تاريخ حملات التنقيب عن الاثار في القطيف التاريخية (الجزء الثالث) – بقلم صادق علي القطري

عندما نتحدث عن القطيف التاريخية فنحن نتحدث عن منطقة شاسعة تمتد من الشمال من حدود البصرة (في العراق حاليا) الى عمان في الجنوب ومن الاحساء في الغرب الى جزر الخليج في الشرق (البحرين تاروت دارين وغيرها) اي المنطقة الشرقية بأكملها من المملكة العربية السعودية.

هذه المنطقة الشاسعة من الأرض وموقعها الاستراتيجي الواقعة بين مراكز الحضارات القديمة جعلها تتبوأ وتلعب أدوارا حيوية في تاريخ الحضارات القديمة، فمن الشمال تقع حضارات بلاد الهلال الخصيب متمثلة بحضارة ما بين النهرين (حضارة بلاد الرافدين) وحضارة بلاد الشام وسواحل البحر المتوسط (حضارة الفينيقيين واليونانيين) ومن الجنوب ممالك وحضارات شبة الجزيرة العربية ومن الشرق حضارة بلاد فارس ومن خلفها حضارات بلاد الهند والسند والحضارات الاسيوية الاخرى. فهي حضارة قديمة يعود تاريخها لأكثر من 3500 عاما قبل الميلاد.

خارطة الخليج العربي مع إسم القطيف. مصدر الصورة: https://ar.wikipedia.org

في هذا الجزء سنكمل ما نتج عنه من الاعمال المسحية والاستكشافية من قبل بعثة الاثار الوطنية السعودية ووكالة الآثار والمتاحف السعودية:

أعمال وكالة الآثار والمتاحف السعودية الأجنبية المشتركة
الأعمال المسحية والاستكشافية:

بدات هذه الحملة في عام 1975م وكان الغرض منها زيارة استطلاعية للأثار الموجودة في المنطقة الشرقية والحصول على مادة علمية وتضمينها في كتاب يتكلم عن الاثار في المملكة. يشمل الكتاب اثار الأقاليم الإدارية الستة التي كانت تقسم بها المملكة العربية السعودية يومذاك وتضمن عددا من المواقع الاثرية المعروفة وصورا ملونة لها بالإضافة الى المادة العلمية والعمارة الشاخصة في تلك الحقبة الزمنية.

شارك في هذه الحملة من الجانب السعودي الدكتور عبد الله حسن المصري ومن جانب وكالة الآثار والمتاحف الأجنبية يورس زارينس حيث قاما ببعض الأعمال الأثرية التنقيبية في جزيرة تاروت والتي لم تنشر في وقتها، الا ان يوريس زارينس وبعد مضي 3 سنوات (في عام 1978م) قام بكتابة مقال خصصه لدراسة مادة من الأواني المصنوعة من الحجر الصابوني متوفرة لدى إدارة الآثار والمتاحف السعودية والتي تم اكتشافها نتيجة لأعمال عمرانية توسعية وإنشاءات لطرق عامة ولجسور تربط الجزيرة بالأرض اليابسة.

من ضمن ما نشرة بوريس زارينس في المقالة والتي هي من المادة الاثرية السابقة التي جمعت من جزيرة تاروت اواني تظهر بأشكال متنوعة وأحجام متباينة، وتظهر على البعض منها زخارف متنوعة تعود لفترات تاريخية مختلفة وموغلة في القدم من مراكز حضارية متناثرة في أنحاء الشرق الأدنى القديم. تحتوي القطع المنشورة على زخارف هندسية متنوعة، وأخرى تظهر مناظر لحيوانات وحشية مثل الأسود أو زواحف مثل الثعابين. حيث يرمز كل نوع من الزخارف لهذة الاواني إلى مفاهيم عقدية عديدة قد تساهم دراستها في بناء التاريخ الفكري والعقدي لإنسان المنطقة الشرقية القديم حيث تشكل المادة المذكورة مصدراً لمعلومات تاريخية متعددة الجوانب.

احد تلك الجوانب يرتبط بمعرفة تطور الصناعة في العصور القديمة وتقنيتها حيث ان المادة المصنعة منها تعود إلى فترات زمنية متعددة، ومن المسلم به أن يحدث خلال كل فترة إما تطور أو تدهور في تقنية الصناعة وعليه فان الباحث يمكن ان يبني معلومات تاريخية ذات علاقة بالتطور الحرفي للصناعة وتاريخ ذلك التطور في المنطقة المعنية بهذه الدراسة.

بالإضافة الى ذلك، إمكانية التعرف على مصادر المواد الخام، وعلى ضوء الدراسات المتوفرة أنه لا يوجد المادة الحجرية لأي صنف من أصناف الحجر الصابوني في جزيرة تاروت. بناءا على ذلك، كل أصناف الاواني الصابونية يعتقد انها جاءت من خارجها، إما كمادة خام جُلبت إلى الجزيرة ثم صُنعت منها الأواني، أو أواني مصنعة وفيها سوقت، ومنها صدرت إلى الأقطار المجاورة، أو منها صدرت في اتجاهات متعددة. وثالث الجوانب امكانية التعرف على مسارات الطرق القديمة، وكيفية الاتصال بين مراكز الحضارات في أنحاء الجزيرة العربية وعلاقاتها بالبلدان المجاورة.

ولقد انجز بالمنطقة الشرقية موسمان من مواس المسح الشامل لأثار المملكة أولهما كان في عام 1976م الذي شمل الأراضي الجنوبية للمنطقة والثاني انجز في عام 1977م والذي شمل أراضي المنطقة الشمالية.

الموسم الأول الذي شمل المنطقة الجنوبي للمنطقة الشرقية والذي تم بإشراف فريق آثاري من إدارة الآثار والمتاحف بقيادة مايك روبرت آدمز ابتداءً من الإحساء حتى وادي حرض جنوباً بالإضافة إلى واحة يبرين، حيث نشر قائد الفريق السيد آدمز مع آخرين تقريراً أولياً بخصوص نتائجه المبدئية حيث نتج عن هذا العمل تحديد مواقع تعود لحقب مختلفة من العصور الحجرية، وموقع واحد يعود لفترة العُبيد، ومواقع تعود لفترات من الألف الثالث قبل الميلاد، حيث يؤرخ أغلبها إلى حضارة دلمون (2400- 1700 ق.م)،

والقليل منها يؤرخ إلى أزمنة أبكر توازي زمناً الفترة الآكادية في بلاد الرافدين، بالإضافة الى مواقع تعود لعصر الممالك العربية الذي يؤرخ له بنهاية الألف الثاني ق.م ونهايته بظهور الإسلام، كذلك مواقع تعود للعصور الإسلامية بفتراتها المختلفة. كما اشتمل التقرير على مناقشة لمواقع قنوات الرّي القديمة والإسلامية وما يتصل بها من عيون وآبار. ومن نتائجه المهمة تحديده لعدد كبير من الرجوم الحجرية المتناثرة في مواضع مختلفة من واحة يبرين.

ولكون العمل منجزاً عن طريق مسح ميداني، ومعاينة للمواقع، فلا يمكن للباحث في تاريخ المنطقة القديم والإسلامي أن يتجاهل ما ورد فيه من معلومات؛ سواء من ناحية وجود المستوطنات، وتوزيعها المكاني، وأسباب وجودها، بالضافة الى التموجات البشرية من زمن إلى زمن، والأسباب التي قادة إلى حدوث تلك التموجات، وما يمكن أن يستدل عليه مما ذكر؛ أو من ناحية المادة الآثارية وما يمكن أن يستقرأ منها من معلومات تاريخية، واتصالات بشرية سواء عن طريق معرفة مراكز إنتاج المادة او طُرق نقلها وأصول عناصر زخارفها وأشكالها، والدلالات العقائدية، والبيئية، والاجتماعية لتلك العناصر والأشكال.

واما الموسم الثاني الذي انجز في عام 1977م فقد كان اشراف دانيال بوتس والذي تم فيه مسح الأجزاء الشمالية للمنطقة، ابتداء من واحة الاحساء جنوبا الى الحدود الشمالية الشرقية للمملكة العربية السعودية والتي شملت السهل الساحلي والأراضي الداخلية. نتج عن العمل المذكور تحديد عدد آخر من المواقع الأثرية العائدة للعصور الحجرية، ومواقع تؤرخ بنهاية الألف الرابع قبل الميلاد في زمن يوازي زمن ما يعرف باسم فترتي الوركا وجمدت نصر في جنوب بلاد الرافدين، ومواقع تؤرخ بزمن من الألف الثالث يوازي زمن الفترتين الآكادية والبابلية القديمة في بلاد الرافدين والدلمونية في الجزيرة العربية، ومواقع تعود لعصر الممالك العربية، ومواقع تعود للعصر الإسلامي بمختلف فتراته وتم نشر نتائجه في تقرير اولي في عام 1978م.

يحتوى التقرير المشار إليه على وصفٍ وتشخيصٍ للتسلسل الطبقي الاستيطاني في بعض المواقع المهمة التي حُفر فيها أسبار اختبارية مثل موقع عين جاوان، وموقع رأس القرية؛ وعلى وصفٍ لحفريات تمت في بعض المقابر الركامية وبخاصة في حمى مستوطنة عين جاوان؛ وعلى دراسة لِمادة فخارية جيدة في كمّها وتنوعها وامتداد زمنها؛ وعلى استعراضٍ تاريخي للمنطقة مستنداً إلى ما توصلت إليه الدراسات الآثارية يومذاك، وما جاء في الكتب التاريخية القديمة كاليونانية والرومانية والبيزنطية وأمهات الكتب التاريخية الإسلامية المبكرة كتاريخ الأمم والملوك، والبداية والنهاية.

وبعدما أنجزت إدارة الآثار والمتاحف أعمال المسح الشامل الخاصة بالمنطقة الشرقية والمتمثل بالموسمين المذكورين وما جاء فيهما، بدأت أعمال أكثر تخصصية نُفذ أولها عام 1982م عندما قام فريق آثاري بزيارة مقابر جنوب الظهران، وأجرى حصراً لها، ورسماً لخرائط آثارية للموقع، وقسمه إلى قسمين هما “أ” و”ب”.

ولا يزال التقرير الخاص بذلك العمل لم ينشر بعد، إلا أن قصة مختصرة لِما تم إنجازه عن طريق العمل المشار إليه يمكن الرجوع إليها في مقال نشره عبد العزيز بن فهد النفيسة وعبدالله بن سليمان الهدلق. ويحتوي المقال على استعراض لنتائج أعمال آثارية تمت في الموقع؛ كما يحتوي على مادة أثرية منتقاة يمكن الاستفادة منها في الدراسات التاريخية، حيث إنها تُظهر عناصر زخرفية قابلة للمقارنة مع موجودات جاءت من مواقع لها صلة زمنية بالموقع موضوع الحديث هنا.

ملاحظة: يجب التنويه ان معظم مصادر المقالة مستقاة من المصادر التي تم جمعها على يد الأستاذ الدكتور عبد العزيز بن سعود بن جارالله الغزي أستاذ كلية السياحة والآثار قسم الآثار في جامعة الملك سعود التي جمعها في وثيقة واحدة باسم ” المصادر الإثارية لدراسة التاريخ القديم للمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية” والتي وثقها ونشرها في عدة مقالات في جريدة الرياض في عام 1996م وتم إعادة صياغتها للفائدة مع ارفاق المصدر الرئيسي.

المهندس صادق علي القطري

المصادر:
• http://dhahranhistory.blogspot.com/2012/11/blog-post_5787.html
• https://www.qatifscience.com/?p=22802
• 22828 https://www.qatifscience.com/?p=
• https://www.latimes.com/archives/la-xpm-1992-02-05-mn-1192-story.html
• https://www.pbs.org/wgbh/nova/ubar/zarins

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *