نمط الحياة (Lifestyle) هو أفعال الانسان التي تلبي حاجاته وتحقق سعادته في بيته وعمله ومجتمعه وهي تطبيق عملي لقيمه وعاداته وقناعاته.
نمط حياة الآباء يختلف عن نمط حياة الأبناء نتيجة تطوّر التقنية، إذ من الطبيعي ان يغيّر اختراع السيارة او الكهرباء نمط الحياة، وكذلك تغيّر المدنية نمط الحياة، فبينما يعيش الآباء في أسرٍ ممتدة قريبًا من بعضهم في القرية، يعيش الأبناء في أسرٍ نووية صغيرة في احياء متباعدة في المدينة، وبينما كان الآباء يمارسون عملًا يدويًا كالبناء والفلاحة، يمارس الابناء عملًا قد يكون مكتبيًا فيحتاجون الى ممارسة رياضةٍ مناسبة.
السؤال المهم هو:
هل تفقد قيم المجتمع بريقها وتتغير تدريجيًا نتيجة إختلاف نمط الحياة؟
إن صحّ أن القيم الاجتماعية تفقد وهجها فهذا أمرٌ خطيرٌ يستحق الكثير من التأمل والتفكير.
البعض يرى أنّ تغيّر نمط الحياة لا يغيّر هوية المجتمعات الثقافية بأخلاقها وقيمها والتي تنبع من الدين والثقافة والتربية الأسرية والمدرسية وتراثها التاريخي فهي رأس المال الذي يرثه الأجيال. فمثلًا، كلّ الأجيال تعتز بكرم حاتم الطائي وكلّها تفتخر بشرف آبائها وعفة أمهاتها وطهارة نسبها عن الفجور والخيانة.
أمّا البعض الآخر فيوافق على أنّ المجتمع يحب قيمه الاصيلة كالصدق والأمانة والكرم والفضيلة والشرف ويكره الكذب والخيانة والانانية والرذيلة والفجور، لكنّه يرى أنّ نمط الحياة الجديد قد أفقد القيم الأصيلة بريقها تدريجيًا ويستدل على ذلك ببروز بعض المظاهر الاجتماعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي يخشى أن تتحوّل تدريجيًا الى عاداتٍ اجتماعية. ومن هذه المظاهر الاجتماعية:
البحث عن الشهرة بأساليب مخلةٍ بالذوق الاجتماعي، واهتمام البعض بأيقوناتٍ تافهة لا تستحق انتباه الآخرين، وهذه المظاهر وغيرها تسفر عن مستوًى لا يليق بقيم المجتمع الأصيلة. فهو يرى أنّ هذه التغيرات ربما حدثت نتيجة هندسةٍ ثقافيةٍ لمجتمعنا بأفكارٍ جديدةٍ او انماط حياة اقتنع بها البعض من ثقافات اخرى!؟ فهل توافقه على هذا الرأي ولماذا؟
تحقيق الذات وثورة الاتصالات:
اعطت الرأسمالية الغربية الفرد كامل حريته في التملك والاستثمار، وكان من نتائجها نزعة الأنانية الفردية التي انتشرت في الثقافة الغربية. وقد انتقلت هذه النزعة الى بعض العلوم الأخرى ومنها بعض نظريات علم النفس، فبلغت أوجها في ثمانينات القرن الماضي أي قبل حوالي اربعين عامًا، حين نادت مدرسة علم النفس الانسانية الغربية بتحقيق الفرد لذاته ووعدته بتحقيق أقصى طموحه وأمانيه شريطة ان يتحرّر من القيود وينطلق في استثمار طاقاته ومواهبه. ومنذ ذلك الحين أصبح تحقيق الذات هدفًا طموحًا تنادي به الشركات والمدارس في أرجاء المعمورة عبر محاضراتٍ وتقييمٍ سنوي لأغلب الموظفين.
صادف هذا التوقيت انتشار الهاتف المحمول والكاميرات المصاحبة له، ثم ثورة وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت نافذةً يطلّ منها البعض بنرجسيته وذاته الأنانية المتضخمة والمحبة للبروز على العالم وينشر فيها صوره الحية وكلّ ما يحبّ ان يشارك به الآخرين. هذا التسونامي التقني الثقافي الغربي انتشر عالميًا فأثّر على نمط حياة الأفراد في الأمم الأخرى، فعكف البعض على هواتفهم ساعاتٍ طويلةٍ يوميًا يتصفحون النت ويقرأون ما يسطره الآخرون. وأصبح البعض شغوفًا بتصوير نفسه في أوضاعٍ مختلفةٍ ونشرها عبر مواقعه الشخصية.
في هذا الزخم، انتشرت صور الكثير من المشاهير عالميًا بأساليب وصورٍ غريبةٍ وعجيبة. وبدأت الشهرة تجني الكثير من الأموال عبر الدعاية والاعلانات والعروض التجارية.
هكذا أصبح البروز والشهرة هدفًا لدى البعض لأنّه كما يرون يحقّق ذاتهم وقد يجني لهم ثروةً طائلةً او موقعًا اجتماعيًا مرموقا. وحيث أنّه من الطبيعي ان لا يتمكن الجميع من البروز باستحقاقٍ عبر انجاز مشرفٍ، لجأ البعض الى إساليب ملتوية لتحقيق ذلك.
فمنهم مع الأسف من دفعته ذاته المتضخمة الى كسر بعض القيم الاجتماعية وتعدي بعض الحدود على الرغم من استنكار المجتمع لتصرفاته. هذه الفئة قليلةٌ جدًا رغم أنّ البعض يظنها كثيرة العدد نتيجة جعجعتها الاعلامية وغرابتها عن المألوف.
نمط الحياة في مجتمعنا:
لقد تغيّر نمط الحياة نتيجة ثورة الاتصالات والهواتف المحمولة والتي دخلت بقوةٍ الى جميع جوانب الحياة. وقد تركت سلبياتٍ عديدةٍ منها قضاء ساعاتٍ طويلة في تصفح المواقع، ومنها نشر معلوماتٍ وصورٍ شخصية خاصة. لكن رغم انفتاح المجتمع على ثقافاتٍ أخرى تختلف عن ثقافته، بقي حائط الصد قويًا لدى أغلب أفراد مجتمعنا نتيجة تمسكهم بالقيم الأصيلة وحصانتهم الذاتية. أمّا الضمير الجمعي فلايزال حيًا ونشيطًا للحفاظ على هوية المجتمع وقيمه الأصيلة.
إنّ البروز والشهرة باستحقاقٍ نتيجة ابداعٍ او عملٍ مشرفٍ أمرٌ طبيعي لكنّه ليس هدفًا بذاته بل هو نتيجةٌ طبيعيةٌ لعمل الفرد وانجازاته.
كما أنّ تحقيق الذات جميلٌ ان كان يعني تحقيق الطموح وعدم اليأس كسبيلٍ لتحقيق غايةٍ تتجاوز أنانية الفرد وتطلق طاقاته لخدمة ذاته ومجتمعه البشري بصورةٍ عامة، والحمد لله ربّ العالمين.