هل يخطر في بال اي شاب أو شابة حينما يتقدم لخطبة فتاه/ يتقدم شاب لخطبتها ان يسأله / يسألها اهلها / اهله عن رؤيته ورسالته / رؤيتها ورسالتها في الحياة؟!
وعن طُرق تحقيق تلك الرؤية والقيم التي يرتكز / ترتكز عليها والاهداف التي رسموها لتحقيق تلكم الرؤية في حياته/ حياتها؟! قد يكون الجواب في الاغلب الحتمي هو…. !!
ان استطعت ان تقرأ رؤية (قيمة مستقبلية) ورسالة (مجموعة المهام والاعمال المرسومة) واهداف (مجموعة الانجازات المستهدفة) وقيم (قناعات ومبادئ) احدهم بشواهد تطابق مصاديق العمل والقول فعليا ، فيمكنك اكتشاف نبل الشخص من عدمه بعد الاطلاع الفاحص وكذلك الوقوف على سمو او دناءة ونفاق ذلك الشخص من خلال معرفة وسائلة المعتمدة وقيمه المعتمدة لتحقيق اهدافه.
في حدود فهمي ، فان الرؤية هي تتويج مستقبلي مستهدف سواء كان صفة او لقب يسعى الى بلوغه صاحب الرؤية عبر الالتزام بمهمات عمل متعددة وبشكل دؤوب (رسالة) ويتم من خلال ذلك انجاز وتحقيق مجموعة اهداف تؤسس لخلق الانطباع المراد او ذاك التتويج الذي كان يتطلع اليه بعد مرور عدة سنوات قد تتجاوز الخمسة سنوات واكثر.
حضرت عبر تطبيق زووم ورشة بعنوان “مهارات التخطيط للحياة” للاستاذ الفاضل م. صادق الحجي. وكانت ورشة تفاعلية ممتعة وهادفة ومفعمة بالحيوية وتتضمن منجم ذهب فكري لتحفيز المشاركين على تحديد وصياغة رؤية ورسالة واهداف وقيم الانسان في هذه الحياة في مقتبل عمره.
وبالفعل كانت تلك الورشة بالنسبة للبعض ورشة اعادة نبض الحياة لمن حضر بقلبه وعقله وتركيزه واراد ان يعيد صقل او يصقل ادوات تحديد معالم رسالته ورؤيته واهدافه وقيمه في هذه الحياة. وكذلك هي ورشة فكرية لمن سعى او يسعى لهندسة قراراته وزيادة انتاجه وترك البصمة الجميلة والاثر الطيب في حياته وبعد رحيله في محيطه الاسري والاجتماعي والوطني والانساني.
اتحاد الشغف مع الرؤية الذاتية في الحياة
يُقال عندما يلتقي الشغف الشخصي للانسان باهداف حياته في هذا الكون ، ينطلق الابداع في حياة ذلك الانسان ليكون الاكثر تميزا في مجال معرفته والاكثر تاثيرا في ترك بصمته. يمكن ان يوفق الانسان عندما تتزاوج رؤيته مع شغفه المهني فيحقق اهدافه الذاتية من جهة ويستمر في الانطلاق لافاق عالية فيترك بصمات مؤثرة في مهنته ومجتمعه واعماله.
فعلى سبيل المثال ، قد يدرج طالب الثانوية هدف تحقيق درجة البكالوريس في الهندسة الكيميائية خلال الاربع سنوات القادمة ويدرج رؤية استراتيجية له وهي: تطوير منتجات صناعية لمنتجات بلاستيكية صديقة للبيئة ورخيصة الثمن لتحسين مستوى العوائل متوسطة الدخل.
صناعة الحدث
تتطلب صناعة اي حدث صانع جريئ لها. والصانع للحدث انسان في العادة ذو رؤية واهداف وتحفزه للمضي قُدما مصالح معينة دنيوية او اخروية. وهمته الشامخة تجعله مستمر ومصر نحو تحقيق اهدافه. السائد من خصال ذلك الانسان انه انسان فعال يجيد ادارة الموارد المحدودة بكل اصنافها بما في ذلك الزمان والمال والمكان،
ويجيد ايضا اقتناص الفرص بعد تشخيص رؤيته وتطلعاته ورسالته ومهام اعماله في الحياة والعمل ضمن قيم اخلاقية محددة لينجز اهدافه وبالمحصلة يهندس اثاره وبصماته.
مصفوفة الوقت وصنع القرار
مصفوفة ايزنهاور (Eisenhower matrix) يتم استخدامها بشكل واسع اداريا لأهميتها في عملية إدارة الوقت وتصنيف المهام وانجازها. فكل شخص منا وقته واعماله موزعة بين اربع مصفوفات.
مصفوفة ١: عمل مهم واستحقاق زمني عاجل
مصفوفة ٢: عمل مهم واستحقاق زمني غير عاجل
مصفوفة ٣: عمل غير مهم واداء زمني عاجل
مصفوفة ٤: عمل غير مهم واداء زمني غير عاجل.
كلما كثرت الاعمال المهمة والعاجلة في حياتنا كلما زادت الضغوط النفسية على الشخص المنفذ وتسارع نسبة معدل الانهيار النفسي له نتيجة انعدام التخطيط وكثافة الضغوط. وكلما زادت الاعمال المهمة والغير عاجلة في حياتنا كلما زاد التركيز واجادة المعالجة وايجاد حلول انجع اقتصاديا وزيادة الانتاج وتفادي التعثر فيصبح التخطيط اوضح والقرار التنفيذي اصوب والاعمال المنجزة اكثر. كلما زادت الاعمال الغير مهمة والعاجلة استحقاقا اكثر في حياتنا كلما زادت الفوضى والتوتر واساءة ادارة الاولويات في التنفيذ للاعمال. كلما زادت الاعمال الغير مهمة والغير عاجلة استحقاقا في حياتنا كلما زادت العشوائية والاهمال والتلبك في التنفيذ للاعمال. فمعالجات القرار لمصفوفة ايزنهاور متأرجحة بين: نفذ، أو قرر، أو فوض ، أو احذف.
مجموعة اهداف بدون رؤية أو رسالة
البعض من الناس لديه اهداف واحلام عديدة ولكن ليس لديه رؤية أو رسالة. فلديه هدف مثل: امتلاك سيارة فارهة ، امتلاك فيلا في منتجع صيفي بريف مدينة اوربية ساحرة ، امتلاك مجموعة شركات أو امتلاك سلسلة مطاعم أو امتلاك مراكز تدريب صناعي حول العالم أو حيازة عقارات متعددة حول العالم تدر عليه تدفق اموال مستمرة (passive income). ولكن ليس لديه خارطة طريق.
ولنفترض ان احدنا حقق احلامه وحولها لواقع ملموس بعد اللتي واللتية. فهل تعتقد حقق رسالته أو رؤيته؟. حتما احراز الاهداف لا يعني احراز الوسيلة وبلوغ الغاية.
الغاية تمر في قناة انجاز المهمات (الرسالة) وتتوج ببلوغ الرؤية (القيمة / الصفة المرادة).
فلو كانت رؤية احدنا: ان يكون افضل مهندس تصاميم هندسية معمارية معروف في عصره وفي ارجاء المعمورة ، فان امتلاك مكتب هندسي مرموق في مدينة عالمية تكون هدفه المرحلي ووسيلته نحو بلوغ ذلك ان اجاد اقتناص الفرص واثبات المهارة والاصرار على اداء المهمات.
صياغة رسالتك في الحياة
هل يخطر في بال اي فتى يتقدم لخطبة فتاه ان يسأله اهلها عن رسالته في الحياة؟! حتما لا يخطر في بال اي شاب ان يُسأل هكذا سؤال وان تم ذلك في ايامنا هذه على الاقل. وان تم ذاك ، فسنرى العجب العجاب! نعم قد يكون الشاب جاهزا للجواب عن الاسئلة المعتادة التالية من قبل اصدقاءه او اهل خطيبته:
اين تعمل؟
ما طبيعة وظيفتك؟
ماهو مسمى وظيفتك وماهي شهاداتك الاكاديمية؟
ماهي مرتبتك الوظيفية؟
اين مقر عملك ومدينة سكنك؟
وقلما تسمع سؤال مثل:
ماذا تصنع في وقت فراغك اي بعد انهاء اعمالك وواجباتك وفرائضك والتزاماتك؟
كم متوسط الوقت الفائض الزمني لديك بالاسبوع واين تستثمره وهل لديك اهداف عليا تسعى لتحقيقها؟
في ورشة العمل تلك ، وردت عدة اسئلة ومن ضمنها:
س١- ماهي قيمك في الحياة؟ (الاخلاق، الدين ، الحب ، العدالة، تكافؤ الفرص، الصدق ، الامانة ، الاخلاص…. الخ)؟
س٢- ماهي الاعمال التي ان اديتها تترك في نفسك السعادة وفي محيطك الاثر الطيب؟
س٣- من هم الاشخاص الذين يحضون بجل اهتمامك حاليا ومستقبلا وتود ان تحدث التاثير الايجابي فيهم؟
س٤- ماهي المهارات التي تملكها الان او المهارات التي تسعى لأن تملكها لتحدث التغيير الإيجابي بمن تحب ان تؤثر فيهم ايجابيا؟
من خلال الاجابة على تلكم الاسئلة واسئلة اخرى يستطيع اي منا على صياغة رؤيته في الحياة وتحديد معالم رسالته ثم يشكل اهدافه ذات العلاقة لبلوغ ذلك. قد تعترض البعض اسئله حساسة حول بعض الاهداف بسبب تزاحمها او تصادمها مع امور عاطفية ونفسية واجتماعية واقتصادية وتسمى تلكم التساؤلات بتساؤلات ديكارت.
تساؤلات ديكارت تشمل الاسئلة الأربع التالية:
س١- ماذا سيحدث لو أنجز الهدف.
س٢- ماذا سيحدث لو لم ينجز الهدف.
س٣- ما الذي ستخسر لو أنجز الهدف.
س٤- ما الذي ستخسر لو لم ينجز الهدف.
الاجابة على تساؤلات ديكارت الاربعة من وجهة نظري تحتاج لترجيح العقل على العاطفة وتمحيص قوة أو رخاوة الاهداف من منظور صاحبها. وكذاك تعكس عمق ايمان صاحبها بها او مدى اصطدامها مع القيم التي يدعي صاحب الاهداف الايمان بها. فمن الضروري ان يقوم صاحب الأمر بموائمة الاهداف بالقيم. ففي روح اهل الايمان “الغاية لا تبرر الوسيلة” مهما علت نبل الغاية.
عجلة الحياة
اجادة تطبيق مهارات التخطيط للحياة تجعل الانسان اكثر وضوحا في صنع قراراته والمضي بخطوات ثابتة بوضوح في كل تفرعات ومفاصل الحياة. وتزداد مكاسب المجتمع والوطن والامة بشكل عام بتزايد اعداد المنتجين والايجابيين الواقعيين الذين يجيدون توظيف مهارات الحياة وصنع القرارات وتناقص اعداد الاشخاص الفوضويين العشوائيين في التخطيط وصنع القرار.
اتطلع ، شخصيا ، ان يكون معظم ابناء مجتمعنا ذو بصيرة واهداف واضحة ومهارات متعددة لتكون بصماتهم في الحياة قوية ومؤثرة وممتدة عبر امتداد الزمان والمكان والاجيال.
هندسة بصماتك في الحياة
حتما عامة الناس لايرون قناعاتك او افكارك او قيمك أو ايمانك وانما يرون بصماتك في الحياة من خلال سلوكياتك وافعالك ومبادراتك ومشاركاتك مع المجتمع. كل منا وضع أو سيضع نفسه في احد المربعات للادارة الزمنية المذكورة في مصفوفة ايزنهاور:
١- مربع الازمات وادارة الكوارث
٢-مربع صناعة المستقبل وتحقيق الانجازات
٣- مربع الخداع
٤- مربع الفوضى والضياع
ومهندسو الحياة في هذه الدنيا يجيدون التخطيط الاستباقي ليكونوا في معظم الوقت في مربع صناعة المستقبل وتحقيق الانجازات وبعيدين كل البعد عن مربع الخداع أو مربع الفوضى، ولديهم الشجاعة والقدرة في ادارة مربع الازمات متى ما وقعوا تحت ظروف معينة في شيء من ذلك. اجادة مهارات التخطيط في الحياة في مقتبل العمر لكل منا عنت وتعني حياة اكثر انجازات واكثر سعادة واكثر حيوية واثر طيب.
شخصيا اشجع كل شاب وشابة ان ينخرط في ورش عمل مهارات التخطيط للحياة في بداية الحياة حيثما وحينما تتاح الفرصة لذلك ليكونوا اكثر وعيا بكل قرارتهم في حياتهم ويحصدون اكبر قدر من ثمرات الانجاز ويستمتعوا بحياة بعيدة عن الفوضى والعشوائية والتوتر.
وحتما من يجيد ادارة التخطيط والتنفيذ في حياته يجيد التخطي للعقبات لما بعد انقضاء حياته في مجال الارث وجميل الوفادة الى الله وترك البصمات.