يعتبر طهو الطعام وتحضيره من أوضح الأمثلة التي تتكاتف بها العلوم مثل الكيمياء, الفيزياء, الأحياء والرياضيات لإنتاجه بل إن فهم بعض الطباخين لبعض مبادئ هذه العلوم حول طهوهم إلى فن وجعل الطاهي في ذات الوقت محترفا في تحضيره وهنا أحاول أن أقارب بين الطهو والعلوم بشكل علمي مبسط وبينما تفسر الكيمياء والكيماء الحيوية التغيرات الداخلية ويوضح الفيزياء العلاقات التي تحكم الإمتزاج وتكون المخاليط, ويقدم الرياضيات المعادلة التي تجعل تكرار ذات الطبق مئات المرات ممكنا إلا أننا سنخفف من المعادلات ما أمكن.
طهو البيض
يعتبر البيض من أفضل الأمثلة على دراسة أثر الحرارة وذلك لأنه يتكون من عدة أنواع من البروتينات تتوزع بنسبة 60% في بياض البيضة و 40% في صفارها وكل نوع من هذه الأنواع الذي يبلغ حجمه 6-7 جرامات في البيضة الواحدة المتوسطة الحجم يستجيب للحرارة بشكل مختلف عن الآخر ويحتاج إلى مدة زمنية أطول ليتجلط ويصبح صلبا وبالتالي لو قمنا بتجربة و وضعنا 15 بيضة في ماء بارد ثم قمنا بغلي الماء وأخرجنا منه البيضة الأولى عند وصول الماء إلى درجة الغليان ثم أخرجنا بيضة بعد كل دقيقة سنجد إختلافا كثيرا في قوام كل بيضة وهذا التغير السريع يلاحظ أيضا عند طهوها بالمقلاة وبتعرفنا على هذه الخصائص نستطيع إستخدام قانون الطاقة لمعرفة الطاقة اللازمة لتحضير كل بيضة بل الوقت اللازم لتحضير 100 بيضة مثلا بنفس الطريقة وذات الوقت.
حيث T تمثل الزمن و m تمثل الكتلة و c تمثل الحرارة النوعية.
تكسر قشرة البيض عند الغليان
قشر البيضة مكون من عدد هائل جدا من المسامات يسمح لها بتبادل الغازات ( دخول الأوكسجين وخروج بخار الماء وثاني أكسيد الكربون ) ودخول الهواء يكون جيوب هوائية بين القشرة وبالتالي عندما نضع البيضة مباشرة في الماء المغلي تتحرك هذه الغازات حركة سريعة وتتنافس على الثقوب الصغيرة جدا في القشرة مشكلة ضغط عالي يؤدي إلى تمزق القشرة وتكسرها, أما إذا كان إرتفاع درة الحرارة ببطء فإن خروج الهواء الساخن المتحرك سيكون بيسر وسهولة من الثقوب فلا تتكسر القشرة.
سهولة وصعوبة التقشير وطفو البيضة
كل ما كان هناك هواء أكثر داخل البيضة ابتعدت البيضة عن القشر وكلما تعرضت لدرجة حرارة منخفضة تقلصت مكوناتها وبالتالي صارت سهلة التقشير وهذا يعني أن البيضة الأحدث هي التي سيلتصق بياضها بقشر البيضة وذلك لأنها لم تحصل على هواء كافي من عملية تبادل الغازات كما تحصل عليه البيضة الأقدم. ولذلك تطفو البيضة التي تحتوي على جيب هواء أكبر.
نضج البيض في قدر الضغط
تعزى هذه الظاهرة إلى الضغط البخاري الذي يحدث لأن البخار لا يستطيع مغادرة إناء الضغط وهذا الضغط يعمل على زيادة درجة غليان الماء أي أن الماء سيغلي عند درجة أعلى من 100 درجة مئوية.. وعندما يحدث ذلك فالماء يعطي طاقة أكبر لما يحيط به وهذه الطاقة تسرع عملية الطهو.
بيض مخفوق ضد بيض مسلوق
يعود ذلك لأن (المساحة المعرضة للحرارة مباشرة في البيض المخفوق أكبر بكثير منها في المسلوق الذي تسخن قشرته أولا ثم تنتقل الحرارة من القشرة الى محيط البيضة ومن الطبقة الخارجية إلى الطبقات الداخلية وهذا يستغرق وقتا أطول. وهذه الحالة تشبه الفرق بين طهو قطعة اللحم على شكل ستيك مثلا و ذات الحجم من اللحم إذا تم فرمه.
إزدياد صلابة البيض المسلوق بعد نضجه
الهواء ناقل سيء للحرارة أما المادة الصلبة فهي ناقلة جيدة وممتازة للحرارة وما يحدث هنا هو أن حرارة البيضة المسلوقة تنتقل إلى داخل البيضة وتسخن ذاتها بذاتها لأنها صلبة أكثر من تسخينها للجو وهذا التسخين الذاتي هو الذي يجعل البيضة تصل إلى هذه الحالة وهذا هو ما يحصل تمام في أطعمة كثيرة مثل اللحم المشوي مثلا فالحرارة تنتقل من الجزء الساخن من اللحم في الأطراف إلى وسطه بقدرة أكبر من إنتقالها عبر الهواء ولذلك يصبح اللحم خشنا لو ترك ولم يقدم فورا .. هذا السبب الذي يجعل بعض طهاة اللحم والبيض لا يقومون بطهي الطعام كاملا بل يتركون جزء بسيط نيئ لينضج وحده إذا كان تقديم الطعام سيتأخر.
تجلط البيض بالحرارة وسشوار الشعر
البروتينات الموجودة في البيض منطوية على ذاتها ومستقلة عن بعضها البعض بما يجعلها في حالة أقرب للسيولة ومع الحرارة تتمدد هذه البروتينات وتتجاذب مع بعضها البعض مكونة شبكة ثلاثية الأبعاد، هذا التقارب الأكثر للجزيئات يعطيها الخاصية الصلبة ، هذا التقارب أيضا يعمل على تقليص الحجم وهو ذات السبب الذي يبرر صغر قطعة اللحم عند طهوها أو تمدد الشعر عند تعرضه لحرارة السشوار.
بياض البيض بين الكريمة والرغوة
الرغوة عموما عبارة عن فقاعات هواء ممتزجة بسائل إلا أنه لزيادة عدد هذه الفقاعات وتقاربها من بعضها بسبب صغر المكان الذي تمتزج به والقوة الدافعة الذي يقدمها جهاز الخفق يجعل الفقاعات والجزيئات تقترب من بعضها البعض وتنضغط وهذا التقارب بين الجزيئات إضافة إلى ضغط السائل الذي يحيط بها كما في الحليب أو السائل الأكثر لزوجة وكما في بياض البيض يجعلها تأخذ هذا المظهر ..وهناك طريقة أخرى لصناعة الكريمة تعتمد على مزج البيض مع الغاز المضغوط السائل مما يجعل التقارب أكثر والكريمة أشد كثافة ولأن بياض البيضة خال من الدهون لن تسيل هذه الفقاعات بسرعة ولن تتعارض مع الماء.
تجلط البيض بالزيت دون حرارة
في بعض الطبخات يمزج الزيت مثل زيت الزيتون مع صفار البيض وقليل من الماء الطبيعي أو الخارج من عصارة الطعام المضاف له وهذا يعتمد على أن الزيت غير قطبي لا يمتزج في الحالة العادية مع الماء القطبي بل يتشكل على شكل كرات من الزيت في الماء ولكن في البيض مواد تحتوي مثل ( الصابون ) على قسم قطبي وقسم آخر غير قطبي وبينما يعمل الصابون على تذويب الزيت في الماء بهذه الخاصية لأن القسمين يقعان في الأطراف فيمسك بالماء والزيت من الأطراف، يحمل صفار البيض مادة بروتينية مشابهة إلا أن القسم المحب للزيت ( غير القطبي ) يحيط بالقسم المحب للماء وللزوجته الحالية يعمل على إبقاء جزيئات الزيت داخل الماء وكلما زاد الضغط على هذه الحبيبات بسبب المزج وإحاطة جزيئات الماء لها تقاربت وتحولت من حالة سائلة إلى ما يشبه الحالة الصلبة التي تسمى ب ( المستحلب ).
البيض الغرواني
البيض الغرواني يشبه المستحلب والرغوة إلا أنه ينتج بمزجه مع جزيئات صلبة صغيرة ودقيق جدا مثل الملح الناعم مثلا والخليط الغروي واضح جدا في القهوة .. فدقائقها الصلبة الصغيرة جدا هي المسؤولة عن لونها الأسود وطعمها ..وتتجلى الحالات الثلاث ( الرغوة, المستحلب والغروانية ) بشكل واضح في الآيس كريم أكثر من البيض وذلك لأنه يتكون من ذوبان غاز و حليب وسكر.
البيض الصيني الشفاف و الحموضة
هناك ثلاث طرق لإحداث تغير كيميائي في المختبر وفي الطهو وهي التغير في الحرارة, الملوحة والحموضة في حالة البيض الصيني لا تتعرض البيضة إلى حرارة ولكنها تنقع في الخل والملح وهي عملية تشبه عملية تحضير ( المخلل ) ( الطرشي ) ويتغير طعمها ومذاقها وتكوينها بسبب تغير نسبة الحموضة.
بيض بني: خبز وميلارد
إذا تركت البيضة تغلي بدرجة حرارة متوسطة لمدة 8 ساعات يتحول لون بياضها إلى البني هذا اللون البني الذي يغير من رائحة البيض وطعمه هو ذاته ما يحدث للخبز والبطاطا المقلية واللحم المشوي ويغير الطعم والرائحة وهو ما يعرف بتفاعل ميلارد والذي يحدث عند تفاعل الأحماض الأمينية والسكريات المختزلة عند درجات حرارة عالية جدا ( 140 – 160 ) مئوية.
ظهور اللون الأخضر في البيض
حين يسلق البيض لفترة طويلة أو يبرَّد بسرعة بعد سلقه تتكون في صفاره حلقات خضراء تشبه لون العفن الذي يحدث في الأطعمة ويدل على فسادها إلا إنه في البض غير ضار أبدا بل هو نتاج تفاعل داخلي يحدث بتحلل الأحماض الأمينية ( الميثونين و السيستيين) المحتوية على الكبريت عندما تتجاوز حرارة البيضة 70 درجة مئوية وتتفاعل مع الحديد الموجود في صفار البيضة مكونة كبريتيد الحديدوز الثنائي الذي يعطيها اللون الأخضر وهو مادة غير ضارة في الطعام.
رائحة البيض المميزة, لونها الأخضر والتسامي
المركبات المسؤولة عن رائحة البيض المميزة له هي كبريتات الحديد الثنائي و كبريتات الهيدروجين وفي حالة تفاعل هذين المركبين لتعرضهم لإرتفاع درجة الحرارة لفترة طويلة أو التبريد لفترة طويلة ينتجان أيضا كبريتات الحديد الثنائي المأمون والمسؤول عن اللون الأخضر ولإخفاء رائحة البيض في الأطعمة يضاف للطعام رائحة فاكهة أخرى.
يتم تصنيع هذه الرائحة باستغلال ظاهرة ( التسامي ) في الفيزياء وهو التحول من الحالة الصلبة إلى الغازية مباشرة دون المرور بالحالة السائلة وهذه الظاهرة تحدث للماء عندما تنخفض درجاته تحت – 60 مئوية عنما تصبح درجة غليان الماء أقل من درجة إنصهاره، فيغلى الليمون في ماء مثلا ثم يتم تقطيره وتجميده في مكعبات ب النتروجين السائل ( مثل المستخدم لصناعة الأسكريم بالصاج ) والنتروجين يغلي عند – 196 درجة مئوية وبالتالي سيتحول مكعب الليمون المجمد في النتروجين إلى غاز مباشرة عند خروجه من النتروجين ووضعه على الطعام مما يعطي الطبق رائحة ليمون طازجة لا يمكن أن تنتشر في الحالة الطبيعية مع الأطعمة الباردة ولو كان الليمون من مكوناتها كون حركة الجسيمات المسؤولة عن الرائحة تكون أقل سرعة في درجات الحرارة المنخفضة.يأكل البيضة بقشرتها
يشرب بعض الرياضيين وخصوصا ممارسي لعبة ( كمال الأجسام ) البيض بقشره وذلك لأن قشر البيض يحتوي على الكالسيوم فالمكون الأساسي له هو كربونات الكالسيوم , وهذه القشرة قابلة للتحلل لو غسلت مما يؤدي إلى تكاثر البكتيريا بها لذلك لا ينصح بأكل القشر نيا..بل مسلوقا وذلك لأن البكتيريا تموت في درجات الحرارة العالية التي يتم بها سلق البيض.صفار البيض السائل بلا بكتيريا
تتكاثر بكتيريا خطيرة في البيض أشهرها السايمونيلا ويتم التخلص منها عندما تسخن البيض وتنضج بشكل كامل ولذلك لا يعبر أكل البيض نيا أو نصف ني مأمونا. ولكن لتحضير بيضة ناضجة البياض يسيل منها صفار البيض فقط وتقتل البكتيريا في ذات الوقت يتم بتثبيت درجة حرارة البيضة على 52 درجة مئوية وطهوها في حمام مثبت لدرجة الحرارة لمدة ساعة بحيث تموت البكتيريا جميعها ويحافض الصفار على قوامه السائل.
عودة البيض المسلوق إلى أصله
ماذا لو فكرت بأنه لا حاجة لك الآن بأكل البيض مسلوقا وأنك أردت إعادته إلى حالته الطبيعية.. عليك أن تستخدم تقنية جهاز وقود الدوامة الذي يعمل على إعادة طي البروتينات كم كانت عليه من قل وهذا الجهاز (جهاز الدوامة المائعة) حصل صانعه د.كولين راستون على جائزة نوبل عام 2016 وغير ما كان يعتبر من المستحيلات في دراستنا للكيمياء . هذه التقنية تستخدم حاليا لإنتاج وقود الديزل الحيوي وآلاف الصناعات الأخرى وقد تستخدم في صناعة العلاجات للأمراض السرطانية.
المصادر:
1- علاقات الكيمياء – الأسس الكيميائية للظواهر اليومية – كيرى ك. كاروكتس ت: محمد النجدي
2- ON FOOD AND COOKING The Science and Lore of the Kitchen – Harold McGee
3- Science & Cooking: From Haute Cuisine to Soft Matter Science -HarvardX – SPU27x
4- Science & Cooking: From Haute Cuisine to Soft Matter Science (physics)-HarvardX – SPU27.2x
5- “Peter Barham’s “The Science of Cooking
https://cpb-us-e1.wpmucdn.com/sites.dartmouth.edu/dist/0/2024/files/2008/04/cooking.pdf
6-A General Review on Maillard Reactions – Md. Abul Haider Shipar
https://www.researchgate.net/publication/256816667_A_GENERAL_REVIEW_ON_MAILLARD_REACTIONS_IN_FOODS
7- The Chemistry of Eggs & Egg Shells https://www.compoundchem.com/2016/03/26/eggs/
8- Refolding Techniques for Recovering Biologically Active Recombinant Proteins from Inclusion Bodies- Hiroshi Yamaguchi and Masaya Miyazaki