جزء الدماغ الذي يعالج المعلومات البصرية، وهي القشرة البصرية ، قد تطورت على مدى ملايين السنين في عالم لم تكن فيه القراءة والكتابة موجودتين. لذلك أُخذ هذا الغموض زمناً طويلاً قبل أن ظهرت هذه المهارات (١) قبل حوالي خمسة آلاف سنة ، مع إكتساب أدمغتنا بشكل مفاجيء قدرة معينة على فهم الحروف. يعتقد بعض الباحثين أن المفتاح لفهم هذا الإنتقال هو تحديد كيف ولماذا بدأ البشر في إستحداث علامات متكررة.؟
وقد أتاح التصوير الدماغي المستفيض (٢) الأخير للقشرة البصرية أثناء قيام الناس بقراءة النص رؤى مهمة حول كيف يدرك الدماغ الأنماط البسيطة. في ورقتِي الجديدة (٣) ، التي نُشرت في مجلة تقارير العلوم الأثرية Journal of Archaeological Science Reports، حللت هذا البحث لأقول بأن الأنماط الأولى التي عملها البشر كانت جمالية وليست رمزية ، وتصف ما يعنيه ذلك لتطور القراءة والكتابة.
كشف علماء الآثار عددًا متزايدًا من الأنماط القديمة المنقوشة التي أنتجها الإنسان القديم فضلاً عن النيدرتال Neanderthals و الإنسان المنتصب Homo erectus.
العلامات سبقت الفن التمثيلي الأول (الرسومات التي تمثل شيئًا ما) بآلاف السنين.
تم العثور على هذه الزخارف في جنوب أفريقيا بنقوش يعود تاريخها إلى ،مائة ألف سنة مضت. وقد عثر علماء الآثار أيضًا على نقوش على شكل صدفة (٤) صنعها الإنسان المنتصب منذ حوالي ٥٤٠ ألف عام. إحدى الملاحظات المثيرة للإهتمام لهذه العلامات القديمة هي أنها تتميز جميعها بشبكات grids (خطوط متقاطعة) وزوايا وخطوط متكررة.
فلتر نمط الدماغ
في عام ٢٠٠٠ ، إفترضتُ لأول مرة (٥) أن الطريقة التي تعالج “القشرة البصرية القديمة (٦)” – وهي المكان الذي أول ما تصطدم فيه المعلومات البصرية من العين بالقشرة الدماغية – المعلومات أدت إلى القدرة على نحت أنماط بسيطة. نحن نعلم أن هذه المنطقة لديها عصبونات تقوم بترميز حواف وخطوط وتقاطعات على شكل حرف “T” . كأشكال مفلترة ، تقوم هذه الأشكال بتنشيط القشرة البصرية بشكل تفضيلي.
من السهل أن تعرف كيف حدث ذلك. تعتبر الخطوط والزوايا والتقاطعات أكثر السمات المطمورة في البيئة الطبيعية توافرا – فهي توفر قرائن أولية حاسمة على ترتيب الأجسام. إن قدرة دماغنا على معالجتها يشاركنا فيها الرئيسيات الأخرى ، لكن الدماغ البشري قادر أيضًا على الإستجابة لهذه القرائن بشكل إستباقي (٧) باستخدام “مبادئ غشتالت Gestalt” (التعريف في ٨) – وهي القواعد التي تمكن العقل من إدراك الأنماط تلقائيًا، مثير ما. يساعد ذلك في بناء نماذج أساسية تُغذى إلى المناطق البصرية العليا في الدماغ ، والتي يمكن معالجتها بطريقة حتى يمكننا نشعر بها كأشياء حقيقية.
في مرحلة ما من نحو ٧٠٠ ألف سنة ، هذه الحساسية للهندسة وتصور النمط مكنت البشر من البدء في “أدوات أشولينية Acheulean (٩)” مصقولة ، والتي تظهر تناظراً معيناً. هذه ليست ممكنة على الأرجح بدون معرفة ضمنية بالهندسة.
بعد ذلك ، ساهمت صناعة الأدوات هذه في تعزيز الحساسية والانحياز نحو أنماط البيئة الطبيعية ، التي أسقطها أسلافنا على مواد أخرى غير الأدوات الفعلية. على سبيل المثال ، بدأوا صدفةً بوضع علامات على الصخور والأصداف والمواد مثل المغرة ochre (تعريف من خارج النص: حجر طيني يستخرج منه صبغ أحمر بني مصفر).
الحفر إلى الكتابة
في مرحلة ما ، تم نسخ هذه الأنماط غير المقصودة عن قصد على هكذا مواد – تطورت إلى تصميمات منقوشة ثم إلى كتابة.
لكن كيف كان هذا ممكنًا؟ فقد أظهرت الأبحاث العلمية العصبية أن كتابة النص يستخدم القشرة الدماغية (٩) ، والتي تحرك المهارات اليدوية manual. تشير نظريتي لذلك أن القراءة والكتابة قد تطورت عندما بدأ إدراكنا الخامل passive لتمييز الأمور بالتفاعل مع المهارة اليدوية manual dexterity (أنظر التعريف في ١٠).
الكتابة والأنماط المجردة تنشط أيضاً ما يسمى ب “الخلايا العصبية المرآتية” في الدماغ (١١، ١٢). هذه الخلايا الدماغية رائعة لأنها تطلق ومضة كهربائية firing عندما نتصرف وعندما نلاحظ الآخرين يتصرفون – مما يساعدنا على الشعور بأننا نشابه الآخرين ونفهمهم كما لو كنا نحن بأنفسنا من يقوم بالعمل. لكنها أيضًا تطلق ومضات كهربائية firing عندما نشاهد نمطاً (١٣) ونرى نصاً مكتوباً (١٤). وهذا بالتالي يمكن أن ينتج إحساساً بالتشابه مع نمط ما – سواء كان عرضيًا (صدفةً) أو طبيعيًا – بطريقة تلهمنا تكراره. وكانت هذه العلامات هي الخطوات الأولى للكتابة والقراءة.
وبالتالي ، هذه التطورات تمكن الدماغ من إعادة استخدام القشرة البصرية لغرض جديد تمامًا. في نهاية المطاف ، كان من الممكن أن تكون قد إستحدثت عملية جديدة في الدماغ تستغل القشرة البصرية ، مسببة ظهور منطقة شكل الكلمة المرئية VWFA (للتعريف ، انظر ١٥، ١٦) والإتصال مع مناطق الكلام بشكل تدريجي مع مرور الوقت.
بعد قول هذا ، يعتقد بعض الباحثين أن العلامات القديمة رمزية وليست جمالية (١٧) وأن الكتابة تطورت من ترميز المعلومات فيها. ومع ذلك أنا أزعم أن هذا يبدو الآن غير مرجح بنحو متزايد. تبدو العلامات القديمة متشابهة مع بعضها البعض خلال فترة زمنية طويلة للغاية. إذا كانت العلامات رمزية ، فإننا نتوقع أن نرى تباينًا أكبر عبر المكان والزمان ، تمامًا كما نرى في أنظمة الكتابة الحديثة (تعريف من خارج النص: نظم الكتابة والتي منها الفبائية وأبجدية وغيرها، المزيد في ١٨). ولكن هذا ليس هو الحال.
كل هذا يشير إلى إحتمال أن تكون العلامات القديمة جمالية من حيث أنها مشتقة من تفضيل القشرة البصرية القديمة للأشكال الأساسية. ويمكن أن تكون قد بدأت في وقت قديم قدم الإنسان المنتصب ، الذي عاش من حوالي مليون وثمانمائة سنة إلى ٥٠٠ ألف سنة مضت.
مصادر من داخل النص وخارج النص:
١-http://readinginthebrain.pagesperso-orange.fr/intro.htm
٢-https://youtu.be/MSy685vNqYk
٣-https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2352409X18308149
٤-https://www.smithsonianmag.com/science-nature/oldest-engraving-shell-tools-zigzags-art-java-indonesia-humans-180953522/
٥-http://www.ifrao.com/art-and-perception/
٦-http://www.cnbc.cmu.edu/%7Etai/papers/journal_phys.pdf
٧-https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0010945219300620
٨-ما هي مبادئ غشتالت؟
مبادئ غشتالت Gestalt هي مجموعة من القوانين المنبثقة عن علم النفس في عشرينيات القرن العشرين ، وتصف كيف يرى البشر الأشياء عادةً عن طريق تجميع عناصر متشابهة ، والتعرف على الأنماط وتبسيط الصور المعقدة. يستخدم المصممون هذه البرامج لإشراك المستخدمين من خلال “حيل” قوية ولكنها طبيعية من منظور ومعايير تصميم أفضل الممارسات.، ترجمناه من نصع لو هذا العنوان:
https://www.interaction-design.org/literature/topics/gestalt-principles
-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/أشولينية
٩-https://www.pnas.org/content/109/50/20762
١٠-تعريف المهارات اليدوية Manual dexterity وهي القدرة على استخدام اليدين بطريقة بارعة ومنسقة للمسك بالأشياء وتحريكها و استعراض حركات صغيرة ودفىقيقة. ترجمناه من نص على هذا الرابط:
https://www.adea.org/GoDental/Application_Prep/Preparing_for_Dental_School/The_Importance_of_Manual_Dexterity.aspx
١١-https://youtu.be/DY1HAJGpyVw
١٢-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/خلية_عصبية_مرآتية
١٣-://www.researchgate.net/publication/263809628_Freedberg_D_and_Gallese_V_2007_Motion_Emotion_and_Empathy_in_Aesthetic_Experience_Trends_in_Cognitive_Science_May_2007_Vol_11_No_5_pp_197-203
١٤-https://journals.sagepub.com/doi/pdf/10.1080/02724980143000631
١٥-تعريف (visual word form area (VWFA
منطقة شكل الكلمة المرئية (VWFA) هي منطقة وظيفية من التلفيف المغزلي الأيسر والقشرة المحيطة (الجانب الأيمن هي جزء من منطقة الوجه المغزلي) التي يُفترض أنها معنية بالتعرف على الكلمات والحروف من معالم صور الشكل الدنيا البسيطة. ، قبل ربطها بالنطقيات ( الفنلوجيا ) أو الدلالة.ترجمناه من نص على هذا الرابط
https://en.m.wikipedia.org/wiki/Visual_word_form_area
١٦- https://academic.oup.com/brain/article/123/2/291/346042
١٧-https://www.nature.com/articles/s41586-018-0514-3
١٨-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/نظام_كتابة
المصدر الرئيسي: