشواطيء، وشوهدت الماعز المريضة تفعل الشيء نفسه. والجدير بالذكر أن قشور السلطعون تحتوي على مادة الكيتوسان (وهو سكر يستخرج من الصدفيات كالمحار والسرطانات والربيان) تقوي جهاز المناعة.
عندما ابتلعت الفيلة خطأً حرباء مختفية في أوراق الشجر الخضراء، أكلت أوراق الزيتون، وهو مضاد، حيوي طبيعي لمكافحة السالمونيلا المتطفلة على السحالي(13). وقال بليني إن الغربان تأكل الحرباء، لكنها بعد ذلك تتناول أوراق الغار المضادة لسمية هذه السحالي. تعمل أوراق الغار المضادة للبكتيريا(14) على علاج الإسهال واضطراب الجهاز الهضمي. وأشار بليني إلى أن طيور الشحرور والحجل والقيق والحمام تأكل أيضًا أوراق الغار لعلاج مشكلات الجهاز الهضمي.
وقيل إن ابن عرس يظهر على نباتات الحرمل دائمة الخضرة لعلاج جروحه ولدغات الثعابين له. الحرمل(15) الطازج سام. قيمته الطبية غير واضحة، لكن النبات المجفف يدخل في العديد من الأدوية الشعبية التقليدية. تجمع طيور السنونو نباتًا سامًا آخر، وهي شجرة الخطاطيف (celandine)، لصنع كمَّادة لعيون صغارها. الثعابين الخارجة من السبات تفرك عيونها بنبتة الشمر (المعروفة بنبتة الحلوة). تحتوي بذور الشمر(16) على مركبات تعزز إصلاح الأنسجة وتقوي المناعة.
وفقًا لعالم الطبيعة إيليانوس، الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، فقد أرجع المصريون الكثير من معرفتهم الطبية إلى حكمة الحيوانات [المترجم: يذكرنا بـ حكمة الحيوانات عند ابن عربي(17)]. وصف إيليانوس الفيلة وهي تعالج جروح الرماح بزهور الزيتون وزيته(18). وذكر أيضًا أن طيور اللقلق والحجل واليمام تطحن أوراق نبتة فوتنج الجبلي وتضع عجينتها على الجروح.
استمرت دراسة علاجات الحيوانات في العصور الوسطى. مثال من الموجز الإنجليزي لتقاليد الحيوانات في القرن الثاني عشر، موسوعة أبردين للوحوش(19) (Aberdeen Bestiary)، يحكي عن الدببة التي تغطي القروح بأوراق زهرة المولين(20). ويوصف الطب الشعبي هذه النبتة المزهرة لتسكين الألم وشفاء الحروق والجروح، وذلك بفضل ما تحتويه من مواد كيميائية مضادة للالتهابات.
ذكر كتاب ابن الدريهم الموصلي الذي يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر بعنوان “منافع الحيوانات”(21) أن طيور السنونو تعالج عيون فراخها بالكركم(22)، وهو مضاد آخر للالتهابات. وأشار أيضًا إلى أن الماعز البرية تمضغ وتضع طحالب الإسفنجون على الجروح، تمامًا كما يستخدم إنسان الغاب السومطري بشجرة العارشة . تعمل ضمادات طحالب الإسفنجون كمضاد للبكتيريا ومكافح العدوى.
الفارماكومبيا الطبيعية
وبطبيعة الحال، ملاحظات ما قبل الحداثة هذه كانت المعرفة الشعبية التقليدية، لا العلوم الشكلية (الصورية)(23) ، لكن السرديات تكشف عن مراقبة ومحاكاة طويلة الأمد لأنواع حيوانات متنوعة تتطبب ذاتيًا بالنباتات النشطة بيولوجيًا.
وكما يؤدي علم النبات الشعبي المحلي لدى السكان الأصليين إلى اكتشاف أدوية منقذة للحياة اليوم، فإن اجراء اختبارات علمية لادعاءات العصور القديمة والعصور الوسطى يمكن أن تؤدي إلى اكتشاف نباتات علاجية جديدة.
أصبح تطبيب الحيوان لذاته مجالًا علميًا سريع النمو. يسجل المراقبون ملاحظاتهم عن الحيوانات، من الطيور والجرذان إلى الشيهم والشمبانزي(24)، التي تستخدم عن قصد مجموعة مدهشة من المواد الطبية. إحدى الملاحظات المدهشة هي أن طيور البرقش والعصافير تجمع أعقاب السجائر(25).
النيكوتين يقتل العث في أعشاش الطيور. حتى أن بعض الأطباء البيطريين(26) يسمحون للكلاب والخيول والحيوانات الأليفة الأخرى المريضة باختيار الوصفات الطبية الخاصة بها وذلك باستنشاقها للمركبات النباتية المختلفة.
يبقى الغموض سيد الموقف(27). لا أحد يعرف كيف تعرف الحيوانات أي النباتات تعالج المرض أو تشفي الجروح أو تطرد الطفيليات أو تحسن الصحة. هل تستجيب عن قصد لأزمات صحية معينة؟ وكيف تنتقل معرفتها؟ ما نعرفه هو أننا نحن البشر نتعلم أسرار الشفاء من خلال مشاهدتنا لتصرفات الحيوانات وهي تعالج نفسها بنفسها منذ آلاف السنين(28).