عند قراءة العنوان للوهلة الأولى قد نشعر بالتعجب والذهول!!
فكلنا نعلم بلا شك بأن التوتر والضغوطات هي من العوامل المهددة لصحة الإنسان ووسيلة سريعة للوقوع في شباك الأمراض وسبب من أسباب تهيج آلام الجسم ليست الظاهرة وحسب وإنما حتى الخاملة منها.
فالتوتر والألم وجهان لعملة واحدة، فكلما زادت وتيرة التوتر زاد عندها مستوى الألم وكلما زادت نوبات الألم المزمنة زاد معها التوتر تباعاً.
وهذا ما تحدث عنه دكتور بريان ديستيلبيرج، مدير معهد الصحة السلوكية في جامعة لوما ليندا الأمريكية “إن الألم والتوتر مترابطان فعندما يعاني الشخص من ألم ما، يبدأ الجسم بافراز هرمونات القلق والتوتر لإدارة الإجهاد الناتج من الألم ولكن عندما يستمر الألم المزمن لفترة طويلة فإن الجسم يستمر في إفراز هذه الهرمونات التي تصبح سامة وضارة عند استمرارها”.
ونتيجة لذلك فإن التوتر لا يعتبر شيئاً غير ملموس وإنما هو عبارة عن هرمونات كيميائية قد تسبب ضرر على الجسم عند الاستغراق فيه وعدم اتباع استراتيجيات مناسبة لإدارة الضغوطات والتوتر والقلق.
ولا خلاف في كل ماقلناه، ولكن بدأت الأمور العلمية تأخذ منحنى أخر قليلاً، بينما نتائجها قد تفاجأنا كثيراً !!
فقد أشارت إحدى الأبحاث العلمية الحديثة والتي تم نشرها في مجلة (Psychiatry Research) بأن تعرض الفرد إلى المستويات المنخفضة إلى المتوسطة من التوتر في خلال فترات متباعدة، من شأنه أن يساعد على تطوير المرونة العصبية في الدماغ للتعامل مع المواقف والأحداث المستقبلية التي قد يواجهها الإنسان فتكسبه نوع من المناعة ضد الضغوطات والتوتر وتكسبه مهارة التعامل مع المواقف المجهدة التي قد يواجهها في أي وقت.
كما أنها تساعد على تقليل خطر الإصابة بالأمراض العقلية والذهنية مثل الاكتئاب والسلوكيات المجتمعية العدائية الغير مبررة.
فإن القليل من التوتر هو بمثابة لقاح فعال ومطلوب ضد الأزمات المستقبلية. ونتيجة لذلك فإن القليل من التوتر قد يكون نافعاً للصحة العقلية ولكن كثيره ضار على المستوى الذهني والجسدي.
فسنرى في خضم الحياة بعض الأشخاص الذين لديهم مهارة مواجهة الضغوطات، وهذا كله قد يكون نتاج لخبرات سابقة من مواجهة التوتر فأصبحت لديهم شخصية صلبة ومتزنة، وكل هذا لم يأتي من فراغ.
فتفسيره العلمي بأن المرونة العصبية تطورت بكفاءة لديهم في الدماغ وأصبح هناك تكيف في المقدرة العصبية للتعامل مع المواقف المجهدة والسيطرة على هرمونات التوتر والاجهاد.
فهل خطر لك أن تتساءل يوماً ما، كم مرة تعرضت لمواقف ضاغطة ولكن كيف “اختلف” طريقة تعاطيك معها في كل مرة وما هو تفسير هذا الاختلاف من وجهة نظر علمية ؟!
فما كنا نظن بأنه ضاراً في مجمله قد أُكتشف بأن قليله بمثابة الدواء، ولازال العلم حائراً في هذا السر الذي استودعه الله تعالى فينا ألا وهو الدماغ، حائراً في ألياته وتفاعلاته وأسراره.
ولكن علينا التفكر والتنبه بأن هناك خط رفيع جداً يفصل مابين التوتر النافع والمستوى الضار فلا بد من الانتباه حتى لا نقع في شباكه ومهما مرت على الانسان من أمور متقلبه إلا أن دواءه هو حسن الظن بالله.
وهذا ما أجاد وصفه أمير البلغاء الإمام علي إبن أبي طالب ع في رائعته الشعرية:
رَضيتُ بِما قَسَّمَ اللَهُ لِي وَفَوَّضتُ أَمري إِلى خالِقي
كَما أَحسَن اللهُ فيما مَضى كَذَلَكَ يُحسنُ فيما بَقي
ودمتم بصحة وعافية مليئة بالأمل وبعيدة عن التوتر والألم ..
* أخصائي أول عظام علاج طبيعي