التواصل هو الوسيلة التي يحتاجها البشر للتعبير عن كل ما يجول بداخلهم ويرتسم في بواطنهم ولكن أحياناً قد يُفضل الإنسان لغة الصمت لأن في بعض المواضع قد ينتج عن الحديث الزائد ما لا يحمد عقباه وهذا ما أشار له الرسول الكريم ص في قوله: (طوبى لمن أنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله).
والتواصل ليس مقتصراً فقط على اللسان وإنما كل ما بجسم الكائن البشري هو في حالة من التواصل المستمر، فعلى سبيل المثال: المستقبلات الحسية السطحية على الجلد والعميقة منها في حالة تواصل مستمر مع الدماغ لنقل الإشارات العصبية بما فيها إشارات الألم.
وهذه المستقبلات والناقلات العصبية تتفاعل بشكل فوري مع المحفزات الخارجية التي تحيط بالجسم ولكن مع تطور الأبحاث وُجد بأن هناك نوع من المستقبلات يفضل لغة الصمت ولا يتحدث إلا عند الحاجة ، ولهذا سُميت:
(بمستقبلات الألم الصامتة).
تعتبر مستقبلات الألم الصامتة كالجنود الاحتياطية السرية التي يلجأ لها الدماغ في الحالات الطارئة جداً للدفاع عن الجسم والتعبير عن حالة الاستنفار حتى يلتفت الشخص لوجود خطر محدق به قد يهدد صحته.
وهذا النوع من المستقبلات موجود بشكل أكبر في منطقة القولون، المثانة البولية، الفقرات القطنية الظهرية والصدرية، ومفصل الركبة.
فتستند هذه النظرية على حقيقة أن الخلايا العصبية (CHRNA3+) هي عبارة عن مستقبلات الألم الصامتة وهي ليست كباقي المستقبلات الحسية والميكانيكية الموجودة في جسم الإنسان والتي تنشط بمجرد تعرضها لأي محفز ميكانيكي أو خطر بسيط مثل: شعور الشخص بلسعة الكوب الساخن أو ضغط الملابس الضيقة بشكل مزعج على جسده.
فقد اشارت الدراسات بأن مستقبلات الألم الصامتة لا تنشط مع المحفزات العادية ولا تشارك في نقل إشارات الألم الميكانيكية للدماغ عند الأفراد الأصحاء، بل تظل خاملة وكمخزون احتياطي إذا لم يتعرض الشخص طوال حياته لأي ظرف يتطلب من الدماغ أن يستخدم هذا الجوكر ليربح الحرب ضد المشاكل الالتهابية الشديدة والأمراض العنيفة جداً التي قد تواجه الجسم في أي مرحلة من مراحل حياته.
وعلى أثر هذه الدراسات فقد تم تسليط الضوء على مستقبلات الألم الصامتة على أنها أحد الأسباب الرئيسية التي تلعب دور كبير في زيادة شدة حساسية الجسم للألم لأنها عندما تنشط أثناء الالتهابات الشديدة جداً والمستمرة لفترة طويلة فهي تبدأ بالعمل كجنود مساعدة للمستقبلات الحسية الميكانيكية العادية.
فتشارك هذه الاعداد الهائلة من المستقبلات لنقل الألم للدماغ بصورة أكبر وأسرع، ونتيجة لذلك سيبدأ الشخص بالشعور بالألم مع أقل لمسة أوضغطة أو حركة هي بالعادة غير مؤلمة أو ضارة تماماً.
ولهذا سيبدأ الشخص بالمعاناة من فرط حساسية الألم وتهيجه مع أقل حركة أو محفز قد لا يكون مؤلماً في السابق.
وبالتالي إن استمرار تدخل هذا النوع من مستقبلات الألم وعدم عودتها لطبيعتها الصامتة من شأنه أن يزيد بشكل كبير من الرسائل الناقلة للألم على مستوى الحبل الشوكي وحتى منطقة الدماغ.
فعندما يُستثار هذا النوع الصامت من المستقبلات والذي قد يساهم في تهيج الألم الالتهابي لحماية الجسم من الخطر وتفاقم المشكلة فيعتبر هذا التصرف كاجراء احترازي من الدماغ حتى لا تتحول المشكلة إلى المستوى المزمن الكارثي فيصعب علاجها.
وبالتالي فقد وجد الباحثون بأن المستقبلات الصامتة هي ليست صامتة تماماً فهي تتحدث بما قل ودل، وتقوم بدورها المطلوب عند الحاجة الملحة لذلك فقط.
ولهذا ليس الكلام دائماً محمود في كل المواقف، فمن نعم الله تعالى علينا بأن جعل هذا النوع من المستقبلات صامتاً فلو كانت تتحدث طوال الوقت لشعر الإنسان بأنه يعيش في جحيم من الألم في أبسط أموره الحياتية. ودمتم بصحة وأمل ومستقبلات صامتة للألم..
*أخصائي أول عظام علاج طبيعي