كيف يتعلم الدماغ بالتحدث إلى نفسه؟ – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

كشف باحثون من جامعة جنيڤ UNIGE عن دور نظم التغذية الإسترجاعية feedback المشبكية في تشكيل عمليات التعلم في قشرة الدماغ – وهو إكتشاف قد يكون ذا قيمة لتطوير ذكاء إصطناعي فعال.

يمتلك البشر ، كالحيوانات الأخرى ، قدرة تعلمية هائلة تسمح بتخيل معلومات حسية جديدة لإتقان مهارات جديدة أو للتكيف مع بيئة دائمة التغير. ومع ذلك ، فإن العديد من الآليات التي تمكننا من التعلم لا تزال غير مفهومة بشكل جيد . أحد أكبر التحديات التي تواجه علوم الأعصاب في النظم هو شرح كيف تتغير الترابطات المشبكية لدعم السلوكيات التكيفية. أظهر باحثو الأعصاب في جامعة جنيف (UNIGE) ، سويسرا ، سابقاً أن آليات التعلم المشبكي في قشرة الدماغ تعتمد على التغذية الإسترجاعية feedback من مناطق الدماغ الأكثر عمقا. لقد قاموا الآن بفك شيفرة كيف تقوم هذه التغذية الإسترجاعية بالتحكم بتقوية التشابك العصبي من خلال تشغيل وإيقاف خلايا عصبية مثبطة (مكبوتة) معينة. هذه الدراسة ، التي يمكن قراءتها في مجلة نيرون Neuron ، لا تشكل فقط معلماً هاماً في فهمنا لآليات التعلم الإدراكي ، ولكنها قد تقدم أيضًا نظرة ثاقبة لنظم التعلم المحوسبة والذكاء الاصطناعي.

إن القشرة الدماغية – وهي المنطقة الخارجية والأكبر للدماغ – مهمة للوظائف المعرفية cognitive (الإدراكية) العليا والسلوكيات المعقدة والإدراك والتعلم. وعندما يصل المنبه (المثير) الحسي ، تقوم القشرة بمعالجة وتصفية (ترشيح) معلوماته قبل أن تمرر الجوانب الأكثر ملاءمة إلى مناطق الدماغ الأخرى.  بعض مناطق الدماغ هذه تقوم بدورها بإرجاع المعلومات إلى القشرة مرة أخرى. يُعتقد أن هذه الحلقات التكرارية loops ، المعروفة باسم “نظم التغذية الإسترجاعية” ، ضرورية لعمل الشبكات القشرية وتكيفها مع المعلومات الحسية الجديدة. “بالنسبة للتعلم الإدراكي – وهو  القدرة المحسنة على الإستجابة لمنبه (مثير) حسي – تحتاج الدوائر العصبية إلى تقييم أهمية المعلومات الحسية الواردة أولاً ثم تُدخل تحسينات على طريقة معالجتها في المستقبل. تؤكد نظم التغذية الإسترجاعية إلى حد ما أن تلك المشابك التي كانت مسؤولة عن نقل المعلومات إلى مناطق الدماغ الأخرى قد نقلتها بشكل صحيح “، كما يوضح أنتوني هولماتات ، برفسور في العلوم العصبية الأساسية بكلية الطب التابعة لجامعة جنيڤ ، الذي أدار هذه الدراسة.

كيف تقوم الشعيرات بإبراز نظم التغذية الإسترجاعية

الشعيرات على أنف (خطم) الفأر متخصصة في الإستشعار عن طريق اللمس وتلعب دوراً رئيسياً في قدرة الحيوان على فهم جوانب بيئته المباشرة. الجزء من القشرة الذي يعالج المعلومات الحسية من الشعيرات يقوم بشكل مستمر على تحسين نقاط الإشتباك العصبي الى أفضل مستوى من أجل تعلم جوانب جديدة عن محيط اللمس. لذلك ، فإنه يشكل نموذجًا مثيرًا للإهتمام لفهم دور نظم التغذية الإسترجاعية في آليات التعلم المشبكي synaptic.

قام باحثو UNIGE بعزل دائرة التغذية الإسترجاعية ذات الصلة بالشعيرات ، واستخدموا أقطاباً كهربائية لقياس النشاط الكهربائي للخلايا العصبية في القشرة. ثم قاموا بمحاكاة المدخلات الحسية من خلال تحفيز جزء معين من القشرة معروف بمعالجة هذه المعلومات ، وفي نفس الوقت استخدموا  الضوء للتحكم في دائرة التغذية الإسترجاعية. “سمح لنا نموذج خارج الجسم الحي  ex vivo  بالتحكم في التغذية الإسترجاعية بشكل مستقل عن المدخلات الحسية ، وهو أمر مستحيل القيام به في داخل  الجسم الحي in vivo. ومع ذلك ، كان فصل المدخلات الحسية عن التغذية الإسترجاعية أمرًا ضروريًا لفهم كيف يؤدي التفاعل (التأثير المتبادل) بين الاثنين إلى قوة  المشابك synaptic strengthening” (للتعرف على طريقة قياس قوة المشابك العصبية راجع ١) كما يضيف هولتمات Holtmaat.

الخلايا العصبية المثبطة (المكبوتة) تتحكم في المعلومات

وجد الفريق أن كلا المكونين ، عندما يتم تشغيلهما بشكل منفصل ، يقومان بتنشيط مجموعة واسعة من الخلايا العصبية. ومع ذلك ، فعندما يُنشطا بالتزامن ، تقلل بعض الخلايا العصبية من نشاطها. “من المثير للاهتمام ، الخلايا العصبية التي تم تثبيطها عندما تحدث المدخلات الحسية والتغذية الإسترجاعية معاً تُكبت عادة الخلايا العصبية التي تعتبر مهمة للإدراك ، وهذا ما يُعرف بتثبيط التثبيط inhibition أو ازالةالتثبيط” ، تشرح لينا ويليامز من كلية الطب في UNIGE ، المؤلفة الأولى للدراسة. “وهكذا ، تعمل هذه العصبونات كبوابة تحكم للمعلومات الواردة ، والتي عادة ما تكون مغلقة. ولكن عندما تأتي التغذية الإسترجاعية، يتم فتح البوابة ، مما يسمح للمشابك التي تعتني بالمعلومات الحسية الأولية بزيادة قوتها. بهذه الدراسة ، حددنا كيف يمكن للتغذية الإسترجاعية أن تحسّن الإرتباطات المشبكية إلى المستوى الأفضل لتحضير المعلومات القادمة بشكل أفضل.

والآن بعد أن تعرفوا بدقة على أي العصبونات منخرطة في هذه الآلية ، سيختبر هؤلاء الباحثون نتائجهم في “الحياة الواقعية” للتحقق مما إذا كانت الخلايا العصبية المثبطة ستتصرف كما هو متوقع عندما يحتاج الفأر لتعلم معلومات حسية جديدة أو عندما يكتشف جوانب جديدة في بيئته  اللمسية.

التعلم العميق: محاكاة الذكاء الطبيعي

كيف تعمل دارات الدماغ على تحسين نفسها الى المستوى الأفضل؟ كيف يمكن لمنظومة من تعليم نفسها عن طريق قراءة نشاطها الخاص بها ؟ وبصرف النظر عن كونه ذا صلة بالتعلم في الحيوانات ، فإن هذا السؤال هو أيضا في صميم برامج التعلم الآلي. في الواقع ، يحاول بعض أخصائيي التعلم العميق محاكاة دارات circuits الدماغ لبناء أنظمة ذكية إصطناعياً. قد تكون الرؤى مثل التي يقدمها فريق جامعة جنيڤ UNIGE ذات صلة بالتعلم غير الخاضع للإشراف ، وهو فرع من التعلم الآلي الذي يشغل نفسه بنماذج دارات قادرة على تنظيم ذاتها وتحسين معالجة المعلومات الجديدة. وهذا أمر مهم لصنع برامج فعالة للتعرف على  الصوت أو التعرف على الوجه ، على سبيل المثال.

مصدر من خارج النص:

١-https://www.quora.com/How-is-synaptic-strength-defined

المصدر الرئيسي:

How does the Brain Learn by Talking to Itself?
January 2, 2019
https://www.unige.ch/communication/communiques/en/2018/le-cerveau-apprend-en-se-parlant-a-lui-meme/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *