أصول الألم (بقلم إيكاترينا بيشيڤا) – ترجمة عدنان أحمد الحاجي

أصول الألم – باحثون تعرفوا على المسار الذي وراء الألم المتواصل بعد الإصابة مباشرة 

تعرف باحثون على مسار تشوير signalling عصبي وراء الألم العميق والمتواصل الذي بدأ في أعقاب إصابة مباشرة .

تضع الطفلة يدها على موقد ساخن وتسحبها بسرعة. للأسف ، فات الأوان – إصبع الطفلة يعاني من حروق طفيفة. لتخفيف الألم ، تضع الطفلة الإصبع المحترق في فمها.

إن سحب اليد لتجنب الإصابة وتخفيف ألم تلك الإصابة هما إستجابتان تطوريتان متميزتان ، لكن جذورهما الجزيئية ومسارات تشوريهما signalling إستعصت على العلماء حتى الآن.

والآن ، فإن الأبحاث التي يقودها الباحثون في كلية الطب في جامعة هارفرد ، التي نشرت في العاشر من ديسمبر ٢٠١٨ في مجلة نتشر  Nature ، تعرفت على مسار التشويرات signalling العصبية التي خلف الألم العميق والمتواصل الذي يحدث في أعقاب إصابة مباشرة. كما سلطت النتائج الضوء على المسارات المختلفة التي تدفع بالإنسحاب الإنعكاسي لتجنب الإصابة والردود المتأخرة للتغلب على الألم.

وقد فصّلت الدراسة الملاحظات الآكلينيكية للمرضى الذين يعانون من أضرار عصبية جنبا إلى جنب مع الأبحاث السابقة مناطق الدماغ المتميزة التي تفرق بين الإنسحاب الإنعكاسي من وخز الجلد ، على سبيل المثال ، والألم الطويل الأمد الناجم عن إصابة أنسجة تسببت فيها وخزة دبوس pinprick.

ومع ذلك ، فإن الدراسة الجديدة هي أول من فصل في كيف ظهرت هذه الإستجابات خارج الدماغ.

هذه النتائج المستندة إلى تجارب على الفئران ، تشكك في صحة الطرق التجريبية الحالية لتقييم فعالية مركّبات تخفيف الألم المقترحة. تعتمد معظم الطرق الحالية على قياس الإستجابة الأولية الإنعكاسية التي تفي بغرض تجنب إصابة الأنسجة ، بدلاً من قياس الألم المستمر الناتج عن تلف الأنسجة الفعلي، حسبما قال الباحثون. ونتيجة لذلك ، كما يقولون ، يمكن أن ترفض بعض المركبات الدوائية التي قد تكون ناجحة في تلطيف الألم المتواصل – يعني الإحساس الدائم بالألم الذي يعقب الإصابة مباشرة – على أنها غير فعالة لأنها قُيّمت مقابل النتيجة الخاطئة.

“لقد خلقت أزمة الأفيون (١) المستمرة حاجة شديدة وملحة لتطوير علاجات جديدة للألم ، وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن إتباع نهج أكثر تخصيصًا لتقييم إستجابة الألم سيكون التركيز على الإستجابة المتواصلة للألم بدلاً من الإنسحاب الوقائي الإنعكاسي”. كما قال برفسور كيوفو ما Qiufu Ma، أستاذ علم الأعصاب في معهد بلافاتنيك Blavatnik في كلية الطب بجامعة هارفارد وباحث في معهد دانا فاربر Qiufu Ma للسرطان.

وأضاف كيوفو “كل هذه السنوات ، ربما كان الباحثون يقومون بقياس الإستجابة الخاطئة”. “في الواقع ، يمكن أن تفسر نتائجنا ، جزئيًا على الأقل ، الإنتقال الضعيف للعلاجات المرشحة من الدراسات قبل الإكلينيكية إلى علاجات ألم فعالة”.

يشير البحث السابق الذي قام به كيوفو ما وزملاؤه ، بالإضافة إلى آخرين ، إلى وجود مجموعتين من الخلايا العصبية الطرفية – الخلايا العصبية المتموضعة خارج الدماغ والحبل الشوكي. مجموعة واحدة من الخلايا العصبية الطرفية ترسل وتستقبل إشارات حصرية من وإلى الطبقات الظاهرية للجلد. وكخط دفاع أول ضد التهديدات الخارجية ، فإن هذه الخلايا العصبية الطرفية موجهة نحو منع الإصابة عن طريق إثارة الإنسحاب الإنعكاسي – تخيل أنك تسحب يدك بعد وخزة دبوس أو لتفادي رأس لهب حار . هناك مجموعة أخرى من الخلايا العصبية منتشرة في جميع أنحاء الجسم ، ويعتقد أنها وراء الألم المتواصل الذي يحدث بعد الإصابة الأولية ، وتحث على سلوكيات مغالبة للألم مثل الضغط على إصبع مضروب أو لعق جرح في الجلد لتخفيف المنطقة المتضررة.

ومع ذلك فإن وجود هذه العصبونات لا يمكن أن يفسر تماماً كيف تنتقل إشارة الألم في جميع أنحاء الجسم وإلى الدماغ. لذا ، إقترح كيفو ما وزملاؤه وجود لاعب مهم آخر في هذا التتابع.

ركز الفريق على مجموعة من الخلايا العصبية المسماة Tac1 المنبثقة عن القرن الظهراني dorsal horn ، وهي عبارة عن مجموعة من الأعصاب تقع في الطرف الأسفل من الحبل الشوكي والتي تنقل (تبث) الإشارات بين الدماغ وبقية الجسم. ظلت الوظيفة الدقيقة لـ Tac1 غير مفهومة بشكل جيد ، لذا أراد كيفو ما وزملاؤه معرفة ما إذا كانت هذه العصبونات تشارك في الإحساس بالألم المتواصل وكيف.

في سلسلة من التجارب ، قام الفريق بتقييم إستجابة الألم في مجموعتين من الفئران – واحدة بعصبونات Tac1 سليمة وأخرى  بعصبونات Tac1 معطلة كيميائيا.

كان للفئران التي فيهاعصبونات Tac1 معطلة إستجابات سحب إنعكاسية طبيعية عندما تعرضت لمثيرات مؤلمة. لم تظهر أي إختلافات ملحوظة في إنسحابها من وخز دبوس أو التعرض للحرارة والبرودة. ومع ذلك، عندما قام الباحثون بحقن الحيوانات بزيت الخردل الذي يسبب حرقة ، لم يمارس الفئران لعق مخالبها المعتادة التي تقوم بها الحيوانات بعد الإصابة مباشرة. على النقيض من ذلك ، قامت الفئران التي فيه عصبونات Tac1 سليمة بلعق مخالبها بشكل عنيف ولفترة طويلة لتخفيف الألم.

وبالمثل ، لم تظهر الفئران التي فيها عصبونات Tac1 معطلة أي إستجابات لمغالبة الألم عندما تم الضغط على مخالبها الخلفية بشكل موجع – وهو الأمر الذي يحث على الألم المتواصل في البشر. هذه الحيوانات لم تُمارس أي لعق مخالب نتيجة للضغطة.  مثل فقدان الحساسية هذا تجاه نوع معين من الألم يحاكي فقدان الإحساس المشاهد لدى الناس المصابين بسكتات دماغية أو أورام في منطقة معينة من مركز معالجة الألم في الدماغ – المهاد – التي تجعلهم غير قادرين على الإحساس بالألم المتواصل.

تؤكد هذه الملاحظات أن عصبونات Tac1 مهمة جداً بالنسبة لسلوكيات التغلب على الألم الناجمة عن تهيج متواصل أو إصابة  ولكنها لا تلعب أي دور في الإستجابة الإنعكاسية الدفاعية ضد التهديدات الخارجية.

بعد ذلك ، أراد الباحثون معرفة ما إذا كانت عصبونات Tac1 تتشارك في رابط مشترك مع فئة أخرى من العصبونات ، تسمى Trpv1 ، موجودة في جميع أنحاء الجسم ومعروفة بالفعل بإثارة الإحساس بالألم المستمر الناجم عن الإصابة. الفئران التي لها عصبونات  Tac1 عاملة ولكن عصبونات Trpv1 غير  عاملة  كانت إستجابتها إلى الألم، الناجم عن الضغط الموجع، ضعيفة، مظهرة الحد الأدنى من لعق المخالب. وتشير النتائج إلى أن عصبونات Trvp1 المستشعرة للألم ترتبط بعصبونات Tac1 في القرن الظهراني للحبل الشوكي لبث إشاراتها.

“نعتقد أن عصبونات Tac1 هب بمثابة محطة ترحيل ترسل إشارات الألم من الأنسجة ، من خلال ألياف Trpv1 العصبية وصولاً  إلى الدماغ” ، كما قال كيفو ما.

تؤكد نتائج الدراسة مجتمعةً وجود خطين دفاعيين للإستجابة للإصابة ، يتم التحكم في كل منهما بمسارات تشويرات signaling عصبية منفصلة. إن السحب الإنعكاسي السريع هو خط الدفاع الأول للطبيعة ، وهي محاولة هروب مصممة لتجنب الإصابة. وعلى النقيض من ذلك ، تساعد الإستجابة الثانوية للألم على الحد من المعاناة وعلى تجنب تلف الأنسجة على نطاق واسع كنتيجة للإصابة.

“نحن نعتقد أنها آلية تطورية حُفظت في العديد من الأنواع لزيادة البقاء على قيد الحياة الى الحد الأقصى” ، كما قال كيفو ما.

مصدر من خارج النص:

١-https://ar.m.wikipedia.org/wiki/وباء_الأفيون

المصدر:

Origins of Pain
Researchers identify pathway that drives sustained pain following injury
By EKATERINA PESHEVA December 12, 2018
https://hms.harvard.edu/news/origins-pain?utm_source=Silverpop&utm_medium=email&utm_term=field_news_item_2&utm_content=HMNews12172018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *