عبدالرسول الغريافي

شارع الملك عبدالعزيز وستون عاماً بين الإنشاء والتوسعة – بقلم عبد الرسول الغريافي*

قد لايخطر على بال أحد من أبناء هذا النشء المعاصر بل ومن المؤكد أنه لن يصدق حين تخبره بأن شارع الملك عبدالعزيز في القطيف لم يكن في يوم من أيام غرة الستينات وما قبلها سوى ممرات في أزقة ضيقة (سوابيط وزرانيق) في وسط أحياء الفطيف وأحياناً طرق بين بساتين ومزارع وتارة ممرات بين سكك الأسواق الضيقة!

نعم لن يصدقوك لانهم سوف يسألونك: “وكيف كانت تمر السيارات؟ وأين تقف؟ وكيف تتجه إلى المناطق الشمالية أو الجنوبية؟ وكيف تتجه إلى الغرب لتسافر إلى المناطق والدول المجاورة من دول الخليج؟ بل وكيف كانت تتنقل بين أنحاء القطيف ومدنها وقراها؟

لكن أي سيارات تقصدون؟ فليس توفر السيارت في تلك الآونة بأعدادها الهائلة كما هي عليه الآن!
عندها سرعان مايبدأ الإقتناع يستحوذ على رضاهم حين يدركون أن عدد السيارات كان قليل جداً بل وانها في بداية قرن العشرين الماضي كانت معدمة فليس هناك من وسائل نقل سوى الخيل والبغال والحمير وكذلك الجمال ، وأما السفن في البحر فكان لها النصيب الأكبر في نقل المسافرين والصيادين وغواصي اللؤلؤ وأما القلافون والنجارون فيأخذون نصيب الأسد في صناعة وسائل النقل من قواري (العربات التي تجرها الحمير) وصناعة السفن وحتى.. صناعة السيارات أيضاً!

نعم! صناعة السيارات، مهلاً أقصد في سكة الحرية وغيرها حيث كان النجارون يقومون بصناعة صناديق قوية يثبتونها فوق (شاسيه) سيارات الشفر الأمريكية التي كانت تستورد بشكلها المبسط وهي قامرة أو كابينة السائق وأمامها صندوق المحركات أو الماكينة والمعروف بالكبوت وأما الخلف فهو عبارة عن جسرين متوازيين من الحديد والمعروفين حسب التعريب المحلي بالشاشيه ويحملان على أربع عجلات (كفرات) تحركهم الماكينة.

فالسيارة في هذه الحالة ذاك الوقت كانت كالفأس الذي لايعني وحده سوى قطعة من حديد “وحدها لاتطيق حزّاً أو قطعاً” فهي تحتاج لقطعة من خشب تشد بها ازرها لتصبح مقبضاً وكذلك هذا النوع من السيارات حيث يحتاج إلى صندوق كبير يحول تلك السيارة إلى حافلة تنقل الناس ومعهم أمتعهتم وحتى حيواناتهم.

لقد اشتهرت القطيف وحتى نهاية ستينات قرن العشرين الماضي بصناعة صناديق تلك السيارات لتحولها إلى حافلات عرفت بالسيارة الخشابي وكانت هذه الصناعة القطيفية معروفة على مستوى الخليج حيث كان السائقون يأتون بسياراتهم لصناعة الصندوق الخلفي لتكون سيارة قادرة على النقل.

كانت بعض المصانع تقع في سكة الحرية والخاصة بالحرفيين والملتقية نهايتها الشرقية بالنهاية الجنوبية للسكة الكبيرة وهي اليوم شارع بدر والذي كان بمسمى شارع جعفر الخطي سابقاً والمتقاطع مع شارع الملك عبدالعزيز والذي كانت السكة الكبيرة جزءا منه.

أما من أين كان الناس يخرجون من القطيف للإتجاه جنوبا قبل إنشاء شارع الملك عبد العزيز فلا شك أنه كان هناك طريق قبل افتتاح هذا الشارع يتجه من القطيف نحو المناطق الجنوبية ولكنه -بلا شك- لايقوم مقام شارع الملك عبد العزيز الذي شكل عصب حركة التنقل من وإلى القطيف وبين أحيائها ومدنها وقراها منذ أن تم انشاءه في بداية ستينات قرن العشرين وإنما مجرد طريق لايتسع لمرور سيارتين في آن واحد!

هذا الطريق الترابي الذي يبدأ من السوق وتحديدا من جنوب شرق سوق الجبلة وهي مركز الحركة حيث دروازة حي الكويكب الشمالية والتي عندها يبدأ الطريق من ساحة صغيرة تعرف بالجامع (والجامع بلهجة أهالي القطيف هي سوق تعقد عند مداخل بعض الأحياء في شهر رمضان عصراً فقط لبيع المنتجات المحلية والخاصة بأطعمة رمضان).

ومن هذا الجامع يبدأ المنطلق في الطريق أو الشارع الذي سبق شارع الملك عبدالعزيز وهو طريق موازٍ لشارع الملك عبد العزيز يقع الى الشرق منه بنحو مئة متر وهو لايزال حتى أيامنا هذه كما كان منذ القدم حيث يشق حي الكويكب مروراً بالعوّام وهو مجموعة بساتين ويستمر ليمر بين الشويكة (الفريق) وبين العمارة مشكلا فاصلاً بينهما ثم ينعطف باتجاه الشرق بين بساتين النخيل ثم الى الجنوب فالشرق وهكذا ينعطف اخيراً الى الجنوب ليقطع أحد أفرع ساب أبو خمسة (مصرف أو سد الشويكة فيما بعد) ثم يستمر ليشق بساتين العياشي حتى ساحة الخميسية ثم يميل الى الغرب ليلتحق بنفس شارع الملك عبدالعزيز حاليا وذلك عند عِنَك.

أما عن تواصل شارع الملك عبد العزيز فهو -كما أشرت- عند امتداده من سيهات باتجاه الجنوب في بداية تأسيسه كان الطريق الرابط من سيهات الى الدمام بشكله المتواضع لدرجة أنه في حالة مد البحر فإن الماء يطغى على الشارع المسفلت فتعبر بعض الأمواج من الجهة الشرقية مجتازة هذا الطريق المسفلت البسيط في بداية إنشائة إلى الجهة الغربية بإتجاه المزارع وذلك بالقرب من منطقة مستشفى الأمل ومبنى الإذاعة حاليا.

ورجوعا بإتجاه الشمال قبل تأسيس شارع الملك عبدالعزيز عندما نبدأ رحلتنا من حي الخصاب بسيهات فإن غابات نخيلها تظلل هذا الممر الضيق وتتشابك سعفاتها مع سعفات نخيل ساحة جنوب شرق الطف وهكذا يمتد الطريق ليصل بنا إلى نخيل بساتين عنك ثم ساحة العياشي ولاتزال سعفات نخيلها تتشابك لتظلل طريق ضيق يشق تلك البساتين إلى سماطين وتكاد تلك السعفات أن تحجب اشعة الشمس وتظلل على المشاة من البشر والدواب إلى أن يقترب بنا هذا الطريق إلى حي الشويكة.

وهنا وقبل الدخول الى الشويكة يقطع هذا الطريق نهير مائي يعرف بساب أبو خمسة والمتفرع هنا إلى ساب أبو دانك والمتجه إلى الشرق ليصب في البحر بعد أن يروي تلك البساتين التي يمر عليها وهو نفسه الذي تحول إلى المصرف المعروف بسد الشويكة -كما سيأتي الحديث عنه- والذي يتوسط الآن شارع الرياض بعد أن تم تحويله إلى مجاري قد تم تغطيتها، ولكن هل تتوقف استمرارية هذا الطريق الضيق بعد تقاطعه مع هذا الساب أم كيف سيمضي قدماً إلى الشمال؟

لقد تعود الأهالي بناء الجسور والقناطر على كثير من الجداول المائية والسابات بجذوع النخل وتسقيف بعضها بألواح فروش الأحجار البحرية ذات الإتساعات الكبيرة والسمك الضعيف فكان منها ذلك الجسر الذي حافظ على استمرارية الطريق ليشق حي الشويكة ويقسمها إلى قسميها؛ الغربي وهو الرئيسي والمعروف بالديره والشرقي والمعروف بالفريق.

ثم يتابع هذا الطريق سيره على شكل زقاق ضيق متعرج (زرانيق) تتراوح بين الخمسة أمتار وبين أقل من متر واحد فيجتاز أولا مقدمة الشويكة وقد كانت بساتين نخيل متقابلة من الجهتين إلى أن يمر بين البيوت شمالا ثم يمر على بساتين نخيل مرة أخرى هي نخيل المسعودية من جهة الغرب والتي تحولت إلى حي سكني جديد بدءاً من عام ١٣٧٥هج وكانت أغلب بيوته ذات تصاميم حديثة من الخرسانة المسلحة والطابوق وقد احتوى هذا الحي في بدايته على مصنع ثلج طه يطل على هذا الطريق ولعله أول أو ثاني مصنع ثلج في القطيف منذ ١٣٨٢ هج تقريبا، كما وقد احتوت نهايته الجنوبية على محطة وقود وبنزين وهي لاتزال قائمة حتى وقت التوسعة الجديدة حالياً، وأما في الجهة المقابلة (جهة الفريق) فقد احتوت على مركز للمطافيء ونادي فريق السلام وقد استمرا كلاهما لفترة وجيزة منذ بداية انشاء الشارع حتى قبل منتصف ستينات قرن العشرين.

ويستمر امتداد هذا الطريق متواصلا إلى الشمال وعند نهاية حي المسعودية الجديد يتقاطع معه طريق يمتد إلى شرق ويرتبط بالطريق الذي سبق الحديث عنه -بأنه كان الطريق الرئيسي قبل شارع الملك عبدالعزيز- فيمتد باتجاه الغرب بين حدود المسعودية الغربي وبين المقبرة الجنوبية حيث يتوسط هذا التقاطع نبع مائي يعرف بالشريعة أو الجمة فيه تغسل النساء الملابس وتحصل منه على المياه ويستحم فيه الأطفال وتشرب منه الدواب.

ثم يمضي طريقنا هذا ممتداً إلى الشمال باتجاه فريق المقبرة فالكويكب ولايتفرع كما هو الآن الى الغرب ليمر بالدبيبية ومياس لأن المقبرتين كانتا مقبرة واحدة متصلة لايفصل بينهما طريق. وإلى الشرق من المقبرة كانت هناك بعض بساتين النخيل تعرف ببساتين الميدان والتي أصبحت فيما بعد حياً تابعا لحي الكويكب ويسبق هذه البساتين (فدى) وهو ساحة لتجفيف التمور وكذلك لسلق السلوق، وأما نخيل بساتين الميدان فكانت تظلل هذا الطريق وتستمر إلى سور الكويكب، وأما الواجهة الغربية لهذا الطريق فيقع عندها فريق المقبره والذي كان أغلبه من الأكواخ والنخيل وقد اصبح حياً سكنيا فيما بعد تابعا للكويكب حيث يليه من الجهة الشمالية الغربية حي الخضيرة والذي كان مجموعة من بساتين النخيل وهو الآخر تابع لحي الكويكب.

وتقع بينهما السبتية والسبتية عبارة عن جدول مائي وحوله جبلة صغيرة وعندها تم بناء مسجد الفتح عام ١٣٨٦هج. كما ويفصل بين الخضيرة وحدود الكويكب الغربي سور الكويكب الغربي الذي يمتد من بعد السبتية من الجنوب إلى سوق سكة الحرية عند نهاية الكويكب الشمالية الغربية والذي يتوسطه بعد دالية آل سلاط شمالا برج الكويكب وهو المقابل لساباط بن جمعة ملتصقا ببيت آل عبدالرزاق.

 

وقبل أن يدخل هذا الطريق حي الكويكب تعترضه واجهة سور الكويكب الجنوبية إلا من خادعة صغيرة (بوابة) تسمح بمروره ليتوغل في حي الكويكب بين السوابيط والزرانيق. وقد تمت إزالة هذا السور في بداية ستينات قرن العشرين متزامناً مع إنشاء شارع الملك عبدالعزيز وهذا السور يبدأ امتداده من الزاوية الجنوبية الشرقية لبيت الحاج سلمان بن علي الغريافي ليمتد إلى الشرق حيث يلتصق ببيت مهدي الغراب وبقية المنازل الأخرى الواقعة شرق بيت عائلة الغراب إلى نهاية الكويكب الشرقية حيث بيت الحاج حسن بن مكي الغريافي (المطل على الطريق الذي سبق الحديث عنه والسابق لشارع الملك عبدالعزيز في الخدمة) ونهاية هذا السور الشرقية طبقاً لما ذكر في أوراق المبايعة.


نعود الى هذا الطريق الذي أصبح شارع الملك عبدالعزيز فهو يخترق سور الكويكب عبر بوابة صغيرة تعرف بالخادعة يدخل من خلالها القادمون من الشويكة ومن بقية المناطق الجنوبية والمتجهون إلى السوق، وبمجرد امتداد هذه الطريق عبر هذه البوابة الصغيرة (الخادعة) وبعد عدة أمتار يتوسط الطريق عين من عيون القطيف الأرتوازية القديمة وقد سورت هذه العين برصيف دائري قطره لايتجاوز المتر والنصف متر وهي أحدى العيون الأرتوازية التي تم حفرها في وقت مبكر بتعاون شركة ارامكو مع مساهمة الأهالي لتمديد مواسيرها الى داخل المنازل وقد عرفت بعين الغراب لوقوعها عند بيت الغراب وهي بموقعها هذا تشق الطريق الى طريقين وقد استمر وجودها حتى بعد انشاء الشارع المعهود حيث أصبحت مواسيرها ممتدة تحت الأرض المسفلتة في وسط الشارع.


يتابع هذا الطريق الضيق امتداده المتعرج نحو الشمال بين بيوت حي الكويكب مشكلا زقاق (زرنوق) يضيق تارة ويتسع تارة اخرى وتارة تتخلله بعض سوابيط الكويكب التي يمر هذا الطريق تحتها وهي التي تضاء طرقاتها بالفوانيس ليلا حيث تمتد هذه الإضاءة إلى نهاية سوق السكة (الصكة) والتي يقوم بتعليقها متعهدون يقومون بذلك قبيل أذان المغرب ثم يعودون في الصباح الباكر بعد أذان الفجر لإنزالها وإطفائها وتنظيفها وإعادة تعبئتها بالكيروسين استعدادا لليلة القادمة فيستعملون سلالمهم الخشبية من أجل تعليقها وإنزالها وكان كل سلم منها يُحمَل على احد الكتفين وعلى الكتف الآخر تّحمَل مجموعة من الفوانيس، ولايفوتنا هنا أن نذكر بعض المتعهدين المعروفين بتعليق تلك الفوانيس في تلك الآونة حتى عصر تدشين الكهرباء في بداية ستينات قرن العشرين (كما سيرد ذكرها بالتفصيل) والذين كانوا في البداية يتلقون أجورهم من الأهالي ثم بعد ذلك تبنت هذا المشروع البلدية وتعهدت بتوظيفهم بشكل رسمي، ومن جملة هؤلاء الذين عملوا في تعليق الفوانيس أبو حسن الإسكافي في حي مياس وفي السكتين والكويكب وكان المشرف والمنسق المسؤول علوي التتان من الكويكب وكذلك حسن البزرون وأما عبدالله القطري والجشي فقد توليا مسؤولية انارة حي القلعة بتلك الفوانيس.

تلك الأزقة والسوابيط المنتهية بنهاية حدود حي الكويكب يقاطعها طريق قادم من الغرب من وسط سوق سكة (صكة) الحرية التي تعج بالحرفيين (والتي سبق الحديث عنها). وباستمراره نحو الشرق وبعد نقطة تقاطعه مع الطريق القادم من الكويكب جنوباً فإنه يمر بين سوق الجبلة على الواجهة الشمالية ومبنى منصورية الكويكب على الواجهة الجنوبية ثم يمتد مستمرا بين الكويكب جنوباً والشريعة شمالاً ويكون امتداده بمحاذاة ساب أبو اكحيل الموازي لحدود الشريعة الجنوبي؛ وهو جدول مائي يمتد مع الطريق سوية مرورا بالفلاتية التي تتوسطها سوق الخضار وسوقي السمك والمقصب وسوق العومه حتى ينتهي بهما المطاف بعد بديعة البصري عند البحر في منطقة السمادة.

هذا الطريق بما فيه ساب أبو اكحيل أصبح شارع يدعى شارع جعفر الخطي ثم تم تغيير اسمه فيما بعد ليصبح شارع بدر.

إن نقطة تقاطع طريق سكة الحرية مع الطريق القادم من الكويكب هي اليوم موقع أول إشارة دشنت في القطيف مطلقاً في بداية السبعينات وقد سبقها دوار صغير ويليها من الشمال سوق السكة (الصكة) مباشرة والتي انتهت إزالتها نهائياً عام ١٣٨٣هج، وكان موقع هذه السكة هو جزء من شارع الملك عبد العزيز اليوم والذي يمتد بين أول إشارتين مروريتين في القطيف إحداهما الجنوبية والواقعة وسط تقاطع شارع بدر مع شارع الملك عبد العزيز والثانية إلى الشمال منها عند تقاطع شارع الملك عبد العزيز مع شارع الخليفة عمر ولك أن تتخيل طول هذه السكة والتي هي عبارة عن صفين متقابلين من الدكاكين يفوق عددها المئة وأربعين دكاناً بالإضافة إلى دكاكين أخرى على جانبي بدايتيها الشرقي والغربي وكذلك بالإضافة إلى تلك الدكاكين التي تتخلل مخارجها الوسطى (وبالإمكان موافاتكم فيما بعد -ان شاء الله- بتقرير مستقل دقيق ومفصل عن جميع دكاكين السكتين وأصحابها).

الصفان المتقابلان لتلك الدكاكين يربطهما من الأعلى سقف على شكل جملون صنع من أعواد الچندل المغطى بالسميم (الحصير الثقيل) والباريات والخيش، وأما من الأسفل فيفرق بين هذين الصفين طريق لايتحاوز اتساعه الأربعة أمتار وهو الطريق الذي لازلنا في صدد الحديث عنه. ويتخلل هذين الصفين من الدكاكين منافذ ضيقة من جهتي الشرق والغرب تقودنا إلى خارج السكة ويكون على جانبي هذه المافذ أيضاً صفين من الدكاكين.

وعن امتداد الصف الشرقي لدكاكينها والواقع بمحاذاة كل من سوق الجبلة وحي الشريعة ويتخلله ثلاثة منافذ والأول منها يبدأ بعد الدكان الثالث عشر تقريبا من الجنوب والذي كان في البداية لمهدي حسن الضامن ثم أصبح لأحمد بن خميس ثم أخيراً أصبح لعبدالله حسن المرزوق وجميعهم لبيع المواد الغذائية، وهذا النافذ به عدة دكاكين على الجانبين نذكر منها مثلا دكان محمد القطري ومحفوظ القطري ومحمد صالح الماحوزي وملا علي احمد دعبل ومخزن لإبراهيم البحارنه والعديد من الدكاكين، ويحد هذا النافذ من جهته الشمالية الدكان الرابع عشر وهو محل لتاجر هندي (بونيان) اسمه “تيكوه” ثم أصبح مخزن لمكي العباس وبعدها اتخذه صالح خضر محلاً لبيع الأواني المنزلية ومكائن الخياطة وبرادات المياه.

 

وأما النافذ الثاني (من جهة الشرق أيضاً) فيبدأ بعد الدكان التاسع عشر تقريباً وهو محل احواجه ومستودع أدوية (صيدلية) لعبد الكريم مهنا أبو السعود، وهذا النافذ كان يعرف بالسكة الصغيرة لكثرة ما به من دكاكين على الصفين أيضاً ومن جملة أصحاب هذه الدكاكين عبدالله محفوظ القطري (مخلص وبائع جرائد) ومحل عبدالله أبو ملا باقر المدن ومحل سعيد المخرق لإصلاح الدوافير والأتاريك وغيرهم كما أن هذا النافذ يمر على مقاهي عائلة الغراب ثم ينتهي بالدخول إلى سوق الجبلة، ويلي هذا النافذ من جهة الشمال المحل رقم ٢٠ تقريبا وكان مجلس لطه الحداد ثم بعدها محلاً لأحمد المصطفى أبو أنور لبيع الذهب ثم أصبح محلا لمهدي حمادي للتجارة العامة.

وأما النافذ الثالث والذي يسبقه الدكان السادس والأربعون للخباز عبدالجليل العجمي فهو ضيق وليس فيه دكاكين ويقودنا إلى عمارة الدهن في وسط الشريعة ويليه الدكان السابع والأربعون لبيع المواد الغذائية لعبدالله صباخ وتلاه في استعماله صالح وأحمد العبكري.

 

وأما الصف الثاني للدكاكين المتقابلة فهو من جهة الغرب والذي يغطي امتداده كلاً من حي مياس وحي المدارس من جهتهما الشرقية وتفصل بينهما أسواق السبخة. وله أربعة منافذ الأول منها يأتي بعد الدكان الخامس من الجنوب وهو (مكتب) ومخزن بضائع لعبدالله محمدعلي الغريافي ويقودنا هذا النافذ إلى مياس ويليه محل لملا محمد بن جاسم الغريافي والذي انتقل استعماله فيما بعد لأخيه علي بن جاسم الغريافي لكتابة العرائض ثم يليه محل لعبدالكريم الطراح.

وأما النافذ الثاني فيقودنا الى أسواق مياس حيث يسبقه جنوباً الدكان الثاني عشر تقريبا لعيسى المحروس للصرافة وبيع المواد الغذائية ويلي هذا النافذ شمالا دكان سليمان المصطفي وأخوانه لبيع الأقمشة والذي أصبح فيما بعد لمكي العباس.
والنافذ الثالث يقود الى سوق السبخة وبها سوق الخضره واللحم والاسماك والعومه (سابقا) والذي يسبقه من الجنوب دكان عباس الخنيزي للأقمشة والذي اشتراه فيما بعد عبدالكريم المهنا للحواجة، ويلي هذا النافذ شمالاً دكان أحمد حسن السنان للتجارة.

وأما النافذ الرابع فهو ممر ضيق في قبالة حي المدارس يسبقه جنوباً دكان مخبز لعبدالله جواد سليس ويعقبه شمالاً دكان منصور الزاير لبيع الأواني المعدنية وأشياء أخرى. وهناك نافذ خامس به بعض الدكاكين كدكان علي أبو عزيز ودكان إسكافي لصناعة الأحذية واصلاحها، وهذا النافذ يدخلنا إلى خادعة المدارس وكذلك الى الكريدي وهو جدول مائي يغسل فيه النساء الملابس والأواني وهذا الكريدي يقطع السكة من تحتها الى الشمال الشرقي ليتخلل أسوار القلعة في حي السدرة ويسقي دواليها ثم يتجة إلى البحر شرقاً، ويلي هذا النافذ شمالاً دكان لمنصور علي الشماسي.

 

إن هذا الطريق الذي اجتاز سوق السكة حتى نهايتها الشمالية يستمر في امتداده نحو الشمال، وقبل أن يتمادى في اتجاهه نحو الشمال فإنه يتقاطع مع طريق آخر قادم من الغرب الى الشرق وهو حالياً شارع الخليفة عمر وإن نقطة التقاطع هي موضع إشارة المرور الثانية حالياً -كما أشرت إليها- وحول هذا التقاطع وعلى جانبي السكة الشرقي والغربي تمتد سوق القفافيص والتي كان يعقد عندها أيضاً بعض أسواق الطيور الموسمية كالسِمَّن وبعض الطيور الأخرى وفي واجهتها الشمالية هناك صف من الدكاكين لايتجاوز عددها العشرة ممتدة من الشمال إلى الجنوب بمحاذاة الزاوية الجنوبية الغربية للقلعة (غرب موقع عمارة البيات التي ازيلت للتو) تعرف بسوق البلدية،،،

كما وتعقد حولها سوق خضرة وتباع حولها بعض البضائع. إن هذه السوق التي تلي سوق السكة شمالاً تعرف بسوق الشمال بما فيها سوق الجراد وأسواق أخرى، وأما مايقابلها من جهة الغرب بمحاذاة الواجهة الشرقية للجراري فيطالعنا هناك المبني الأثري الضخم المتميز بطراز تصميمه العمراني التركي والذي يثري هذه السوق بمجموعة لابأس بها من الدكاكين والمحلات والتي كان طابقها العلوي مقراً للسجن ثم للبلدية.


وهكذا يستمر هذا الطريق بإتجاه الشمال مكونا ممراً متراوح عرضه بين الضيق والإتساع قليلاً ممتداً بين أسوار حي القلعة ثم حي الشماسية من جهة الشرق وبين الجراري وباب الشمال والبستان من جهة الغرب ويستمر هذا الممر إلى أن يوقفه موقع التقاء البحر ببساتين النخيل وهي نهاية شارع الملك عبد العزيز من جهة الشمال ولكنها في هذه الأيام نقطة التقاء شارع الملك عبد العزيز بشارع أحد والمشكلة معه حرف T أي انها لاتزال نقطة انتهاء الشارع حالياً، وكان هذا الطريق أيام وجود أسوار القلعة أكثر ضيقا منه فيما بعد بل وكان يتخلله جداول مائية في بعض مناطق هذا الطريق والتي تزيد من تضييقه.

هذه المرة لن يكون مشروع تحسين شارع الملك عبدالعزيز مقتصراً على توسعتة فحسب وإنما سيكون له امتداد نحو الشمال وسيجتاز شارع أُحُد بعد أن يتقاطع معه وسوف يستمر بعد أن يجتاز حي الناصرة وحي الزهراء (الشبيلي) ثم دانة الرامس وسوف يلتحق بالطرق الحديثة التي تستمر في امتدادها نحو الشمال حتى نهاية المنطقة والتي ربما تصل إلى رأس تنوره. فلو تحقق ذلك الأمر فهل سيحمل هذا الإمتداد الإضافي نفس الإسم أيضاً حتى يصل إلى نهاية محطته الأخيرة؟

إذا ماتتبعنا هذا الطريق من بدايته الجنوبية -من خصاب سيهات وحتى نهايته عند شماسية وبستان القطيف قبل إنشاء شارع الملك عبدالعزيز فإننا سنجد انفسنا نعبر طريقاً مستمراً باتساع متواضع غير ثابتة أبعاده بين أزقة (زرانيق) ضيقة تارة وبين سواببط مسقوفة تارة أخرى وتارة نجد أنفسنا بين طرق ضيقة محصورة بين جدولين مائيين وسط غابات نخيل، وأحياناً بين طرق ترابية تشبه شارع صغير فهذا هو واقع أمر ذلك الطريق منذ القدم إلى أن تحول بعدها إلى شارع الملك عبدالعزيز ولم تتغير حالتة منذ القدم وحتى عام ١٣٨٠ هجري الموافق ١٩٦١م تقريباً.

 

يجدر بنا هنا أن نعود إلى الطريق الذي تم الحديث عنه والذي قلنا عنه أنه كان هو الطريق المعتمد اتباعه قبل إنشاء شارع الملك عبدالعزيز عند الحاجة للخروج إلى المناطق الجنوبية من القطيف ومابعدها والذي لايتسع في بعض مناطقه لأكثر من سيارة واحدة وقد ذكرت بأنه يبدأ من دروازة الكويكب وجامعها ولكن ماذا عن الإتجاه المعاكس في هذا الطريق؟ وأي الطرق نسلك عند الحاجة للوصول الى المناطق الشمالية من القطيف؟

هنا كل ماعلينا أن نفعله أن نستدير إلى الخلف تماماً ففي هذه النقطة تقاطع طرق وعندما نستدير إلى الخلف فإن هناك طريق ضيق يمر بنا داخل حي الشريعة وتحديداً فريق أبو اكحيل وعند نهايته جامع الشريعة والسوق ثم ينعطف بنا غرباً لبضعة أمتار فيلتقي بطريق قادم من سوق الجبلة وكلاهما يتجهان بعدها نحو الشمال مرورا بسوق الذهب وسوق الأخشاب وكذلك مسجد الماجية ثم أخيراً مقبرة الشريعة ثم الانعطاف غرباً نحو سوق القفافيص وبعدها يتقاطع مع طريق السكة،،،

فهنا إما أن نتجه شمالا بمحاذاة القلعة ثم الإنعطاف غربا فشمالا، أو نستمر في السير نحو الغرب حتى يقابلنا الطريق الذي أصبح شارع الإمام علي بن ابي طالب ثم نتجه معه شمالا حيث يوصلنا مناطق شمال القطيف البحاري والقديح والعوامية فصفوى وما بعدها، وبهذا فإن الطريق المتجه شمالاً يمر بنا متخطياً ثلاثة طرق: الطريق القديم والطريق الذي أصبح شارع الملك عبدالعزيز وأخير الطريق الذي أصبح شارع الإمام علي بن أبي طالب حالياً.

كما أشرت أن عام ١٣٨٠هج الموافق ١٩٦١م كان هو موسم بدء التغييرات الجذرية في محافظة القطيف حين كانت بداية تلك التغييرات هي افتتاح شارع الملك عبدالعزيز والتي تزامنت مع فترة انشائه العديد من المشاريع الرئيسية الحيوية الأخرى بالإضافة إلى مشاريع صغيرة إضافية، لذلك فإني أستميحكم العذر هنا أن أستعرض لكم مضمون هذه المشاريع التي واكبت عصر افتتاح شارع الملك عبدالعزيز وسوف اتناولها بشكل موجز سريع، فبعض هذه المشاريع جاء وقت تنفيذها متزامناً تماما مع الشروع في فتح شارع الملك عبدالعزيز وبعضها عقبته بسنة أو سنتين أو أكثر ولكن كانت جميعها مرتبطة بعجلة واحدة تدير علاقة سير هذه المشاريع، ونخص بالذكر أهم ما تم تنفيذه في تلك الآونة:

أولاً: مشروع الصرف بالقطيف
في عام 1960 عندما بدأ المقاول الثابت في تنفيذ مشروع صرف القطيف الزراعي كان موضوعه حديث الساعة عند الناس عامة والمزارعين خاصة وكان هذا المشروع هو مشروع صرف فقط أما الري فلم تكن القطيف بحاجته حيث أن مياه القطيف كان بها فائض يفوق حاجتها في تلك الآونة وقد عرف هذا المشروع رسمياً وهندسياً بنظام D2 لمعالجة طفح الفطريات المعروفة محلياً بالشبى وخصوصاً بعد أن كثرت حفر العيون الإرتوازية وكذلك ليحل هذا المشروع محل نظام الري القديم المعروف بنظام الوضح والذي كانت تسير مياهه عبر جداول نهرية واسعة تعرف بالسابات، وهذا النظام له أربعة مستويات تتدرج من D1 إلى D4 وقد كان النصيب المناسب للقطيف هو D2 -كماسبق ذكره- وهنا أود أن نشير إلى أنه بسبب نجاح مشروع هذا النظام في القطيف فقد طبقت فكرته في مناطق مختلفة من المملكة فيما بعد كما هو في دومة الجندل.

لقد عرف هذا المشروع شعبياً بين الأهالي بالسد والبعض كان يسميه “السد العالي” ولهذه التسمية قصة طويلة مرتبطة بسد العالي في اسوان وقد سردتها في مقال آخر سابق بعنوان: (السد العالي: في قطيف السعودية أم في أسوان مصر؟! -بالإمكان متابعته)، وجدير بالذكر أنه كان هناك نظامي صرف وري قديمين جدا وفي غاية الدقة حيث كانا يشقا أرض محافظة القطيف من سيهات حتى صفوى وكانت تعرف بالسابات ويعرفها أهالي صفوى بالمجازات (الميازات) وبعض من أهالي القديح يعرفونها بالثبور والبعض يعرفونها بالسيبان.

هذه السابات عبارة عن جداول نهرية مصغرة ذات اتساعات كبيرة وقد تكونت من تدفقات عيون السيح الكثيرة والتي كانت تمر بين البساتين لتسقيها ثم يشق الفائض منها طريقه إلى البحر، وأما في القرى الغربية فيتجه الفائض من مياهها نحو الغرب حيث المناطق المنخفضة لتشكل مايشبه البحيرات والتي تعرف محلياً بالأخوار، وكان لكل ساب مسمى خاص به ومن أشهرها في القطيف ساب أبو خمسة وساب ابو دانق وساب ابو اكحيل وساب أبو قطنه والمغلي وابو خيسه وساب الدوبج وأمهات الحلوه والفضلي وغيرها، وأما في صفوى فأشهرها مجاز او ساب المليح والمعزاز والبحرية وام القبقب ولسرج وعمبروه ولتريشي وغيرهم، وفي سيهات الساب الكبير والساب الصغير وغيرها.

كان الهدف من ذلك المشروع هو التخلص من فضلات المياه ومن الأملاح وكذلك التخلص من الرطوبة والفطريات التي سبق ذكرها وكذلك المستنقعات التي تتشكل بسبب فيضانات تلك السابات ليتم توحيد قياسات هذه المصارف من حيث العمق والعرض وكذلك لتنظيم خط سيرها وتنظيم قوة دفعها الكبير والتخلص من فائضها في البحر بشكل سريع.

ثانياً: مشروع محطة التجارب الزراعية
ففي نوفمبر سنة 1962م حين وقعّت المملكة مع منظمة الأغذية والزراعة الدولية اتفاقية انشاء محطة تجارب زراعية في القطيف، وكان الهدف من هذا المشروع هو رفع مستوى الإنتاج الزراعي بعد أن حققت نتائج تجاربهم العلمية العديدة نجاحات مَكِّنتهم من الوصول إلى نتائج أفضل في مجالات التحسين الزراعي لعديد من أنواع المحاصيل الزراعية وكذلك لتنمية الثروة الحيوانية بحثاً عن الأصناف الأكثر جودة والأوفر إنتاجاً كما وقد تضمنت هذه التجارب دراسة التربة ومعالجتها والتعرف على أنواع الطفيليات الزراعية البيئية ومدى تأثير فعاليات المبيدات الحشرية بالإضافة إلى تحسين وسائل الري والصرف ودراسة المشاكل الزراعية وإدخال الخبرات الحديثة والتركيز على المحاصيل ذات الأهمية كالخضار والفاكهة ومن ثم القيام بالدور الإرشادي التدريبي للمزارعين والفلاحين لإتباع أفضل الوسائل وأيسرها.


في نفس العام شق المشروع طريقه في التنفيذ بعد أن تم العقد للتنفيذ مع شركة هولندية لمدة خمس سنوات، على أن تقوم المنظمة بالمساعدة الفنية وتقديم الخبراء، بينما تقوم الدولة بالمصاريف الاخرى. لقد تم اختيار موقع المحطة على أرض مساحتها ١٥٠ هكتار بين سيهات والقطيف إلى الغرب من عنك وإلى الشرق من أم الحمام، كما وتطل على نفس الشارع الذي نحن في صدد الحديث عنه وهو شارع الملك عبدالعزيز.

هذه المحطة ترتفع عن سطح البحر من 3.57م إلى 4.75م، وقد حفرت فيها ثلاثة آبار ارتوازية تتدفق مياهها دون الحاجة إلى مضخات في تلك الآونة. وتحتوى على ورشة كاملة مزودة بالمعدات الزراعية ومساكن ومكاتب للمهندسين والخبراء الزراعيين، حيث كان يعمل فيها ثمانية من المهندسين والخبراء و 134 من الموظفين والعمال وقد تسلمت الدولة ادارتها بعد مضي مدة العقد وذلك عام 1969م وظلت تحت اشرافها.

ثالثا: مشروع شارع الإمام علي بن أبي طالب

وهو الشارع الذي يبدأ من حدود سور حي الدبيبية الشمالي (عند المنتصف) ليمتد الى الشمال ماراً بين بعض أحياء القطيف كالدوبج وأسواق مياس والسطر والمدارس والجراري وباب الشمال والمدني والخنّاق والوسادة والنعامي ثم البحاري والقديح والحُرَيف والزارة والعوامية وصفوى ويمتد حتى رحيمة وراس تنوره.

ويوازي جزء منه لجزء من شارع الملك عبدالعزيز حيث يقع الى الغرب منه وعلى بعد مئتي متر تقريباً. هذا الشارع يمتد بين بساتين النخيل المتقاربة وقد كان من قبل طريق ضيق كما هو الحال بالنسبة لشارع الملك عبدالعزيز.

أثناء شق شارع الإمام علي بن أبي طالب اعترضت الطريق مرتفعات جبلية تعرف بجبل الحريف لوقوعها في قرية الحريف المندثرة وهي مرتفعات لعبت فيها عوامل الحت والتعرية دوراً كبيراً على مر السنين فشكلت منها منحوتات على هيئة حيوانات وأشكال بشرية فكانت تحاك حولها الأساطير على أنها كانت في سالف العصر والزمان قرية قد أنعم الله عليها بالخيرات ولكن أهلها جحدوا هذه النعمة ولم يشكروا عليها فمسخهم (خسفهم) الله إلى حجارة.


وبعد إزالة هذه المرتفعات ليكمل هذا الشارع مسيره نحو الشمال فقد استغلت حجارتة لإنشاء أول جسر يربط بين القطيف وجزيرة تاروت – كما سيرد الحديث عنه.

رابعاً: مشروع جسر يربط بين جزيرة تاروت والقطيف

والذي طالما انتظره أهالي تاروت خاصة وأهالي القطيف عامة بفارغ الصبر فقد أزال عقبات وانتهت أزمات وحل مشكلات مخاطرة العبور من وإلى تاروت حيث اجتياز خور أبو امغوي الخَطِر (راجع مقالي السابق: خور أبو امغوي بين الأسطورة القطيفية والحقيقة الواقعية).

لقد تم انشاء هذا الجسر متزامنا مع انشاء شارع الملك عبد العزيز في بداية ستينات قرن العشرين الماضي وإن لم يكن في نفس الوقت بالتمام وقد شكلت صخور جبل الحريف (السالف الذكر) جزءاً كبيراً من مواد انشاء هذا الجسر في دفن البحر وقد تم تكميله بصخور أخرى أزيلت من مرتفعات جبلية بقرية الملاحة عند موقع مقبرة المعلا الملاَّحية.

خامساً: مشروع شارع المحيط

والهدف منه ربط قرى القطيف الجنوبية ببعضها وبوسط القطيف وهو الشارع الذي يبدأ من نهاية شارع بدر الغربية (شارع جعفر الخطي سابقاً) والذي يكون حرف T مع شارع الإمام علي عند سور الدبيبية الشمالي فيتجه غرباً ثم جنوباً ماراً ببعض قرى القطيف والمعروفة بقرى المحيط الجنوبية بدءاً من الخويلدية (بعد حي أم الجزم) فالجارودية وأم الحمام وهو المتقاطع مع شارع زين العابدين عند مدخل الجش ثم يستمر لينتهي في الملاحة فهو يخدم أيضا الجش وعنك.

إن مشروع هذا الشارع تم عقب مشروع شارع الملك عبدالعزيز بعدة سنين فقد تم انشاءه في منتصف ستينات قرن العشرين.

سادسا: مشروع إنشاء مبنى مستشفى القطيف بالشويكة

وقد كان هناك مستشفى في القطيف يقع في الزاوية الشمالية الشرقية من قلعة القطيف جنوب برج التيل والكوت ومن قبله كان هناك مستشفى مصغر (عيادات) كان موقعه ضمن مجموعة الدوائر الحكومية شمال الدرويشية وجنوب مدخل الجمرك، ثم بعدها إنتقل إلى مبنى القفاص بحي الشريعة إلى الجنوب من شارع الخليفة عمر قبيل منتصف الستينات وذلك بشكل مؤقت لمدة سنتين تقريبا، وفي عام ١٣٨٦ الموافق عام١٩٦٧م تقريباً تم اكتمال بناء مستشفى القطيف العام بحي الشويكة والمطل على شارع الملك عبدالعزيز والذي كنا في صدد الحديث عنه وذلك من جهة الشرق، وبعدها بعام تم افتتاحه الرسمي (١٣٨٧هج) وبدأ مسيرته العلاجية واستمر هذا المقر لمستشفى القطيف حتى تأسيس مستشفى القطيف المركزي بعد أن استمر عطاءه إلى أكثر من خمسين عام.

سابعاً: مشروع تدشين الكهرباء (العالميه)

في تلك الآونة وخلال عامين أو ثلاثة أعوام بدأ ضياء الإنارة الليلية يدب في المنازل وفي هذا الشارع بالذات -أعني شارع الملك عبد العزيز- حيث بدأت شركة مقاطعة الظهران للكهرباء في توسعة نطاق مشروعها بعد أن كان مقتصراً على منطقة الظهران فانتشر في أنحاء المدن والمناطق المجاورة ولذلك أطلق عليها محلياً في البداية مسمى “الكهرباء العالمية”.

وكان قبولها في البداية على استحياء حيث كان مقتصر على بيوت ميسوري الحال كما كان الإمتناع عند البعض بسبب الخوف من خطورة الكهرباء فكان هناك تناقض بين الإقبال الشديد عند البعض والعزوف عند البعض الآخر رغم أن البعض كانوا يستعملون المولدات الكهربائية لإنارة منازلهم قبل ذلك بل وكان البعض منهم يشاهدون التلفزيون في منازلهم وفي بعض الأندية والمقاهي حيث أن تلفزيون القناة ٢ و١٣ الظهران قد بدأ بثه عام 1955م (١٣٧٤هجري) أي ان الناس كانوا يشاهدون التلفزيون قبل الكهرباء الفعلية وفي زمن تعليق الفوانيس التي تعمل بالكيروسين (راجع مقالي السابق: زمن تعليق الفوانيس)، كما وقد شاهدوا الأفلام المصرية -مثلاً- في منازلهم وفي المقاهي والأندية قبل أن يشاهد المصريون أنفسهم أفلامهم في منازلهم رغم وجود الكهرباء في منازلهم وإنما كانوا يشاهدونها في السينماء فقط وذلك بسبب تأخر تأسيس التلفزيون المصري وتأخر بثه بسبب العدوان الثلاثي حيث بدأ أول بث تلفزيوني مصري عام 1960 في21 يوليو.

لقد أَضْفَتْ هذه الإنارة وسط ذلك الشارع الجديد الذي لم يعهده الأهالي من قبل انطباعاً جديداً وغير مألوفاً لديهم بعد أن تم الإنتهاء من شق هذا الشارع في عام ١٣٨٠هجري الموافق ١٩٦١م وكذلك بعد إزالة الكثير من البيوت التي كانت على جانبي ذلك الطريق الضيق بالإضافة لإزالة بعض البساتين جنوباً حينها وبعد أن انحسرت تلك البيوت وبعض الأسواق والبساتين بدأ منظر تلك المنطقة التي تحيط بالشارع غريباً وغير مألوفاً عند جميع الأهالي فبدت وكأنها في مكان آخر وهذا ماعبر عنه بالفعل بعض أفراد المجتمع الذين كانوا خارج البلاد عند رجوعهم بعد غياب طويل في تلك الفترة وذلك لما طرأ على الطريق والمكان من تغيرات، كما وأنه في بداية الأمر بدأت تدب فيه حياة جديدة مختلفة وغريبة أيضاً وذلك بسبب حركة السيارت ذهاباً وإياباً والتي لم يعهدها سكان تلك المنطقة من قبل وكذلك شكل المحلات الحديثة نوعا ما.

لقد تغيرت ملامح المنطقة بأكملها وبدت في تلك الآونة وكأنها منطقة مختلفة عن تلك المنطقة القديمة التي قطنها الناس وتعودوا على منظرها، وأما جانبي الشارع فقد استغرق عقد من الزمن ليصبح شارع حيوي تقع على دفتيه محلات ودكاكين حديثة وكان الشارع في بدايته مقسم إلى مسارين للذهاب والإياب ويفصل بينهما رصيف في الوسط وتتخلله مواقع لأعمدة الإنارة ولكن هذه الأرصفة الوسطى أزيلت في السبعينات.

أما مسافة الجزء من الشارع الواقع بين الإشارتين والذي كان موقع الصكة (السكة) الكبيرة فقد كان نصيبه في الإتساع أوفر من الجزء الجنوبي الذي يسبقه والقادم من الكويكب والشويكة وكذلك أوسع من الشارع الذي يلي موقع السكة شمالاً بإتجاه القلعة على الجانب الشرقي وكذلك الشماسية ومايليها وعلى الجانب الغربي حيث الجراري وباب الشمال والبستان ومايليهم.

خلال عقد من الزمن بعد تلك التوسعة أخذت المباني على جانبي الشارع تستقر في أشكال بنائها وتظهر بتصاميمها الجديدة وبعد ثبوت هذا الشكل الجديد فقد أصبح مألوفاً عند المجتمع القطيفي على مدى الخمسين عاماً إلا من تغييرات طفيفة وحتى قيام موعد التوسعة الجديدة في عامنا هذا عام ١٤٤٥هج والموافق ٢٠٢٣م أي بعد مرور أكثر من ستين عاما على الإنشاء.

بين فترتي زمن الإنشاء الماضية وزمن التوسعة المزمعة هناك من عاش بينهما وعاصرهما من الأهالي ولابد أن الكل منهم في حالة تأهب لإجراء المقارنات التلقائية بين الفترتين ولابد من مرور شريط الذكريات ليجلي لهم ما كانت عليه تلك البيوت في تلك الأيام التي سبقت الإنشاء الأول لهذا الشارع،،،

ولكن برغم ماسيواجهونه من معاناة من ألم الحنين إلى ماضيهم التليد وما ستصاب به قشرة الدماغ بنستولجيا الشوق المؤلم كلما تكرر مرور شريط الذكريات على الخاطر ليذكرهم (قسرياً) بتفاصيل تلك البيوت وأهلها ومن تعاقب السكن فيها، رغم كل ذلك إلا أن فطرة الإنسان وطبيعته الفضولية تجبره أيضا لأن يكون متطلعاً بكل شوق لرؤية مستقبلية فيها يتم ميلاد أنماط هندسية مختلفة لتشييد هياكل مبان مصممة وفق مواصفات عصرية لعمارات وبيوت ومحلات تجارية مختلفة ومشاهدة مناظر جديدة لشوارع في بحبوحة من الإتساع وهي مناظر ليس لهؤلاء عهد برؤيتها من قبل ولم تألف عيونهم مشاهدتها وسيرون تلك الشوارع بأنماط مختلفة عما كانت عليه وربما زودت بخدمات حديثة تواكب العصر الحالي ولاتشبه التي كانوا يعاصرونها فالكل في ترقب لأن تنطوي هذه الأيام بأسرع وقت لرؤية نتائج مشروع هذه التوسعة رغم كل الحنين إلى ماضيهم.

 

*الأستاذ عبد الرسول الغريافي باحث في التراث ومؤرخ.

4 تعليقات

  1. احمد السويكت ابو مصطفى

    سلمت يداك اخينا واستاذنا العزيز ابو محمد على هذا المقال الرائع بأسلوب مذهل وسلس امتعتنا بهذه المعلومات القيمة وجزاك الله خيرا الجزاء وشكرا لكم

  2. فريق المقبرة وحي الخضيرة يتبعان الكويكب فماهو دليل الكاتب ومصدره؟

    • عبد الرسول الغريافي

      اولا هو متعارف عليه فهو محصورشمالا وجنوبا بين الخضيرو والمقبرة وحدوده شرقا الكويكب بشكل مباشر وثانياً ارجع الى الصكوك وثالثا جميع سكانها هم من اهالي ومن عوائل الكويكب

      • ابو عبدالله

        ربما كما قلت متعارف عليه وأما ثانيا وثالثا فالجواب غير متوقع من مثلك ؛رأيت صورة صك لمنزل احد اهالي الخضيرة مكتوب عليه الدبابية و أهل الخضيرة والفريق من الدبابية و الكويكب والشويكة ومن مياس وغيرها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *