𝙒𝙝𝙖𝙩 𝙞𝙨 𝙀𝙣𝙤𝙪𝙜𝙝?
(بقلم: المهندس سعيد المبارك)
هل تساءلت أو تأملت يومًا عن معنى الإكتفاء أو الشعور بالرضا؟
ما أجمل أن يتميز المرء بعطاءه وعمله وما اجمل أن يُقدر “على ذلك” من الآخرين. والله يضمن لك ذلك في قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾
[الكهف: 30]. وقيل في الحديث “ان الله يحب اذا عمل أحدكم عملا ان يتقنه”. والأصل في الأعمال هو اتقانها وما النتيجة الا من أصل العمل. لكن هنالك فارق كبير بأن يكون الانسان راغب في اجادة العمل واتقانه وان يكون مولع بالتقدير على ذلك العمل من الآخرين.
ففي الرغبة في الحصول على التقدير والتميز والتفوق وتحقيق الإنجازات شعور طبيعي، ولكن الافراط في ذلك قد يؤدي في كثير من الأحيان الى الشعور بعدم الرضا والبعد عن القناعة مما يدعونا الى التفكير مليا في هذه الرغبة وكيفية التعامل معها.
رغبات كهذه قد تكون مسببا لإرهاق ذهني وسعي مفرط ولا متناهي لتحقيق المزيد والمزيد…. حيث يتسبب هذا في سلب الشعور بالرضا والسعادة والاكتفاء بما لدينا وما حققنا من إنجازات بالفعل. فكيف لهذه الدوامة أن تنتهي اذا كان المرء ممتلأ بمشاعر النقص، وعدم الرضا او الاكتفاء ومراقبة الاخرين والمقارنة بإنجازاتهم.
يجدر بالذكر أيضا ان من اكبر الأعباء على النفس هي حين يختل مفهوم الاكتفاء والرضا ليصبح مرادفا لمفاهيم كالتقدم والتميز والشهرة، وهذا يجعل الدوامة عبئاً ثقيلاً على كاهلنا دون ادراكنا.
نعيش اليوم في عالم يصخب بالشهرة والتميز وكذلك في مجتمعات تحثنا على ملاحقة النجاح المادي وتكديس الثروات والممتلكات التي أصبحت وللأسف علامات يعتقد الكثير انها مرآة للقيمة الذاتية والسعادة.
نجد نفسنا غارقين في بؤرة من مشاعر نقص الاستحقاق الذاتي التي تمنعنا من احتضان ذواتنا الحقيقية، ولعل الخلاص من هذا الشعور يكمن في الشعور بالرضا والإمتنان والعيش في اللحظة والاستمتاع بجميع تفاصيلها، ويكمن في تقدير ما لدينا قليلا كان ام كثيرا، في الاقتناع ان قيمتنا وذواتنا وجوهرنا وعدم ربط ذلك بمعايير خارجية. بعبارة أخرى، يمكن القول ان هذا يكمن في جوهر فلسفة الاكتفاء، وهي تدعونا إلى:
- إيجاد السكينة في اللحظة التي نعيشها ، لا الانتظار لأحوال خارجية تجلب لنا السعادة،
- تحوّل منظورنا من العوز إلى الوفرة والقناعة والرضا،
- تحثنا على التمييز بين تطلعاتنا الهادفة وبين الإغراءات والرغبات الخادعة،
- تنمّي في نفوسنا مشاعر إيجابية تجاه أنفسنا والآخرين،
- وتمنحنا القوة لمواجهة تحديات الحياة بمرونة وحكمة وصبر.
ممارسة فلسفة الاكتفاء لا تعني التخلي عن الطموح أو الرضوخ بالدونية او عدم الرغبة في التميز. بل هي تدعونا إلى مواءمة تطلعاتنا مع قيمنا الأساسية ورغباتنا الحقيقية. انها تحثنا على السعي إلى التميز دون أن نغيب عن الحاضر والاستمتاع بكل تفاصيله والتعلم منه.
من هذا المنظور، ستتحول أبسط اللحظات إلى سعادةٍ تغمرنا، وندرك بوضوح قيمة السعي وراء المزيد في حياتنا. نعرف ما هو حقيقي ونقدره وندرك الزائف وما قد يصاحبه من بريق مزيف وضجيج خدّاع.
مع ابتداء رحلتك في استكشافك “فلسفة الإكتفاء” تذكر أنها مجرد مسار لليقظة الذاتية لنتيقن بأن مفتاح السعادة يكمن بداخلك. بنظرة مختلفة لما لديك والتفكير فيما قرأت من مبادئ، ستدرك سهولة في اكتشاف امور كثيرة لديك تبعث البهجة والشعور بالرضا والسعادة. وقد تكون في امور او أشياء صغيرة او متواضعة.
يجدر بالذكر أيضاً أن اقتناعك بفلسفة الاكتفاء والرضا يجعلك حراً من الضغوط الاجتماعية، ويساعدك على إدراك أن قيمتك الجوهرية لا تعتمد على المقاييس الخارجية. فعندما تدرك قيمتك الحقيقية، حتما ستشعر بتقدير حقيقي للنعم في حياتك وتحفيز على تقدير النعم المُيسّرة في حياتك لمشاركتها مع الاخرين. «في العالم كثيرون من يبحثون عن السعادة وهم متناسين فضيلة الرضا» – دوج لارسون.
“انا مكتفي ولدي ما يكفي” هي مقولة تُجسد جوهر الرضا والقناعة والشكر على النعم.
إنها إعلان عن عدم حاجتنا إلى تقييد أنفسنا بمقاييس النجاح الخارجية أو بالمقتنيات التي نجمعها. فجوهرنا يُخبئ كنزه في الروح، ينبض بالحب الذي نقدمة، وينثر اللطف في مسيرتنا، ويشير بالتميز الذي هو بطبيعته ملكنا.
غالبًا ما يدرك الناس في وقت متأخر من العمر أن الأصالة والتوازن والتواصل والبهجة لها أهمية أكبر من الممتلكات والجوائز والمناصب. والندم يجعل الكثير منهم يتمنون لو أنهم عرفوا المعنى الحقيقي للاكتفاء والشعور بالرضا بما لديهم.
*ندى الغامدي مهتمة بالترجمة والكتابة الإبداعية والأكاديمية ، خريجة لغة انجليزية من جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل وحاليا تعمل في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. تؤمن ندى بأن اللغة هي أداة قوية للتواصل ونقل المعرفة والتأثير على الآخرين. نشرت الكثير من المقالات الدينية والفلسفية والثقافية على [السنديان – SwampOak] وهي منصة إبداعية أنشأتها للنشر والكتابة.
المصدر:
https://www.swampoakpub.com/writers-of-honor/what-is-enoughما-مفهوم-الاكتفا1