عندما نتحدث عن القطيف التاريخية فنحن نتحدث عن منطقة شاسعة تمتد من الشمال من حدود البصرة (في العراق حاليا) الى عمان في الجنوب ومن الاحساء في الغرب الى جزر الخليج في الشرق (البحرين تاروت دارين وغيرها) اي المنطقة الشرقية بأكملها من المملكة العربية السعودية.
هذه المنطقة الشاسعة من الأرض وموقعها الاستراتيجي الواقعة بين مراكز الحضارات القديمة جعلها تتبوأ وتلعب أدوارا حيوية في تاريخ الحضارات القديمة، فمن الشمال تقع حضارات بلاد الهلال الخصيب متمثلة بحضارة ما بين النهرين (حضارة بلاد الرافدين) وحضارة بلاد الشام وسواحل البحر المتوسط (حضارة الفينيقيين واليونانيين) ومن الجنوب ممالك وحضارات شبة الجزيرة العربية ومن الشرق حضارة بلاد فارس ومن خلفها حضارات بلاد الهند والسند والحضارات الاسيوية الاخرى. فهي حضارة قديمة يعود تاريخها لأكثر من 3500 عاما قبل الميلاد.
وفي هذا الجزء الأخير من سلسة التوثيق لتاريخ حملات التنقيب عن الاثار في القطيف التاريخية سنتطرق الى النتائج والتوصيات للدراسات المنجزة للمواقع المكتشفة:
بناء لما رصد من اعمال تنقيبيه ومواقع الاثارية المكتشفة عن طريق المسح الميداني الذي بدأ منذ وقت مبكر من القرن الماضي ابتداء من المصادر السابقة لأعمال وكالة الآثار والمتاحف، البعثات الأجنبية ومنها البعثة الدانمركية عام 1968م، البعثة السعودية، أعمال وكالة الآثار والمتاحف، إسهامات المؤرخين السعوديين ومنهم الباحث عبدالله حسن مصري عام 1972م وإسهامات دانيال بوتس وكورن بسنجر عام 1975م نتج عنه العديد من الاعمال والدراسات المباشرة وغير المباشرة لوفرة المادة الاثرية والتي لم تمس حيث يمكن القيام بدراسات اكاديمية متعددة ومتخصصة لبناء تاريخ المنطقة القديم وفي مختلف جوانب الحياة والتي ستضيف الجديد للتاريخ القديم لهذه المنطقة.
من الأدوات الحجرية المكتشفة والتي تعود الى العصر الحجري القديم دل على ان الانسان بدا بالاستقرار في هذه المنطقة بدليل وجود هذه الأدوات الحجرية والكسور الفخارية البدائية في صناعتها في الطبقات السفلى في بعض المواقع والتي وجدت فيها بقايا حضارة العُبيد التي تؤرخ بدايتها بمنتصف الألف الخامس قبل الميلاد ونهايتها بمنتصف الألف الرابع قبل الميلاد.
كذلك، الدراسات دلت على ان الانسان الدي سكن المنطقة استطاع مواكبة صناعة الفخار التي كانت تماثل الصناعات المماثلة للحضارات المجاورة والمعروف باسم فخار العبيد الدي عثر عليه فيما يقارب أربعين موقعا وهذا لهو دلالة على كثافة وجود الانسان في هذه المنطقة والعمق التاريخي لاستقرار الانسان لها لألفي سنة كما دكر عبدالله حسن المصري في دراسته.
كما بينت الدراسات الأخرى ان الاستيطان استمر خلال الفترات اللاحقة فيما يعرف باسم فترة هيلي، والتي يفترض أنها امتدت من منتصف الألف الرابع قبل الميلاد واستمرت حتى الربع الأول من الألف الثالث قبل الميلاد استدلالاً بالمواد الأثرية التي عُثر عليها في مقابر جنوب الظهران وموقع تل تاروت.
كما تفيد الدراسات ومن خلال الأدلة الاثارية أن الإنسان لم يترك المنطقة بل استمر فيها خلال الفترة المعروفة في شرقي شبه الجزيرة العربية باسم فترة أم النار والتي استمرت ثقافتها حتى القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد.
كذلك، استمر الاستيطان خلال الفترة التي تُعرف باسم فترة دلمون والتي تبدأ من الربع الأخير للألف الثالث ق. م واستمرت حتى القرن السابع عشر قبل الميلاد. واستمرت الحضارة في شرق الجزيرة العربية واستدل عليها بمعثورات اثرية للفترة الكاشية والبابلية التاخرة والفترة الخمينية على حد سواء.
بالإضافة لما دكر, نشط الاستيطان في المنطقة خلال الفترتين الهلينستية والرومانية أي من 300 ق. م حتى 400 م، أي في فترة ما يعرف بفترة الممالك العربية الوسطى والمتأخرة، استدلالا لما اكتشف من مواقع غنية بالمادة الاثرية التي تدل على الغني مثل موقع ثاج، وموقع الدفي، وموقع رأس القرية، وموقع عين جاوان، وموقع الحناة، ومواقع أخرى.
ولقد قُسمت المادة الاثرية العينية الى قسمين:
1. مادة أثرية ثابتة والتي تشمل :
• المستوطنات بما تحتويه من منازل، وأسوار، وأبراج، وشوارع، ومنشآت عامة.
• المقابر بأنواعها المختلفة المشيدة على ظهر الأرض، أو تلك المحفورة في باطن الأرض، الجماعية منها والفردية.
• الآبار القديمة التي عُثر على عدد منها مثل تلك التي وجدت في ثاج والحناة.
• الطرق القديمة المعبدة عبر الجبال.
2. مادة أثرية منقولة والتي شملت على كمّ هائل في تنوعه وعدده ومنه يمكن أن يستخلص تاريخ المنطقة القديم بفروعه المختلفة وتشمل:
• الأواني الفخارية التي تغطي امتداداً زمنياً يبدأ بالألف السادس قبل الميلاد ويستمر حتى ظهور الإسلام، ويتوفر فيها عشرات الأنواع، ويظهر عليها مئات العناصر الزخرفية، ويوجد فيها مئات الأشكال.
• مجموعة كبيرة من قطع العملة المصنوعة من مواد متنوعة والتي تؤرخ بفترات زمنية مختلفة.
• مجموعة كبيرة من أواني الحجر الصابوني التي قد لا يوجد ما يضاهيها في عددها وزخرفتها في كثير من مواطن حضارات العالم القديم.
• مجموعة كبيرة من الحلي التي تشتمل على الحلي الذهبية، والفضية، والنحاسية، والصلصالية، والحجرية، والصدفية، والعظمية. وتشتمل الحلي على القلائد، والحجول، والأقراط، والسبائك، والمشابك، والأحزمة، والتيجان، والأزمة.
• مجموعة كبيرة من الأختام التي تؤرخ بأزمنة متعددة تبدأ بالألف الثالث قبل الميلاد وحتى ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي. صُنعت الأختام من مواد مختلفة مثل الحجر الصابوني، والأحجار الأخرى، والصلصال.
• مجموعة كبيرة من التماثيل وبخاصة الدمى الصلصالية التي اشتملت على الآدمية والحيوانية والأسطورية.
• مجموعة من المشغولات الخشبية المتنوعة والتي اشتملت على المراود، والأمشاط، والتوابيت.
وبناء على ما سبق من معطيات ومن هذا الكم الهائل والمحصلة من المادة الاثرية الثابتة او المنقولة، جاءت هذه التوصيات للاستفادة القصوى منها في التالي:
• الاستفادة من المادة الأثرية المتوفرة لطلاب الدراسات العليا في الآثار والتاريخ إلى القديم لدراسة تاريخ المنطقة من خلال الاستفادة من المادة الأثرية المتوفرة أو التي يمكن أن توفر عن طريق العمل الميداني.
• دراسة المجموعة الكبيرة من النقوش والتي تتوفر في المنطقة والمشتملة على مادة تاريخية جيدة دراسة تاريخية متخصصة ومفصلة.
• كتابة تاريخ المنطقة القديم من خلال استنطاق المادة الآثارية المتوفرة، على سبيل المثال، إن أردنا أن نكتب عن تاريخ الصناعات في المنطقة فلا بد أن نبدأ بالقديم من خلال تشخيص الصناعات كصناعات الحجر الصابوني، والأواني الفخارية، وأدوات الزينة، والمعادن، والأخشاب. وادا أردنا أن نكتب عن تاريخ الفن في المنطقة فلا بد لنا من أن نشخص العناصر الزخرفية على المصنوعات القديمة، وكذلك اللمسات الفنية التي تعكسها تلك الصناعات سوى في الشكل أو المنظر العام أو الوظيفة.
واما اذا أردنا أن نكتب عن تاريخ العلم في المنطقة فلابد أن نبدأ من القديم من خلال تفحص آثارها؛ فلو لم يكن لدى الإنسان القديم علم لما صنع من الحجر وعاءً يشرب به، وآخر يطبخ فيه، وثالث يأكل فيه؛ ولما صنع من الحجر نفسه سكيناً يقطع بها، ورأس حربة يقتل بها، وفأساً يقص بها الأشجار ويقلع بها الأحجار؛ ولما صنع من الحجر نفسه أوعية حفظ بها مادة زينته، وأدوات نفذ بها تلك الزينة على بدنه. وهكذا نجد ان المادة الآثارية مصدر معلومات في غاية الأهمية لكتابة التاريخ القديم.
• الاف المقاير التي اكتشفت سواء التي وجدت حول مستوطنة ثاج وفي المرتفعات التي حولها، وحول مطار الظهران وحول مديتة ابقيق وآلاف المقابر وجدت حول واحة يبرين في مواضع عديدة، ومئات المقابر وجدت في الصمان والتي تحتوي على عشرات الأنماط، وعشرات الأنماط الفرعية هذا من حيث الشكل الخارجي؛ ومن حيث الشكل الداخلي يتوفر العديد من الأنماط. وعليه اجد ان هذه الظاهرة الأثرية لوحدها تستحق أن يهتم بها، وأن يستفاد منها في كتابة التاريخ القديم. فكاتب تاريخ العمارة في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية لابد ان يمر على عمارة العصور القديمة، وعمارة المقابر من أهم مصادر المعلومات في هذا المجال.
• يجب دراسة صناعة الأدوات الحجرية حيث انها جزء من التاريخ القديم للمنطقة حيث يجب أن يُجمع ما عُثر عليه في المنطقة من أدوات حجرية وبخاصة تلك التي تظهر فيها براعة الصانع. فهناك مئات الأدوات الحجرية التي فعلاً تستحق أن تُستقى منها معلومات عن تاريخ الإنسان القديم؛ فمجموعات مواقع العُبيد من رؤوس سهام، ورؤوس حراب، ومثاقب، وقواطع؛ ومجموعات منطقة عين دار؛ ومجموعات الصمان؛ ومجموعات يبرين تستحق أن تدرس كمصدر من مصادر كتابة التاريخ القديم. فلا يكفي أن تذكر أن هناك إنساناً بل يجب أن تذكر كيف عاش؟ وماذا انتج؟ وكيف تغلب على صعوبات حياته؟، وبماذا أسهم في رقي البشرية من خلال ما قدمه من صناعات واختراعات واكتشافات؟ وهذه لن يأتي بها أي مؤرخ إلا في حالة استفادته من المصادر العينية كالآثار.
• قام الباحث دونالد ويتكمب بمحاولة في غاية الجمال لكتابة الفترات التاريخية إبان العصر الإسلامي التي مرت بها المنطقة الشرقية من خلال استنطاق الآثار المادية المتمثلة بمجموعات من الأواني الفخارية، بالإضافة إلى بعض الأساور الزجاجية واستطاع بها أن يبني تاريخاً لثلاث فترات.
وبناء على هدة المحاولة والتجربة يجب تطبق هذه المحاولة على الكثير من المواد الآثارية المتوفرة، نستطيع أن نبني تاريخاً متصلاً ومتنوع الاهتمامات، فمنه المهتم بالجانب التاريخي الصرف، ومنه المهتم بجانب تاريخ العلاقات، ومنه المهتم بجانب التاريخ التقني، ومنه المهتم بتاريخ الفن. وهكذا نستطيع أن نقدم الجديد، وأن نعضد القديم، وأن نصحح الموضوع، وأن نسد النقص. هدا العمل يتطلب الكثير من الجهد والوقت و العناء ولكن مع التخطيط الجيد نستطيع أن ننجز كتابة تاريخ المنطقة من خلال المصادر الجديدة أو الاستفادة منها.
ولقد سبقتنا أمم إلى هذا النهج فعلى سبيل المثال نجد أن هناك كتاباً بعنوان “تاريخ الصناعات في مصر القديمة” للفريد لوكس، الذي قامت مادته على دراسة الآثار القديمة في مصر القديمة، فما نريد هو مثل هذا العمل، وفي جميع الفروع، لنحصل على مجموعة التاريخ من مصدر الآثار التي تركها صانع التاريخ، وهو الإنسان.
وبناء على ما سبق، فان تقدبم المادة الاثارية على شكل كتب مطبوعة وتوفيرها للباحثين حول العالم، فانها ستصبح عرضة للمزيد من البحث ومن زوايا مختلفة حيث سنحصل على نتائج متنوعة وإضافات عديدة، يشاركنا الآخرون في بناء تاريخنا من خلال أبحاثهم.
ولكن في حالة بقاء المادة الآثارية في المستودعات، أو المتاحف، أو المواقع؛ تصبح قليلة الفائدة، وعرضة للضياع، والتآكل، والاختفاء والضياع مع الوقت. وعليه فأن معرفة المواقع الأثرية وما تكشفت عنه من المواد الأثرية الثابتة والمنقولة في غاية الأهمية لأي باحث في تاريخ المنطقة القديم خاصة من قبل مؤرخي العصور القديمة، لأنه لا توجد وثائق مكتوبة سوى النقوش التي تعود إلى ذلك الزمن،،،
ولذا فالآثار الثابتة منها والمنقولة هي المصدر التاريخي الوحيد لبناء تاريخ تلك العصور التي لا تزال تعتمد على المادة المروية في الكتب التاريخية، وتناقلها على قلتها وضعف مصداقيتها من كتاب إلى آخر.
ملاحظة: يجب التنويه ان معظم مصادر المقالة مستقاة من المصادر التي تم جمعها على يد الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن سعود بن جارالله الغزي أستاذ كلية السياحة والآثار قسم الآثار في جامعة الملك سعود التي جمعها في وثيقة واحدة باسم ” المصادر الإثارية لدراسة التاريخ القديم للمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية” والتي وثقها ونشرها في عدة مقالات في جريدة الرياض في عام 1996م وتم إعادة صياغتها للفائدة مع ارفاق المصدر الرئيسي.
المصادر:
• http://dhahranhistory.blogspot.com/2012/11/blog-post_5787.html
• https://www.qatifscience.com/?p=22802
• 22828 https://www.qatifscience.com/?p=
• https://www.qatifscience.com/?p=22857
• https://www.qatifscience.com/?p=22877
• https://www.qatifscience.com/?p=22901
• https://www.qatifscience.com/?p=22968
• https://www.latimes.com/archives/la-xpm-1992-02-05-mn-1192-story.html
• https://www.pbs.org/wgbh/nova/ubar/zarins</strong
• https://isaw.nyu.edu/people/faculty/isaw-faculty/daniel-t-potts
• https://montgomery.dartmouth.edu/daniel-t-potts